هذه جملة من الفوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لكتاب رياض الصالحين وهي فوائد مستخلصة من مجلداته الست وستأتيكم بإذن الله تباعاً ، فأسأله سبحانه أي يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح و الصدق و الإخلاص في القول والعمل .
فوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين لكتاب رياض الصالحين ط دار الوطن 1426هـ
فوائد من المجلد الأول :
1ـ النية تكون كاملة بثلاثة أشياء :
ــ نية العبادة ، مثال: تنوي الصلاة وأنها الظهر أو العصر أو ما أشبه ذلك .
ــ نية أن تكون لله ، بمعنى أنك إنما تصلي لله عزوجل لا لغيره ، لا تصلي رياءً ولا سمعة ولا لتمدح على صلاتك .
ــ نية أن تقوم بها امتثالاً لأمر الله ، بمعنى تستحضر أنك تصلي امتثالاً لأمر ربك حيث قال ( أقم الصلاة ) ، ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) . ص14 .
2 ـ قال رحمه الله تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً )
فالمتمني للخير الحريص عليه إن كان من عادته أنه كان يعمله ولكنه حبسه عنه حابس كتب له أجره كاملاً .
فمثلاً : إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد ولكنه حبسه حابس كنوم أو مرض أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص . ص 36 .
3ـ قال تعليقاً رحمه الله على قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص في الوصية ( الثلث والثلث كثير ) :
في هذا دليل على أنه إذا نقص عن الثلث فهو أحسن وأكمل ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الثلث والثلث كثير ) .
وقال أبو بكر رضي الله عنه :( أرضى ما رضيه الله لنفسه ) يعني الخمس فأوصى بالخمس رضي الله عنه . وبهذا نعرف أن عمل الناس اليوم وكونهم يوصون بالثلث خلاف الأولى وإن كان هو جائزاً ، لكن الأفضل أن يكون أدنى من الثلث أما الربع أو الخمس . ص43ـ 44.
4ـ قال رحمه الله تعليقاً على قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ( جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودوني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يارسول الله إني قد بلغ بي الوجع ماترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي ؟ . قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله : وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة ولكن بقي وعمر ورزق أولاداً ، سبعة عشر ابناً واثنتي عشرة ابنة . ص46 . 5 ـ قال رحمه تعليقاً على الحديث السابق ( الثلث والثلث كبير ) ومن فوائد هذا الحديث أنه إذا كان مال الإنسان قليلاً وكان ورثته فقراء فالأفضل أن لا يوصي بشيء لا قليل ولا كثير لقوله عليه الصلاة والسلام ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة ) ، خلافاً لما يظنه بعض العوام أنه لابد من الوصية فهذا خطأ والإنسان الذي ماله قليل وورثته فقراء ليس عندهم مال لاينبغي له أن يوصي الأفضل أن لا يوصي .
ويظن بعض العامة أنه إذا لم يوص لم يكن له أجر وليس كذلك بل إذا ترك المال لورثته فهو مأجور في هذا . ص 57 . 6ـ قال رحمه الله تعليقاً على قوله عليه الصلاة والسلام ( وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد )
أما لو خرج من بيته لا يريد الصلاة فإنه لا يكتب له هذا الأجر مثل أن يخرج من بيته إلى دكانه ولما أذن ذهب يصلي فإنه لا يحصل على هذا الأجر لأن الأجر إنما يحصل لمن خرج من البيت لا يخرجه إلا الصلاة .لكن ربما يكتب له الأجر من حين أن ينطلق من دكانه أو من مكان بيعه وشرائه إلى أن يصل إلى المسجد ما دام انطلق من هذا المكان وهو على طهارة والله الموفق . ص74.
7 ـ إذا اغتاب الشخص شخصاً آخر غائب عند مجمع من الناس فما كفارة ذلك ؟هذا اختلف فيه العلماء فمنهم من قال : لابد أن تذهب إليه وتقول له يافلان إني تكلمت فيك عند الناس فأرجوك أن تسمح عني وتحللني .
وقال بعض العلماء : لاتذهب إليه بل فيه تفصيل :فإن كان علم بهذه الغيبة فلا بد أن تذهب إليه وتستحله . وإن لم يكن علم فلا تذهب إليه واستغفر له وتحدث بمحاسنه في المجالس التي كنت تغتابه فيها فإن الحسنات يذهبن السيئات وهذا القول أصح . ص90 . 8 ـ ينبغي للإنسان إذا قدم بلده (من سفر ) أن يعمد إلى المسجد قبل أن يدخل إلى بيته فيصلي فيه ركعتين لأن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية .وما أظن أحداً من الناس اليوم إلا قليلاً يعمل هذه السنة وهذا لجهل الناس بهذا وإلا فهو سهل والحمد لله .وسواء صليت في مسجدك الذي كنت تصلي فيه القريب من بيتك أو صليت في أدنى مسجد من مساجد البلد الذي أنت فيه حصلت السنة . ص139ـ140 .
