عزام عز الدين
New member
- إنضم
- 22/02/2006
- المشاركات
- 65
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
قراءة أخرى لنظرية الزبد
د.أحمد خيري العمري..
{فأما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} الرعد/ 17
هناك قراءة سائدة و منتشرة لهذه الآية الكريمة حاليا، يسميها البعض "نظرية الزبد" و هي نظرية تكاد أن تتحول إلى عقيدة جبر معاصرة، إذ إنها تروج- دون اتهام أصحابها أنهم يتعمدون ذلك- للاستسلام للوقائع والأحداث والمتغيرات، و هذه العقيدة تتنكر خلف النص القرآني، لترسخ فكرة أن كل شيء مخالف للمشروع الإلهي ، سيذوب ويختفي ويذهب مع الزبد– أما ما ينفع الناس (أي إنه موافق للمشروع الإلهي)، فهو سيمكث في الأرض ..و نحن مطمئنين إلى النتيجتين طبعا لكن المشكلة في هذه القراءة أنها توحي أن ذلك يحدث" بشكل تلقائي" ..دون تدخل من احد ..و هذا يرسخ حتما فكرة "إن لا داعي لعمل أي شيء"، لا داعي حتى للقلق أحيانا، نظرية الزبد كفيلة بكل شيء.. وما علينا سوى أن ننتظر.. حتى لو لم نرَ أي تغيير ضمن حياتنا.. لا بأس.. نظرية الزبد تحتاج بعض الوقت..
* * *
يستوي أمام نظرية الزبد كل أنواع التحديات المخالفة للمشروع الإلهي : الأيدلوجيات و الأفكار الحديثة و أنماط الحياة كما الجيوش و القوة العسكرية و نتائجها ، كل" الباطل" بالنسبة لهم خاضع لنظرية انه سيذهب تلقائيا..
إذا قلنا مثلا إن الحروب الظالمة تصبغ وجه العالم ، و ان الملايين يشردون كل عام ، و ان "الرق الجديد" يضم شعوبا كاملة بدأت تفقد حريتها دون ان تدري ذلك ، قالوا لا داعي للقلق، هذا كله مجرد زبد سيزول بينما يسير التاريخ الى الامام ، و اذا قلنا لهم إن الفساد الخلقي بدأ يتسلل ليدمر بنية الأسرة و المجتمع سواء اعترفنا بذلك أو أنكرناه و إذا ذكرناهم أن تيارات التجديد الديني المزعوم صارت تستخدم النص الديني من اجل إلغاء النص و قتل مقاصده.. ، و أن وسائل الإعلام بمخالبها الأخطبوطية صارت تقوم بعملية إعادة تشكيل العقول بحيث تنتج تسطيحا للعقل و تتفيها للفكر وتحويلا للإنسان إلى" إنسان ذي بعد واحد"..
رغم كل ذلك سيقولون: لا بأس، كل ذلك زبد.. كل ذلك سيزول.. كما يذهب الزبد، لا داعي للقلق، فقط اتركوا السيل يأخذ مجراه..
وكل ما نراه هو أن الزبد يربو أكثر وأكثر، ويتكاثر، مثل دغل شيطاني يمنع نمو أي نبات مثمر.. ويقول أصحابنا، و على وجوههم ابتسامة الواثق من النصر، لا شيء يهم، إنه فقط زبد..
مشكلة هذه الرؤية إنها تعتبر أن "المشروع الإلهي" هو مشروع يقصي الإنسان من الفعل ومن البناء – وإن الأحداث تسير لوحدها، دون أن يكون في إمكان الإنسان – المكلف أصلاً بالبناء والاستخلاف – أي شيء سوى مراقبة ما يدور، والتنظير له باعتبار الزبد وذهابه.. إلخ.
والحق أن المشروع الإلهي في أصله قائم على استخلاف الإنسان واستخلاف إرادته الحرة على هذه الأرض – والإنسان الذي سيحترف انتظار أن يذهب الزبد لن يكون جزءاً من هذا المشروع..بل إنه، سيكون برؤيته هذه، وربما بحسن نية، ودون قصد، جزءاً من مشروع آخر، ما دام يعوق التفاعل الإنساني، ويحوله إلى محض انتظار سلبي..
