(قالوا:يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا , أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ إنك لأنت الحليم الرشيد !). .
وهو رد واضح التهكم , بين السخرية في كل مقطع من مقاطعه . وإن كانت سخرية الجاهل المطموس , والمعاند بلا معرفة ولا فقه .
(أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟). .
فهم لا يدركون - أو لا يريدون أن يدركوا - أن الصلاة هي من مقتضيات العقيدة , ومن صور العبودية والدينونة . وأن العقيدة لا تقوم بغير توحيد الله , ونبذ ما يعبدونه من دونه هم وآباؤهم , كما أنها لا تقوم إلا بتنفيذ شرائع الله في التجارة وفي تداول الأموال وفي كل شأن من شئون الحياة والتعامل . فهي لحمة واحدة لا يفترق فيها الاعتقاد عن الصلاة عن شرائع الحياة وعن أوضاع الحياة .
وقبل أن نمضي طويلا في تسفيه هذا التصور السقيم لارتباط الشعائر بالعقيدة . وارتباطهما معا بالمعاملات . . قبل أن نمضي طويلا في تسفيه هذا التصور من أهل مدين قبل ألوف السنين , يحسن أن نذكر أن الناس اليوم لا يفترقون في تصورهم ولا في إنكارهم لمثل هذه الدعوة عن قوم شعيب . وأن الجاهلية التي نعيش فيها اليوم ليست أفضل ولا أذكى ولا أكثر إدراكا من الجاهلية الأولى ! وأن الشرك الذي كان يزاوله قوم شعيب هو ذاته الشرك الذي تزاوله اليوم البشرية بجملتها - بما فيها أولئك الذين يقولون:إنهم يهود أو نصارى أو مسلمون - فكلهم يفصل بين العقيدة والشعائر . والشريعة والتعامل . فيجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره , ويجعل الشريعة والتعامل لغير الله , ووفق أمر غيره . . وهذا هو الشرك في حقيقته وأصله . .
وإن كان لا يفوتنا أن اليهود وحدهم اليوم هم الذين يتمسكون بأن تكون أوضاعهم ومعاملاتهم وفق ما يزعمونه عقيدتهم وشريعتهم - وذلك بغض النظر عما في هذه العقيدة من انحراف وما في هذه الشريعة من تحريف - فلقد قامت أزمة في "الكنيست" مجلس تشريعهم في إسرائيل بسبب أن باخرة إسرائيلية تقدم لركابها - من غير اليهود - أطعمة غير شرعية . وأرغمت الشركة والسفينة على تقديم الطعام الشرعي وحده - مهما تعرضت للخسارة - فأين من يدعون أنفسهم "مسلمين ! " من هذا الاستمساك بالدين ؟!!
إن بيننا اليوم - ممن يقولون:إنهم مسلمون ! - من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق , وبخاصة أخلاق المعاملات المادية .
وحاصلون على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم . يتساءلون أولا في استنكار:
وما للإسلام وسلوكنا الشخصي ؟
ما للإسلام والعري في الشواطيء ؟
ما للإسلام وزي المرأة في الطريق ؟
ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل ؟
ما للإسلام وتناول كأس من الخمر لإصلاح المزاج ؟
ما للإسلام وهذا الذي يفعله "المتحضرون" ؟! . .
فأي فرق بين هذا وبين سؤال أهل مدين:
(أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ؟). .
وهم يتساءلون ثانيا . بل ينكرون بشدة وعنف .
أن يتدخل الدين في الاقتصاد , وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد , أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد . .
فما للدين والمعاملات الربوية ؟
وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي ؟
لا بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا تدخلت في الاقتصاد تفسده .
وينكرون حتى على بعض أصحاب النظريات الاقتصادية الغربية - النظرية الأخلاقية مثلا - ويعدونها تخليطا من أيام زمان !
فلا يذهبن بنا الترفع كثيرا على أهل مدين في تلك الجاهلية الأولى .
ونحن اليوم في جاهلية أشد جهالة , ولكنها تدعي العلم والمعرفة والحضارة , وتتهم الذين يربطون بين العقيدة في الله , والسلوك الشخصي في الحياة , والمعاملات المادية في السوق . . تتهمهم بالرجعية والتعصب والجمود !!!
وما تستقيم عقيدة توحيد الله في القلب , ثم تترك شريعة الله المتعلقة بالسلوك والمعاملة إلى غيرها من قوانين الأرض .
فما يمكن أن يجتمع التوحيد والشرك في قلب واحد . والشرك ألوان . منه هذا اللون الذي نعيش به الآن . وهو يمثل أصل الشرك وحقيقته التي يلتقي عليها المشركون في كل زمان وفي كل مكان !
ويسخر أهل مدين من شعيب - كما يتوقع بالسخرية اليوم ناس على دعاة التوحيد الحق - فيقولون:
(إنك لأنت الحليم الرشيد !). .
وهم يعنون عكس معناها .
فالحلم والرشد عندهم أن يعبدوا ما يعبد آباؤهم بلا تفكير ,
وأن يفصلوا بين العبادة والتعامل في السوق !
وكذلك هو عند المثقفين المتحضرين اليوم الذين يعيبون على المتعصبين الرجعيين !!!
