عمرو الشاعر
New member
- إنضم
- 24/05/2006
- المشاركات
- 128
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
- الإقامة
- مصر
- الموقع الالكتروني
- www.amrallah.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, أما بعد:
فنتناول اليوم بإذن الله وعونه سورة جديدة من سور جزء عم, وهي سورة الليل. وسورة الليل من السور التي لا يوجد بها مفردات قد تغيب عن بعض القراء, فكلها والحمدلله تعالى سهلة ميسرة لكل قارئ. ولكن النقطة الرئيسة في هذه السورة هي مسألة الأقسام المذكورة في أول السورة, وهي قوله تعالى: "َاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [الليل :1-3], فما هي العلاقة بين هذه الآيات الثلاثة وبين المقسم عليه وهو قوله تعالى "ِإنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل : 4]؟ فكما قلنا مسبقا أنه لا بد من وجود علاقة قوية بين المقسم به والمقسم عليه, وكذلك بقية السورة, وإلا يصير الكلام فاقد الترابط. فما هي العلاقة بين هذه المقسم به وعليه والسورة, نبدأ متوكلين على الله فنقول:
تبدأ السورة بقوله تعالى: "والليل إذا يغشى" والغشيان معروف وهو تغطية شيء بشيء, ومنه اللفظة المشهورة "الغشاء", ونلاحظ هنا أن الله تعالى استعمل الفعل المذكور مع الليل في صيغة المضارع وهو "يغشى" وهذا يدل على الاستمرار والمداومة. ولم يذكر الله تعالى هنا أي مفعول لغشيان الليل, فلا نخصص الآية مثل آية الشمس "والليل إذا يغشاها" فنقول المراد الشمس, وإنما نتركها هكذا عامة فيكون المراد من ذلك غشيان الليل لكل ما يغشاه من كائنات وأراض وكواكب.... إلخ. والملاحظ أن الليل هو الأصل في الكون, فكل الكون غارق في ظلام دامس, ففي الفضاء على الرغم من وجود النجوم والكواكب إلا أنها لا تنير الفضاء, وإنما يراها الإنسان إذا خرج من الغلاف الجوي كمصابيح مضيئة على خلفية سوداء. ثم يقول الله تعالى في الآية التالية "والنهار إذا تجلى" ونلاحظ أن الفعل المذكور مع النهار مستعمل في صيغة الماضي "تجلى" ولم يستعمل في المضارع, وهكذا استُعمل في سورة الشمس "والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها", فلماذا استعمل الله مع الليل المضارع ومع النهار الماضي؟ بما أن الله خالف بين الإثنين فلا بد من وجود فارق, فنقول والله أعلم: إن الله تعالى يقسم هنا –وفي سورة الشمس كذلك- بالفعل الظاهر المستمر لليل وهو التغطية المستمرة والستر, -والذي هو الأصل في الكون كما قلنا "الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام : 1]"- ويقسم كذلك بفعل ماض حدث وهو تجلي النهار, فبعدما خلق الله تعالى الليل (الظلمات) كان كل الكون هكذا مظلما, فجلّى الله تعالى النهار, وحدث هذا مرة واحدة فقط وهي مستمرة لا تجدد فيها, أما الليل فهو دائم الغشيان مستمره! -أما إذا فهمنا الآيات من باب التفسير الإشاري فيمكننا القول أن المراد من الليل هو ظلمات الكفر والضلال, والنهار هو نور الوحي والهداية. وكما هو معروف فإن أسباب الضلال كثيرة متعاضدة مستمرة, لذلك استعمل الله تعالى معها صيغة المضارعة, أما الهداية فمصدرها واحد وهو الله تعالى, ولقد أتت هذه الهداية حقا مع الرسول الكريم والقرآن, لذلك استعمل الله تعالى معها صيغة الماضي!- ثم يأتي القسم الثالث وهو قوله تعالى "وما خلق الذكر والأنثى", واختلف المفسرون في المراد من هذه الآية فقالوا –كما جاء في تفسير مفاتيح الغيب-: "المسألة الأولى : في تفسيره وجوه أحدها : أي والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خلق الذكر والأنثى من ماء واحد ، وقيل : هما آدم وحواء وثانيها : أي وخلقه الذكر والأنثى وثالثها : ما بمعنى من أي ومن خلق الذكر والأنثى ، أي والذي خلق الذكر والأنثى." اهـ
