فوائد من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع ضيف
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
ض

ضيف

Guest
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :

فيطيب لي أيها المباركون أن أقدم لكم شيئاً مما جمعته من فوائد من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ، والأصل أن فوائد كل كتاب تعرض في حلقة واحدة إلا إن طالت فوائد الكتاب فتعرض في جملة من الحلقات . وفي الختام أقول كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ) . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


الكتاب الأول : صيد الخاطر : ، طبعة دار ابن خزيمة ، تحقيق وتعليق عامر بن علي ياسين ، الطبعة الثانية 1419هـ . ( مجلد واحد ، عدد الصفحات 773 ) .

1 ـ قد يعرضُ عند سماع المواعظ للسامع يقظة ، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة ! فتدبرت السبب في ذلك فعرفته . ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك :
فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها لسببين :

أحدهما : أن المواعظ كالسياط ، والسياط لا تُؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت وقوعها .
والثاني : أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاحُ العلة ، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا ، وأنصت بحضور قلبه ، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها فكيف يصح أن يكون كما كان ؟ ! . إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر : فمنهم من يعزم بلا تردد ، ويمضي من غير التفات فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا كما قال حنظلة عن نفسه : نافق حنظلة . ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً ، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً ، فهم كالسنبلة تُميلها الرياح . وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه كماء دحرجته على صفوان . ص37 ـ 38 .
2 ـ كان الفضيل بن عياض يقول : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي . واعلم وفقك الله أنه لا يُحس بضربةٍ مُبنج ، وإنما يعرفُ الزيادة من النقصان المحاسِبُ لنفسه . ومتى رأيتَ تكديراً في حال ، فاذكر نعمةً ما شُكِرت أو زلةً قد فُعلت . ص49 .
3 ـ تأملت حرص النفس على ما مُنِعت منه ، فرأيتُ حرصها يزيد على قدر قوة المنع . وفي الأمثال : المرء حريصٌ على ما مُنع ، وتواق إلى ما لم ينل . ويقال : لو أُمر الناس بالجوع لصبروا ، ولو نهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه وقالوا : ما نهينا عنه إلا لشيء . وقد قيل : أحب شيء إلى الإنسان ما مُنعا .
فلما بحثت عن سبب ذلك وجدت سببين :
أحدهما : أن النفس لا تصبر على الحصر فإنه يكفي حصرها في صورة البدن فإذا حُصِرت في المعنى بمنعٍ زاد طيشها . ولهذا لو قعد الإنسان في بيته شهراً لم يصعب عليه ، ولو قيل له : لا تخرج من بيتك يوماً طال عليه .
والثاني : أنها يشق عليها الدخول تحت حُكمٍ ، ولهذا تستلذ الحرام ، ولا تكاد تستطيب المباح . ولذلك يسهل عليها التعبد على ما ترى وتؤثره لا على ما يُؤثر . ص 87 ـ 88 .

( علق المحقق بقوله : أي : تتعبد كما تشاء بالبدع والأهواء ، ولكن الالتزام بما يؤثر من السنن صعب ويحتاج إلى صبر ومعاناة ) .
4 ـ قال أبو بكر المروذي : سمعت أحمد بن حنبل يرغبُ في النكاح ، فقلت له : قال ابن أدهم . فما تركني أتمم حتى صاح علي وقال : أذكُرُ لك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأتيني ببنيات الطريق ؟ ! ص 120 .
 
