د محمد الجبالي
Well-known member
أتعجب أم استفهام تلك الآية:
(فَما أَصْبَرَهُم على النار)
ذهب جمهور المفسرين إلى أن نوع الأسلوب في الآية أسلوب تعجب.
فهل هو تعجب حقا؟!
إذا كان أسلوب تعجب، فهو إذن يتعجب من صبرهم على النار، فهل لأحد من صبر على النار؟!
قال القرطبي: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} مذهب الجمهور ـ منهم الحسن ومجاهد ـ أن «ما» معناه التعجب؛ وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: ٱعجبوا من صبرهم على النار ومُكثهم فيها"
قال الزمخشري: "تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، كما تقول لمن يتعرّض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب"
ونقول للزمخشري: إذا كان هناك من له صبر على عذاب السلطان في الدنيا، فهل هناك من له صبر على عذاب النار في الآخرة؟!
وقال الشوكاني: عن الحسن في قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} قال: والله ما لهم عليها من صبر، ولكن يقول: ما أجرأهم على النار. وأخرج ابن جرير، عن قتادة ونحوه .. في الآية قال: هذا على وجه الاستفهام، يقول: ما الذي أصبرهم على النار؟
وقد ناقشتُ هذه الآية مع إحدى الأخوات التي نحسبها على علم، فأوَّلَتها تأويلا بديعا قالت: "إن كانت هذه جرأتكم على الله في الدنيا فأروني صبركم على النار في الآخرة"
أما كون الأسلوب تعجبا فهذا لا أرى له وَجَاهَة، لأن التعجب سيكون من صبرهم على النار، وهذا غير كائن وغير مقبول، فليس لأحد صبر على النار.
والراجح عندي - وقد اختاره بعض المفسرين- أنه أسلوب استفهام.
وعلى هذا فإن الغرض من الاستفهام التهكم والسخرية والوعيد وليس التعجب وليس الاستنكار.
لأن التعجب والاستنكار يعنيان أن لهؤلاء صبرا على النار، وهذا غير كائن.
إن هذه الآية : {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} تذكرنا بقول الله عز وجل:
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الطور١٦)
إن الصبر على ألم ما قاس إنما يكون إذا كان الصابر يتأمل زوال هذا الألم أو تخفيفه، فإن كان يعلم أنه لن يزول صار تكيفا مع الألم، فهل يمكن أن يتكيف أهل النار مع النار والعذاب، وجلودهم تنضج، وتتجدد كلما نضجت؟!
فليس المقصود من آية الطور والآية موضع البحث أن لهم صبرا على النار، إنما الغرض من ذلك التهديد والوعيد والتهكم والسخرية بهم.
أي: فافعلوا ما بدا لكم ولسوف نرى كيف ستصبرون على النار.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
(فَما أَصْبَرَهُم على النار)
ذهب جمهور المفسرين إلى أن نوع الأسلوب في الآية أسلوب تعجب.
فهل هو تعجب حقا؟!
إذا كان أسلوب تعجب، فهو إذن يتعجب من صبرهم على النار، فهل لأحد من صبر على النار؟!
قال القرطبي: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} مذهب الجمهور ـ منهم الحسن ومجاهد ـ أن «ما» معناه التعجب؛ وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: ٱعجبوا من صبرهم على النار ومُكثهم فيها"
قال الزمخشري: "تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، كما تقول لمن يتعرّض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب"
ونقول للزمخشري: إذا كان هناك من له صبر على عذاب السلطان في الدنيا، فهل هناك من له صبر على عذاب النار في الآخرة؟!
وقال الشوكاني: عن الحسن في قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} قال: والله ما لهم عليها من صبر، ولكن يقول: ما أجرأهم على النار. وأخرج ابن جرير، عن قتادة ونحوه .. في الآية قال: هذا على وجه الاستفهام، يقول: ما الذي أصبرهم على النار؟
وقد ناقشتُ هذه الآية مع إحدى الأخوات التي نحسبها على علم، فأوَّلَتها تأويلا بديعا قالت: "إن كانت هذه جرأتكم على الله في الدنيا فأروني صبركم على النار في الآخرة"
أما كون الأسلوب تعجبا فهذا لا أرى له وَجَاهَة، لأن التعجب سيكون من صبرهم على النار، وهذا غير كائن وغير مقبول، فليس لأحد صبر على النار.
والراجح عندي - وقد اختاره بعض المفسرين- أنه أسلوب استفهام.
وعلى هذا فإن الغرض من الاستفهام التهكم والسخرية والوعيد وليس التعجب وليس الاستنكار.
لأن التعجب والاستنكار يعنيان أن لهؤلاء صبرا على النار، وهذا غير كائن.
إن هذه الآية : {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} تذكرنا بقول الله عز وجل:
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الطور١٦)
إن الصبر على ألم ما قاس إنما يكون إذا كان الصابر يتأمل زوال هذا الألم أو تخفيفه، فإن كان يعلم أنه لن يزول صار تكيفا مع الألم، فهل يمكن أن يتكيف أهل النار مع النار والعذاب، وجلودهم تنضج، وتتجدد كلما نضجت؟!
فليس المقصود من آية الطور والآية موضع البحث أن لهم صبرا على النار، إنما الغرض من ذلك التهديد والوعيد والتهكم والسخرية بهم.
أي: فافعلوا ما بدا لكم ولسوف نرى كيف ستصبرون على النار.
والله أعلم
د. محمد الجبالي