في طريق تحصيل العلم وأخطاء يجب الحذر منها للشيخ بن عثيمين رحمه الله

إنضم
31/08/2004
المشاركات
56
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
أخواني الكرام
نقلت لكم هذا الموضوع من كتاب العلم للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وبالتأكيد أن بعضكم قد أطلع على كتاب الشيخ وقرأه ولكن البعض لم يقرؤه وما يكتبه مثل ذلك العالم وأمثاله ممن أمضوا سنين طويلة في الطلب والتعليم كنز ثمين وسراج يستضيء به طالب العلم في طريق الطلب ولهذا فقد نقلت لكم هذا الموضوع من كتاب الشيخ .

في طريق تحصيل العلم وأخطاء يجب الحذر منها



الفصل الأول
طريق تحصيل العلم

من المعلوم أن الإنسان إذا أراد مكاناً فلا بد أن يعرف الطريق الموصل إليه، وإذا تعددت الطرق فإنه يبحث عن أقربها وأيسرها؛ لذلك كان من المهم طالب العلم أن يبني طلبه للعلم على أصول، ولا يتخبط عشواء، فمن لم يتقن الأصول حرم الوصول، قال الناظم :
وبعـد فالعلم بحـور زاخـرة لن يبلـغ الكـادح فيـه آخـره
لكـن في أصـوله تســهيلاً لنيلـه فاحـرص تجـد سـبيلاً
اغتنم القـواعد الأصـــولا فمـن تفتـه يحرم الوصــولا
فالأصول هي: العلم والمسائل فروع، كأصل الشجرة وأغصانها إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك
لكن ما هي الأصول؟
هل هي القواعد والضوابط ؟
أو هي القواعد والضوابط ؟
أو كلاهما ؟
الجواب : الأصول هي أدلة الكتاب والسنة، والقواد والضوابط المأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة، وهذه من أهم ما يكون لطالب العلم، مثلاً المشقة تجلب التيسير هذا من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة. من الكتاب من قوله تعالي:]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [ (الحج: الآية 78) ومن السنة: قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران بن حصين: (( صلَ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع على جنب )) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم (( إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم )) (2) . هذا أصل لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناء على هذا الأصل، ولكن لو لم يكن عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان أشكل عليك الأمر.
ولنيل العلم طريقان:
أحدهما: أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها، والتي ألفها علماء معروفون بعلمهم، وأمانتهم، وسلامة عقيدتهم من البدع والخرافات.
وأخذ العلم من بطون الكتب لا بد أن الإنسان يصل فيه إلى غاية ما. لكن هناك عقبتان:
العقبة الأولى:
الطول، فإن الإنسان يحتاج إلى وقت طويل، ومعاناة شديدة، وجهد جهيد حتى يصل إلى ما يرومه من العلم، وهذه عقبة قد لا يقوى عليها كثير من الناس، لاسيما وهو يرى من حوله قد أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة ، فيأخذه الكسل ويكل ويمل ثم لا يدرك ما يريد.
العقبة الثانية: أن الذي يأخذ العلم من بطون الكتب علمه ضعيف غالباً ، لا ينبني عليه قواعد أو أصول، ولذلك نجد الخطأ الكثير من الذي يأخذ العلم من بطون الكتب لأنه ليس له قواعد وأصول يقٌعد عليها ويبني عليها الجزئيات التي في الكتاب والسنة نجد بعض الناس يمر بحديث ليس مذكوراً في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح والمسانيد وهذا الطريق يخالف ما في هذه الأصول المعتمدة هند أهل العلم، بل عند الأمة ، ثم يأخذ بهذا الحديث ويبني عقيدته عليه، وهذا لاشك أنه خطأ؛ لأن الكتاب والسنة لهما أصول تدور عليها الجزئيات ، فلابد أن ترد هذه الجزئيات إلى أصول، بحيث إذا وجدنا في هذه الجزئيات شيئاً مخالفاً لهذه الأصول لا يمكن الجمع فيها، فإننا ندع هذه الجزئيات.
