في التدبر

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
53
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1


من المعلوم أن التدبر من أهم مقاصد إنزال القرآن الكريم، كما قال تعالى:" كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)"-ص-، وقد ذم الله تعالى من أعرض عن هذا التدبر كما في قوله تعالى:" أفلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)"-النساء-، وفي قوله جل شأنه:" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)"-محمد-، و "التدبر عند أهل اللغة هو التفكر، ولكن مادة الكلمة تدور حول أواخر الأمور و عواقبها و أدبارها، فالتدبر هو النظر في عواقب الأمور و ما تؤول إليه، و من هذا نستطيع أن نفهم أن التدبر هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة " –قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عزوجل:10- ، فمعنى تدبر القرآن: "التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه وإدارك معانيه وحكمه والمراد منه "اهـ: مفاتح تدبر القرآن:8-.
وكل مسلم مأمور بتدبر القرآن لأنه مأمور بالعمل به، ولا يتأتى العمل بالشيء دون فهمه وتدبره، وهذا التدبر ميسر كل اليسر بدلالة قوله تعالى:" :" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)"-القمر-" أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم..."-السعدي:825-، ويقول جل وعلا:" فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)"-مريم-فيسر الله سبحانه ألفاظه ومعانيه، ليحصل المقصود منه والانتفاع به.
لكن يلاحظ أن كلمة التدبر على وزن تفعل، بتضعيف العين، فيدل على شيء من الجهد في تحقيقه، يقول الدكتور الطيار حفظه الله تعالى:" "وجاء-أي لفظ التدبر- على صيغة التفعل، ليدل على تكلف الفعل، وحصوله بعد جهد، و التدبر: حصول النظر في الأمر المتدبر مرة بعد مرة."اهــ-مفهوم التفسير و التأويل و الاستباط و التدبر و المفسر:185-، وهذا ما يفيهم من كلام العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى:"والتدبر : إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له . وأصله أنه من النظر في دُبُر الأمر ، أي فيما لا يظهر منه للمتأمل بادىء ذي بدء"التحرير و التنوير:18/87-،"والتدبر : التفهم في دُبر الأمر ، أي ما يخفى منه .."اهــ .26/113.
إذن فكيف يمكن التوفيق بين كون التدبر مأمورا به وأن ذلك في غاية التيسير كما دلت عليه الآيات السالفة الذكر، وبين صيغة اللفظ التي تفيد بدل الجهد والوسع في تحقيق هذا التدبر، وهذا قد لايستطيعه كثير من الناس؟
الذي يظهر –والله أعلم- أن التدبر وإن أفادت صيغته بذل الوسع والجهد في تحقيقه، لكن كل يقوم به بحسب طاقته وبقدر وسعه، والله تعالى يقول:" لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا".
فالعامي من الناس حينما يقرأ آيات في التوحيد كقوله تعالى:" فاعلم أنه لا إله إلا الله" يفهم أن هذه كلمة التوحيد وشهادة الحق الذي لا بد منها للدخول في دين الإسلام، وحينما يقرأ في الأحكام –مثلا- :" وأحل الله البيع وحرم الربا" يفهم تحليل البيع وتحريم الربا بأشكاله وهكذا، ولا ريب أن هذا لايحتاج كثير جهد ولاكبير وسع، فيعمل بحسب ما استطاع فهمه وتعلمه، يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى:" أدلة الكتاب والسنة، دالة على وجوب تدبر الوحي، وتفهمه وتعلمه والعمل بكل ما علم منه، علما صحيحا قليلا كان أو كثيرا."اهــــ من الأضواء.
وما أجمل ما سطره العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى : " فإن من قرع سمعه قوله تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(20) سورة المزمل] يفهم معناه دون أن يعرف أن ( ما ) كلمة شرط ، و ( تقدموا ) مجزوم بها لأنه شرطها ، و ( تجدوه ) مجزوم بها لأنه جزاؤها ، ومثلها كثير ... فياليت شعري ! ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها وفهم تراكيبها ومبانيها.. حتى جعلت كالمقصورات في الخيام .. ولم يبق لنا إلاترديد ألفاظها وحروفها ... " اهــ - مفاتح تدبر القرآن:11-
أما العالم الذي وظيفته البيان ودعوة الناس وبيان الحجج وإقامة المحجات، فلا ريب أن تدبره لآيات القرآن الكريم يكون ببذل الجهد والوسع اللائق به كعالم أو مفتي.
فكل مأمور بالتدبر بحسب طاقته ووسعه.
والله تعالى أعلم وأحكم، ومن عنده تعليق أو تعقيب فلا يبخل.
 