وبقية الفوائد من المجلد الأول تأتي تباعاً بإذن الله .
9 ـ قال تعالى ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) والثلاثة هم :كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية هؤلاء هم الثلاثة الذين خلفوا رضي ا لله عنهم ، وخلفوا : أي خلف البت في أمرهم وليس المراد تخلفوا عن الغزوة بل خلفهم الرسول عليه الصلاة والسلام لكي ينظر في أمرهم ماذا يكون حكم الله تعالى فيهم . ص 162 . 10ـ من حكمة الله عزوجل أنه لم يأمرفي الشرع بأن يقتل الزاني المحصن بالسيف وينتهي أمره بل يرجم بهذه الحجارة حتى يتعذب ويذوق ألم العذاب في مقابل ما وجده من لذة الحرام لأن هذا الزاني تلذذ جميع جسده بالحرام فكان من الحكمة أن ينال هذا الجسد من العذاب بقدر ما نال من اللذة . ص167 . 11 ـ قال رحمه الله تعليقاً على قوله عليه الصلاة والسلام ( الصلاة نور والصبر ضياء )
أما الصبر فقال إنه ( ضياء ) فيه نور لكن نور مع حرارة كما قال تعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً ) فالضوء لا بد فيه من حرارة وهكذا الصبر لا بد فيه من حرارة وتعب لأن فيه مشقة كبيرة ولهذا كان أجره بغير حساب .
فالفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة لما في ذلك من التعب القلبي والبدني في بعض الأحيان . ص 191 . 12 ـ لما علم عليه الصلاة والسلام أن ابن ابنته يحتضر أرسل رسولاً يقرئ السلام ويقول ( إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب ). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليقاً :
فيه دليل على أن هذه الصيغة من العزاء أفضل صيغة ، أفضل من قول بعض الناس ( أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك ) هذه صيغة اختارها بعض العلماء لكن الصيغة التي اختارها الرسول عليه الصلاة والسلام ( اصبر واحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ) أفضل لأن المصاب إذا سمعها اقتنع أكثر . ص209 . 13 ـ قال رحمه الله تعليقاً على قول ابن مسعود رضي الله عنه ( كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحكي لنا ) .
فيه دليل على أن المحدث أو المخبر يخبر بما يؤيد ضبطه للخبر والحديث ، وهذا أمر شائع عند الناس يقول : كأني أنظر إلى فلان وهو يقول لنا كذا وكذا أي كأني أنظر إليه الآن .فإذا استعمل الإنسان مثل هذا الأسلوب لتثبيت ما يحدث به فله في ذلك أسوة من السلف الصالح رضي الله عنهم . ص 242 . 14 ـ الصلة ( أي صلة الرحم ) جاءت في الكتاب والسنة غير مقيدة وكل ما جاء في الكتاب والسنة غير مقيد فإنه يحمل على العرف فما جرى العرف على أنه صلة فهو صلة .وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن ، مثلاً إذا كان قريبك مستغنياً عنك وصحيح البدن وتسمع عنه أنه لا يحتاج إلى شيء فهذا صلته لو تحددت بشهر أو شهر ونصف وما أشبه ذلك فإن هذه صلة بعرفنا ، وذلك لأن الناس والحمد لله قد استغنى بعضهم عن بعض وكل واحد منهم لا يجد على الآخر لكن لو كان هذا الرجل قريباً جداً كالأب والأم والأخ والعم فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وكذلك لو كان فقيراً فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وكذلك لو كان فقيراً فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وكذلك لو مرض فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وهكذا .
فما جرت العادة بأنه صلة فهو صلة وما جرت العادة بأنه قطيعة فهو قطيعة . ص309.
15 ـ قال صلى الله عليه وسلم في شأن البيعان ( فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما )
الفرق بين الصدق والبيان أن الصدق فيما يكون مرغوباً من الصفات والبيان فيما يكون مكروهاً من الصفات ، فكتمان العيب ضد هذا البيان ووصف السلعة بما ليس فيها ضد الصدق . ص 322 . 16 ـ ما الأفضل في الصلاة القيام أم السجود ؟القيام في الصلاة أشرف من السجود بذكره والسجود أفضل من القيام بهيئته .أما كون القيام أفضل من السجود بذكره فلأن الذكر المشروع في القيام هو قراءة القرءان والقرءان أفضل الكلام .
