اخي الكريم : حجازي الهوى .
ما قال لك الأخ الريس واضح ، والسؤال المطروح هو لماذا خص الله تعالى ذكر ثمود د\ون غيرهم من الأمم ؟
وبماذا تميزوا - فيما يخص تزكية النفس - عن بقية الأمم حتى يكون لذكرهم هنا مدلول خاص ؟
هذا هو ما فهمت من تساؤل الأخ .
وأقرب الأجوبة عليه حتى الأن هو ما ذكر الأخ نفسه .
فإن كانت هناك مناسبة فهي في قوله تعالى : "فاستحبوا العمى على الهدى" وإلا فلا ميزة أخرى يتميزون بها .
ولا ضرورة من أن تكون هناك علاقة بين صدر السورة وباقيها ، وإلا فما العلاقة في أمثالها في القرآن الكريم وهو كثير .
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
والله يا أخانا الكريم إبراهيم قد فهمت السؤال منذ البداية وأنا أعرضت عن الجواب المباشر لأن الجواب عليه ليس هو الذي يجب أن نبحث عنه في السورة .
ثم إن هذا السؤال: لماذا ؟ يمكن طرحه في كل موضع مماثل ولن نصل إلى إجابة شافية لأن الله تعالى لم يتعبدنا بمعرفة لماذا ذكر هؤلاء دون أولئك.
ولكن لا مانع من أن نلتمس الحكمة.
ولكن السؤال الذي إجابته واضحة هو في العلاقة بين مقدمة السورة ونهايتها وهذا الذي يجب أن نعنى به.
وهو أن الله بعث الرسل بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك وهذه هي طريق تزكية النفوس، والنفوس المشركة لا يمكن أن تتزكى ما دامت على شركها وقد قرن الله بين الشرك وعدم التزكية في قوله تعالى:
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ(7)) سورة فصلت
وسورة الشمس جاءت في سياق الدعوة إلى الإيمان والتحذير من الشرك ، وربط الفلاح بالتزكية وربط الخيبة بالتدسية ثم أعطت مثالاً على أولئك الذين اختاروا تدسية نفوسهم وهم قوم ثمود وهو مثال كافٍ للاتعاظ والعبرة.
وكل ما أجبتُ به سابقا يصب في هذا المعنى ، فقلتُ:
إن تزكية النفس لا تكون إلا بالإيمان.
فالإيمان رأس كل فضيلة والدافع إلى كل خلق كريم وتأمل قول الله تعالى:
( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) سورة البقرة(177)
والشرك والكفر رأس كل رذيلة والدافع إلى كل خلق ذميم، وتأمل قول الله تعالى:
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) ) سورة الماعون
وتزكية النفس لا تكون إلا عن طريق الإيمان بالرسل واتباع ما جاءوا به من عند الله من أسباب تزكية النفس.
وسورة الشمس كانت دعوة لكفار قريش إلى الإيمان بالله ورسوله صلى الله واتباع ما جاء به لتزكو نفوسهم من كل دنس ، ثم أعقب ذلك بذكر ثمود ليحذرهم بذلك من عاقبة تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما حل بثمود ليس منهم ببعيد إذا ما اختاروا طريقهم وسلكوا مسلكهم.
وأما عن تخصيص قوم ثمود بالذكر فقلتُ:
وربما خص ثمود بالذكر لقرب آثارهم منهم وقوعها على طريق تجارتهم وتواتر أخبارهم في الأجيال السابقة لهم حتى وصلت إليهم.
ثم إن الأخ الريس قولني ما لم أقل فأجبته:
أخانا الكريم
لم أقل إن العلاقة بين تزكية النفس وذكر قوم ثمود في السورة هو مرور قريش بآثارهم .
وإنما قلت إن تزكية النفس لا تكون إلا بالتطهر من الشرك والكفر أولاً ثم التزكية بالإيمان واتباع الرسل وهي دعوة كانت موجهة إلى قريش لترك ما هم عليه من الشرك والكفر والإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإذا هم لم يفعلوا فليحذروا أن يحل بهم ما حل بأسلافهم من المكذبين وخص ثمود بالذكر لما سبق وأن ذكرت لك ولربما بسبب أن هناك مشابهة في الطغيان بين من تولى كبر التكذيب من قريش ومن تولاه في ثمود ، ولهذا جاء التحذير من نفس المصير ، ولقد أمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن ينذرهم صراحة بمثل عذاب قوم ثمود في قوله تعالى:
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)) سورة فصلت
إذاً العلاقة هي التكذيب بما جاءت به الرسل وأظن الأمر واضح وليس فيه اشكال.
ثم رددت على الأخ الفاضل إبراهيم الحسني دعواه أنه لا علاقة بين مقدمة السورة ونهايتها وهو أمر استغربه منه فقلتُ:
أخانا الكريم إبراهيم
العلاقة بين صدر السورة وقصة ثمود واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، وليس للموضوع علاقة بدلالة الاقتران.
ثمود دعاها طغيانها إلى تكذيب نبي الله صالح وعقر الناقة بل محاولة قتل نبي الله صالح كما قص الله علينا ذلك في موضع آخر من القرآن حيث قال:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)) سورة النمل
ولقد حاول الطغاة من كفار قريش ما حاوله الطغاة من قوم صالح:
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) سورة الأنفال (30)
إن تكذيب الرسل والإعراض عما جاءت به من أسباب تزكية النفوس هو بعينه تدسية النفس وجرها إلى طريق الخيبة الهلاك.
وأما قول الأخ إبراهيم :
فإن كانت هناك مناسبة فهي في قوله تعالى : "فاستحبوا العمى على الهدى" وإلا فلا ميزة أخرى يتميزون بها .
وأنا أقول هذا أمر مشترك بين كل الأمم الكافرة فمن كذب بالآخرة ورضي بالحياة الدنيا فقد استحب العمى على الهدى والآيات الدالة على ذلك كثيرة ، ومنها قوله تعالى:
(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)) سورة إبراهيم
فالسورة ولله الحمد ليس فيها إشكال وهي واضحة المعنى ومباشرة في دلالتها.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.