والرأي المشتهر والمتعارف عليه هو أن المراد من "ما" هنا "من" وهي عائدة على الله سبحانه وتعالى, أي أن الله تعالى أقسم بخلقين من مخلوقاته ثم أقسم بعدهما بنفسه بصيغة غير العاقل! وهذا الفهم مأخوذ من فهمهم لسورة الشمس, عندما فهموا قوله تعالى "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها", فقالوا: المراد من "ما سواها" هو حتما الله سبحانه وتعالى! والعجيب أن "ما" لا تستعمل أساسا في اللغة إلا مع غير العاقل, وهم يقرون بذلك, ويرون أن هذا هو الإساس ولكنهم يستثنون ويقولون بجواز استعمالها مع العاقل! فعلاما استندوا في قولهم هذا؟ العجيب أنهم استندوا إلى الآيات التي نحن بصددها, فهم يستدلون بموطن خلاف ليثبتوا قاعدة استثنائية, أما نحن فنرى أن "ما" لا تستعمل إلا مع غير العاقل, ومن الممكن أن تستعمل مع العاقل إذا كان مبهما أو من باب المشاكلة, وبداهة لا يمكن أن يكون الله عزوجل مبهما فهو أعرف المعارف. أما نحن فنسير تبعا لقواعد اللغة العامة ونقول: المراد من "ما" هنا حتما شيء غير عاقل, فما هو هذا الشيء؟ الإجابة المنطقية على هذا السؤال أن الذي خلق الذكر والأنثى –بأمر الله وتقديره وإرادته- هو النطفة, فالله تعالى يقول في سورة القيامة "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [القيامة : 39-37]" ففي سورة القيامة نسب الله تعالى الفعل إلى نفسه, وهنا نسب الفعل إلى النطفة نفسها. ولا حرج في هذا الأمر, فالله تعالى ينسب الفعل أحيانا إلى نفسه لأنه هو الفاعل الحقيقي المؤثر المقدر, وأحيانا ينسبه إلى المباشر, كما ينسب التوفي إلى نفسه وإلى الملائكة! لذا فإني أرى أنه لا حرج أن يكون المراد من "وما خلق الذكر والأنثى" هو النطفة. وهنا يتجدد السؤال مرة أخرى: إذا قبلنا بهذا الرأي, فما العلاقة بين الليل والنهار والنطفة؟
نقول: أولا : على قولنا هذا فالترتيب تنازلي من الأكبر إلى الأصغر, فالليل أعم وأشمل من النهار والنهار أكبر بكثير من النطفة.
ثانيا: الله عزوجل يقدم بهذه الآيات تشبيها عجيبا لاختلاف أفعال الناس, فهناك الليل المظلم وهو إشارة إلى أفعال الشر والضلال, وعلى العكس من الليل فهناك النهار المضيء, والنهاروالليل والنهار كلاهما يشكلان وحدة واحدة في منظومة بناء الكون يتعاقبان فيعم هذا ثم ينسحب ويأتي ذاك, فهما في تسابق وتداخل إلى يوم القيامة. وعلى الرغم من اختلاف الليل والنهار في الطبيعة والحجم فإنهما مكملان لبعضهما منشئان شيئا واحدا وهو اليوم. ثم ينتقل الله تعالى نقلة نوعية كبيرة إلى النطفة الصغيرة الحقيرة والتي منها ينشأ الإنسان, فيقول للإنسان أنه قد يأتي من هذا الواحد الصغير تنوع واختلاف, على العكس من الإثنين الكبيرين, الذين منهما نشأ شيء واحد! إذا فالعلاقة بين هذه المقسمات بها هو الاختلاف في الطبيعة, فهناك النقيض الذي يكون مع نقيضه واحدا, وهناك الصغير الذي يتكون منه النقيضان.
