أحمد طاهري
Well-known member
بسم الله الرحمـن الرحيم
( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25) )
(سورة ص: 21-25)
يقول ابن كثير في تفسيره : (( قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده ; لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد - وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة . فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله - عز وجل - فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا . ))
وبعد ذلك لم يتعمق في القصة كثيراً بل مر على الألفاظ ومعانيها ولم يعتمد على أي حديث ضعيف لفهم القصة بل إكتفى بشرح مبسط للفظ وترك التدبر للمستمع .
وفي المقابل المفسرون الذين يعتمدون على الإسرائيليات في القصة لهم باع طويل عريض مستفيض فيها ، ومن هنا نلاحظ الفجوة في التفسير حيث لا يوجد من تمعن في القصة بعمق بعيداً عن الإسرائيليات وبدون إفتراض أن الخصمان من الملائكة أو الجن أو غيرها من الإفتراضات التي تمنع من محاولة فهم الحجة التي يعتمد عليها صاحب التسعة وتسعين نعجة حتى يظن أن القاضي سيحكم له ، فلو إفترضنا أن الخصمين من البشر فلا شك أن لكل منهما وجه نظر مختلفة وحجة يرى أنها مقنعة ، ولكن لأن سيدنا داوود عليه السلام حكم قبل سماع الطرف الآخر لم يبقى لنا سوى محاولة فهم حجة الطرف الثاني فقط من خلال تمحيص دقيق لحجة الطرف الأول .
لو افترضنا أن الخصمين من الإنس (وليس ملائكة كما في بعض التفاسير)، فمن المنطقي البحث عن:
- السياق الاقتصادي والاجتماعي.
- دوافع صاحب الـ 99 نعجة و الحُجَّة الخفيَّة التي قد تُبرِّر طلبه.
تحليل السياق الاقتصادي والاجتماعي :
1. استحالة الإعاشة من نعجة واحدة:
الراعي يعتمد على المشي لمسافات طويلة بحثًا عن المراعي والمياه، خاصة في المناطق الجبلية والقفار ، مما يجعل الرعي مهمة شاقة تستغرق وقتًا طويلاً من يومه ، فالرعاة يقضون معظم النهار في رعي الأغنام، غالبًا من شروق الشمس إلى غروبها (حوالي 8–12 ساعة يوميًا) ، ورعي نعجة واحدة يتطلب نفس الوقت الذي يتطلبه رعي 99 نعجة كما أن إنتاجها (حليب، صوف) لا يكفي لإعالة فرد .
والسؤال المحوري هنا هو : مَن يُعيل صاحب النعجة الواحدة؟ والجواب البديهي من القصة هو أخاه صاحب 99 نعجة .
العلاقة الأخوية (﴿إِنَّ هَـٰذَا أَخِي﴾) توحي بوجود دعم وقرب بين الأخوين والمنطق يقتضي أن صاحب الـ 99 نعجة هو المعيل ، فهو الطرف القادر اقتصاديًّا بحكم أنه مالك لقطيع الكبير يكفي لإعالته وأخيه و 99 نعجة هي أكثر من ضعف نصاب الزكاة هذا تقريباً يكفي لإعالة أسرتين متوسطتين .
وهنا نفهم المزيد عن دوافع صاحب ال 99 نعجة فهو طلب الكفالة "فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا'' ولم يطالب بملكية نعجة أخيه .
فهدف صاحب 99 نعجة هو تحرير الأخ الفقير من إضاعة يومه في رعي نعجة واحدة بكفالتها و دفعه لاكتساب حرفة أو عمل يُعيله و تخفيف العبء عن الأخ الغني بعدم بقائه عالة.
ومن هنا يتبين أن صاحب 99 نعجة في الحقيقة هو صاحب الحق
والله أعلم
( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25) )
(سورة ص: 21-25)
يقول ابن كثير في تفسيره : (( قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده ; لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد - وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة . فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله - عز وجل - فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا . ))
وبعد ذلك لم يتعمق في القصة كثيراً بل مر على الألفاظ ومعانيها ولم يعتمد على أي حديث ضعيف لفهم القصة بل إكتفى بشرح مبسط للفظ وترك التدبر للمستمع .
وفي المقابل المفسرون الذين يعتمدون على الإسرائيليات في القصة لهم باع طويل عريض مستفيض فيها ، ومن هنا نلاحظ الفجوة في التفسير حيث لا يوجد من تمعن في القصة بعمق بعيداً عن الإسرائيليات وبدون إفتراض أن الخصمان من الملائكة أو الجن أو غيرها من الإفتراضات التي تمنع من محاولة فهم الحجة التي يعتمد عليها صاحب التسعة وتسعين نعجة حتى يظن أن القاضي سيحكم له ، فلو إفترضنا أن الخصمين من البشر فلا شك أن لكل منهما وجه نظر مختلفة وحجة يرى أنها مقنعة ، ولكن لأن سيدنا داوود عليه السلام حكم قبل سماع الطرف الآخر لم يبقى لنا سوى محاولة فهم حجة الطرف الثاني فقط من خلال تمحيص دقيق لحجة الطرف الأول .
لو افترضنا أن الخصمين من الإنس (وليس ملائكة كما في بعض التفاسير)، فمن المنطقي البحث عن:
- السياق الاقتصادي والاجتماعي.
- دوافع صاحب الـ 99 نعجة و الحُجَّة الخفيَّة التي قد تُبرِّر طلبه.
تحليل السياق الاقتصادي والاجتماعي :
1. استحالة الإعاشة من نعجة واحدة:
الراعي يعتمد على المشي لمسافات طويلة بحثًا عن المراعي والمياه، خاصة في المناطق الجبلية والقفار ، مما يجعل الرعي مهمة شاقة تستغرق وقتًا طويلاً من يومه ، فالرعاة يقضون معظم النهار في رعي الأغنام، غالبًا من شروق الشمس إلى غروبها (حوالي 8–12 ساعة يوميًا) ، ورعي نعجة واحدة يتطلب نفس الوقت الذي يتطلبه رعي 99 نعجة كما أن إنتاجها (حليب، صوف) لا يكفي لإعالة فرد .
والسؤال المحوري هنا هو : مَن يُعيل صاحب النعجة الواحدة؟ والجواب البديهي من القصة هو أخاه صاحب 99 نعجة .
العلاقة الأخوية (﴿إِنَّ هَـٰذَا أَخِي﴾) توحي بوجود دعم وقرب بين الأخوين والمنطق يقتضي أن صاحب الـ 99 نعجة هو المعيل ، فهو الطرف القادر اقتصاديًّا بحكم أنه مالك لقطيع الكبير يكفي لإعالته وأخيه و 99 نعجة هي أكثر من ضعف نصاب الزكاة هذا تقريباً يكفي لإعالة أسرتين متوسطتين .
وهنا نفهم المزيد عن دوافع صاحب ال 99 نعجة فهو طلب الكفالة "فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا'' ولم يطالب بملكية نعجة أخيه .
فهدف صاحب 99 نعجة هو تحرير الأخ الفقير من إضاعة يومه في رعي نعجة واحدة بكفالتها و دفعه لاكتساب حرفة أو عمل يُعيله و تخفيف العبء عن الأخ الغني بعدم بقائه عالة.
ومن هنا يتبين أن صاحب 99 نعجة في الحقيقة هو صاحب الحق
والله أعلم