***************
ولأن هذه الرؤية تتمترس خلف نص قرآني مقدس، نؤمن نحن أن الباطل لا يأتيه من أمامه أو من خلفه، فإننا نؤمن أيضاً أن القراءة الإنسانية للنص المقدس، هي قراءة يمكن أن يأتيها الباطل من مختلف الاتجاهات، وإذا كانت قراءة النص تؤدي إلى اتخاذ موقف السلب والانتظار – مخالفة موقع "الفعل الإنساني" الذي هو أصل التكليف بالاستخلاف – فإنها لا يمكن إلا أن تعتبر "قراءة مجانبة للصواب" كائناً من كان مطلقها ودون الدخول في حسن أو سوء نيته..
إنها قراءة "تبريرية" في أحسن الأحوال.. تبرر العجز والكسل وحالة اللا فعل..تبرر أن الزبد هو الرابي، وهو المهيمن، وهو الذي يكاد يغرقنا ويكسحنا..وتقول لنا، لا داعي للقلق.. إنه سيذهب جفاء..، بينما يقولون لك ذلك، فإن الآية الكريمة بريئة تماماً من ذلك..فلآية تقول طبعا ان الزبد يذهب جفاءا ، لكنها لا تقول ابدا ان ذلك يجب ان يمنعنا من الفعل و العمل بحجة "رجاء" ذهابه ، ذلك ان الجزء المتمم للأية الذي لا يمكن ابدا ان نفهم الصورة كاملة الا به ، هو ان ما ينفع الناس يمكث في الارض ، و هذا يعني ، بوضوح ، انه يمكث في باطنها ، و ان الناس لن ينتفعوا به الا اذا استخرجوا منها : اي اذا امتلكوا الوعي و الارادة و الفعل اللازم للتدخل..و هكذا فأن الزبد قد يذهب ، بعد ان يكون قد علا ، لكن زبدا آخرا سيأتي ، و يأتي ..و يظل يأتي ، ما لم يحدث تدخل يخرج ما ينفع الناس من مكوثه في باطن الارض..
و الذي يحدث الان ، ان "الباطل " لم يعل فحسب ، بل ان هناك تدخل واضح لاستبقاء الزبد و جعله هو الرابي دائما و هو المهيمن..اي ان اهل الحق لا يتدخلون بأعتبار ان الزبد سيذهب جفاءا ، اما اهل الباطل فهم يعملون على ابقائه في القمة..و هذا يفسر تزايد الزبد و علوه طبعا..
* * *
أكثر من هذا أن الآية الكريمة نفسها توضح أهمية الفعل الإنساني في إذهاب الزبد و إزالته فما تشير إليه الآية " و مما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" فلفظة "مما يوقدون عليه" تشير إلى وجود "فاعل" هو الإنسان الذي سيوقد من اجل تنقية المعادن – من الحديد أو النحاس أو الذهب و الفضة، ابتغاء الحلية أو المتاع كما توضح الآية- و كلها يعلوها "زبد" لن يذهب إلا بالفعل الإنساني الملتحم بالمشروع الإلهي و أوامره..
مفهوم الآية إذن، هو العكس والضد التام مما يرونه فيها، الآية تقول إن الباطل يعلو (يربو) – ولو لفترة من الزمن، ويعني ذلك، أن عليك أن تتصدى، لكي تفهم الآخرين أن ليس كل ما يعلو التيار هو صحيح – ذلك أن السيل سيأتي بزبد آخر، وآخر، وآخر، كلهم سيكون (رابياً) – كذلك فإن الكثيرين سينخدعون به..
أما (الحق) – (ما ينفع الناس) فهو يحتاج أيضاً إلى فعل وتدخل، لأنه غالباً ما يكون يحتاج إلى إظهار، في باطن الأرض.. يحتاج إلى استخراج وتنقيب وتمحيص وعمليات تنقية..
وفي الحالتين، فإن المؤمنين بنظرية الزبد، ممن يقولون أن لا داعي للقلق، سيجدون أنفسهم وقد جرفهم السيل، قد يعتري بعضهم بعض القلق، لكنهم سيتهامسون أن لا شيء يهم، إنه فقط الزبد..
بينما الآية الكريمة تقول لنا ، في الحقيقة ، أن نعمل على إذهاب الزبد..كي لا نذهب نحن كزبد..
