(فَما أَصْبَرَهُم على النار) أتعجب أم استفهام تلك الآية؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
أتعجب أم استفهام تلك الآية:
(فَما أَصْبَرَهُم على النار)
ذهب جمهور المفسرين إلى أن نوع الأسلوب في الآية أسلوب تعجب.
فهل هو تعجب حقا؟!
إذا كان أسلوب تعجب، فهو إذن يتعجب من صبرهم على النار، فهل لأحد من صبر على النار؟!
قال القرطبي: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} مذهب الجمهور ـ منهم الحسن ومجاهد ـ أن «ما» معناه التعجب؛ وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: ٱعجبوا من صبرهم على النار ومُكثهم فيها"
قال الزمخشري: "تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، كما تقول لمن يتعرّض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب"
ونقول للزمخشري: إذا كان هناك من له صبر على عذاب السلطان في الدنيا، فهل هناك من له صبر على عذاب النار في الآخرة؟!
وقال الشوكاني: عن الحسن في قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} قال: والله ما لهم عليها من صبر، ولكن يقول: ما أجرأهم على النار. وأخرج ابن جرير، عن قتادة ونحوه .. في الآية قال: هذا على وجه الاستفهام، يقول: ما الذي أصبرهم على النار؟

وقد ناقشتُ هذه الآية مع إحدى الأخوات التي نحسبها على علم، فأوَّلَتها تأويلا بديعا قالت: "إن كانت هذه جرأتكم على الله في الدنيا فأروني صبركم على النار في الآخرة"
أما كون الأسلوب تعجبا فهذا لا أرى له وَجَاهَة، لأن التعجب سيكون من صبرهم على النار، وهذا غير كائن وغير مقبول، فليس لأحد صبر على النار.

والراجح عندي - وقد اختاره بعض المفسرين- أنه أسلوب استفهام.
وعلى هذا فإن الغرض من الاستفهام التهكم والسخرية والوعيد وليس التعجب وليس الاستنكار.
لأن التعجب والاستنكار يعنيان أن لهؤلاء صبرا على النار، وهذا غير كائن.

إن هذه الآية : {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ} تذكرنا بقول الله عز وجل:
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الطور١٦)
إن الصبر على ألم ما قاس إنما يكون إذا كان الصابر يتأمل زوال هذا الألم أو تخفيفه، فإن كان يعلم أنه لن يزول صار تكيفا مع الألم، فهل يمكن أن يتكيف أهل النار مع النار والعذاب، وجلودهم تنضج، وتتجدد كلما نضجت؟!
فليس المقصود من آية الطور والآية موضع البحث أن لهم صبرا على النار، إنما الغرض من ذلك التهديد والوعيد والتهكم والسخرية بهم.
أي: فافعلوا ما بدا لكم ولسوف نرى كيف ستصبرون على النار.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
 
بسم1​
صيغةُ "ما أفعَلَ" للاستفهامِ أو للتعجب لم ترد في القرآن الكريم إلا في ثلاثة مواضع:

الموضع الأول للتعجب:
{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} (سورة عبس 17 - 19).
ويعززُ كون {مَا أَكْفَرَهُ} للتعجبِ ما قبلها وما بعدها.
فأما ما قبلها {قُتِلَ الْإِنسَٰنُ} فلأنها صرفت عن المعنى المعهود في غالب استخدام المبني للمجهول إلى معنى آخر هو الدعاء على نائب الفاعل، فكذلك صُرفت "ما" عن الموصولية الغالبة وعن الاستفهامية التي هي دونها إلى معنى يفيد التعجبَ أوَّلَه سيبويه وآخرون بكلمة "شيءٌ" أي "شيءٌ أكفَرَهُ!".
وأما ما بعدها فوجود سؤال وجوابه، ولو أريد بها الاستفهام لرُدَّ عليه كما ردَّ على {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} (سورة عبس 18 - 19).

الموضع الثاني للاستفهام:
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (سورة طه 83 - 84).
ويدل على أنَّ {مَا أَعْجَلَكَ} للاستفهام ما قبلها وما بعدها.
فأما ما قبلها فانقطاع عما يوجب التعجب والاستفتاح بالواو التي يندرُ سبقها أسلوبَ التعجُّب.
وأما ما بعدها فجوابُ السؤال ذاكَ المفتتحِ بقال من المسؤول: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.

