فوائد و لطائف و استنباطات قرآنية من غير أهل التخصص! (دعوة للمشاركة)

إنضم
02/07/2011
المشاركات
123
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
كازاخستان
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين...
و بعد:
فقد أقسم ربنا بكتابه فقال: "ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"، أي: مجيد في ألفاظه و معانيه، و هذا يدل على أن معانيه متسعة و لا تنتهي عجائبه، فمهما جلس المتدبرون و مهما اجتمع المستنبطون فإنهم لن يبلغوا النهاية في التدبر و الاستنباط. و الله تعالى قد سهل لفظه، ويسر معناه لمن أراده، ليتذكر الناس فهل من مدكر؟
و من ذلك ما يفتح الله من أسرار كتابه و لطائف تنزيله لأناسٍ ليسوا متخصصين، و يحرمه أهل التخصص! و ذلك مصداق قوله تعالى: "وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"، و قوله: "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".
و كان الغرض من هذه المشاركة هو ذكر هذه اللطائف و المعارف.
و نبدأ بالشيخ الفاضل مساعد بن سليمان الطيار، يقول -حفظه الله- :
"على سبيل المثال من اللطائف التي مر علي من عمل المتدبرين: أحد الأطباء و هو استشاري يقول: رجعت إلى نفسي فنظرتُ أني مع القرآن في تقصير، فقررتُ أن يكون عندي حزب للحفظ مقداره أربع آيات و يكون أيضاً تفهم لما في هذه الآيات الأربع من المعاني و القضايا. فمرة طرح علينا سؤالاً أو نوعاً من التدبر له شد ما أعجبني و جعلني بالفعل أكون أكثر يقيناً بأن معلومات القرآن لا يمكن حصرها...في قوله -سبحانه و تعالى- : "تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)"، ثم قال: "لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ...". ما الفرق الآن بين " تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ" ثم قال: " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" ما الذي حصل بين الآيات هذه مع قربهما من بعضهما؟ تقديم و تأخير. يعني في الأولى قدم الأرضَ على السموات و في الثانية قدم السموات على الأرض. يقول: جلستُ أتأمل ما سر تقديم الأرض في الأولى و تقديم السموات في الثانية مع أن الآيتين متقاربتان؟ فظهر له أن قوله -سبحانه و تعالى- : "طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى" (الإنزال من السماء إلى الأرض)، "إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى" (و الذي يخشى أين يكون؟ في الأرض!)، "تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى"...فالشأن الأول المذكور في القرآن و ما يتعلق به هو لمن؟ لأهل الأرض! فناسب تقديم الأرض على السماء، أما في الآية الأخرى لما قال: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" - ناسب تقديم السموات على الأرض لأن السموات أقرب إلى العرش منها إلى الأرض!" (المصدر: شريط "مدخل إلى علوم القرآن الكريم" -4-، و الأجزاء الأربع من الأشرطة في الحقيقة في أصول التفسير).

و أرسل إليَّ أحد الإخوة من كازاخستان (لا يعرف العربية) عبر الجوال رسالةً يقول فيها:
"سورة الملك تُقرأ كل ليلة، و يقول تعالى فيها: "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ"، ففي ذلك حث على النظر في السماء المزينة بالمصابيح:، فكأن هذه السورة للتلاوة ليلاً !!!" اهـ. يعني يتعجب من حكمة الشارع حيث شرع قراءتها كل ليلة.
قلتُ: و قال البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب رفع البصر إلى السماء: "حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني شريك، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، أَوْ بَعْضُهُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَرَأَ: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ" ".
 
تأويل اشارتي لمن يقبله

قال تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى
الارض هنا تشير الى نبوة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم "كنت نبيا وأدم منجدل في طينته "فهي اول ما خلق الله لهذا سبقت السموات العلى والتي تشير الى الانبياء والرسل السابقين { وكل ما علا عليك فهو سماؤك}
ثم قال: "لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ." السموات ..السموات التي نرى والارض التي نعيش عليها
مثلها :
قال تعالى :
َهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ {الانعام}الارض هنا اشارة الى سيدنا محمد والخلفاء
هم اولياء الله الذين ياتون من بعده هم خلفاءه
الحديث "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ { البخاري ومسلم}
ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ { يونس } خلفاء في الارض : أي العمران والتناسل والسعي وراء الاسباب
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون .الارض هنا كذلك الميراث المحمدي
والله اعلم بكلامه