(في ظلال القرآن)
تفسير سورة هود
وهو رد واضح التهكم , بين السخرية في كل مقطع من مقاطعه . وإن كانت سخرية الجاهل المطموس , والمعاند بلا معرفة ولا فقه .
(أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟). .
فهم لا يدركون - أو لا يريدون أن يدركوا - أن الصلاة هي من مقتضيات العقيدة , ومن صور العبودية والدينونة . وأن العقيدة لا تقوم بغير توحيد الله , ونبذ ما يعبدونه من دونه هم وآباؤهم , كما أنها لا تقوم إلا بتنفيذ شرائع الله في التجارة وفي تداول الأموال وفي كل شأن من شئون الحياة والتعامل . فهي لحمة واحدة لا يفترق فيها الاعتقاد عن الصلاة عن شرائع الحياة وعن أوضاع الحياة .
وقبل أن نمضي طويلا في تسفيه هذا التصور السقيم لارتباط الشعائر بالعقيدة . وارتباطهما معا بالمعاملات . . قبل أن نمضي طويلا في تسفيه هذا التصور من أهل مدين قبل ألوف السنين , يحسن أن نذكر أن الناس اليوم لا يفترقون في تصورهم ولا في إنكارهم لمثل هذه الدعوة عن قوم شعيب . وأن الجاهلية التي نعيش فيها اليوم ليست أفضل ولا أذكى ولا أكثر إدراكا من الجاهلية الأولى ! وأن الشرك الذي كان يزاوله قوم شعيب هو ذاته الشرك الذي تزاوله اليوم البشرية بجملتها - بما فيها أولئك الذين يقولون:إنهم يهود أو نصارى أو مسلمون - فكلهم يفصل بين العقيدة والشعائر . والشريعة والتعامل . فيجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره , ويجعل الشريعة والتعامل لغير الله , ووفق أمر غيره . . وهذا هو الشرك في حقيقته وأصله . .
وإن كان لا يفوتنا أن اليهود وحدهم اليوم هم الذين يتمسكون بأن تكون أوضاعهم ومعاملاتهم وفق ما يزعمونه عقيدتهم وشريعتهم - وذلك بغض النظر عما في هذه العقيدة من انحراف وما في هذه الشريعة من تحريف - فلقد قامت أزمة في "الكنيست" مجلس تشريعهم في إسرائيل بسبب أن باخرة إسرائيلية تقدم لركابها - من غير اليهود - أطعمة غير شرعية . وأرغمت الشركة والسفينة على تقديم الطعام الشرعي وحده - مهما تعرضت للخسارة - فأين من يدعون أنفسهم "مسلمين ! " من هذا الاستمساك بالدين ؟!!
إن بيننا اليوم - ممن يقولون:إنهم مسلمون ! - من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق , وبخاصة أخلاق المعاملات المادية .
وحاصلون على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم . يتساءلون أولا في استنكار:
وما للإسلام وسلوكنا الشخصي ؟
ما للإسلام والعري في الشواطيء ؟
ما للإسلام وزي المرأة في الطريق ؟
ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل ؟
ما للإسلام وتناول كأس من الخمر لإصلاح المزاج ؟
ما للإسلام وهذا الذي يفعله "المتحضرون" ؟! . .
فأي فرق بين هذا وبين سؤال أهل مدين:
(أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ؟). .
وهم يتساءلون ثانيا . بل ينكرون بشدة وعنف .
أن يتدخل الدين في الاقتصاد , وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد , أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد . .
فما للدين والمعاملات الربوية ؟
وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي ؟
لا بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا تدخلت في الاقتصاد تفسده .
وينكرون حتى على بعض أصحاب النظريات الاقتصادية الغربية - النظرية الأخلاقية مثلا - ويعدونها تخليطا من أيام زمان !
فلا يذهبن بنا الترفع كثيرا على أهل مدين في تلك الجاهلية الأولى .
ونحن اليوم في جاهلية أشد جهالة , ولكنها تدعي العلم والمعرفة والحضارة , وتتهم الذين يربطون بين العقيدة في الله , والسلوك الشخصي في الحياة , والمعاملات المادية في السوق . . تتهمهم بالرجعية والتعصب والجمود !!!
وما تستقيم عقيدة توحيد الله في القلب , ثم تترك شريعة الله المتعلقة بالسلوك والمعاملة إلى غيرها من قوانين الأرض .
فما يمكن أن يجتمع التوحيد والشرك في قلب واحد . والشرك ألوان . منه هذا اللون الذي نعيش به الآن . وهو يمثل أصل الشرك وحقيقته التي يلتقي عليها المشركون في كل زمان وفي كل مكان !
ويسخر أهل مدين من شعيب - كما يتوقع بالسخرية اليوم ناس على دعاة التوحيد الحق - فيقولون:
(إنك لأنت الحليم الرشيد !). .
وهم يعنون عكس معناها .
فالحلم والرشد عندهم أن يعبدوا ما يعبد آباؤهم بلا تفكير ,
وأن يفصلوا بين العبادة والتعامل في السوق !
وكذلك هو عند المثقفين المتحضرين اليوم الذين يعيبون على المتعصبين الرجعيين !!!
(في ظلال القرآن)
تفسير سورة هود