( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّب

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [55] وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [56] ) التوبة

قوله «فلا تعجبْك أموالهم ولا أولادهم»: فإنها لهم استدراج ووبال.
قاله الإيجي الشافعي.

قال السيوطي: أي لا تستحسن نعمنا عليهم؛ فهي استدراج.

قال البقاعي: أي وإن أنفقوها في سبيلي وجهزوا بها الغزاة. فإن ذلك عن غير إخلاص منهم ولا حسن نية ولا جميل طوية، وإنما هو لما أذلهم من عزة الإسلام وأخافهم من سطوة الانتقام فهو من جملة العذاب.

قال الواحدي في الوسيط: يعني بالإعجاب السرور بما يتعجب منه، يقول: لا تستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد فإن العبد إذا كان مستدرجا كثُر مالُه وولُده.

قال السمرقندي: يعني كثرة أموالهم وأولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا.

قلت ( عبدالرحيم ): ونظيره قوله تعالى عن المنافقين في سياق ذمهم؛ محذرا نبيه من ظاهرهم ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ): قال الجصاص: فأعلم الله تعالى نبيه ضمائرهم لئلا يغتر بظاهر أقوالهم وجعله عبرة لنا في أمثالهم لئلا نتكل على ظاهر أمور الناس وما يبدونه من أنفسهم.

قال الطبري: وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها.

وقوله عن الكفار عامة ( لا يغرنكم تقلب الذين كفروا في البلاد ). انتهى

قوله «ولا أولادهم»: فإن قلت: ما جريرة الأبناء في الكلام عن المنافقين؟

قال البقاعي: وعطف عليها الأولاد لمشاركتها لها في الملاذ والقوة والاستعمال في الجهاد.

قوله «إنَّمَا يريد الله ليعذبهم»: بها في الآخرة لأنهم منافقون.
قاله الشوكاني.

قال البقاعي: أي لأجل أن يعذبهم.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( إنما يريد الله ليعذبهم بها ): فيه دليل على إثبات صفة الإرادة لله – تقدس اسمه – على ما يليق به؛ والأدلة كثيرة جدا؛ فمنها:

قوله تعالى ( فعال لما يريد): إرادة تامة نافذة، إذ ليس كل من أراد؛ يستطيع أن يفعل؛ ( يريدون ليطفئوا نور الله ) زعموا!
وقوله ( ولكن الله يفعل ما يريد )،
وقوله ( إن الله يحكم ما يريد )،
وقوله ( يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة )،
وقوله ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )،
وقوله ( يريد الله أن يخفف عنكم )،
وقوله ( و الله يريد أن يتوب عليكم )،
وقوله ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم )،
وقوله ( لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذنا من لدنا )،
وقوله ( إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره )،
وقوله ( ولكن يريد ليطهركم )،
وقوله ( وإن يردك بخير فلا راد لفضله )،
وقوله ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء )،
وقوله (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته)،
وقوله ( يريد الله ليبين لكم )،
وقوله ( من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )،
وقوله ( قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا )،
وقوله ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ):

فإن قلت: ما وجه استدلالك بهذه الآية على اثبات صفة من صفات الله؛ وقد سيقت هذه الآية على لسان الكفار، والمنافقين؟

قلت: كالحال في قوله عن إبليس ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ): ففيه صفة العزة لله جل شأنه؛
فإقرار الله لهم بقولهم: ماذا أراد؛ فلو لم يكن له إرادة لنفى هذا؛ كما في آيات كثيرة؛ يذكر الله -جلا وعلا- كلام الكفار ثم يتبعه بالرد، وإقامة الحجة عليهم كما في قوله ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا )! فرد الله عليهم بقوله ( لقد جئتم شيئا إدا ): عظيما. كما استدل أهل العلم على اثبات صفة العلو لله تقدس اسمه بقوله على لسان فرعون ( يا هامان ابني لي صرحا لعلي أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع الى اله موسى ): فوجه الدلالة عدم إنكار الله على لسان موسى أن يرد على فرعون قوله بأن الله ليس في السماء، فلو لم يكن كذلك؛ لقال موسى: ربي ليس في السماء؛ حتى تدعو هامان ببناء الصرح - مثلا-، ولم أقل أنه في السماء، لكن لعلم فرعون بعقيدة موسى أن ربه في السماء؛ قال مقالته. ولست بالطبع بصدد الحديث عن علو الله بالتفصيل؛ وإلا فهي ثابتة بدلالة النص، والفطرة السليمة.

قوله «بها في الحياة الدنيا»: يعني: بالمصائب فيها فهي لهم عذاب وللمؤمن أجر.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال البقاعي: أي تارة بجمعها وتربيتها وتارة ببذلها كرها في سبيل الله أو في تزكيتها وتارة بغير ذلك.

قلت ( عبدالرحيم ): فكونهم ينفقون، ويبذلون من أموالهم، وأرواحهم في الغزو كما يبذله أهل الإسلام وهم كارهون كما قال الله ( ولا ينفقون إلا وهم كارهون )؛ فهذا وحده عذاب عليهم؛ لأنهم مسلمون ظاهرا قال الإيجي: بزكاتها والنفقة في سبيل الله على كره والتعب في جمعها والوجل في حفظها والشدائد والمصائب فيها فهي لهم عذاب وللمؤمنين أجر.

قال النحاس: فيه تقديم وتأخير المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية.

قال السيوطي: بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب.

قال الزجاج: معناه - والله أعلم - فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الدنيا، إنمايريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.