 
اخي الكريم :
اسمح لي بالمشاركة بموضوع سبق طرحه في هذا المنتدى . ولما رأيت موضوعك رأيت مناسبة طرح موضوعي تحيت مظلته . فما تريد هو عين ما اريد والهدف واحد
هذا جزء أول ويليه جزء ثالث طرحته هذا اليوم وجزء ثالث يطرح بعد أيام . استأذنك بطرح مواضيعي تحبت مظلتك فظالتك هي ظالتي وفقنا الله جميعا لكل خير

الإخوة الكرام
اتقدم للإنظمام لركبكم الموفق حبا في أهل الخير لعلنا نحشر معهم .
أخوكم ليس متخصصا في علوم القرآن وإن كنت محبا للقرآن وتفاسيره التي قرأة قدرا منها . وقد شاقني التامل في آيات القران فطفقت أبحث في ملاحظات الاحظها , او استنباطات أتوقف عندها فأرجع لكتب التفسير ثم أخرج بوجة نظر , أو شبه استنباط ليس مما قرأته في كتب التفسير , وليس مما يتعارض مما قرأت . بل أحسبه توسيعا لدائرة بعض المفاهيم حول بعض أيات . اشبه هذا التوسع في المفاهيم بالتوسع الحلزوني المطبق في المناهج الدراسية التي تبدأ دائرة صغيرة في مناهج الابتدائي ثم لا تلبه تلك الدوائر أن تتوسع لتضيف للدائرة الصغيرة الاخرى دوائر أخرى مع بقاء الدوائر الأخرى .
أرجو قبولي بهذا المفهوم وبهذه القدرات المتواضعة ومعاملتي بالتوجيه السليم فما رمت من هذا الجهد إلا مرضاة الله تعالى ومظنة أن أضيف ولونقطة في بحر علوم القرآن الكريم .
باكورة هذه المشاركات , وتجربتي الأولى ملاحظات خرجت بها استنبطتها من قول الله تعالى في سورة يوسف عليه السلام ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ) . سألت نفسي , ما هي تلك الآيات فطفقت أقرأ تفسير السورة وأكرر قراءتها بشكل متواصل لعد أيام حتى خرجت بهذا الاجتهاد وشبه الحصر لتلك الآيات في يوسف أولا ثم في إخوته ثانيا .
في هذه المشاركة أورد العبر والآيات في يوسف عليه السلام ثم في مشاركة أخرى أورد العبر والآيات في إخوة يوسف . وذلك لطول الموضوع .
الموضوع الأول :
العبر والآيات في يوسف وإخوته :
لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين :

نصت الآية الكريمة على أن الله تعالى قد جعل في يوسف وإخوته آيات للسائلين .
فما هي تلك الآيات في يوسف .
وما هي تلك الآيات في إخوة يوسف .
يلاحظ أن الآية نصت على يوسف وإخوته فقط . ولهذا سنركز على ما في السورة من الآيات في شأن يوسف وإخوته . دون التعرض للآيات الأخرى , في يعقوب عليه السلام . والعبر في السورة كثيرة , ولكن تحديد الآية ليوسف وإخوته ملفت للنظر . ومدعاة ومبرر لإفرادها بالبحث .
ما هي الآيات ؟
الآيات هنا آيات الاعتبار . آيات عظمة القدرة الإلهية في لطفه بيوسف عليه السلام .
الجزء الأول :

الآيات في يوسف عليه السلام :

الآية أو العبرة الأولى :
تميز يوسف بمحبة أبية له. ربما لما يعلم بحكم نبوته لما سيكون له شأن عظيم في النبوة والملك . وربما لصغر سنه نسبة لأخوته . وربما لهما معا .
المهم أن محبة أحد الأبناء ظاهرة في بعض الآباء . ولبعضها ما يبرره حين تكون بحدها المقبول . كما في محبة والد يوسف ليوسف , وليس لبعضها مبرر . وهو ذلك الذي يتجاوز حده .

الآية الثانية :
لطف الله تعالى بيوسف عليه السلام . إذ قال أحد إخوته : ( لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب ) . وهذا , إما الهام من الله تعالى لهذا الأخ لأمر يريده تعالى من بقاء يوسف حيا ليصطفيه تعالى ويكرمه بالنبوة والتمكين من الأرض . وإما رحمة من ذاك الأخ وعاطفة حركها الله تعالى وصعب عليه أن يرى أخوه الصغير يقتل أمام عينه . وصعب عليه أن يرى نفسه وإخوته بمقام القتلة , بل القتلة لأخيهم , وليس شخصا من الأباعد . وصعب عليه قتل نفس بغير حق . إذ لا ذنب ليوسف كي يلقى هذا الجزاء القاسي الظالم . وهو الذي لم يقترف ذنبا يستحق به هذه الجزاء . وربما أن لنشأتهم في بيت النبوة دور في عدولهم عن القتل الى الإبعاد في الجب .

