بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخي الحبيب د. محمد الجبالي
أخي الحبيب د. عمارة
السلام عليكم ورحمة الله
اسمح لي أخي وأرجو أن يتسع صدرك لقولي ورأيي، فإن لم تره صوابا كله فلعل فيه بعض الحق.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أما عني فلا تخشى ضيقا، إنما جئت متعلما، فانقد ما شئت كما شئت.
أخي: إني أرى أنك بنيت توجيهك للآيات على أساس غير صحيح ، والغريب أنك رفعت البناء على هذا الأساس - وما زلت ترفع فيه - إذ أن الأساس الذي بنيت عليه مترسخ في ذهنكم أنه وجه الحق والصواب ، في حين أنه ليس كذلك.
ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعتني لدراسة هذا الموطن من مواطن المتشابه اللفظي لغرض إزالة اللبس عنه وكشف غموضه.
وإني لا أزعم أن الدراسة التي قدمتُها حول هذا الموطن هي القول الفصل، وإني وإن كان يعجبني توجيه السامرائي للآيات إلا أن هناك بعض هَنَّات في توجيهه لا أوافقه عليها ، لكنها هنات تذوب وتتلاشى مع عظيم ما وفقه الله إليه.
وهنا كنت أتمنى أن تجيبني عن أسئلتي حول ما أوردت في الدراسة، لكن لا بأس فإنك تقدم لنقد كلامي تثبيتا لكلام الأستاذ السامرائي.. وهذا ليس عيبا، إذا كان كلامي لا يسعفه بعض الحق أن يثبت.
قلت :
ونعود إلى الأساس الذي بنيت عليه توجيهك للآيات:
ألا وهو أنك جعلتَ الاستكبار أو التكبر في آية الأعراف غير الاستكبار في آية الحجر غير الاستكبار في آية [ص]
والأدهى من ذلك أنك جعلتَ تكبر إبليس في آية الأعراف تكبرا على الله.
وهذا ما لم أستسغ أن أقرأه عنك، فإن الله تعالى من وصف الأمر بالتكبر في الأعراف، وبالإباء في الحجر والاستكبار في ص، وليس أنا من فعل ذلك.. فكيف جعلتها كلها استكبارا.. ثم بعدها تقول أنك تعلم أن الاستكبار ليس هو التكبر، إذن وضح مقالتك وبين لنا الفرق.
ثم تقول أن الأدهى أني جعلت تكبر ابليس في آية الأعراف تكبرا على الله.. فهل تراه تكبرا علي أنا ؟؟
على من تكبر إذن ؟
لعلك تقول على آدم ؟
الأمر هنا مباشر : قال له وللملائكة اسجدوا.. فرفض أن يسجد.
ثم تقول لي أدهى أن أقول ذلك..
لنفترض أن كلامي خاطئ.. بين لي وجه توجيه الكلام إلى الله بعدها : ولا تجد اكثرهم شاكرين.
بين لي وجه تسرعه بالجدال في سورة الأعراف دون الحجر وص.
أم أنه لا يجوز عندك التكبر على الله ؟؟
ثم تعود وتقول :
ومن غير شك أن لفظتي [ تكبر ] و [ استكبار ] تختلفان معنى وكل منهما جاءت في سياق ما يلائمها في الآيات.
إن تكبر إبليس قائم في الآيات الثلاث ، والسبب واضح بينه هو نفسه.....
نريدا بيانا لهذا الفرق. لا تقل لي سياق السورة لأنك زعمت أن سياق الأعراف غضب الله وإهلاك الأمم وبنيت ذلك على آية أتيتك بمثلها في السورتين، وسالتك أن تبين وجه كلامك فلم تجب.
وما دمت لم تجب.. فانا أسألك عن اختلاف الألفاظ.. تكبر وأبى واستكبر، الذي أقررت به، كيف هو وما معناه ؟
والأعجب أن تقول :
فتكبر إبليس في الأعراف ليس على الله ، فإن إبليس يعلم جيدا قدر الله، كيف لا وقد ارتقى إلى منزلة الملائكة بتقربه وتعبده وعلمه بالله؟!!!
الله أكبر..
إن علم ابليس بالله لا يتركه يتكبر على الله.. هذا ما كنت أجهله.
أهذا ما تريد قوله ؟
أين تجد أن ابليس لعنه الله قد ارتقى بتقربه وعلمه بالله إلى منزلة الملائكة ؟ فإني ما وجدته في القرآن ولا في الحديث إلا عاصيا متكبرا وسواسا خناسا. فإن كان عندك غير هذا يقينا لا رأيا فمنك نتعلم.
ثم ماذا ؟ يأمره بالسجود فلا يسجد.. ونقول أنه لم يتكبر على الله.. على من تكبر إذًا ؟
يسأل الله فلا يقل : يا رب.. ونقول أنه لم يتكبر على الله.. فكيف يتكبر من تكبر على الله ؟
ثم تقول :
ثم قَسَّمتَ تقسيما عجيبا - لا أدري من أين لك به - وبَنَيتَ عليه أحكاما في الشريعة والجماعة والاتباع فقلتَ :
"فالأولى متعلقة بالله، والثانية متعلقة بالملائكة، والثالثة متعلقة بابن آدم.