الثاني: من طرق تحصيل العلم أن تتلقى ذلك من معلم موثوق في علمه ودينه، وهذا الطريق أسرع وأتقن للعلم؛ لأن الطريق الأول قد يضل فيه الطالب وهو لا يدري إما لسوء فهمه، أو قصور علمه، أو لغير ذلك من الأسباب، أما الطريق الثاني فيكون فيه المناقشة والأخذ والرد مع المعلم فينفتح بذلك للطالب أبواب كثيرة في الفهم، والتحقيق، وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة، ورد الأقوال الضعيفة، وإذا جمع الطالب بين الطريقين كان ذلك أكمل وأتم ، وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم،
وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها حتى يكون مترقياً من درجة إلى درجة أخري فلا يصعد إلى درجة حتى يتمكن من التي قبلها ليكون صعوده سليماً.





الفصل الثاني
أخطاء يجب الحذر منها
وهناك أخطاء يرتكبها بعض طلبة العلم:
منها الحسد:
وهو: كراهة ما أنعم الله به على غيره، وليس هو تمني زوال نعمة الله على الغير، بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، فهذا هو الحسد سواء منى زواله أو أن يبقى ولكنه كاره له.
كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- فقال: (( الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيره)).
والحسد قد لا يخلو منه النفوس، يعني قد يكون اضطرارياً للنفس، ولكن جاء في الحديث: (( إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت لا تحقق )) (1)، يعني أن الإنسان يجب عليه إذا رأى من قلبه حسداً للغير ألا يبغي عليه بقول أو فعل، فإن ذلك من خصال اليهود الذين قال الله عنهم: ] )أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (النساء الآية:54)

ثم إن الحاسد يقع في محاذير:
أولاً: كراهيته ماقدره الله، فإن كراهته ما أنعم الله به على هذا الشخص كراهة لما قدره كوناً ، ومعارضة لقضاء الله – عز وجل –
ثانيا: أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل الناس الحطب؛ لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود بذكر ما يكره وتنفير الناس عنه، والحط من قدره وما أشبه ذلك ، وهذا من كبائر الذنوب التي قد تحيط بالحسنات.
ثالثا: مايعق في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلاً ، فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم وضاق صدره؛ وصار يراقب هذا الشخص كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن واغتم وضاقت عليه الدنيا.
رابعا: أن في الحسد تشبهاً باليهود ، معلوم أن من أتى خصلة من خصال الكفار صار منهم في هذه الخصلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) (1)
خامساً: أنه مهما كان حسده ومهما قوي لا يمكن أبداً أن يرفع نعمة الله عن الغير، إذا كان هذا غير ممكن فكيف يقع في قلبه الحسد.
سادساً: أن الحسد ينافي كمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن لأحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) (1) ولازم هذا أن تكره أن تزول نعمة الله على أخيك، فإذا لم تكو تكره أن تزول نعمة الله عليك فأنت لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك وهذا ينافي كمال الإيمان.
سابعاً: أن الحسد يوجب إعراض العبد عن سؤال الله تعالى من فضله، فتجده دائما مهتماً بهذه النعمة التي أنعـم الله بها على غيره ولا يسأل الله من فضله، وقـد قال الله تعالي: ] وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه[ (النساء الآية: 32) .
ثامناً أن الحسد يوجب ازدراء نعمة الله عليه، أي أن الحاسد يرى أنه ليس في نعمة ، وأن هذا المحسود في نعمة أكبر منه، وحينئذ يحتقر نعمة الله عليه فلا يقوم بشكرها بل يتقاعس.
تاسعا: الحسد خلق ذميم؛ لأن الحاسد يتتبع نعم الله على الخلق في مجتمعه، ويحاول بقدر ما يمكنه أن يحول بين الناس وبين هذا المحسود بالحط من قدره أحياناً، وبازدراء ما يقوم به من الخير أحياناً إلى غير ذلك.
عاشراً: إن الحاسد إذا حسد فالغالب أن يعتدي على المحسود وحينئذ يأخذ المحسود من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطٌرح عليه ثم طٌرح في النار.
والخلاصة: أن الحسد خلق ذميم، ومع الأسف أنه أكثر من يوجد بين العلماء وطلبة العلم، ويوجد بين التجار فيحسد بعضهم البعض، وكل ذي مهنة يحسد من شاركه فيها، لكن مع الأسف أنه بين العلماء أشد وبين طلبة العلم أشد مع أنه كان الأولى والأجدر أن يكون أهل اللم أبعد الناس عن الحسد وأقرب الناس إلى كمال الأخلاق.