الموضع الثالث يحتمل التعجب والاستفهام:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (سورة البقرة 175 - 176).
فإنَّ {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} تفيد المعنيَيْن كليهما -والله أعلَمُ- وما أكثر ما ترِدُ المعاني الكثيرة في اللفظ الواحد أو الجملة الواحدة في القرآن الكريم، وهو أمرٌ مقرَّرٌ عند من لهُ علمٌ بأصول التفسير.
فإن نظرت إلى ما قبل {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}قلت هي للتعجب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} أي فما أصبرهمْ على دواعي ولوجهم النار وألزمهم لسبيلها في الدنيا.
وإن تأملت ما بعدها قلت هو جواب استفهام مفتتحٍ بما يفيدُ الجوابَ بالاحتجاج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}، كجوابكَ للقائل: ما جاء بأحمدَ صلى الله عليه وسلم؟ بقولك: ذلكَ بأنَّه نبيٌّ مرسَلٌ.
___​
على أنَّ الأمرَ فيه سعةٌ من حيثُ أصْل التعجبِ.

جاء في بيان "ما" التي تأتي في أسلوب التعجب في شرح قواعد الاعراب لابن هشام (ص 159):
"..وتعجُّبيَّةٌ نحو "مَا أحْسَنَ زيدًا" فهذه الــ"ما" نكرةٌ تامّةٌ بمعنى "شيءٌ" عند سيبويه، وموصولة عند الأخفش، واستفهامية عند الفرَّاء وابن درستويه .....قال ابن الحاجب في الإيضاح: "مَا أحْسَنَ زيدًا" أصله إما خبر وإما استفهام ثمَّ نُقِلَ إلى التعجُّب".

والله أعلم.
 
زادكم الله فضلا وعلما أخانا الفاضل محمد يزيد، أحسنتم البيان
 
قال في البحر المحيط :
فَتَلَخَّصَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالنَّفْيُ، وَتَلَخَّصَ فِي التَّعَجُّبِ، أَهْوَ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ؟
وَكِلَاهُمَا: أَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ؟.

جاء في البرهان في علوم القرآن للزركشي (المتوفى: 794هـ) وهو يتكلم عن {مَا }:
تَكُونُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا سِتَّةٌ منها أسماء وستة حروف ..
..................... وَالرَّابِعُ: التَّعَجُّبِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ }
وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي قراءة سعيد بن جبير: { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
وتكون في موضع رفع بالابتداء وما خَبَرٌ ,وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ وَالتَّعَجُّبَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ لِأَنَّكَ إِذَا تَعَجَّبْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهُ .

جاء في لإتقان في علوم القرآن للسيوطي (المتوفى: 911هـ) :
وَقَدِ اجْتَمَعَ التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ}.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ مَعَ التَّوْبِيخِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ وَيُحْتَمَلُ التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِفْهَامُ الْحَقِيقِيُّ {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ}.

قال العثيمين رحمه الله :
قوله تعالى: { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }؛ «ما» تعجبية مبتدأ؛ وجملة { أَصْبَرَهُمْ } خبرها؛ والمعنى: شيء عظيم أصبرهم؛ أو ما أعظم صبرهم على النار؛ وهذا التعجب يتوجه عليه سؤالان:
السؤال الأول: أهو تعجب من الله أم تعجيب منه؛ بمعنى: أيرشدنا إلى أن نتعجب ــــ وليس هو موصوفاً بالعجب؛ أو أنه من الله ــــ؟
السؤال الثاني: أن قوله: { فَمَا أَصْبَرَهُمْ } يقتضي أنهم يصبرون، ويتحملون مع أنهم لا يتحملون، ولا يطيقون؛ ولهذا يقولون لخزنة جهنم: { ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ } [غافر: 49] ؛ وينادون: { يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [الزخرف: 77] أي ليهلكنا؛ ومن قال هكذا فليس بصابر؟
والجواب عن السؤال الأول: ــــ وهو أهو تعجب، أو تعجيب ــــ: فقد اختلف فيه المفسرون؛ فمنهم من رأى أنه تعجب من الله عز وجل؛ لأنه المتكلم به هو الله؛ والكلام ينسب إلى من تكلم به؛ ولا مانع من ذلك لا عقلاً، ولا سمعاً ــــ أي لا مانع يمنع من أن الله سبحانه وتعالى يعجب؛ وقد ثبت لله العجب بالكتاب، والسنة؛ فقال الله تعالى في القرآن: { بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ } [الصافات: 12] بضم التاء؛ وهذه القراءة سبعية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ والتاء فاعل يعود على الله سبحانه وتعالى المتكلم؛ وأما السنة ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه»؛ وعلى هذا فالعجب لله ثابت بالكتاب، والسنة؛ فلا مانع من أن الله يعجب من صبرهم؛ فإذا قال قائل: العجب يدل على أن المتعجب مباغَت بما تعجب منه؛ وهذا يستلزم أن لا يكون عالماً بالأمر من قبل ــــ وهو محال على الله ــــ؟