أما السجود فهو أشرف من القيام بهيئته لأن الإنسان الساجد أقرب ما يكون من ربه عزوجل كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) . ص325 . 17 ـ قال رحمه الله تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار ( لا تحزن إن الله معنا فما ظنك باثنين الله ثالثهما ) . والله ظننا أن لا يغلبهما أحد و لايقدر عليهما أحد .وفعلاً هذا الذي حصل ما رأوهما مع عدم المانع ، فلم يكن هناك عش كما يقولون ولا حمامة وقعت على الغار و لاشجرة نبتت على فم الغار ما كان إلا عناية الله عزوجل لأن الله معهما . ص330 . 18 ـ قال الله جل وعلا في شأن سحرة فرعون : ( فألقي السحرة ساجدين )انظر إلى كلمة ( ألقي ) كأن هذا السجود جاء اندفاعاً بلا شعور ما قال : سجدوا ! ألقوا ساجدين كأنهم من شدة ما رأوا اندفعوا بدون شعور ولا اختيار حتى سجدوا مؤمنين بالله ورسوله . ص337 . 19 ـ قا ل تعالى : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) . سبحان الله ! كأن هذه الآية تنزل على حال الناس اليوم بل حال الناس في القديم يعني : هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب ؟
هذه مسألة أشكلت على كثير من النظار الذين ينظرون إلى الأمور نظرة مادية لايرجعون فيها إلى قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم . وإلا فالحقيقة أن الأمر فيها واضح أن العقل في القلب وأن القلب في الصدر ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) وقال ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ولم يقل : القلوب التي في الأدمغة قال : ( في الصدور ) ، فالأمر فيه واضح جداً أن العقل يكون في القلب ، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .فما بالك بأمر شهد به كتاب الله والله تعالى هو الخالق العالم بكل شيء وشهدت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
إن الواجب علينا إزاء ذلك أن نطرح كل قول يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نجعله تحت أقدامنا وأن لا نرفع به رأساً .
إذاً القلب هو محل العقل ولا شك ولكن الدماغ محل التصور ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلى القلب ثم القلب يأمر أو ينهى فكأن الدماغ ( سكرتير ) يجهز الأشياء ثم يدفعها إلى القلب ثم القلب يوجه يأمر أو ينهى وهذا ليس بغريب ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ).
إذاً فالقلوب هي محل العقل والتدبير للشخص ، ولكن لا شك أن لها اتصالاً بالدماغ ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد العقل فهذا مرتبط بهذا لكن العقل المدبر في القلب والقلب في الصدر ( ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) . ص341ـ342. 20 ـ قال رحمه الله تعليقاً على حادثة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة في بداية الأمر خمسين صلاة ثم نقصها إلى خمس صلوات :
فالله بمنه وكرمه وله الحمد والفضل قال : خمس بالفعل وخمسون في الميزان وليس هذا من باب قبيل الحسنة بعشر أمثالها بل من باب قبيل الفعل الواحد يجزيء عن خمسين فعلاً ، فهذه خمس صلوات عن خمسين صلاة كل صلاة الحسنة بعشر أمثالها . لأنه لو كان هذا من باب مضاعفة الحسنات لم يكن هناك فرق بين الصلوات وغيرها لكن هذه خاصة ، صل خمساً كأنما صليت خمسين صلاة . ص357 . 21 ـ سمى عروض التجارة عروضاً لأنه ليس بثابت بل يعرض ويزول فكل شيء يعرض ويزول يسمى عرضاً كما قال الله تعالى : ( تبتغون عرض الحياة الدنيا ) . ص 419 . 22 ـ الفقراء والمساكين هم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية عوائلهم لمدة سنة .مثاله : رجل موظف براتب شهري قدره أربعة آلاف ريال لكن عنده عائلة يصرف ستة آلاف ريال فهذا يكون فقيراً لأنه لا يجد ما يكفيه . فنعطيه أربعة وعشرين ألفاً من الزكاة من أجل أن نكمل نفقته .فإذا قال قائل : أيهما أشد حاجة الفقير أم المسكين ؟ قال العلماء : إنما يبدأ بالأهم فالأهم والله تعالى قد بدأ بالفقير فيكون الفقير أشد حاجة من المسكين . ص421 . 23 ـ ما جاء في كتب بني اسراءيل ينقسم إلى قسمين رئيسيين : أولاً : ماقصه الله علينا في القرءان أو قصه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مقبول صحيح . والثاني : ما نقلوه هم فهذا لايخلو من ثلاث حالات : الحالة الأولى : أن يشهد شرعنا بكذبه فيجب علينا أن نكذبه ونرده . الحالة الثانية : ما شهد شرعنا بصدقه فنصدقه ونقبله لشهادة شرعنا به . الحالة الثالثة : ما ليس هذا ولا هذا فيجب علينا أن نتوقف ، لأنهم لا يؤمنون ويحصل في خبرهم الكذب والتغيير والزيادة والنقص . ص 450 .
24 ـ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلق بالمساجد
أي يحب المساجد .
وهل المقصود أماكن السجود ؟ أي أنه يحب كثرة الصلاة أو المقصود المساجد المخصوصة ؟
يحتمل هذا ويحتمل هذا . ص 462 .