وأنت يا أخي إذا رأيت الله قد أنعم على عبده نعمة ما فاسع أن تكون مثله ولا تكره من أنعم الله عليه فقل: اللهم زده من فضلك وأعطني أفضل منه، والحسد لا يغير شيئا من الحال لكنه كما ذكرنا آنفاً فيه هذه المفاسد وهذه المحاذير العشرة، ولعل من تأمل وجد أكثروالله المستعان.
ومنها الإفتاء بغير علم:
الإفتاء منصب عظيم، به يتصدى صاحبه لبيان ما يشكل على العامة من أمور دينهم، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم؛ لذلك كان هذا المنصب العظيم لا يتصدر له إلا من كان أهلاً له لذلك يجب على العباد أن يتقوا الله تعالى وأن لا يتكلموا إلا عن علم وبصيرة، وأن يعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للخلق إلا الله ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله، فهو الذي يوجب الشيء، وهو يحرمه، وهو الذي يندب إليه ويحلله، ولد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالي:] قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [ (يونس الآية:59)
] )وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَة [ (يونس الآيتان: 59، 60) وقال تعالي: ] وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [ ] مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النحل الآيتان: 116 ، 117) وإن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيء إنه حلال وهو لا يدري ما حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء إنه حرام وهو لا يدري عن حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه، ويقول عن الشيء إنه غير واجب هو لا يدري أن الله لم يوجبه، إن هذه جناية وسوء أدب مع الله – عز وجل -.
كيف تعلم أيها العبد أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم ؟ لقد قرن الله القول عليه بلا علم بالشرك به ، فقال سبحانه: ] قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [ (لأعراف ،الآية:33) .
وإن كثيراً من العامة يفتي بعضهم بعضاً بما لا يعلمون فتجدهم يقولون هذا حلال،أو حرام،أو واجب،أو غير واجب، وهم لا يدرون عن ذلك شيئاً ، أفلا يعلم هؤلاء أن الله تعالى سائلهم عما قالوا يوم القيامة .
أفلا يعلم هؤلاء أنهم إذا أضلوا شخصاً فأحلوا له ما حرم الله ، أو حرَّموا ما أحل الله له فقد باءوا بإثمه وكان عليهم مثل وزر ما عمل وذلك بسبب ما أفتوه به.
إن بعض العامة يجني جناية أخرى فإذا رأى شخصاً يريد أن يستفتي عالماً يقول له هذا عالمي لا حاجة أن تستفتي ،هذا أمر واضح ، هذا حرام مع أنه في الواقع حلال فيحرمه ما أحل الله له ، أو يقول له: هذا واجب فيلزمه بما لم يلزمه الله به، أو يقول هذا غير واجب في شريعة الله فيسقط عنه ما أوجب الله عليه، أو يقول هذا حلال وهو في الواقع حرام، وهذه جناية منه على شريعة الله، وخيانة لأخيه المسلم حيث أفتاه بدون علم، أرأيتم لو أن شخصاً سأل عن طريق بلد من البلدان، فقلت الطريق من هنا وأنت لا تعلم أفلا يعد الناس ذلك خيانة منك؟ فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها شيئاً؟!
وإن بعض المتعلمين أنصاف العلماء يقعون فيما يقع فيه العامة من الجرأة على الشريعة في التحليل والتحريم والإيجاب فيتكلمون فيما لا يعلمون، ويجملون في الشريعة ويفصلون، وهم من أجهل الناس في أحكام الله، إذا سمعت الواحد منهم يتكلم فكأنما ينزل عليه الوحي فيما يقول من جزمه وعدم تورعه، لا يمكن أن ينطق ويقول: لا أدري مع أن عدم العلم هو صفة الحق الثابت ومع ذلك يصر بناء على جهله على أنه عالم فيضر العامة؛ لأن الناس ربما يثقون بقوله ويغترون به، وليت هؤلاء القوم يقتصرون على نسبة الأمر إليهم لا بل تراهم ينسبون ذلك للإسلام فيقولون: الإسلام يرى كذا، وهذا لا يجوز إلا فيما علم القائل أنه من دين الإسلام، ولا طريق إلى ذلك إلا بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله ،أو إجماع المسلمين عليه .