5 ـ أصل الأصول العلم ، و أنفع العلوم النظر في سِيَرِ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) . ص127 .
6 ـ احذروا إخواني من الترخص فيما لا يؤمن فساده فإن الشيطان يُزين المباح في أول مرتبة ، ثم يجُرُ إلى الجناح ، فتلمحوا المآل ، وافهموا الحال وربما أراكم الغاية الصالحة ، وكان في الطريق إليها نوعُ مخالفة !
فيكفي الاعتبار في تلك الحال بأبيكم : ( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) . إنما تأمل آدم الغاية وهي الخلد ولكنه غلط في الطريق . وهذا أعجب مصايد إبليس التي يصيد بها العلماء يتأوّلون لعواقب المصالح ، فيستعجلون ضرر المفاسد ! . ص 153 .
7 ـ قال بعض العلماء : إن الله تعالى قال في المكروهات : ( كُتِبَ عليكم الصيام ) على لفظٍ لم يُسَم فاعلُه ، وإن كان قد عَلِمَ أنه هو الكاتب . فلما جاء إلى ما يوجب الراحة قال : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) . ص 164 .
8 ـ لقيت مشايخ ، أحوالهم مختلفة ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم ، وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعمله ، وإن كان غيره أعلم منه . ولقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون ، ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل ، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة ، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه ، وإن وقع خطأ . ولقيت ُ عبدالوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف ، لم يُسمع في مجلسه غِيبة ، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث ، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه ، فكان ـ وأنا صغير السن حينئذ ـ يعملُ بكاؤه في قلبي ويبني قواعد ، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل .
ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي ، فكان كثير الصمت ، شديد التحري فيما يقول ، متقناً ، محققاً ، وربما سُئِل المسألة الظاهرة التي يُبادِرُ بجوابها بعضُ غلمانه ، فيتوقف فيها حتى يتيقن ، وكان كثير الصوم والصمت . فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما . ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول .
ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومُزاح ، فراحوا عن القلوب ، وبدد تفريطهم ما جمعوا من العلم ، فقل الانتفاع بهم في حياتهم ، ونُسوا بعد مماتهم ، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم .
فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر . والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ، ففاته لذات الدنيا وخيرات الآخرة ، فقدم مفلساً على قوة الحجة عليه . ص258 ـ 260 .
 
9 ـ كان ابن عقيل رحمه الله يقول : من قال : إني لا أحب الدنيا فهو كذاب فإن يعقوب عليه السلام لما طُلب منه ابنه بنيامين قال : ( هل آمنكم عليه ) فقالوا : ( ونزداد كيل بعير ) فقال : خذوه . ص273 .

10 ـ للحفظ أوقات من العمر ، فأفضلها الصبا وما يقاربه من أوقات الزمان ، وأفضلها إعادة الأسحار وأنصاف النهار ، والغدوات خير من العشيات ، وأوقات الجوع خير من أوقات الشبع .ولا يحمد الحفظ بحضرة خضرة وعلى شاطئ نهر لأن ذلك يُلهي ، والأماكن العالية للحفظ خير من السوافل ، والخلوة أصل ، وجمع الهم أصل الأصول . وترفيه النفس من الإعادة يوماً في الأسبوع ليثبت المحفوظ ، وتأخذ النفس قوة كالبنيان يُترك أياماً حتى يستقر ، ثم يُبنى عليه . وتقليل المحفوظ مع الدوام أصل عظيم ، وأن لا يشرع في فن حتى يُحكِم ما قبله ، ومن لم يجد نشاطاً للحفظ فليتركه فإن مكابرة النفس لا تصلح .

ثم لينظر ما يحفظ من العلم فإن العمر عزيز والعلم غزير ، وإن أقواماً يصرفون الزمان إلى حفظ ما غيره أولى منه ، وإن كان كل العلوم حسناً ، ولكن الأولى تقديم الأهم والأفضل . وأفضل ما تُشوغِل به حفظ القرآن ، ثم الفقه ، وما بعد هذا بمنزلةِ تابع ، ومن رزق يقظة دلته يقظته فلم يحتج إلى دليل ، ومن قصد وجه الله تعالى بالعلم دله المقصود على الأحسن ، ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) . ص 311 ـ 313 .

11 ـ إخواني ! اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر .

إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم ، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم .

ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سِنه ، ثم تعدى الحدود ، فهان عند الخلق ، وكانوا لايلتفتون إليه مع غزارة علمه ، وقوة مجاهدته .

ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته ـ مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم ـ ، فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس ووصفته بما يزيد على مافيه من الخير . ص336 .

12 ـ والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت ، ويتخشع في نفسه ولباسه والقلوب تنبو عنه ، وقدره في الناس ليس بذاك !

ورأيت من يلبس فاخر الثياب وليس له كبير نفل ولا تخشع ، والقلوب تتهافت على محبته .

فتدبرت السبب فوجدته الســــــريــــــــرة .

فمن أصلح سريرته ، فاح عبير فضله ، وعبقت القلوب بنشر طيبه .

فالله الله في السرائر ، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر . ص 355 .