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, أما بعد:
فنتناول اليوم بإذن الله وعونه سورة جديدة من سور جزء عم, وهي سورة الليل. وسورة الليل من السور التي لا يوجد بها مفردات قد تغيب عن بعض القراء, فكلها والحمدلله تعالى سهلة ميسرة لكل قارئ. ولكن النقطة الرئيسة في هذه السورة هي مسألة الأقسام المذكورة في أول السورة, وهي قوله تعالى: "َاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [الليل :1-3], فما هي العلاقة بين هذه الآيات الثلاثة وبين المقسم عليه وهو قوله تعالى "ِإنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل : 4]؟ فكما قلنا مسبقا أنه لا بد من وجود علاقة قوية بين المقسم به والمقسم عليه, وكذلك بقية السورة, وإلا يصير الكلام فاقد الترابط. فما هي العلاقة بين هذه المقسم به وعليه والسورة, نبدأ متوكلين على الله فنقول:
تبدأ السورة بقوله تعالى: "والليل إذا يغشى" والغشيان معروف وهو تغطية شيء بشيء, ومنه اللفظة المشهورة "الغشاء", ونلاحظ هنا أن الله تعالى استعمل الفعل المذكور مع الليل في صيغة المضارع وهو "يغشى" وهذا يدل على الاستمرار والمداومة. ولم يذكر الله تعالى هنا أي مفعول لغشيان الليل, فلا نخصص الآية مثل آية الشمس "والليل إذا يغشاها" فنقول المراد الشمس, وإنما نتركها هكذا عامة فيكون المراد من ذلك غشيان الليل لكل ما يغشاه من كائنات وأراض وكواكب.... إلخ. والملاحظ أن الليل هو الأصل في الكون, فكل الكون غارق في ظلام دامس, ففي الفضاء على الرغم من وجود النجوم والكواكب إلا أنها لا تنير الفضاء, وإنما يراها الإنسان إذا خرج من الغلاف الجوي كمصابيح مضيئة على خلفية سوداء. ثم يقول الله تعالى في الآية التالية "والنهار إذا تجلى" ونلاحظ أن الفعل المذكور مع النهار مستعمل في صيغة الماضي "تجلى" ولم يستعمل في المضارع, وهكذا استُعمل في سورة الشمس "والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها", فلماذا استعمل الله مع الليل المضارع ومع النهار الماضي؟ بما أن الله خالف بين الإثنين فلا بد من وجود فارق, فنقول والله أعلم: إن الله تعالى يقسم هنا –وفي سورة الشمس كذلك- بالفعل الظاهر المستمر لليل وهو التغطية المستمرة والستر, -والذي هو الأصل في الكون كما قلنا "الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام : 1]"- ويقسم كذلك بفعل ماض حدث وهو تجلي النهار, فبعدما خلق الله تعالى الليل (الظلمات) كان كل الكون هكذا مظلما, فجلّى الله تعالى النهار, وحدث هذا مرة واحدة فقط وهي مستمرة لا تجدد فيها, أما الليل فهو دائم الغشيان مستمره! -أما إذا فهمنا الآيات من باب التفسير الإشاري فيمكننا القول أن المراد من الليل هو ظلمات الكفر والضلال, والنهار هو نور الوحي والهداية. وكما هو معروف فإن أسباب الضلال كثيرة متعاضدة مستمرة, لذلك استعمل الله تعالى معها صيغة المضارعة, أما الهداية فمصدرها واحد وهو الله تعالى, ولقد أتت هذه الهداية حقا مع الرسول الكريم والقرآن, لذلك استعمل الله تعالى معها صيغة الماضي!- ثم يأتي القسم الثالث وهو قوله تعالى "وما خلق الذكر والأنثى", واختلف المفسرون في المراد من هذه الآية فقالوا –كما جاء في تفسير مفاتيح الغيب-: "المسألة الأولى : في تفسيره وجوه أحدها : أي والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خلق الذكر والأنثى من ماء واحد ، وقيل : هما آدم وحواء وثانيها : أي وخلقه الذكر والأنثى وثالثها : ما بمعنى من أي ومن خلق الذكر والأنثى ، أي والذي خلق الذكر والأنثى." اهـ