فالجواب: أن سبب العجب لا يختص بما ذكر؛ بل ربما يكون سببه الإنكار على الفاعل، حيث خرج عن نظائره، كما تقول: «عجبت من قوم جحدوا بآيات الله مع بيانها، وظهورها»؛ وهو بهذا المعنى قريب من معنى التوبيخ، واللوم؛ ومن المفسرين من قال: إن المراد بالعجب: التعجيب؛ كأنه قال: اعجب أيها المخاطب من صبرهم على النار؛ وهذا وإن كان له وجه لكنه خلاف ظاهر الآية.

وأما الجواب عن السؤال الثاني:- وهو كيف يتعجب من صبرهم مع أنهم لم يصبروا على النار - فقال أهل العلم: إنهم لما صبروا على ما كان سبباً لها من كتمان العلم صاروا كأنهم صبروا عليها، مثلما يقال للرجل الذي يفعل أشياء ينتقد فيها: ما أصبرك على لوم الناس لك مع أنه ربما لم يلوموه أصلاً؛ لكن فعل ما يقتضي اللوم؛ يصير معنى: { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } أنهم لما كانوا يفعلون هذه الأفعال الموجبة للنار صاروا كأنهم يصبرون على النار؛ لأن الجزاء من جنس العمل، كما تفيده الآيات الكثيرة، فيعبر بالعمل عن الجزاء؛ لأنه سببه المترتب عليه؛ و{ النَّارِ } هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين والظالمين؛ لكن الظلم إن كان ظلم الكفر فهم مخلدون فيها؛ وإن كان ظلماً دون الكفر فإنهم مستحقون للعذاب بحسب حالهم.

وقال في ختام كلامه عن الآية ..........
فإذا قال قائل: ما دليلكم على أن العَجب يتعلق بمشيئته؟
فالجواب: أن له سبباً؛ وكل ما له سبب فإنه متعلق بالمشيئة؛ لأن وقوع السبب بمشيئة الله؛ فيكون ما يتفرع عنه كذلك بمشيئة الله.
وفي فوائد الآية ..................
ــــ ومنها: توبيخ هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله؛ لقوله تعالى: { فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }؛ وكان الأجدر بهم أن يتخذوا وقاية من النار لا وسيلة إليها.
ــــ ومنها: الإشارة إلى شدة عذابهم، كما يقال في شخص أصيب بمرض عظيم: «ما أصبره على هذا المرض»، أي أنه مرض عظيم يؤدي إلى التعجب من صبر المريض عليه. صَبَرُوا عَلَى الْعُقُوبَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

وأنا وغيري يعلم أن الدكتور الجبالي دائما يشارك بما هو نافع ومفيد ... وليس ممن يبحث الوجه الآخر فقط من كلام العلماء .......
ولقد شاركت معه في موضوعين من قبل.... وسأشاركه قريبا إن شاء الله في موضوعه {إن} و{أن}.
 
يسعدني أخي الفاضل بشير عبد العال مشاركتك أعمالي جميعا، أهلا بك وسهلا ومرحبا
 
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[161] (1 خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزل الْكِتَابَ بِالْحَقِ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)

فما اصبرهم على النار
و الله اعلم
 
ليس للاستفهام ههنا وجه يسوغ حمله عليه , فعامة الكفار لا يعلمون بأنهم سيدخلون النار , ومن علم منهم أنه عاص - كاليهود - منته نفسه وشيطانه أن الله سيغفر له ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) و منهم من يقول ( وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا ) وأكثرهم ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) .
ولا يصلح التعجب المعهود لأنه لا يناسب ماهم فيه من حال أليمه لا صبر لهم عليها بدليل قولهم : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) , وقولهم :( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ) , و قولهم : (سواء علينا اجزعنا ام صبرنا مالنا من محيص ) .
وإنما هذا إخبار ووصف لحالهم في جهنم , وهو خبر محض سيق مساق التعجب كأنه يقول ما أعظم عذابهم بالنار
فأخبر عن العذاب الأليم الذي سيلقونه في جهنم , فيكون هذا من باب ( فويل للذين كفروا من النار )
فإن عظم الصبر على النار يومئذ يدل على عظم عذابها
والله تعالى أعلم
 