13 ـ قرأت سورة يوسف عليه السلام ، فتعجبت من مدحه عليه السلام على صبره ، وشرح قصته للناس ، ورفع قدره بترك ما ترك . فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفة للهوى المكروه .

فقلت : واعجباً ! لو وافق هواه من كان يكون ؟ ! ولما خالفه لقد صار أمراً عظيماً تُضرب الأمثال بصبره ويفتَخِرُ على الخلق باجتهاده ، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة ، فيا له عزاً وفخراً أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب .

فتلمحوا رحمكم الله عاقبة الصبر ونهاية الهوى ، فالعاقل من ميز بين الأمرين الحلوين والمرين ، فإن عَدَلَ ميزانه ، ولم تمل به كفة الهوى رأى كل الأرباح في الصبر ، وكل الخسران في موافقة النفس . وكفى بهذا موعظة في مخالفة الهوى لأهل النهى ، والله الموفق . ص 366 ـ 367 .
 
14 ـ رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة لأني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين ، وأشافه بتصنيفي خلقاً لا تحصى ما خلقوا بعد ، ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم .

فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف المفيد فإنه ليس كل من صنف صنف ، وليس المقصود جمع شيء كيف كان ، وإنما هي أسرار يطلع الله عزوجل عليها من شاء من عباده ويوفقه لكشفها فيجمع ما فُرق ، أو يرتب ما شُتت ، أو يشرح ما أُهمل ، هذا هو التصنيف المفيد . وينبغي اغتنام التصنيف في وسط العمر لأن أوائل العمر زمن الطلب ، وآخره كلال الحواس . ص 386 ـ 387 .

هذه أيها الإخوة جملة من فوائد هذا الكتاب العاطر ، صيد الخاطر ، وحق جملة من الموضوعات في الكتاب الحفظ وليس القراءة فقط ، ولقد من الله علي بقراءة الكتاب ثلاث مرات ، وكنت في كل مرة أقيد فوائد جديدة لم أقيدها في القراءة التي قبلها ، وأحببت فقط إتحافكم بشيء من فوائده لأن هذا الكتاب لا يستغنى عن قراءته مطلقاً ، ومن باب النصح آمل ممن لم يقرأ هذا الكتاب أن يقتني نسخة دار ابن خزيمة بتحقيق عامر علي ياسين فقد تعقب ابن الجوزي رحمه الله في عدة مواطن من كتابه وهي تعقبات نافعة مهمة لقارئ الكتاب للمرة الأولى .

هذا ما تهيأ إعداده وتيسر إيراده ، ويلي هذا الكتاب كتاب آخر من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله .
 
الكتاب الثاني : حفظ العمر : دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الثانية 1429هـ ، تحقيق وتعليق الشيخ محمد بن ناصر العجمي .


1 ـ دخل بعض العلماء مقبرة ، فقال : لا إله إلا الله ، ما فيهم أحد إلا وله حوائج ما قضاها ، يقول : سأفعل . ص 59 .

2 ـ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرست له نخلة في الجنة ) .

فالعجب لهذا يضيع زمانه في غير الغرس ، ولو أنه ذاق طعم النخيل لا ستكثر من غرس النخل . ص62 .

3 ـ ليتفكر الإنسان في صائم جلس وقت العشاء ليفطر مع من كان مفطراً وكلاهما يشبع حينئذ ، وقد ذهب تعب الصوم وراحة الإفطار وتباين الحال في الثواب . وكذلك أخوان ، طلب أحدهما العلم من صغره وآثر الآخر البطالة ، فاجتمعا عند علو السن فقعدا في مكان ، فلاح على هذا أثر التعب وقد حصل العلم والتقوى ، وليس بيد ذاك من آثار الراحة شيء بل إن تفكر تحسر ، فأف لعاقل يستعجل البطالة وينسى ما يجني . ص64 .
4 ـ عن سفيان بن عيينة قال : كان رجل من السلف يلقى الأخ من إخوانه فيقول : يا هذا إن استطعت أن لا تسيء إلى من تحب فافعل ، فقال له رجل : وهل يسيء الإنسان إلى من يحب ؟ قال : نعم ، نفسك أعز الأنفس عليك ، فإن عصيت الله فقد أسأت إليها . ص 68 .