25 ـ إن قال قائل :
كيف تجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام ( وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( الشر ليس إليك ) فنفى أن يكون الشر إليه ؟
فالجواب على هذا أن نقول :
أن الشر المحض لا يكون بفعل الله أبداً فالشر المحض الذي ليس فيه خير لا حالاً ولا مآلاً لا يمكن أن يوجد في فعل الله أبداً هذا من وجه ، لأنه حتى الشر الذي قدره الله شراً لا بد أن يكون له عاقبة حميدة ، ويكون شراً على قوم وخيراً على آخرين .
أرأيت لو أنزل الله مطراً كثيراً فأغرق زرع إنسان ، لكنه نفع الأرض وانتفعت به أمة لكان هذا خيراً بالنسبة لمن انتفع به شراً بالنسبة لمن تضرر به ، فهو خير من وجه وشر من وجه .
ثانياً : حتى الشر الذي يقدره الله على الإنسان هو خير في الحقيقة لأنه إذا صبر واحتسب الأجر من الله نال بذلك أجراً أكثر بأضعاف مضاعفة مما ناله من الشر ، وربما يكون سبباً للاستقامة ومعرفة قدر نعمة الله على العبد فتكون العاقبة حميدة . ص478 ـ479 .
26 ـ قال الله تعالى : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) وقال لوط لقومه ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين )
فقال في اللواط ( الفاحشة ) وفي الزنا ( فاحشة ) أي : فاحشة من الفواحش ، أما اللواط فجعله الفاحشة العظمى نسأل الله العافية . ص 497 ـ 498 .
27 ـ قال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وهذه الآية ليست آية يقصد بها التهاون بتقوى الله وإنما يقصد بها الحث على التقوى بقدر المستطاع أي : لاتدخر وسعاً في تقوى الله ولكن الله لا يكلف الإنسان شيئاً لا يستطيعه كما قال تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) . ص 514 .
28 ـ أوصى النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه أن يقول عند منامه : ( اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ) .
وقد أعاد البراء بن عازب رضي الله عنه هذا الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم ليتقنه فقال : ( آمنت بكتابك الذي أنزلت ورسولك الذي أرسلت ) ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال قل : ( ونبيك الذي أرسلت ) ولا تقل : ( ورسولك الذي أرسلت ).
قال أهل العلم :
وذلك لأن الرسول يكون من البشر ويكون من الملائكة كما قال الله عزوجل عن جبريل : ( إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين ) ، وأما النبي فلا يكون إلا من البشر . ص 562 .
29 ـ ما يوجد في بعض التواريخ أن العنكبوت نسجت على باب الغار وأنه نبت فيه شجرة وأنه كان على غصنها حمامة وأن المشركين لما جاءوا إلى الغار قالوا هذا ليس فيه أحد ، فهذه الحمامة على غصن شجرة على بابه ، وهذه العنكبوت قد عششت على بابه ، كل هذا لاصحة له .
لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبة أبي بكر ليست أموراً حسية تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية وآية من آيات الله عزوجل حجب الله أبصار المشركين عن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ، أما لوكان أموراً حسية مثل العنكبوت التي نسجت والحمامة والشجرة فكلها أمور حسية كل يختفي بها عن غيره ، لكن الأمر آية من آيات الله عزوجل ، فالحاصل أن ما يذكر في كتب التاريخ في هذا لا صحة له بل الحق الذي لا شك فيه أن الله تعالى أعمى أعين المشركين عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه في الغار والله الموفق . ص 564 ـ565 .
30 ـ مهما عملت من المعاصي إذا رجعت إلى الله وتبت تاب الله عليك ، ولكن إن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلا بد من الاستبراء من حقه إما بوفائه أو باستحلاله منه لأنه حق آدمي لا يغفر ، فحق الله يغفر مهما عظم وحق الآدمي لابد أن تستبرأ منه إما بإبراء أو أداء بخلاف حق الله .
ومع هذا لو فرض أنك لم تدرك صاحبك ولم تعرفه أو لم تتمكن من وفائها لأنها دارهم كثيرة وليس عندك وفاء وعلم الله من نيتك أنك صادق في توبتك فإن الله يتحمل عنك يوم القيامة ويرضي صاحبك . ص585 .
هذا ما من الله به من فوائد المجلد الأول وفوائد المجلد الثاني تأتي تباعاً بإذن الله .
1 ـ قال عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ) وفي لفظ ( ويحبه الله ورسوله ) .
في هذا الحديث دليل على أنه يجوز للإنسان أن يقول : لأفعلن كذا في المستقبل وإن لم يقل إن شاء الله .
ولكن يجب أن نعلم الفرق بين شخص يخبر عما في نفسه ، وشخص يخبر أنه سيفعل يعني يريد الفعل .
أما الأول فلا بأس أن يقول سأفعل بدون إن شاء الله لأنه إنما يخبر عما في نفسه ، وأما الثاني الذي يريد أنه يفعل أي يوقع الفعل فعلاً فهذا لا يقل إلا مقيداً بالمشيئة قال تعالى ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً * إلا أن يشاء الله ) فهناك فرق بين من يخبر عما في نفسه وبين من يقول إنني سأفعل غدا .