د.أحمد خيري العمري..
{فأما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} الرعد/ 17
هناك قراءة سائدة و منتشرة لهذه الآية الكريمة حاليا، يسميها البعض "نظرية الزبد" و هي نظرية تكاد أن تتحول إلى عقيدة جبر معاصرة، إذ إنها تروج- دون اتهام أصحابها أنهم يتعمدون ذلك- للاستسلام للوقائع والأحداث والمتغيرات، و هذه العقيدة تتنكر خلف النص القرآني، لترسخ فكرة أن كل شيء مخالف للمشروع الإلهي ، سيذوب ويختفي ويذهب مع الزبد– أما ما ينفع الناس (أي إنه موافق للمشروع الإلهي)، فهو سيمكث في الأرض ..و نحن مطمئنين إلى النتيجتين طبعا لكن المشكلة في هذه القراءة أنها توحي أن ذلك يحدث" بشكل تلقائي" ..دون تدخل من احد ..و هذا يرسخ حتما فكرة "إن لا داعي لعمل أي شيء"، لا داعي حتى للقلق أحيانا، نظرية الزبد كفيلة بكل شيء.. وما علينا سوى أن ننتظر.. حتى لو لم نرَ أي تغيير ضمن حياتنا.. لا بأس.. نظرية الزبد تحتاج بعض الوقت..
* * *
يستوي أمام نظرية الزبد كل أنواع التحديات المخالفة للمشروع الإلهي : الأيدلوجيات و الأفكار الحديثة و أنماط الحياة كما الجيوش و القوة العسكرية و نتائجها ، كل" الباطل" بالنسبة لهم خاضع لنظرية انه سيذهب تلقائيا..
إذا قلنا مثلا إن الحروب الظالمة تصبغ وجه العالم ، و ان الملايين يشردون كل عام ، و ان "الرق الجديد" يضم شعوبا كاملة بدأت تفقد حريتها دون ان تدري ذلك ، قالوا لا داعي للقلق، هذا كله مجرد زبد سيزول بينما يسير التاريخ الى الامام ، و اذا قلنا لهم إن الفساد الخلقي بدأ يتسلل ليدمر بنية الأسرة و المجتمع سواء اعترفنا بذلك أو أنكرناه و إذا ذكرناهم أن تيارات التجديد الديني المزعوم صارت تستخدم النص الديني من اجل إلغاء النص و قتل مقاصده.. ، و أن وسائل الإعلام بمخالبها الأخطبوطية صارت تقوم بعملية إعادة تشكيل العقول بحيث تنتج تسطيحا للعقل و تتفيها للفكر وتحويلا للإنسان إلى" إنسان ذي بعد واحد"..
رغم كل ذلك سيقولون: لا بأس، كل ذلك زبد.. كل ذلك سيزول.. كما يذهب الزبد، لا داعي للقلق، فقط اتركوا السيل يأخذ مجراه..
وكل ما نراه هو أن الزبد يربو أكثر وأكثر، ويتكاثر، مثل دغل شيطاني يمنع نمو أي نبات مثمر.. ويقول أصحابنا، و على وجوههم ابتسامة الواثق من النصر، لا شيء يهم، إنه فقط زبد..
مشكلة هذه الرؤية إنها تعتبر أن "المشروع الإلهي" هو مشروع يقصي الإنسان من الفعل ومن البناء – وإن الأحداث تسير لوحدها، دون أن يكون في إمكان الإنسان – المكلف أصلاً بالبناء والاستخلاف – أي شيء سوى مراقبة ما يدور، والتنظير له باعتبار الزبد وذهابه.. إلخ.
والحق أن المشروع الإلهي في أصله قائم على استخلاف الإنسان واستخلاف إرادته الحرة على هذه الأرض – والإنسان الذي سيحترف انتظار أن يذهب الزبد لن يكون جزءاً من هذا المشروع..بل إنه، سيكون برؤيته هذه، وربما بحسن نية، ودون قصد، جزءاً من مشروع آخر، ما دام يعوق التفاعل الإنساني، ويحوله إلى محض انتظار سلبي..