الآية الثالثة :
في اختيار إخوة يوسف لطريقة إبعاده عن وجه أبيهم أملا أن ينالوا الحظوة عنده بعد غياب يوسف . ذلك أن إبعاد يوسف عن ميدان حياتهم ربما كان حماية له من مزيد كيد إخوانه . وتوفير بيئة يشب فيها يوسف . فيتلقى من العلم والحكمة والخبرة ما قد لا يجده في بيئته البدوية وشظف العيش . كما أن من العبرة أن يلتمس إخوة يوسف صلاح أمرهم في إبعاد أخيهم , كي يخلو لهم وجه أبيهم ويكونوا من بعده قوما صالحين . كيف يرجى الصلاح من طريق الإفساد .

الآية الرابعة :
إكرام الله تعالى المبكر ليوسف بتطمينه له . وأمره إياه بأن ينبئ إخوته بفعلهم هذا قبل فعله . أو بتذكيرهم هذا الفعل لاحقا . فلقد قال بعد ذلك في مصر ( هل علمتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون .)

الآية الخامسة :
لطف الله تعالى بيوسف بأن وجده بعض السيارة المتوجهون لمصر ,بدلا من تعرضه للهلاك في غيابة الجب . أو تعرضه للهوام والسباع .

الآية السادسة :
أخذ السيارة له , وإسرارهم إياه بضاعة . وهم بهذا يحسبون أنهم هم الكاسبون ببيعه, وقبض ثمنه, والتعجل في ذلك بعدم المبالغة في سعره وبيعه بثمن زهيد رغبة في سرعة التخلص منه .

الآية السابعة :
تسخير الله تعالى للمشتري . وتحنينه على يوسف بأن أوصى زوجته بإكرام مثواه رجاء منفعته , أو اتخاذه ولدا لهم , وهم المحرومون من الولد . غاية ما يكوم به من ابتلي بالعبودية , أن يعامل بعدل , وبتوفير حد أدنى من متطلبات الحياة . وبقدر مقبول من مشقة العمل في العبودية دون ضرب أو تعنيف .
أما أن يكرم مثواه كما يكرم الابن . وكما يكرم من يرجى نفعه , فهذه إكرام ليوسف عليه السلام .

الآية الثامنة :
أن الله تعالى هيأ ليوسف هذا المحضن الجيد كي يمكنه الله تعالى من تعلم تأويل الأحاديث ( تأويل الرؤى ) . وهكذا هيأ الله تعالى له هذه العناية والتكريم إلى أن بلغ أشده . , فآتاه الله تعالى حكما وعلما , واحسن فاستحق جزاء الله تعالى لعباده المحسنين .

الآية التاسعة :
بعد أن شب عن الطوق , وصار من المحسنين , دخل مرحلة محبة الله تعالى له . والله تعالى يختار لأحبابه الابتلاء والاختبار . ليس كرها ولا ظلما لهم . ولكنها عين المحبة . إذ أنه بهذا الابتلاء يصفي إيمانهم , ويزيدهم ثباتا , ويرفع درجتهم جراء صبرهم على البلاء . فأجر الصبر أعظم أجر يناله المؤمن . لأن الله تعالى يوفي الصابرين أجرهم بغي حساب . كما أنها سنة الله تعلى فيمن قال آمنا ( أحسب الناس أن يتركوا,أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ) ولا بد من الفتنه التي هي بمقام النار لخام الحديد لتصفيته وتنقيته من أي شائبة .

الآية العاشرة :
نجاح يوسف عليه السلام في أول اختبار في أول بلاء قاس . إذ أن بلاءه السابق كتعرضه لأذى إخوانه والعبودية , كل هذا تم في مرحلة الطفولة وقبل التكليف , فنال اجر هذا البلاء دون أن يتعرض للفتنة بعد التكليف .
هذا الاختبار الجديد ليوسف عليه السلام من أقسى الاختبارات وأشدها وطأة على النفس . إذ اجتمعت عليه سطوة الشهوة كبشر ورجل في شرخ الشباب , وسطوة السيد على المسود , وسطوة الشيطان , وسطوة الخلوة , وسطوة الخوف من عاقبة التأبي على سيدته . وسطوة الغربة . حزمة ثقيلة وقعت على نفس يوسف . وسبحان من عصمه فألهمه الاستعاذة بالمعيذ . استعاذ بالله تعالى فأعاذه .