إذن نقول : إن في هذا الحديث دليل على أن الإنسان له أن يقول سأفعل كذا إخباراً عما في نفسه لا جزماً بأن يفعل لأن المستقبل له الله لكن إذا أخبرت عما في نفسك فلا حرج والله أعلم . ص49 ـ50 .
2 ـ ينبغي للإنسان في صلاة الليل إذا مر بآية رحمة أن يقف ويسأل ، مثل لو مر بذكر الجنة يقف ويقول : اللهم اجعلني من أهلها ، اللهم إني أسألك الجنة ، وإذا مر بآية وعيد يقف و يقول : أعوذ بالله من ذلك أعوذ بالله من النار ، وإذا مر بآية تسبيح ، يعني تعظيم لله سبحانه وتعالى ، يقف ويسبح الله ويعظمه هذا في صلاة الليل ، أما في صلاة الفريضة فلا بأس أن يفعل هذا ولكنه ليس بسنة إن فعله فإنه لا ينهى عنه وإن تركه فإنه لا يؤمر به بخلاف صلاة الليل فإن الأفضل أن يفعل ذلك ، أي يتعوذ عند آية الوعيد ويسأل عند آية الرحمة ويسبح عند آية التسبيح . ص 95 .
3 ـ كره بعض العلماء أن يدعى للإنسان بطول البقاء قالوا : لا تقل : أطل الله بقاءك إلا مقيداً قل : أطال الله بقاءك على طاعته لأن طول البقاء قد يكون شراً للإنسان . ص 108 .
4 ـ الصدقة هي : أن يتبرع الإنسان بماله للفقراء ابتغاء وجه الله ، وسميت صدقة لأن بذل المال لله عزوجل دليل على صدق الإيمان بالله . ص111 .
5 ـ قال تعالى : ( أفرءيتم ما تحرثون * ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون )
تأمل كيف قال الله تعالى : ( لو نشاء لجعلناه حطاماً ) ولم يقل : لو نشاء ما أنبتناه لأنه إذا نبت وشاهده الناس تعلقت به قلوبهم فإذا جعل حطاماً بعد أن تعلقت به القلوب صار ذلك أشد نكاية ولهذا قال تعالى ( لو نشاء لجعلناه حطاماً ) ولم يقل لو نشاء ما أنبتناه .
ص126 .
بقية الفوائد من المجلد الثاني تأتي تباعاً بإذن الله .
6 ـ يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح )
ظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح ، سواء غدا للصلاة أو لطلب العلم أو لغير ذلك من مقاصد الخير ، أن الله يكتب له في الجنة نزلاً .
والنزل : ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام ، أي أن الله تعالى يعد لهذا الرجل الذي ذهب إلى المسجد صباحاً أو مساءً يعد له في الجنة نزلاً إكراماً له . ص168 .
7 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يارسول الله قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ) .
أصل الرباط : الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها ، وهذا من أعظم الأعمال ، فلذلك شبه به ماذكر من الأفعال الصالحة والعبادة في هذا الحديث ، أي أن المواظبة على الطهارة والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله .
وقيل : إن الرباط هاهنا اسم لما يربط به الشيء ، والمعنى : أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عنها . ص 187 .
8 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها )
قوله : ( الأكلة ) فسرها المؤلف بأنها الغدوة أو العشوة وليست الأكلة اللقمة ، ليس كلما أكلت لقمة قلت : الحمد لله أو كلما أكلت تمرة قلت : الحمد لله ، السنة أن تقول الحمد لله إذا انتهيت نهائياً من الطعام . ص206 .
9 ـ قال تعالى : ( طه * ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى ) .
(طه) هذه حرفان من حروف الهجاء ، أحدهما طاء والثاني هاء ، وليست اسماً من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما زعمه بعضهم ، بل هي من الحروف الهجائية التي ابتدأ الله بها بعض السور الكريمة من كتابه العزيز وهي حروف ليس لها معنى ، لأن القرءان نزل باللغة العربية ، واللغة العربية لا تجعل للحروف الهجائية معنى ، بل لا يكون لها معنى إلا إذا ركبت وكانت كلمة .
ولكن لها مغزى عظيم ، هذا المغزى العظيم هو التحدي الظاهر لهؤلاء المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم عجزوا أن يأتوا بشيء مثل القرءان لا بسورة و لا بعشر سور ولا بآية ومع هذا فإن هذا القرءان الذي أعجزهم لم يأت بحروف غريبة لم يكونوا يعرفونها ، بل أتى بالحروف التي يركبون منها كلامهم .