بسم1
أشار الله عز وجل إلى الذين يكتمون الحق ويشترون عرض الدنيا بأنهم يأكلون فى بطونهم النار فى قوله تعالى{أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } فالمضارعة فى يأكلون تدل على دوام أكلهم للنار فى الحال والاستقبال ويدل ذلك على بشاعة فعلهم وعاقبتهم ومعلوم أنه لا صبر لأحد على النار والأكل يكون بشهوة وتلذذ ولهذا كان التعجب والاستهزاء منهم فى قوله تعالى{ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }
قال تعالى{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) }
هذا والله أعلم.


 
بسم1
قال تعالى{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }
فما هنا نفت فعل الربح فى التجارة لأن المعاوضة كانت بما هو أدنى كما فى قوله تعالى{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ }فمن يقبل بنهم و يداوم على شراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة كمن يطمئن لعذاب النار والصبر عليها وهذا مثير للتعجب أيضا. وقد تم التعجب عند المعاوضة بما هو أدنى فى قوله تعالى{قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} فالاستفهام قد لاينفصل عن التعجب على قول الفراء رحمه الله.والمعاوضة بما هو أدنى ليس فيها عجب إذا جاءت من جاهل أما إذا جاءت من عالم فذلك موطن العجب.
هذا والله أعلم.
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الأخ علي .جزاك خيرا على التوضيح فقط لاستفهام فالاية
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)

جاءت على المنافقين وليس على الذين يكتمون ماأنزل الله

و الله أعلم
****
من الايات التي نزلت على اوتوا الكتاب
قول الله تعالى:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٧]

قال الله تعالى :وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة البقرة




﴿لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)﴾ [آل عمران]
قوله تعالى:﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]


قوله تعالى: وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٨١)
سورة البقرة
وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَطِيئَاتُهُ بِالْجَمْعِ، وَالْإِحَاطَةُ الْإِحْدَاقُ بِالشَّيْءِ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَجَمَاعَةٌ: هِيَ الشِّرْكُ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: السَّيِّئَةُ الْكَبِيرَةُ. وَالْإِحَاطَةُ بِهِ أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَيَمُوتُ غَيْرَ تَائِبٍ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ والربيع بن خيثم وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الذُّنُوبُ تُحِيطُ بِالْقَلْبِ، كُلَّمَا أَذْنَبَ ذَنْبًا ارْتَفَعَتْ (حَتَّى تَغْشَى)(٢) الْقَلْبَ وَهِيَ الرَّيْنُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَوْبَقَتْهُ ذُنُوبُهُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ (٦٦-يُوسُفَ) أَيْ تَهْلِكُوا ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

من تفسير ابن كثير (ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ فَقَالَ: ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ أَيْ: رَجَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ وَأَصْلَحُوا أَعْمَالَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ وَبَيَّنُوا لِلنَّاسِ مَا كَانُوا كَتَمُوهُ ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَةَ إِلَى كَفْرٍ، أَوْ بِدْعَةٍ إِذَا تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.)

*****
من اسلام ويب
****
لقد جاءت الأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطابه لهم يقول: ( يا معشر اليهود، ويلكم، اتقوا اللهَ، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أني رسول اللهِ حقا، وأني جئتُكم بحقٍّ، فأسلِموا )، وهذا ما أكده عبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ بعد أن أسلم في قوله: ( يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق ) رواه البخاري .


قال ابن تيمية: " والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد - صلى الله عليه وسلم - عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم "، ورغم ذلك منهم من آمن بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من منعهم الحسد والكبر عن الإيمان به، فخسر الدنيا و الآخرة
و الله اعلم
 
بسم1
الأخت الفاضلة |بهجة الرفاعى
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وشراء الضلالة بالهدى قيل فى حق اليهود لأنهم هم الذين كتموا ما أنزل الله عز وجل وإن قيل فى حق المنافقين فالعاقبة واحدة وهى الخسران المبين فى الحالتين.​
 
عودة
أعلى