إن بعض الناس لجرأته وعدم ورعه وعدم حيائه من الله وعدم خوفه منه يقول عن الشيء المحرم الواضح تحريمه ما أظن هذا حرام، أو عن الشيء الواجب والواضح وجوبه يقول ما أظن هذا واجباً، إما جهلاً منه، أو عناداً ومكابرة، أو تشكيكاً لعباد الله في دين الله .
أيها الإخوة: إن من العقل والإيمان ومن تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم لا أعلم، لا أدري، اسأل غيري، إن ذلك من تمام العقل؛ لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به، ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها، وإن ذلك أيضاً من تمام الإيمان بالله وتقوى الله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه في دينه مالا يعلم، ولقد كان رسول الله e وهو أعلم الخلق بدين الوحي فيجيب الله سبحانه عما سئل عنه نبيه ] يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [ (المائدة الآية: 4) ] وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرا [ (الكهف الآية:83) ] يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [ (لأعراف الآية: 187) ولقد كان الأجلاء من الصحابة، تعرض لهم المسألة لا يدرون حكم الله فيها فيهابونها ويتوقفون فيها.
فها هو أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – يقول: (( أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم)).
وهاهو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها، قال ابن سيرين: لم يكن أحد أهيب مما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر، وقال ابن مسعود – رضي الله عنه :- (( أبها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم ، فأن مع العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم)). وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال له أصحابه: قد استحيينا لك، فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: ] لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [ (البقرة الآية:32) .
وهناك أمثلة كثيرة على الإفتاء بغير علم، أن المريض إذا تنجست ثيابه ولم يمكن أن يطهرها يفتى بأنه لا يصلي حتى يطهر ثيابه، وهذه فتوى كاذبة خاطئة باطلة ، فالمريض يصلي ولو كان عليه ثياب نجسه’ ، ولو كان بدنه نجساً إذا كان لا يستطيع أن يطهر ذلك، لأن الله يقول: ] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم[ (التغابن الآية: 16) فيصلي المريض على حسب حاله وعلى حسب ما يقدر عليه، يصلى قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه يومىء برأسه إذا استطاع، فإن ، فإن لم يستطع أو ما بعينه عند بعض أهل العلم، فإن لم يستطع الإيماء بعينه وكان معه عقه فلينو الفعل بقلبه وليقل القول بلسانه مثلا: يقول الله أكبر ثم يقرأ الفاتحة وسورة ، ثم يقول: الله أكبر وينوى أنه راكع، ثم يقول سمعه الله لمن حمده وينوي أنه رفع الركوع، ثم يقول هكذا في السجود وبقية أفعال الصلاة، ينوي الفعل الذي لا يقدر عليه، ينويه بقلبه ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.
وبسبب هذه الفتوى الكاذبة الخاطئة يموت بعض المسلمين وهم لا يصلون من أجل هذه الفتوى الكاذبة، ولو أنهم علموا أن الإنسان المريض يصلي على أي حال لماتوا وهم يصلون .
ومثل هذه المسألة وأشباهها كثير فيجب على العامة أن يتلقوا أحكامها من أهل العلم حتى يعرفوا بذلك حكم الله – عز وجل – وحتى لا يقولوا في دين الله ما يعلمون.
ومنها: الكبر:
وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال :
(( الكبرٌ بطَرٌ الحق وغًمْطٌ الناس )) (1)
وبطر الحق هو : رد الحق، وغمط الناس يعني احتقارهم، ومن الكبرياء ردك على معلمك، والتطاول عليه وسوء الأدب معه، وأيضا استنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وهذا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم استنكف ولم يقبل، وتقصيرك عن العمل بالعلم عنوان حرمان – نسأل الله العافية -:
وفي هذا يقول القائل:
العلــم حــربٌ للفتى المتعــالي كالسيل حربٌ للمكــان العــالي
ومعنى البيت:
أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يدرك العلم؛ لأن العلم حرب له كالسيل حرب للمكان العالي، لأن المكان العالي ينفض عنه السيل يميناً وشمالاً ولا يستقر عليه، كذلك العلم لا يستقر مع الكبر والعلو، وربما يسلبٌ العلم بسبب ذلك.
ومنها : التعصب للمذاهب والآراء:
فيجب على طالب العلم أن يتخلى عن:
الطائفية والحزبية بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين فهذا لا شك خلاف منهج السلف، فالسلف الصالح ليسوا أحزاباً بل هم حزب واحد، ينضوون تحت قول الله – عز وجل -: ] هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل ُ[ (الحج: الآية78) .
