محمد محمود إبراهيم عطية
Member
في وداع رمضان
ها هو رمضان يوشك أن يحرك أوتاد خيمته مؤذنًا برحيل ؛ مما يستدعي وقفة حساب .
ليسأل كل مسلم نفسه : ها قد جاء رمضان وأوشك على الرحيل ، فهل ستخرجين يا نفس منه بمغفرة الذنوب والعتق من النار ؟ أم ماذا سيكون أمرك ؟
هل خرجت أيتها النفس من رمضان بتقوى الله تعالى ، لتكون زادَك في طريقك إلى الآخرة ؟ أم أنك كنت غافلة عن زاد الطريق ؟ ] وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [ [ البقرة : 197 ] .
رمضان سوق ، والجميع فيه تجار ، فبعضهم ربحت تجارته ، والبعض خسرت تجارته ، وهناك من يخرج من رمضان لا له ولا عليه .
فالصنف الأول هو الفائز ؛ هنيئًا له .
والصنف الثاني هو الذليل مرغومُ الأنفِ ، عياذًا بالله تعالى .
والثالث ناله تعب ومشقة ، ولم يخرج بشيء ، فهو نوع خسران ولا شك .
كان ابن مسعود t يقول : من هذا المقبول منا فنهنيه ، ومن هذا المحروم فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا لك ، أيها المحروم جبر الله مصيبتك .
كم من الخير فات من فاته خير رمضان ؟ وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان ؟
كم بين من حظه فيه القبول ، ومن كان حظه الخيبة والخسران ؟
أيها الفائز هنيئًا لك ! أبشر بأجر بلا حساب ، أبشر بدخولك من باب الريان لا ظمأ بعده أبدًا ، أبشر بشفاعة القرآن والصيام .
ويا من قصرت بك الهمة ، وقصَّرت في صيامك وقيامك ، استدرك على نفسك في السويعات الآتية ، ارفع يديك متضرعًا باكيًا ، واقتبس من كلام ربك داعيًا : ] يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا [ [ يوسف : 88 ] .
صيامنا مجروح ، وقيامنا مجروح ، ولا نطمع إلا فيما عندك ، فاغفر لنا تقصيرنا ، وهيء لنا من أمرنا رشدًا .
ترَحَّلَ شهرُ الصبرِ والهفاهُ وانصرما ... واخْتُصَ بالفوزِ في الجناتِ من خدما
من فاتَهُ الزرعُ في وقتِ البدارِ فما ... تـراهُ يحصـدُ إلا الهـمَ والندمـا
أقول : كل ذلك عندنا ، أين من كان إذا صام صان الصيام ؟ وإذا قام استقام في القيام ؟
إخوتي وأخواتي :
إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل ، ولم يبق منه إلا القليل ، فمن كان منكم قد أحسن فيه فعليه التمام ، ومن فرط فليختمه بالحسنى فيما بقي منه ؛ يشهد له عند ربه . وإنما الأعمال بالخواتيم .
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا ، وتجاوز عن تقصيرنا ...آمين .