هذا ما تيسر إيراده من هذا الكتاب النافع والقصير ، فعدد صفحاته لا تتجاوز السبعين ، وفقنا الله وإياكم لكل ما يحب ويرضى ، ويلي هذا الكتاب كتاب آخر من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله .
 
الكتاب الثالث : تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر : دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الثانية 1429هـ ، تحقيق وتعليق الشيخ محمد بن ناصر العجمي .

1 ـ اعلم وفقك الله أن مواسم العمر خمسة :

الموسم الأول : من وقت الولادة إلى زمان البلوغ ، وذلك خمس عشرة سنة .
الموسم الثاني : من زمان بلوغه إلى نهاية شبابه ، وذلك خمس وثلاثون سنة .
الموسم الثالث : من ذلك الزمان إلى تمام خمسين سنة ، وذلك زمن الكهولة ، وقد يقال : كهل لما قبل ذلك .
الموسم الرابع : من بعد الخمسين إلى تمام السبعين ، وذلك زمان الشيخوخة .
الموسم الخامس : ما بعد السبعين إلى نهاية آخر العمر ، فهو زمان الهرم . ص 37 .

2 ـ قال الشاعر :

[poem=]
لا تسه عن أدب الصغير =وإن شكا ألـم التعــب
ودع الكبــير لشأنــه=كبـر الكبير عن الأدب
[/poem]
وكان عبد الملك بن مروان يحب ابنه الوليد ، ولا يأمره بالأدب ، فخرج لحاناً ، فقال : أضر حبنا بالوليد . ص 40 .

3 ـ مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صبيان وهم يلعبون ، فتفرقوا من هيبته ، ولم يبرح ابن الزبير ، فقال له : مالك لم تبرح ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ، ما الطريق ضيقة فأوسعها لك ، ولا لي ذنب فأخافك .

وقال الرشيد لولد وزيره وهو في دارهم : أيما أحسنُ ، دارنا أو داركم ؟ فقال : دارنا ، قال : ولم ؟ قال : لأنك فيها . ص41 .

4 ـ يتبين فهم الصبي وعلو همته وقصرها باختياراته لنفسه ، فإن الصبيان تجتمع للعب ، فيقول العالي الهمة : من يكون معي ؟ ويقول القاصر الهمة : مع من أكون ؟ ومتى فاقت الهمة ، وعلت همة الصبي ، آثر العلم . ص42 .

5 ـ فإذا راهق الصبي فينبغي لأبيه أن يزوجه . والعجب من الوالد كيف لا يذكر حاله عند المراهقة ، وما لقي وما عانى بعد البلوغ ، أو كان قد وقع في زلة ، فليعلم أن ولده مثله . ص 43 .

6 ـ قال الحسن رحمه الله : الجنة قيعان ، والملائكة تغرس ، فربما فتروا ، فيقال لهم : ما لكم فترتم ؟ فيقولون : فتر صاحبنا ، فقال : أمدوهم رحمكم الله . ص61 .

هذا ما تيسر إيراده ويلي هذا الكتاب كتاب آخر من كتب الإمام ابن الجوزي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
الكتاب الرابع : بحر الدموع : تحقيق إبراهيم باجس عبدالحميد ، دار ابن حزم ، الطبعة الرابعة 1428هـ .

قبل أن أشرع في الفوائد أود أن أبين مسألة أراها مهمة وهي :

أن الكتاب فيه رقائق توجد في غيره وفيه مخالفات عقدية ومبالغات فلينتبه لذلك . يقول محقق الكتاب إبراهيم باجس ذاكراً الصعوبات التي واجهته في تحقيق الكتاب :

إيراد المصنف لكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، والحكايات المستغربة والمستهجنة عن أهل الكتاب وغيرهم من الزهاد ، في كتبه الوعظية ، وكثير من هذه الأحاديث والحكايات قدح فيها المؤلف رحمه الله في كتبه الأخرى مثل كتاب ( الموضوعات ) وكتاب ( العلل المتناهية ) وشنع على رواتها . وأصبحت مقولة من يترجم لابن الجوزي أنه متشدد في نقد الأحاديث ، متساهل في إيرادها في كتبه والاستشهاد بها . قال ابن الأثير في ( الكامل في التاريخ ) في ترجمة أحمد بن محمد الغزالي الواعظ : ( وقد ذمه أبو الفرج بن الجوزي بأشياء كثيرة ، منها راويته في وعظه أحاديث غير صحيحة ، والعجب أنه يقدح فيه بهذا ، وتصانيفه هو ووعظه محشو به ، مملوء منه ) .