فلا حزبية ولا تعدد، ولا موالاة ، ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة، فمن الناس مثلاً من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليلاً عليه، ويحامي دونها، ويضلل من سواه حتى وإن كانوا أقرب إلى الحق منها، ويأخذا مبدأ: من ليس معي فهو على، وهذا مبدأ خبيث؛ لأن هناك وسطاً بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك بالحق، فليكن عليك وهو في الحقيقة معك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) (1) ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام، ولهذا لما ظهرت الأحزاب في المسلمين، وتنو عن الطرق، وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضاً، ويأكل لحم أخيه ميتاً، لحقهم الفشل كما قال الله تعالي:] وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [ (لأنفال: الآية46) لذلك نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه، ويرى أن شيخه هو العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل أو مفسد، وهذا غلط كبير، بل يجب أخذ قول من وافق قوله الكتاب والسنة وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنها: التصدر قبل التأهل:
مما يجب الحذر منه أن يتصدر طالب العلم قبل أن يكون أهلاً للتصدر ؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلاً على أمور:
الأمر الأول : إعجابه بنفسه حيث تصدر فهو يرى نفسه عَلَم الأعلام.
الأمر الثاني : أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته للأمور؛ لأنه إذا تصدر، ربما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، إذ أن الناس إذا روأوه متصدراً أو ردوا عليه من المسائل ما يبين عواره.
الأمر الثالث: أنه إذا تصدر قبل أن يتأهل لزمه أن يقول على الله ما لا يعلم؛ لأن الغالب أن من كان هذا قصده، أنه لا يبالي ويجب على كل ما سٌئِلَ ويخاطر بدينه وبقوله على الله – عز وجل – بلا علم.
الأمر الرابع: أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق، لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره ولو كان معه الحق كان هذا دليلاً على أنه ليس بعالم.
ومنها: سوء الظن:
فيجب على طالب العلم الحذر من أن يظن بغيره ظناً سيئاً مثل أن يقول: لم يتصدق هذا إلا رياء، لم يلق الطالب هذا السؤال إلا رياءً ليعرف أنه طال فاهم، وكان المنافقون إذا أتى المتصدق من المؤمنين بالصدقة، إن كانت كثيرة قالوا: مرائي، وإذا كانت قليلة قالوا: إن الله غني عن صدقة هذا كما قال الله عنهم: ] الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (التوبة الآية:79) فإياك وسوء الظن بمن ظاهره العدالة، ولا فرق بين أن تظن ظناً سيئاً بمعلمك أو بزميلك، فإن الواجب إحسان الظن بمن ظاهر العدالة، أما من ظاهره غير العدالة فلا حرج أن يكون في نفسك سوء ظن به ، لكن مع ذلك عليك أن تتحقق حتى يزول ما في نفسك من هذا الوهم ، لأن بعض الناس قد يسيء الظن بشخص ما بناء على وهم كاذب لا حقيقة له.
فالواجب إذا أسأت الظن بشخص، سواء من طلبة العلم أو غيرهم، الواجب أن تنظر هل هناك قرائن واضحة تسوغ لك سوء الظن فلا بأس، وأما إذا كان مجرد أوهام فإنه لا يحل لك أن تسيء الظن بمسلم ظاهره العدالة، قال تعالي: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ [ (الحجرات الآية:12) لم يقل كل الظن؛ لأن بعض الظنون لها أصل ولها مبرر
( إن بعض الظن إثم ) وليس لك الظن، فالظن الذي يحصل فيه العدوان على الغير لا شك أنه إثم، وكذلك الظن الذي لا مستند له، وأما إذا كان له مستند فلا بأس أن تظن الظن السيء بحسب القرائن والأدلة.
لذلك ينبغي للإنسان أن ينزل نفسه منزلتها، وأن لا يدنسها بالأقذار، وأن يحذر هذه الأخطاء مما تقدم؛ لأن طالب العلم شرفه الله بالعلم وجعله أسوة وقدوة، حتى أن لله رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء فقال: ] فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ ( الأنبياء الآية: 7) وقال تعالى: ] وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(النساء الآية: 83) فالحاصل أنك يا طالب العلم محترم، فلا تنزل بنفسك إلى ساحة الذل والضعة، بل كن كما ينبغي أن تكون.
 
عودة
أعلى