ولهذا لاتكاد تجد سورة ابتدئت بهذه الحروف إلا وجدت بعدها ذكر للقرءان ، في سورة البقرة ( آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه ) وفي سورة آل عمران ( آلم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق ) وهكذا نجد بعد كل حروف هجائية في بداية السورة يأتي ذكر القرءان ، إشارة إلى أن هذا القرءان كان من هذه الحروف التي يتركب منها كلام العرب ، ومع ذلك أعجز العرب ، هذا هو الصحيح في المراد من هذه الحروف الهجائية . ص 210ـ211 .
10 ـ لله عزوجل على خلقه ربوبيتان : ربوبية عامة لكل أحد ، مثل قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) وربوبية خاصة لمن اختصه من عباده مثل هذه الآية : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى عن سحرة آل فرعون : ( قالوا ءامنا برب العالمين * رب موسى وهارون ) .
فرب العالمين عامة ، ورب موسى وهارون خاصة .
والربوبية الخاصة تقتضي عناية خاصة من الله عزوجل . ص 259 .
11 ـ إذا وجدت ضرورة إلى شيء محرم صار هذا المحرم حلالاً بشرطين :
الشرط الأول : أن لا تندفع ضرورته بسواه .
الشرط الثاني : أن يكون مزيلاً للضرورة ، وبهذين القيدين نعرف أنه لا ضرورة إلى دواء محرم ، يعني لو كان هناك دواء ولكنه حرام فإنه لا ضرورة إليه .
فلو قال قائل : أنا أريد أن أشرب دماً أستشفي به ، كما يدعي بعض الناس أنه إذا شرب من دم الذئب شفي من بعض الأمراض نقول : هذا لا يجوز .
أولا : لأن الإنسان ربما يشفى بغير هذا المحرم إما من الله وإما بدعاء وإما بقراءة وإما بدواء آخر مباح .
ثانياً : أنه ليس يقيناً أنه إذا تداوى بالدواء يشفى فما أكثر الذين يتداوون ولا يشفون بخلاف من كان جائعاً وليس عنده إلا ميتة أو لحم خنزير أو لحم حمار فإنه يجوز أن يؤكل في هذه الحالة لأننا نعلم أن ضرورته تندفع بذلك بخلاف الدواء . ص 273 .
12 ـ ترد الأمة في القرءان الكريم على أربعة معان :
ـ أمة بمعنى الطائفة قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) .
ـ أمة بمعنى الملة قال تعالى : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) .
ـ أمة بمعنى السنين قال تعالى : ( وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ) أي بعد زمن .
ـ أمة بمعنى القدوة والإمام قال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا ) . ص352 .
13 ـ اختلف العلماء رحمهم الله هل الجزية خاص أخذها من أهل الكتاب أي مقاتلتهم أو أنه عام لجميع الكفار ؟
أكثر العلماء يقولون : أن الذي يُقاتل حتى يعطي الجزية أو يسلم هم أهل الكتاب اليهود والنصارى ، وأما غيرهم فيقاتلون حتى يسلموا ، ولا يقبل منهم إلا الإسلام واستدلوا بقوله تعالى :
( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )
والصحيح أنه عام ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وهم ليسوا أهل كتاب كما أخرجه البخاري ودليل آخر :
حديث بريدة بن الحصيب الذي أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ومن معه من المسلمين خيراً وذكر في الحديث أنه يدعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فالجزية فإن أبوا يقاتلهم والصحيح أن هذا عام . ص365ـ366 .
14 ـ عن ابن عباس ضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال : من القوم ؟ قالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ قال : رسول الله فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت ألهذا حج ؟ قال نعم ولك أجر .
من فوائد هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يغتنم وجود العالم لأن هؤلا ء القوم لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله ، جعلوا يسألونه ، فينبغي للإنسان أن يغتنم فرصة وجود العالم من أجل أن يسأله عما يشكل عليه . ص 377 .
15 ـ عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم )
قدم الأئمة على العامة لأن الأئمة إذا صلحوا صلحت العامة فإذا صلح الأمراء صلحت العامة ، وإذا صلح العلماء صلحت العامة ، لذلك بدأ بهم ، وليُعلم أن أئمة المسلمين لا يراد بهم الأئمة الذين لهم الإمامة العظمى ، ولكن يراد به ماهو أعم ، فكل من له إمرة ولو في مدرسة فإنه يعتبر من أئمة المسلمين ، إذا نوصح وصلح ، صلح من تحت يده . ص397 .
16 ـ يجوز أن يلبس الرجل خاتماً من فضة ولكن بشرط أن لايكون هناك عقيدة في ذلك كما يفعله بعض الناس الذين اعتادوا عادات النصارى في مسألة الدبلة التي يلبسها البعض عند الزواج .
يقولون عن الدبلة : إن النصارى إذا أراد الرجل منهم أن يتزوج ، جاء إليه القسيس وأخذ الخاتم ووضعه في أصابعه إصبع إصبع ، حتى ينتهي إلى مايريد ثم يقول : هذا الرباط بينك وبين زوجتك ، فإذا لبس الرجل هذه الدبلة معتقداً ذلك فهو تشبه بالنصارى ، مصحوب بعقيدة باطلة ، فلا يجوز حينئذ للرجل أن يلبس هذه الدبلة .