الآية الحادية عشرة :
أن يوسف عليه السلام وقد استعاذ بالله تعالى , أقام اعتبارا آخر , وهو أنه , كيف له أن يفعل هذا الفعل الشنيع مع زوجة سيده , وقد أحسن مثواه . وهذا مقام من مقامات رد الجميل . فكيف بمن أوتي حكما وعلما أن يكون ناكرا للجميل فيسئ لمن أحسن إليه . ليس هذا فحسب , بل تذكر يوسف عاقبة الظلم المترتب على خيانته لمن أحسن إليه . وهو عدم الفلاح ( إنه لا يفلح الظالمون ) . هذه الآية والعبرة من أقوى العبر في قصة يوسف عليه السلام .

الآية الثانية عشرة :
بعد أن استعاذ يوسف بالله فأعاذه , صرف الله عنه السؤ والفحشاء . لماذا ؟ لأنه كان من عباد الله المخلصين المختارين . صرف عنه السؤ , إن كان قد بإيذائها , بالضرب أو خلافه مما اختاره الله تعالى . وصرف عنه الفحشاء بمواقعتها . صرف عنه كل ذلك كرما من الكريم , وجزاء عباد الله المخلصين . فمن يصل لهذا المقام من مقامات محبة الله تعالى لأصفيائه من خلقه . يلقى هذه العناية الإلهية من الله تعالى في أصعب الظروف وأقسى المواقف .

الآية الثالثة عشرة :
انتفاع يوسف عليه السلام بما آتاه الله تعالى من العلم والحكمة, إذ رأى برهان ربه عندما همت به . انتفع بما آتاه الله تعالى من العلم لترك كل ما حرم الله . مما أهله للعصمة من هذه المعصية الكبيرة . فقد راعى عليه السلام حرمة المعصية . كما راعى حرمة ظلم سيده . كما راعى عصمة نفسه من السؤ والمكروه .

الآية الرابعة عشرة :
عندما رمته بالتهمة , وأشكل الأمر على الزوج بعد أن ساق كل منهما حجته , بعث الله شاهدا من أهل البيت, فأشار لقرينة الصدق . فإن كان القميص قد من قبل فقد صدقت هي في دعواها وكذب يوسف ( حاشاه ) . وإن كان قميصه قد من دبر فقد كذبت في دعواها وصدق يوسف . إذ سيكون في حالة هروب وإدبار وهي في حالة إقبال عليه . وهكذا أظهر الله هذه القرينة تبرئة لمصطفاه عليه السلام .

الآية الخامسة عشرة :
استمر البلاء بيوسف عليه السلام . فما زاد إلا زيادة في تمسكه بالعصمة . فقد تعرض لفتنة أكبر . تعرض لفتنة نسوة المدينة مع سيدته . فبعد أن كان مفتونا من واحدة , أتته الفتنة من مجموعة من النساء . وبعد أن كانت الفتنة عرضا للفحشاء , باتت تهديدا بالبطش به إن لم يفعل ما أمر به من الفحشاء . فقد هددته أمام النسوة أنه إن لم يفعل ما يؤمر به من السؤ ليسجنن وليكونا من الصاغرين .

الآية السادسة عشرة :
أن يوسف عليه السلام أبدى الاستعداد بطيب خاطر أن يدفع الثمن الغالي , من الحرمان من العيش الرغيد والعز , إلى السجن . بل والإهانة والصغار . فقد اختار السجن قائلا : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه . لاحظ قوله عليه السلام , أحب إلي . صار السجن محببا وليس خيارا صعبا فقط . بل صار محببا أمام الخيار الثاني وهو الوقوع في الفحشاء . فسبحان من يعطي النفوس تقواها ويزكيها ويعلي همتها . وهكذا حبب إليه السجن فصرف الله عنه كيدهن وهو السميع العليم .