الأولى متعلقة بالله من حيث هو أمر وبين أنه أمر. فكان تكبّرا لرفضه أمر الله. وهكذا كل من يرفض أمر الله تعالى.
والثانية، متعلقة بالملائكة من حيث وجوب مشاركتها في تطبيق أمر الله تعالى. فعدم مشاركتها ذلك يعد استكبارا.
والثالثة، متعلق بآدم وهو الانصياع له لأمر الله بالسجود له.
فالأول مثاله الشريعة،
[ولعلك تقصد هنا العقيدة ؛ إذ أن لفظ الشريعة عام شامل يشمل ما بعده]
والثاني مثاله الجماعة،
والثالث مثاله الأنبياء.
والأول من حيث هو الشريعة، العبادات ومتعلقاتها من أمر ونهي،
والثاني، من حيث هي الجماعة، ما أمر الله بصونها، فإن يد الله مع الجماعة.
والثالث من حيث هي الاتباع، فاتباع الرسل، وبدونها تكون البدع."
أما ذلك فقد بينته من كتاب الله..
وذكرت في الأولى، قوله تعالى : ما منعك ألا تسجد
إذ أمرتك.
فهل تفهم من قوله إذ أمرتك، آدم.
وذكرت في الثانية، قوله تعالى : ما لك ألا تكون
مع الساجدين.
والساجدون هم الملائكة، فلماذا سأل الله عنهم.
وفي الثالثة، قوله تعالى : ما منعك أن تسجد
لما خلقت بيدي.
وهو ولا شك آدم.
ولي أن أسألك، لماذا ذكر الساجدين وما خلقت بيدي على الإبهام فلم يسمهم ؟
بمعنى لم يقل : مع الملائكة في سجودهم بدل مع الساجدين.
ولم يقل ، ما منعك أن تسجد لآدم الذي خلقته بيدي، وقال : ما خلقت بيدي ؟
فانظر تفهم.
ثم ذكرت تعلق الأولى بالشريعة، ولم أقل بالعقيدة لأن العقيدة مصطلح متأخر، والشريعة هي مبنى الخطاب والأمر من الله تعالى، وهو قوله تعالى : إذ أمرتك. فأي عجب في أن أقول أن أمر الله هو الشريعة ؟
ومثلها ما يتعلق بنا نحن بني آدم.. فإنه أنزل إلينا أوامر نلزمها ولا نتكبر مثل ابليس.
ثم ذكرت تعلق الثانية بالجماعة، فإن الساجدين في الكل الملائكة، فلماذا ذكرهم هنا فقال مع الساجدين، ففُهم منها معنى الجماعة. أو ماذا تفهم أنت ؟ أين العجب في أن أقول أن الله تعالى أنكر عليه أن لا يكون مع الجماعة في فعل السجود.. أترى لو سجد ابليس وحده متأففا عن الملائكة.. أكان يغنيه ؟
ثم ذكرت تعلق الثالثة ببني آدم، من حيث هو خلق من خلق الله. وصرفه على الابهام يقتضي أن يفعل بنو آدم مع ما سخر الله لهم بمقتضى الإحسان، لا الاستكبار كما فعل ابليس معهم. فهل ما زال عجب ما أقول ؟
فإن كان هذا تقسيم عجب عندك أو عند غيرك.. أو لم يظهر لك أي شيء من هذا.. فلعل عندك بيان للفرق بين قوله تعالى : إذ أمرتك، في الأولى، وقوله تعالى: مع الساجدين، في الثانية، وقوله تعالى: ما خلقت بيدي، في الثالثة، فتوضحه لنا. أو تبين لنا خطأ ما نقول.
ثم تقول :
ولأن الجو العام - كما بيَّن ودلََّلَ السامرائي - يغلب عليه الغضب والسخط من الله فكان ذلك سببا في إيجاز إبليس القول والطلب فسقط النداء وسقطت الفاء.
حسن ما فعل السامرائي.. وهذا بيان في ترابط السورة بالآية.
والذي ذكرناه يخص الآيات بما تشابه منها والآيات ببعضها. فإن كان الأمر بذكر اجتهاد السامرائي زيادة في فهم النظم في القرآن فهذا جيد. وإن كان فقط لإخفاء رأينا ووصفه بالعجيب فهذا لا يُقبل إلا بدليل تخطؤنا به.
ثم تقول :
ودعني أعطيك مثالا ، ولله المثل الأعلى :
إن الابن أثناء مناقشته أباه إذا وجد أباه غاضبا ساخطا شديدا مغلظا عليه القول ، قد يلجم الابن فلا يتكلم ، وإن تكلم فبأقل عبارة.
أليس كذلك؟!
لن أنكر هذا إن كان يخاف أباه.
ولكن سأعطيك مثالا ثان :
إن كان الابن عاصيا فإنه لن يأبه بغضب أبيه وسيتكلم لا بأقل عبارة بل بأكثر منها وسيصرخ أكثر من أبيه. فدعك من التمثيل الذي لا يصلح.
بوركتم
يغفر الله لي ولكم
د. عمارة سعد شندول
(السنة الثانية من مرحلة الماجستير في العلوم الإسلامية)