بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
قال المسعودي (مروج الذهب ومعادن الجوهر: 2/603- 604- تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد – دار الكتاب اللبناني / مكتبة المدرسة - ط 1 – 1402هـ/1982م)، في "ذكر خلافة المعتضد":
"وكان أبو خليفة [الفضل بن الحباب الجمحي. ت: 305هـ] لا يتكلف الإعراب، بل قد صار له كالطبع، لدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته، وكان ذا محل من الإسناد. وله أخبار ونوادر حسان قد دونت.
منها: أن بعض عمال الخراج بالبصرة كان مصروفا عن عمله، وأبو خليفة مصروفا عن قضائه، فبعث العامل إلى أبي خليفة: "أن مبرمان النحوي صاحب أبي العباس المبرد قد زارني في هذا اليوم إلى بعض الأنهار والبساتين، فأتوه مبكرين مع من حضرنا من أصحابنا، وسألوه الحضور معهم [كذا]، فجلسوا في سمارية متفكهين قد غيروا ظواهر زيهم، حتى أتوا نهرا من أنهار البصرة واستحسنوا بعض البساتين؛ فقدموا إليه وخرجوا إلى الشط وجلسوا تحت النخل على شط النهر، وقدم إليهم ما حمل معهم من الطعام وكان أيام المبادي، وهي الأيام التي يثمر فيها الرطب فيكبسونه في القواصر تمرا، وتكون حينئذ البساتين مشحونة بالرجال من من يعمل في التمر من الأَكَرَة، وهم الزراع وغيرهم.
فلما أكلوا قال بعضهم لأبي خليفة - غيرَ مُكَنٍّ له خوفا أن يعرفه من حضر من من ذكرنا من الأَكَرَةِ والعمال في النخل -:
"أخبرني - أطال الله بقاءك - عن قول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارا" هذه الواو ما موقعها من الإعراب؟"
قال أبو خليفة: "موقعها رفع، وقوله: "قوا" هو أمر للجماعة من الرجال".
قال له: "كيف تقول للواحد من الرجال والاثنين؟"
قال: يقال للواحد من الرجال: "قِ"، وللاثنين: "قِيَا"، وللجماعة: "قُوا".
قال: "كيف تقول للواحدة من النساء وللاثنتين منهن وللجماعة منهن؟".
قال أبو خليفة: "يقال للواحدة: "قِي"، وللاثنتين: "قِيَا"، وللجماعة: "قِينَ".
قال: "فأسألك أن تعجل بالعجلة كيف يقال للواحد من الرجال وللاثنين وللجماعة والواحدة من النساء والاثنتين منهن والجماعه منهن؟".
قال أبو خليفة عجلان: "قِ قِيَا قُوا قِي قِيَا قِينَ".
وكان بالقرب منهم جماعة من الأَكَرَةِ، فلما سمعوا ذلك استعظموه، وقالوا:
"يا زنادقة! أنتم تقرؤون القرآن بحروف الدجاج!".
وعدوا عليهم فصفعوهم؛ فما تخلص أبو خليفة والقوم الذين كانوا معه من أيديهم إلا بعد كد طويل".
وقال السيوطي في "بغية الوعاة" في ترجمة أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت: 248 أو 250 أو 254 أو 255هـ، عن نحو 90 سنة):
"ودخل بغداد، فسئل عن قوله تعالى: "قوا أَنفسكم"، ما يقال منه للواحد؟
فقال: "قِ".
فقال: "فالاثنين؟".
فقال: "قِيَا".
قال: "فالجمع؟".
قال: "قُوا".
قال: "فاجمع لي الثلاثة".
قال: "قِ، قِيَا، قُوا".
قال: "وفي ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد: "احتفظ بثيابي حتى أجيء". ومضى إلى صاحب الشرطة، وقال: "إني ظفرت بقوم زنادقة يقرؤون القرآن على صياح الديك".
فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشرطة؛ فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشرطة، فسألنا؛ فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر، وقد اجتمع خلق من خلق الله، ينظرون ما يكون، فعنفني وعذلني، وقال:
"مثلك يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا!"
وعمد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة، وقال: "لا تعودوا إلى مثل هذا".
فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعا، ولم يقم ببغداد، ولم يأخذ عنه أهلها".