الآية السابعة عشرة :
أن يوسف عليه السلام لم يشغله ما هو فيه من بلاء السجن والحرمان من حمل هم الدعوة . إذ بادر بوعظ الفتية قبل تعبير رؤياهما . إذ أشار إلى أن الله تعالى قد من عليه بالعلم . وبأنه قد ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبع ملة أبيه إبراهيم وإسحاق ,وهما جداه , إبراهيم والد والده, ووالده يعقوب , عليهم السلام . ونفى الشرك عنه وعنهم عليهم السلام . ثم ذكرهما بفضل الرب الواحد الأحد على الأرباب المتفرقون تذكيرا لهم بفضل التوحيد . وتذكيرا بأمر الله تعالى أن تكون العبادة له وحده . هذه المقدمة الدعوية ساقها قبل إجابة سؤالهما . وهذا توظيف نبوي للدعوة في كل مجال عليه السلام .

الآية الثامنة عشرة :
أن محبة الله تعالى ليوسف عليه السلام واجتبائه إياه لم يمنعه من تعرضه للبلاء . بل لمزيد من البلاء . لأن قدر الله لأحبابه من الأنبياء والأتقياء أن يبتليهم . ليس كرها لهم . ولا عنتا بهم . لكن محبة وتصفية ورفع منزلة . ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ). وهكذا يوسف عليه السلام, فقد تعرض للمزيد من البلاء وفق هذه القاعدة الإلهية . فلبث في السجن سبع سنين حتى الأجل المقدر من الله تعالى فيحتاجوه لتأويل رؤيا الملك التي أهمته .

الآية التاسعة عشرة :
قدرة الله تعالى بأن ساق ليوسف هذا الباب من الفرج بهذه الرؤيا المقلقة للملك . وكيف هيأ الله له ذاك الرفيق في السجن الذي نسيه حينا من الدهر , ثم ذكره في هذا الموقف عندما دعت إليه الحاجة . فوجدها ذلك الرفيق فرصة له كي ينال حضوة من الملك بهذه الخدمة الكبيرة بتأويل رؤياه من رفيقه القديم الذي نسيه في السجن .

الآية العشرون :
كيف الهم الله تعالى يوسف هذا التأويل لهذه الرؤيا العظيمة التي قدر الله أن يجنب بها مصر وأهلها من كارثة ومجاعة كانت ستهدد سكان مصر وما حولها بالمجاعة لمدة طويلة تمتد سبع سنين .
ثم كيف ألهمه الله تعالى وعلمه أسلوبا وطريقة لحفظ القمح وخزنه بكميات كبيرة ولسنوات كثيرة , عندما أشار عليهم ببقاء القمح في سنبله حفظا له من الفساد مع طول سنوات التخزين التي ستمتد لسنوات .
ثم كيف ألهمه تعالى برنامجا اقتصاديا تقشفيا يقتضي الأكل من المخزون بقدر الحاجة الضرورية, فجنب مصر وأهلها الهلاك بالمجاعة .

الآية الحادية والعشرون :
هي أن يوسف عليه السلام رغم المكث كل هذه السنوات في السجن وهي سبع سنين, لم تستخفه فرحة الافرج عنه ,وفرحة القرب من الملك عن همه الأكبر . وهو براءته مما نسب إليه من التهمة التي هو منها براء . لقد آثر إثبات البراءة على سرعة الخروج من السجن والقرب من الملك, فأعاد مندوب الملك بسؤاله إياه بأن يسأل النسوة اللاتي قطعن أيديهن عن شأنهن معه .
وهذا السؤال هو سبيل يوسف للبراءة من تهمته ممن رمينه بها, ظلما وبهتانا .


الآية الثانية والعشرون :
كيف أخرج الله تعالى براءة يوسف عليه السلام بإقرار واضح وصريح من النسوة اللاتي راودنه عن نفسه . خاصة امرأة العزيز التي اعترفت اعترافا كاملا وصريحا بأنها قد راودته . ثم اعترفت وأكدت براءته من الفحشاء وصدقه, وذلك حين حصص الحق . ثم أكدت ذلك بعبارات الندم على ما قامت به من خطأ في حق نفسها, وفي حق يوسف, وفي حق زوجها وصاحب فراشها .

الآية الثالثة والعشرون :
هذه النقلة العظيمة في حياة يوسف عليه السلام , من السجن والذل والصغار , الى استخلاص الملك له لنفسه , وتمكينه وجعله محل ثقته . وهذه بقدرة الله تعالى ولطفه بيوسف عليه السلام وحفظه لحقه . لأنه كان من المحسنين . وهكذا حال من صبر واحتسب عمله وأخلصه لله تعالى فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا . فينصره ويكرمه مهما طال الزمن . كل هذا في الدنيا . أما الآخرة فإن حملة الدعوة موعودون وعدا كريما كبيرا يتمثل في أن الله تعالى سيتجاوز عن السيئات ثم يجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون . وذلك فضل الله على عبادة المستحقين لكرامته الحاملين مشعل دعوته .