الفوائد :

1 ـ يا ابن آدم ، الدنيا مطية ، إن ركبتها حملتك ، وإن حملتها قتلتك . ص89 .

2 ـ يقال أن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يسكن بجواره شاب مولع بشرب الخمر ، فكان أبو حنيفة يسهر الليل على النظر في الكتب والقراءة ، وكان بينه وبين الشاب جدار ، فكان يشربُ ويتمثل :

[poem=]سأنشدهم إذا ما هم جـفوني =أضاعوني وأي فتى أضاعوا[/poem]

ويكثر التردد بهذا البيت ، فكان أبو حنيفة يستأنس بكلامه . فلما كان ذات ليلة ، لم يسمع له أبو حنيفة حِساً ، فلما خرج لصلاة الصبح سأل عنه ، فقيل له : إن صاحب الشرطة لقاه مخموراً ، فحمله إلى السجن ، فلما صلى أبو حنيفة ، مضى إلى منزل صاحب الشرطة ، و استأذن عليه ، وأعلمه بنفسه ، فخرج إليه صاحب الشرطة حافي القدمين ، عاري الرأس ، وقبل يده ، وقال : يا سيدي ، وما بلغ من قدري حتى تأتيني إلى منزلي ؟ فقال أبو حنيفة : إني جئتك في قضية جار لي سُجن الليلة ، فقال : أشهدك يا سيدي أني أطلقته وجميع من سُجن في تلك الليلة .

قال : وانصرف أبو حنيفة والرجل معه . ثم التفت إليه ، وقال : هل ضيعناك يا أخي ، أم قمنا بحقك رعياً لقولك : أضاعوني وأي فتى أضاعوا ؟ فقال : لا والله لم تضيعني ، بل رعيتني ، جزاك الله عن الجوار خيراً ، وأشهدك أني تائب لوجه الله تعالى . قال فلزم الإمام ، وعبد الله حتى أتاه اليقين . ص154 ـ 155 .


هذا ما تيسر إلى إيراده ويليه كتاب آخر من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
الكتاب الخامس : تعظيم الفتيا ، قرأه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان ، الطبعة الأولى 1423هـ ، مكتبة التوحيد .


1 ـ اُستفتِي الحسن بن زياد اللؤلؤي في مسألة فأخطأ ، فلم يعرف الذي أفتاه ، فاكترى منادياً فنادى : أن الحسن بن زياد اُستفتي يوم كذا وكذا في مسألة فأخطأ ، فمن كان أفتاه بشيء فليرجع إليه ، فمكث أياماً لا يُفتي حتى وجد صاحب الفتوى ، فأعلمه أنه قد أخطأ ، وأن الصواب كذا وكذا . ص 91 ـ 92 .

2 ـ بلغني ( القائل ابن الجوزي ) عن بعض مشايخنا أنه أفتى رجلاً من قرية بينه وبينها أربعة فراسخ ، فلما ذهب الرجل ، تفكر ، فعلم أنه أخطأ ، فمشى إليه فأعلمه أنه أخطأ ، فكان بعد ذلك إذا سُئل عن مسألة توقف ، وقال : ما في قوة أمشي أربعة فراسخ . ص 92 .

3 ـ عن مالك بن أنس قال : حدثني ربيعة قال : قال لي ابن خلدة وكان نعم القاضي : يا ربيعة أراك تفتي الناس ، فإذا جاءك رجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه ، وليكن همك أن تتخلص مما سألك عنه . ص126 ـ 127 .

هذا ما تيسر إلى إيراده ويليه كتاب آخر من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
الكتاب السادس : المُدهش . الطبعة الأولى 1425 هـ ، دار القلم ، بعناية عبدالكريم محمد منير ، وخلدون عبدالعزيز مخلوطة .


1 ـ الدنيا كامرأة فاجرة لا تثبت مع زوج ، فلذلك عِيبَ طُلابُها .

[poem=]
وحدثتك الليالي أن شيمتها =تفريق ما جمعته فاسمع الخبرا
فكن على حذر منها فقد نصحت=وانظر إليها تر الآيات والعبرا
فهل رأيت جديداً لم يعد خَلقا=وهل سمعت بصفو لم يصركدرا .
[/poem]

ص 270 .