ويجوز والله أعلم: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا أي هم ينفقونها في الدنيا، وهم منافقون فهم متعذبون بإنفاقها إذ كانوا ينفقونها على كره. انتهى

قوله «وتزهَق »: تخرج.
قاله الإيجي، والبقاعي، وغيرهم.

قال صديق حسن خان، وغيره: الزهوق الخروج بصعوبة.

قلت ( عبدالرحيم ): فتدبر كلام الله؛ الذي هو أعلم بسوء حالهم عند موتهم؛ فلم يقل: تخرج أنفسهم – مثلا – ولم يصفها بالموت؛ إنما قال وتزهق أنفسهم؛ تخرج بصعوبة لأمور؛ منها: إقبالهم على سوء العذاب وسخط الله، حزنهم على ما فاتهم من الدنيا، بخلاف أهل الإيمان فعندها ( تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ): لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه، ولا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا؛ فما عند الله خير للأبرار.

قوله «وتزهَق أنفسهم وهم كافرون»: تخرج أنفسهم وهم كافرون.

قال مكي أي: تخرج وهم على كفرهم.

قال أبو السعود: فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة وأصل الزهوق الخروج بصعوبة.

قال البقاعي: أي وإنما يريد بتمكينهم منا لأجل أن يخرج وقت الموت بغاية الصعوبة.

قلت ( عبدالرحيم ): ووجه أن أهل النفاق يعانون شدة الموت وعذابه، وشدة ألمهم لفراق المال الكثير والولد؛ فكانت هذه النعم من الله عليهم؛ محض عذاب في الدنيا قبل الآخرة. قال الإيجي: أي يموتوا كافرين مشتغلين بصعوبة فراق المستلذات الدنيوية غافلين عن النظر في العاقبة. قال البقاعي : وهكذا كل من أراد استدراجه سبحانه فإنه في الغالب يكثر أموالهم وأولادهم لنحو هذا لأنهم إذ رأوا زيادتهم بها على بعض المخلصين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم وحسن حالتهم فيستمرون عليها حتى يموتوا فهو سبحانه لم يرد بها منحتهم بل فتنتهم ومحنتهم.

قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: تهْلك وَتبطل.

قال الثعلبي: أي تخرج وتذهب أنفسهم على الكفر.
وبنحوه قال السمرقندي.

قال الماوردي: تهلك بشدة.

قال الزجاج: معناه، وتخرج أنفسهم أي يغلظ عليهم المكروه حتى تزهق أنفسهم.

قال الجرجاني: ( وتزهق ): تتلاشى وتبطل.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وتزهق أنفسهم وهم كافرون ): أي تخرج وهم كافرون. قال الجوهري: وزهقت نفسه تزهق زهوقا، أي خرجت.
قلت: فيه دليل على أن الله يضل من يشاء – عدلا -، بخلاف مجوس هذه الأمة – أعني القدرية.
وقد سجدت لله شكرا لما وقعت عيني على كلام السمعاني – رحمه الله – لما قال: وقوله ( وتزهق أنفسهم وهم كافرون): تخرج أنفسهم وهم كافرون. وفي الآية رد على القدرية، وهو ظاهر. انتهى كلامه.

ووجه الدلالة؛ قوله تعالى ( إنما يريد الله ليعذبهم بها) ثم قال: ( وتزهق أنفسهم ) : أي تخرج وهم كفار.

فالله الذي أراد أن تخرج وهم على الكفر؛ كما أراد أن يعذبهم؛ ولا نقول بالجبر؛ فهذا وبضميمة قوله ( لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون )، وقوله ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) على التفصيل المعلوم لدى السلف.
انتهى

قوله «ويحلفون بالله »: أي المنافقون.
قاله السيوطي.

قوله «إنهم لمنكم»: يزعم المنافقون أنهم منكم في الدين والإسلام ؛ وليسوا كذلك؛ بل هم من المنافقين. إذ الله قال عنهم ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض )، فليسوا منكم.

قال الواحدي في الوجيز: أي إنهم مؤمنون وليسوا مؤمنين.

قوله «وما هم منكم»: فإنهم منافقون؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله.

قوله « ولكنهم قوم يفرقون»: يخافون.
قاله الثعلبي، والإيجي، والسيوطي، وغيرهم.
وزاد الإيجي: فيحلفون تقية.

قال السيوطي: تخافون أن تفعلوا بهم كالمشركين فيحلفون تقية.

قال في الوجيز: يخافون فيحلفون تقية لكم.
قال أبو السعود: فيظهرون الإسلام تقية ويؤيدونه بالأيمان الفاجرة.

قلت ( عبدالرحيم ): مصداقا لقوله تعالى ( اتخذوا أيمانهم جنة ): قال ابن قتيبة: أي استتروا بالحلف. وقال غلام ثعلب: أي: سلاحا.

قال الجرجاني: الفَرق الخوف والخشية وفيه دليل أن من تحقق خوفه من غير الله لم يكن مؤمنا.

قال البقاعي: أي يخافون منكم على دمائهم خوفا عظميا يفرق همومهم فهو الملجىء لهم إلى الحلف كذبا على التظاهر بالإسلام.
_____
المصدر:
غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، النكت والعيون للماوردي، الكشف والبيان للثعلبي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، أحكام القرآن للجصاص،، نظم الدرر في تناسب ألآيات والسور للبقاعي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، تفسير الطبري، درج الدرر للجرجاني، تفسير السمعاني، فتح القدير للشوكاني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، الصحاح للجوهري، تفسير الجلالين.

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
عودة
أعلى