أما لو لبس خاتماً عادياً بغير عقيدة فإن هذا لا بأس به . ص 445 .
17 ـ ليس التختم من الأمور المستحبة ، بل هو من الأمور التي إذا دعت الحاجة إليها فعلت وإلا فلا تفعل ، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يلبس الخاتم .
لكنه قيل له : إن الملوك والرؤساء لا يقبلون الكتاب إلا بختم ، فاتخذ خاتماً نقش في فصه ( محمد رسول الله ) حتى إذا انتهى من الكتاب ختمه بهذا الخاتم . ص 445 .
18 ـ القصة التي رويت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن حواء حملت فجاءها الشيطان فقال : سمي الولد عبدالحارث أو لأجعلن له قرن إيل فيخرج من بطنك فيشقه فأبيا أن يطيعا ، وجاءهم في المرة الثانية فأبيا أن يطيعا فجاءهم المرة الثالثة فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث وجعل ذلك تفسيراً لقوله تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين * فلما ءاتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما ءاتاهما فتعالى الله عما يشركون )
فإن هذه القصة قصة مكذوبة ليست بصحيحة من وجوه :
الأول : أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه القصة من الأخبار التي لا تتلقى إلا من طريق الوحي .
الثاني : أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء .
الثالث : أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة فيعتذر بأكله من الشجرة وهو معصية ، ولو وقع منه الشرك لكان اعتذاره به أقوى وأولى وأحرى .
فهذه الوجوه وغيرها تدل على أنه لا يجوز أن يعتقد أن آدم وحواء يقع منهما الشرك بأي حال من الأحوال . ص 478 ـ 479 .
19 ـ حجة الوداع هي الحجة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة وودع الناس فيها وقال : ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) ، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلا هذه المرة فقط وقد ذكر أنه حج قبل الهجرة مرتين ولكن الظاهر والله أعلم أنه حج أكثر ، لأنه كان هناك في مكة ، وكان يخرج في الموسم يدعو الناس والقبائل إلى دين الله عزوجل فيبعد أنه يخرج ولا يحج . ص 491 .
20 ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه لليمن : ( فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ) .
ولهذا يخطئ قوم يرسلون صدقاتهم إلى بلاد بعيدة وفي بلادهم من هو محتاج ، فإن ذلك حرام عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ) ولأن الأقربين أولى بالمعروف ، ولأن الأقربين يعرفون المال الذي عندك ، ويعرفون أنك غني ، فإذا لم ينتفعوا بمالك فإنه سيقع في قلوبهم من العداوة والبغضاء ماتكون أنت السبب فيه ، ربما إذا رأوا أنك تخرج صدقة إلى بلاد بعيدة وهم محتاجون ، ربما يعتدون عليك ويفسدون أموالك ، ولهذا كان من الحكمة أنه مادام في أهل بلدك من هو في حاجة أن لا تصرف صدقتك إلى غيره . ص 501 .
21 ـ لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ في بالسلام .
ولكن لك أن تهجره لمدة ثلاثة أيام ، إذا رأيت في هذا مصلحة ، ولك أن تهجره أكثر إذا رأيته على معصية أصر عليها ولم يتب منها فرأيت أن هجره يحمله على التوبة ، ولهذا كان القول الصحيح في الهجر أنهم رخصوا فيه خلال ثلاثة أيام ، ومازاد على ذلك فينظر فيه للمصلحة إن كان فيه خير فليفعل وإلا فلا ، حتى لو جاهر بالمعصية فإذا لم يكن في هجره مصلحة فلا تهجره . ص540 .
22 ـ الإنسان إذا انشغل بالشيء المحبوب إليه أنساه كل شيء ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) فلست كهيئتكم ، وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء ، الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة فليس بصحيح ، لأنه لو طعم طعاماً حسياً وشرب شراباً حسياً ، لم يكن واصلاً ، وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغل به صلى الله عليه وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه . ص 560 .
23 ـ يجب عليك أخي المسلم أن تربي نفسك أن تحب لإخوانك ما تحب لنفسك حتى تحقق الإيمان ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويحب أن يأتي إلى الناس ما يؤتى إليه ) الأول حق الله والثاني حق العباد ، تأتيك المنية وأنت تؤمن بالله وباليوم الآخر نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك وأن تحب أن يأتي لأخيك ما تحب أن يؤتى إليك . ص 590 .
24 ـ اليهودي والنصراني والمشرك والملحد والمرتد كالذي لا يصلي والمبتدع بدعة يكفر بها ، كل هؤلاء لا يحل ابتداء السلام عليهم ولو كانوا أقرب الناس إليك ، لكن إذا سلموا فرد عليهم بمثل ما سلموا به إذا قالوا : أهلا ومرحباً فقل : أهلا ومرحباً ، وإذا قالوا : السلام عليكم قل : وعليكم والسلام ، وإذا شككت هل هو يقول : السلام عليكم أو يقول : السام عليكم فقل : وعليكم .