2 ـ يامن يذنب ولا يتوب ، كم كتبت عليك ذنوب ؟ خل الأمل الكذوب ، فرب شروق بلا غروب ، واأسفى أين القلوب ؟ تفرقت بالهوى في شعوب ، ندعوك إلا صلاحك ولا تؤوب ، واعجباً الناس ضروب . متى تنتبه لصلاحك أيها الناعس ! ؟ متى تطلب الأخرى يا من على الدنيا ينافس ؟ متى تذكر وحدتك إذا انفردت عن مؤانس ؟ يا من قلبه قد جفا وجفنه ناعس ! يا من تحدثه الآمال دع هذه الوساوس ، أين الجبابرة الأكاسرة الشجعان الفوارس ؟ أين الأُسدُ الضواري الكوانس ؟ أين من اعتاد سعة القصور ، حُبس من القبور في أضيق المحابس ؟ أين الرافل في أثوابه عَرِيَ في ترابه عن الملابس ؟ أين حارس الأموال أُخِذَ المحروس ، وقُتِلَ الحارس ؟ ! .

[poem=]
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى=ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم =محاها مجال الريح بعدك والقطر
على ذاك مروا أجمعون وهكذا=يمرون حتى ينشرنهم الحشر
فحتام لا تصحو وقد قرب المدى =وحتام لا ينجاب عن قلبك السكر
بلى سوف تصحو حتى ينكشف الغطا=وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر
[/poem]
ص 354 ـ 355 .

3 ـ إذا هممت فبادر ، وإن عزمت فثابر ، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر . إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ، ثم ردفه قمر العزيمة أشرقت أرض القلب بنور ربها . ص364 ـ 365 .

4 ـ يا هذا !

إنما خلقت الدنيا لتجوزها لا لتحوزها ، ولتعبرها لا لتعمرها ، فاقتل هواك المائل إليها ، وأقبل نصحي ، و لا تعول عليها . يا أقدام الصبر تحملي فقد بقي القليل ، تذكري حلاوة الدعة يهن عليك مر السُرى ، قد علمت أين المنزل ؟ فاحد لها تسر . ص427 ـ 428 .

5 ـ يا من كان له قلب فانقلب ، قيام السحر يستوحش لك ، صيام النهار يسأل عنك ، ليال الوصال تعاتبك .

يا عزيزي :

ما ألفت الشقاء فكيف تصبر ؟ أصعبُ الفقر ما كان بعد الغنى ، وأوحش الذل ما كان بعد العز ، وأشدهما العمى على الكبر . ص439 .

بقية الفوائد تأتي تباعاً .
 
6 ـ يــــاهــذا !

الشيب أذان ، والموت إقامة ، ولست على طهارة . العمر صلاة ، والشيب تسليم . يامن خيم حب الهوى في صحراء قلبه ، اقلع الأطناب ، فقد ضرب بوق الرحيل . أما تسمع صوت السوط في ظهور الإبل ؟ أما ترى عجلة السلب وقصر العمر ؟ شارف الركب بلد الإقامة ، فاستحث المطي .

ص 452 ـ 453 .

7 ـ تلمح فجر الأجر يَهُن ظلام التكليف ، إذا خرجت من شفة غدرك لفظة سفه ، فلا تلحقها بمثلها تلقحها ، ونسل الخصام مذموم ، أوثق سبع غضبك بسلسة حِلمك ، فإنه إن أُفلِت أتلف . ص461 ـ 462 .

8 ـ ويحك !

إنما يكون الجهاد بين الأمثال ، ولذلك مُنِعَ من قتل النساء والصبيان ، فأي قدر للدنيا حتى يحتاج قلبك إلى محاربة لها ؟ أما علمت أن شهواتها جيف ملقاة ، أفيحسن بباشق الملك أن يطير عن كفه إلى ميتة ؟ مهلاً ( لا تمدن عينيك ) . ص485 .

9 ـ ويحك !

لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي ، إنما أبعدنا إبليس لأجلك ، لأنه لم يسجد لك ، فالعجب منك كيف صالحته وهجرتنا ! . ص514 .