الحسرة على أهل العلم!!!

الحسرة على أهل العلم!!!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد...جزاكم الله تعالى خيرا أخي الفاضل ناصر...قلت ان الحسرة على من منَ الله تعالى
عليه بالعلم ورزقه الفهم...ولكنه اذا كتب او تكلم أتعب الناس بألفاظه وكلماته...ولي ملاحظات على ذلك وهي_
1- ان البعض يعتقد ان الالفاظ الصعبة وكلام اهل البلاغة مما يٌستدل به على إتساع العلم والمقدرة اللغوية...
ولكن الله تعالى أستعمل أهل العلم والدعوة الى تبليغ الناس بدينه وقرآنه فقال سبحانه(
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا )مريم ( 97).... قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره-(وَقَوْلُهُ : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ ) يَعْنِي : الْقُرْآنَ ، ( بِلِسَانِكَ ) أَيْ : رسول الله محمد، وَهُوَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ الْمُبِينُ الْفَصِيحُ الْكَامِلُ ، ( لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ) أَيِ : الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ الْمُصَدِّقِينَ لِرَسُولِهِ ، ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) أَيْ : عُوَّجًا عَنِ الْحَقِّ مَائِلِينَ إِلَى الْبَاطِلِ .)إنتهى.
2- ولهذا فإني أدعو أصحاب الشهادات العليا الى التواضع مع الناس وإستخدام المصطلحات البسيطة الدالة على الفهم البعيدة
عن التكلف...مع إحترامي لهم وتقديري لجهودهم.
3- ولننظر في تدبر الناس البسطاء....سمع إعرابي قول الله تعالى(
يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 30 ) ) يس
فقال-(ويلي من أغضب الآله فقال هذا)!!! أنظر الى بساطة الالفاظ وسعة التدبر......
والله تعالى أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي محمد آل الأشرف، لعل الدافع للأخ البهيجي لأن يقول ما قال أن الله تعالى يسر كتابه الذي هو أصل العلوم الشرعية و منه تستمد، و منه يغترف كل بحسبه، وفيه بيان كل شيءكما قال تعالى في وصفه:"تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" ومع ذلك كله فهو كما قال المتكلم به سبحانه:" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)"-القمر-، فلماذا لا تيسر العلوم ويتجنب المؤلفون التقعر و التعمق في الكلام و العبارات حتى يعم النفع بما كتبوا، فلعل هذا مراد الأخ البهيجي، و الله أعلم.
ولابأس من أن أضيف إلى ما أسلفت بعض التوضيح:
قلت أن الكل مأمور بالتدبر، والمتدبرون يختلفون في درجة تدبرهم بحسب ما من الله به عليهم من الفهم و الإدراك، فكل إنسان يفهم من كلام الله تعالى بحسب ما وهبه الله تعالى من العقل، فكلما كان وافر العقل كلما كان فهمه أعمق وتدبره أكبر، والعقل من نعم الله تعالى على عباده ورزق من أرزاقه، وقد فضل الله تعالى بعضهم على بعض في أرزاقه كما قال جل في علاه:"وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ"-النحل:71-.
يقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان:" ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلا لا ينضبط لنا والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يفاضلون في فهمه تفاضلا عظيما وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات كما قال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ... والقرآن مورد يرده الخلق كلهم وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له قال تعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال } وهذا مثل ضربه الله سبحانه لما أنزل من العلم والإيمان والقلوب التي تنال ذلك شبه الإيمان بالماء النازل والقلوب بالأودية فمنها كبار ومنها صغار ... وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها طائفة أمسكت الماء فشرب الناس وسقوا ورعوا وكانت منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به من الهدى والعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ]"-درء تعارض النقل و العقل:4/82-.
والله أعلم و أحكم.
 
عودة
أعلى