والرأي المشتهر والمتعارف عليه هو أن المراد من "ما" هنا "من" وهي عائدة على الله سبحانه وتعالى, أي أن الله تعالى أقسم بخلقين من مخلوقاته ثم أقسم بعدهما بنفسه بصيغة غير العاقل! وهذا الفهم مأخوذ من فهمهم لسورة الشمس, عندما فهموا قوله تعالى "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها", فقالوا: المراد من "ما سواها" هو حتما الله سبحانه وتعالى! والعجيب أن "ما" لا تستعمل أساسا في اللغة إلا مع غير العاقل, وهم يقرون بذلك, ويرون أن هذا هو الإساس ولكنهم يستثنون ويقولون بجواز استعمالها مع العاقل! فعلاما استندوا في قولهم هذا؟ العجيب أنهم استندوا إلى الآيات التي نحن بصددها, فهم يستدلون بموطن خلاف ليثبتوا قاعدة استثنائية, أما نحن فنرى أن "ما" لا تستعمل إلا مع غير العاقل, ومن الممكن أن تستعمل مع العاقل إذا كان مبهما أو من باب المشاكلة, وبداهة لا يمكن أن يكون الله عزوجل مبهما فهو أعرف المعارف. أما نحن فنسير تبعا لقواعد اللغة العامة ونقول: المراد من "ما" هنا حتما شيء غير عاقل, فما هو هذا الشيء؟ الإجابة المنطقية على هذا السؤال أن الذي خلق الذكر والأنثى –بأمر الله وتقديره وإرادته- هو النطفة, فالله تعالى يقول في سورة القيامة "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [القيامة : 39-37]" ففي سورة القيامة نسب الله تعالى الفعل إلى نفسه, وهنا نسب الفعل إلى النطفة نفسها. ولا حرج في هذا الأمر, فالله تعالى ينسب الفعل أحيانا إلى نفسه لأنه هو الفاعل الحقيقي المؤثر المقدر, وأحيانا ينسبه إلى المباشر, كما ينسب التوفي إلى نفسه وإلى الملائكة! لذا فإني أرى أنه لا حرج أن يكون المراد من "وما خلق الذكر والأنثى" هو النطفة. وهنا يتجدد السؤال مرة أخرى: إذا قبلنا بهذا الرأي, فما العلاقة بين الليل والنهار والنطفة؟
نقول: أولا : على قولنا هذا فالترتيب تنازلي من الأكبر إلى الأصغر, فالليل أعم وأشمل من النهار والنهار أكبر بكثير من النطفة.
ثانيا: الله عزوجل يقدم بهذه الآيات تشبيها عجيبا لاختلاف أفعال الناس, فهناك الليل المظلم وهو إشارة إلى أفعال الشر والضلال, وعلى العكس من الليل فهناك النهار المضيء, والنهاروالليل والنهار كلاهما يشكلان وحدة واحدة في منظومة بناء الكون يتعاقبان فيعم هذا ثم ينسحب ويأتي ذاك, فهما في تسابق وتداخل إلى يوم القيامة. وعلى الرغم من اختلاف الليل والنهار في الطبيعة والحجم فإنهما مكملان لبعضهما منشئان شيئا واحدا وهو اليوم. ثم ينتقل الله تعالى نقلة نوعية كبيرة إلى النطفة الصغيرة الحقيرة والتي منها ينشأ الإنسان, فيقول للإنسان أنه قد يأتي من هذا الواحد الصغير تنوع واختلاف, على العكس من الإثنين الكبيرين, الذين منهما نشأ شيء واحد! إذا فالعلاقة بين هذه المقسمات بها هو الاختلاف في الطبيعة, فهناك النقيض الذي يكون مع نقيضه واحدا, وهناك الصغير الذي يتكون منه النقيضان.