10 ـ أكثر فساد القلب من تخليط العين ، ما دام باب العين موثقاً بالغض فالقلب سليم من آفة ، فإذا فُتَح الباب طار طائره وربما لم يعد . يا متصرفين في إطلاق الأبصار ، جاء توقيع العزل ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) ، إطلاق البصر ينقُشُ في القلب صورة المنظور ، والقلب كعبة ، وما يرضى المعبود بمزاحمة الأصنام . ص543 .
 
11 ـ إخواني ! تفكروا في الذين رحلوا ، أين نزلوا ؟ وتذكروا أن القوم نُوقشوا وسُئلوا ، واعلموا أنكم كما تُعذلون عُذِلوا ، ولقد ودوا بعد الفوات لو قبلوا .


[poem=]
سـألت الدار تخبرني= عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي : أناخ القوم= أياماً وقـد رحـلوا
فقلت : فأين أطلـبهم= وأي مـنازل نزلوا
فقالت : بالقبور وقـد =لقوا والله ما عمـلوا
أنـاس غـرهم أمـل= فبادرهم به الأجـل
فنوا وبقي على الأيام =ما قالوا وما عـملوا
وأُثبتَ في صـحائفهم =قبيح الفــعل والزلل
فـلا يُسـتعتبون ولا =لـهم ملـجا ولا حِيَل
نـدامى في قبورهم =وما يغـني وقد حصلوا
[/poem]
ص 548 .

12 ـ حر الصيف يُذكر حر جهنم ، وبرد الشتاء محذرٌ من زمهريرها ، والخريف ينبه على جني ثمار الأعمار ، والربيع يحث على طلب العيش الصافي . ص576 .

13 ـ يا هذا !

كنت تدعي حبنا ، وتؤثر القرب منا ، فما هذا الصبر الذي قد عنّ عنا ؟ كنت تستطيب رياح الأسحار ، وما تغير المهب ، ولكن دخل فصلُ برد الفتور ولم تحترز ، فأصابك زكام الكسل . كنت في الرعيل الأول ، فما الذي ردك إلى الساقة ؟ قف الآن على جادة التأسف والزم البكاء على التخلف ، فأحق الناس بالأسى من خُص بالتعويق دون الرفقاء . ص581 .

14 ـ أيها المرائي !

قلب من ترائيه بيد من تعصيه . ص584 .
15 ـ
العمل صورة والإخلاص روح .خليج صاف أنفع من بحر كدر . إذا لم تخلص فلا تتعب .عمل المرائي بصلة كلها قشور .المرائي يحشو جراب العمل رملاً فيثقله ولا ينفعه . لما أخذ دود القز ينسج ، أقبلت العنكبوت تتشبه ، وقالت : لك نسج ولي نسج . فقالت دودة القز : ولكن نسجي أردية الملوك ، ونسجك شبكة للذباب وعند مس النسيجين يبين الفرق . شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنة ، وشجرة الدباء تصعد في أسبوعين ، فتقول لشجرة الصنوبر : إن الطريق التي قطعتها في ثلاثين سنة قد قطعتها في أسبوعين ، فيقال لي : شجرة ، ولك شجرة .فتجيبها : مهلاً إلى أن تهب ريح الخريف . ص606 ـ 607 .

16 ـ قيل ( لعامر بن عبد قيس ) : أما تسهو في صلاتك ؟

قال : أو حديث أحب إلي من القرآن حتى أشتغل به ؟ ! . ص 649 .
 
17 ـ العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة . أيها المعلم تثبت على المبتدي ( وقدر في السرد ) فللعالم رسوخ وللمتعلم قلق . أيها الطالب تواضع في الطلب ، فإن التراب بينا هو تحت الأخمص صار طهوراً للوجه ، السهر مرقى إلى أطيب مرقد . ص715 .
18 ـ

[poem=]
نُراعُ إذا الجــنائز قابــلتنا =ونسكن حين تخفى ذاهبات
كروعة ثلــة لظــهور ذئب=فلما غاب عـــادت راتـعات
[/poem]

ص730 .

19 ـ

يا هذا !
ظلمك لنفسك في غاية القبح ، إلا أن ظلمك لغيرك أقبح .

ويحك !