الآية الرابعة والعشرين :
قدرة يوسف عليه السلام واستطاعته كتم غيظه عن إخوانه بعد ان رآهم داخلين عليه . إذ استقبلهم , وأكرمهم وزودهم بالمؤنة وافرة كيما يرغبهم في المزيد إن حققوا له ما يريد حين طلب منهم إحضار أخوهم الأصغر . فقد أكرمهم ووعدهم بأن يوفي الكيل لهم . ثم أنذرهم بالحرمان من الكيل , ومن قربه أو الدخول عليه .عليه السلام

الآية الخامسة والعشرون :
كيف أكرم الله تعالى يوسف عليه السلام بلقائه بشقيقه الأصغر بعد كل هذه السنين . رحمة ولطفا من الله تعالى به , وترطيبا وتطييبا لخاطره عليه السلام قبل أن يسعد بلقاء والديه .



الآية السادسة والعشرون :
كيف استطاع يوسف عليه السلام كتم غيظه عن إخوته وقد أعادوا الإساءة إليه باتهامه بالسرقة من قبل, حين ذكروا إن يسرق فقد سرق أخوه من قبل .

الآية السابعة والعشرون :
حين عرف يوسف عليه السلام إخوته بنفسه وأظهروا الندم , كان سباقا للعفو بعد أن قدر على مجازات السيئة بالسيئة . فاختيار عليه السلام الدفع بالتي هي أحسن . تلك المنزلة التي لا يلقاها إلا الذين صبروا من ذوي الحظوظ العظيمة . ( وما يلقاها إلا الذين صبورا, وما يلاقها إلا إلا ذو حظ عظيم .) فما زاد عن أن ذكرهم بما من الله عليه به من النعم. ووعظهم بأن هذا جزاء من يتقي الله تعالى ويصبر على بلائه واختباره وبلائه تعالى لمن يحب . وأنه تعالى لا يضيع أجر المحسنين .
العفو عند المقدرة .( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم هو أرحم الراحمين ) عفا عنهم وزاد واستغفر له أرحم الراحمين .

الآية الثامنة والعشرون :
كيف الهم الله تعالى يوسف عليه السلام بأن يبعث قميصه لوالده كي يعود بصره . وكيف شاءت إرادة الله تعالى إن يعود بصر يعقوب عليه السلام عليه . عبرة وآية وكرامة عظيمة تظهر قدرة الله تعالى التي لا حد لها ولا مدى .

الآية التاسعة والعشرون :
كيف أن الله تعالى ألهم يوسف عليه السلام تذكر نعمة الله عليه وهو في أوج عزه , وقمة تمكنه , واجتماعه بأهله . كيف الهمه التواضع , وإعادة النعمة الى منعمها والشكر لله تعالى . ثم الالتفات لما هو أهم من كل هذه النعم . وهو رجاؤه ربه أن يتوفاه مسلما . فلم تشغله سكرة الملك , ولا مظاهر السيادة والسعادة بأهله والعز في الدنيا, عن تذكر المصير الأخروي . فسأل ربه تعالى أن يتوفاه مسلما ويلحقه بالصالحين .

الآية الثلاثون :
الآية الأخيرة , لعلها أهم آية في آيات الله في يوسف في هذه القصة . تلك الآية هي أن الله تعالى جعل هذه السورة رمزا للفرج بعد الكرب . فقد نزلت في عام الحزن تسلية وتسرية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد ساق الله تعالى المثل لرسوله في هذه القصة , وكيف كان الفرج من الله تعالى ليوسف حاضرا في كل محنة تعرض لها . ففرج عنه بان الهم بعض إخوته إلقاءه في الجب بدلا من قتله . ويسر القافلة تأخذه بدلا من وفاته في الجب جوعا أو من الهوام . ويسر انتقال ملكيته لشخص حنن قلبه عليه فأوصى زوجته ليس فقط بحسن معاملته كعبد او أجير بل بإكرام مثواه كما لو كان ولدا لهم . ولطف به حين همت به سيدته فالهمة العصمة وهكذا كل محنة مرة عليه كان فرج الله قريبا منه . فقط لأنه كان من الصابرين . وفي هذا جميل التسلية والتسرية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل مسلم مؤمن صابر على بلاء الله . محتسبا الأجر والمثوبة في طريق الدعوة .
 
عودة
أعلى