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
قال المسعودي (مروج الذهب ومعادن الجوهر: 2/603- 604- تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد – دار الكتاب اللبناني / مكتبة المدرسة - ط 1 – 1402هـ/1982م)، في "ذكر خلافة المعتضد":
"وكان أبو خليفة [الفضل بن الحباب الجمحي. ت: 305هـ] لا يتكلف الإعراب، بل قد صار له كالطبع، لدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته، وكان ذا محل من الإسناد. وله أخبار ونوادر حسان قد دونت.
منها: أن بعض عمال الخراج بالبصرة كان مصروفا عن عمله، وأبو خليفة مصروفا عن قضائه، فبعث العامل إلى أبي خليفة: "أن مبرمان النحوي صاحب أبي العباس المبرد قد زارني في هذا اليوم إلى بعض الأنهار والبساتين، فأتوه مبكرين مع من حضرنا من أصحابنا، وسألوه الحضور معهم [كذا]، فجلسوا في سمارية متفكهين قد غيروا ظواهر زيهم، حتى أتوا نهرا من أنهار البصرة واستحسنوا بعض البساتين؛ فقدموا إليه وخرجوا إلى الشط وجلسوا تحت النخل على شط النهر، وقدم إليهم ما حمل معهم من الطعام وكان أيام المبادي، وهي الأيام التي يثمر فيها الرطب فيكبسونه في القواصر تمرا، وتكون حينئذ البساتين مشحونة بالرجال من من يعمل في التمر من الأَكَرَة، وهم الزراع وغيرهم.
فلما أكلوا قال بعضهم لأبي خليفة - غيرَ مُكَنٍّ له خوفا أن يعرفه من حضر من من ذكرنا من الأَكَرَةِ والعمال في النخل -:
"أخبرني - أطال الله بقاءك - عن قول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارا" هذه الواو ما موقعها من الإعراب؟"
قال أبو خليفة: "موقعها رفع، وقوله: "قوا" هو أمر للجماعة من الرجال".
قال له: "كيف تقول للواحد من الرجال والاثنين؟"
قال: يقال للواحد من الرجال: "قِ"، وللاثنين: "قِيَا"، وللجماعة: "قُوا".
قال: "كيف تقول للواحدة من النساء وللاثنتين منهن وللجماعة منهن؟".
قال أبو خليفة: "يقال للواحدة: "قِي"، وللاثنتين: "قِيَا"، وللجماعة: "قِينَ".
قال: "فأسألك أن تعجل بالعجلة كيف يقال للواحد من الرجال وللاثنين وللجماعة والواحدة من النساء والاثنتين منهن والجماعه منهن؟".
قال أبو خليفة عجلان: "قِ قِيَا قُوا قِي قِيَا قِينَ".
وكان بالقرب منهم جماعة من الأَكَرَةِ، فلما سمعوا ذلك استعظموه، وقالوا:
"يا زنادقة! أنتم تقرؤون القرآن بحروف الدجاج!".
وعدوا عليهم فصفعوهم؛ فما تخلص أبو خليفة والقوم الذين كانوا معه من أيديهم إلا بعد كد طويل".
وقال السيوطي في "بغية الوعاة" في ترجمة أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت: 248 أو 250 أو 254 أو 255هـ، عن نحو 90 سنة):
"ودخل بغداد، فسئل عن قوله تعالى: "قوا أَنفسكم"، ما يقال منه للواحد؟
فقال: "قِ".
فقال: "فالاثنين؟".
فقال: "قِيَا".
قال: "فالجمع؟".
قال: "قُوا".
قال: "فاجمع لي الثلاثة".
قال: "قِ، قِيَا، قُوا".
قال: "وفي ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد: "احتفظ بثيابي حتى أجيء". ومضى إلى صاحب الشرطة، وقال: "إني ظفرت بقوم زنادقة يقرؤون القرآن على صياح الديك".
فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشرطة؛ فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشرطة، فسألنا؛ فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر، وقد اجتمع خلق من خلق الله، ينظرون ما يكون، فعنفني وعذلني، وقال:
"مثلك يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا!"
وعمد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة، وقال: "لا تعودوا إلى مثل هذا".
فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعا، ولم يقم ببغداد، ولم يأخذ عنه أهلها".