إن لم تنفع أخاك فلا تؤذه ، وإن لم تعطه فلا تأخذ منه ، لا تشابهن الحية ، فإنها تأتي الحفر الذي قد حفره غيرها فتسكنه ، ولا تتمثلن بالعُقاب ، فإنه يتكاسل عن طلب الرزق ، ويصعد على مرقب عال ، فأي طير صاد صيداً اتبعه ، فلا تكون له همة إلا إلقاء صيده والنجاة بنفسه . في الحيوانات أخيار وأشرار كبني آدم ، فالتقط خير الخلال وخل خسيسها ، ولا تكن العصافير أحسن منك مروءة ، إذا أوذي أحدها صاح ، فاجتمعن لنصرته ، وإذا وقع فرخها طرن حوله يعلمنه الطيران .

ياهذا !

تخلق في إعانة الإخوان بخُلُق النملة ، فإنها قد تجد جرادة لا تطيق حملها ، فتعود مستغيثة بأخواتها ، فترى خلفها كالخيط الأسود قد جئن لإغاثتها ، فإذا وصلن بالمحمول إلى بيتها ، رفهنه عليها (تركنه طعاماً لها ) .
هيهات إن الطبع الردي لا يليق به الخيّر ، هذه الخنفساء إذا دفنت في الورد لم تتحرك ، فإذا أعيدت إلى الروث رتعت . وما يكفي الحية أن تشرب اللبن حتى تمج سمها فيه ، وكل إلى طبعه عائد ، إلا أن الرياضة قد تزيل الشر جملة ، وقد تخفف ، كما أن غسل الأثر إن لم يزله خفف .إن دمت على سلوك الجادة رجونا لك الوصول ، وإن طال السري . ص742 .

20 ـ من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه . ص749 .


هذا ما تيسر إلى إيراده ويليه كتاب آخر من كتب الإمام ابن الجوزي رحمه الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
الكتاب السابع : ذم الهوى ، تحقيق خالد العلمي ، الطبعة الأولى 1430هـ ، دار الكتاب العربي .

1 ـ
رب مستور سبته صبوة= فتعرى ستره فانتهكا
صاحب الشهوة عبد فإذا= غلب الشهوة صار الملكا

ص 46 .

2 ـ
إن المرآة لا تريك عيوب وجهك مع صداها
وكذاك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها

ص 47 .

3 ـ قال ابن جهضم : سمعت ابن شمعون يقول في مجلسه : ما سمعتَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا تمثال ) فإذا كان الملك لا يدخل بيتاً فيه صورة أو تمثال ، فكيف تدخل شواهد الحق قلباً فيه أوصاف غيره من البشر ؟ ! . ص 78 .

4 ـ قال لي بعض أهل هذا البلاء ( النظر المحرم ) يوماً : قد سمعت منك تحريم النظر ، وقد بالغت في التحذير من النظر . وإني نظرت يوماً إلى امرأة نظرة فهويتها وقوي كلفي بها ، فقالت لي النفس : إنك في بلاء عظيم مما لا تتيقنه ، فإن أول نظرة لا تُثبِتُ الشخص ، فلو أعدت النظر فربما أوجب التثبت السلوّ . فماذا تقول في هذه الحادثة ؟ فقلت له : هذا لا يصلح لأربعة أوجه :

أحدها : أن هذا لا يحل .
والثاني : أنك لو نظرت فالظاهر تقوية ما عندك ، فإن ما بهتك بأول نظرة فالظاهر حُسنه ، فلا تحسن المخاطرة بتوكيد الأمر ، لأنك ربما رأيت ما هو فوق ظنك فزاد عذابك .
والثالث : أن إبليس عند قصدك لهذه النظرة يقوم في ركائبه ليزين لك ما لا يحسن ثم لا تُعان عليه ، لأنك إذا أعرضت عن امتثال أمر الشرع تخلت عنك المعونة .
والرابع : أنك الآن في مقام معاملة للحق عز وجل على ترك محبوب ، وأنت تريد أن تتثبت حتى إذا لم يكن المنظور مرضياً تركته ، فإذن يكون تركه لأنه لا يلائم غرضك ، لا لله تعالى !

فأين معاملته بترك المحبوب لأجله ؟ وقد قال سبحانه : ( ويطعمون الطعام على حبه ) وقال : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) فإياك إياك . ص95 .


بقية الفوائد تأتي تباعاً بإذن الله .
 
عودة
أعلى