***************
ولأن هذه الرؤية تتمترس خلف نص قرآني مقدس، نؤمن نحن أن الباطل لا يأتيه من أمامه أو من خلفه، فإننا نؤمن أيضاً أن القراءة الإنسانية للنص المقدس، هي قراءة يمكن أن يأتيها الباطل من مختلف الاتجاهات، وإذا كانت قراءة النص تؤدي إلى اتخاذ موقف السلب والانتظار – مخالفة موقع "الفعل الإنساني" الذي هو أصل التكليف بالاستخلاف – فإنها لا يمكن إلا أن تعتبر "قراءة مجانبة للصواب" كائناً من كان مطلقها ودون الدخول في حسن أو سوء نيته..
إنها قراءة "تبريرية" في أحسن الأحوال.. تبرر العجز والكسل وحالة اللا فعل..تبرر أن الزبد هو الرابي، وهو المهيمن، وهو الذي يكاد يغرقنا ويكسحنا..وتقول لنا، لا داعي للقلق.. إنه سيذهب جفاء..، بينما يقولون لك ذلك، فإن الآية الكريمة بريئة تماماً من ذلك..فلآية تقول طبعا ان الزبد يذهب جفاءا ، لكنها لا تقول ابدا ان ذلك يجب ان يمنعنا من الفعل و العمل بحجة "رجاء" ذهابه ، ذلك ان الجزء المتمم للأية الذي لا يمكن ابدا ان نفهم الصورة كاملة الا به ، هو ان ما ينفع الناس يمكث في الارض ، و هذا يعني ، بوضوح ، انه يمكث في باطنها ، و ان الناس لن ينتفعوا به الا اذا استخرجوا منها : اي اذا امتلكوا الوعي و الارادة و الفعل اللازم للتدخل..و هكذا فأن الزبد قد يذهب ، بعد ان يكون قد علا ، لكن زبدا آخرا سيأتي ، و يأتي ..و يظل يأتي ، ما لم يحدث تدخل يخرج ما ينفع الناس من مكوثه في باطن الارض..
و الذي يحدث الان ، ان "الباطل " لم يعل فحسب ، بل ان هناك تدخل واضح لاستبقاء الزبد و جعله هو الرابي دائما و هو المهيمن..اي ان اهل الحق لا يتدخلون بأعتبار ان الزبد سيذهب جفاءا ، اما اهل الباطل فهم يعملون على ابقائه في القمة..و هذا يفسر تزايد الزبد و علوه طبعا..
* * *
أكثر من هذا أن الآية الكريمة نفسها توضح أهمية الفعل الإنساني في إذهاب الزبد و إزالته فما تشير إليه الآية " و مما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" فلفظة "مما يوقدون عليه" تشير إلى وجود "فاعل" هو الإنسان الذي سيوقد من اجل تنقية المعادن – من الحديد أو النحاس أو الذهب و الفضة، ابتغاء الحلية أو المتاع كما توضح الآية- و كلها يعلوها "زبد" لن يذهب إلا بالفعل الإنساني الملتحم بالمشروع الإلهي و أوامره..
مفهوم الآية إذن، هو العكس والضد التام مما يرونه فيها، الآية تقول إن الباطل يعلو (يربو) – ولو لفترة من الزمن، ويعني ذلك، أن عليك أن تتصدى، لكي تفهم الآخرين أن ليس كل ما يعلو التيار هو صحيح – ذلك أن السيل سيأتي بزبد آخر، وآخر، وآخر، كلهم سيكون (رابياً) – كذلك فإن الكثيرين سينخدعون به..
أما (الحق) – (ما ينفع الناس) فهو يحتاج أيضاً إلى فعل وتدخل، لأنه غالباً ما يكون يحتاج إلى إظهار، في باطن الأرض.. يحتاج إلى استخراج وتنقيب وتمحيص وعمليات تنقية..
وفي الحالتين، فإن المؤمنين بنظرية الزبد، ممن يقولون أن لا داعي للقلق، سيجدون أنفسهم وقد جرفهم السيل، قد يعتري بعضهم بعض القلق، لكنهم سيتهامسون أن لا شيء يهم، إنه فقط الزبد..
بينما الآية الكريمة تقول لنا ، في الحقيقة ، أن نعمل على إذهاب الزبد..كي لا نذهب نحن كزبد..