وهذا من العدل يقول تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه ( أحكام الذمة ) أنهم إذا قالوا : السلام عليكم بكلام بين فلك أن تقول : عليكم لسلام . ص 594 .
25 ـ أشير عليكم بأمر مهم أنك إذا حلفت على يمين فقل إن شاء الله ولو لم يسمعها صاحبك ، لأنك إذا قلت إن شاء الله يسر الله لك الأمر حتى تبر بيمينك ، وإذا قدر أنه ما حصل الذي تريد فلا كفارة عليك وهذه فائدة عظيمة .
فلو قلت لواحد مثلا : والله ما تذبح لي ، ثم قلت بينك وبين نفسك : إن شاء الله ثم ذبح فلا عليك شيء ولا عليك كفارة يمين ، وكذلك أيضاً بالعكس لو قلت : والله لأذبح ثم قلت بينك وبين نفسك : إن شاء الله ولم يسمع صاحبك فإنه إذا لم تذبح فليس عليك كفارة لقوله النبي صلى الله عليه وسلم ( من حلف على يمين فقال : إن شاء الله لم يحنث ) وهذه فائدة عظيمة اجعلها على لسانك دائماً ، اجعل الاستثناء بإن شاء الله على لسانك دائماً حتى يكون فيه فائدتان :
الفائدة الأولى : أن تيسر لك الأمور .
والفائدة الثانية : أنك إذا حنثت فلا تلزمك الكفارة . ص 612 ـ 613 .
هذا مامن الله به ويسر من فوائد المجلد الثاني .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فوائد المجلد الثالث .
1 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( والكلمة الطيبة صدقة )
وهذه ولله الحمد من أعم ما يكون ، الكلمة الطيبة تنقسم إلى قسمين : طيبة بذاتها ، طيبة بغاياتها .
أما الطيبة بذاتها فالذكر : لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الحمد لله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأفضل الذكر قراءة القرءان .
أما الكلمة الطيبة في غايتها : فهي الكلمة المباحة كالتحدث مع الناس إذا قصدت بهذا إيناسهم وإدخال السرور عليهم ، فإن هذا الكلام وإن لم يكن طيباً بذاته لكنه طيب في غاياته . ص 38 .
2 ـ تشرع الصلاة على قبر من مات في عهدك ، فمثلاً إذا مات إنسان قبل ثلاثين سنة وعمرك ثلاثون سنة ، فإنك لا تصلي عليه صلاة الميت لأنه مات قبل أن تخلق وقبل أن تكون من أهل الصلاة ، أما من مات وأنت قد كنت من أهل الصلاة ، من قريب أو أحد تحب أن تصلي عليه فلا بأس .
فلو فرض أن رجلاً مات قبل سنة أو سنتين وأحببت أن تصلي على قبره وأنت لم تصل عليه من قبل فلا بأس . ص 62 .
3 ـ قال تعالى ذاكراً قول قوم مريم لمريم : ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً ) .
يعني كأنهم يقولون : من أين جاءك الزنى ـ نسأل الله العافية ـ وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية ؟
وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا زنى فقد يبتلى نسله بالزنى والعياذ بالله كما جاء في الأثر : ( من زنى زنى أهله ) . ص71 .
4 ـ تأمل قوله تعالى : ( بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين ) ، فالمسكين حظه الإطعام ودفع حاجته ، أما اليتيم فالإكرام ، فإن كان غنياً فإنه يكرم ليتمه ولا يطعم لغناه ، وإن كان فقيراً أي اليتيم فإنه يكرم ليتمه ويطعم لفقره ، ولكن أكثر الناس لا يبالون بهذا الشيء . ص 89 .
5 ـ اعلم أن الرفق بالضعفاء واليتامى والصغار يجعل في القلب رحمة وليناً وعطفاً وإنابة إلى الله عزوجل لا يدركها إلا من جرب ذلك ، فالذي ينبغي لك أن ترحم الصغار وترحم الأيتام وترحم الفقراء ، حتى يكون في قلبك العطف والحنان والرحمة ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) نسأل الله أن يعمنا والمسلمين برحمته وفضله إنه كريم جواد . ص 89 .
6 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ) قوله صلى الله عليه وسلم ( من ابتلي ) ليس المراد به هنا بلوى الشر لكن المراد من قدر له كما قال الله تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) .
يعني من قدر له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار يوم القيامة يعني أن الله يحجبه عن النار بإحسانه إلى البنات ، لأن البنت ضعيفة لا تستطيع التكسب والذي يكتسب هو الرجل قال الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) . ص 107 .
7 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده مامن رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) .
في هذا الحديث دليل صريح لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وسلف الأمة من أن الله عزوجل في السماء هو نفسه جل وعلا فوق عرشه فوق سبع سموات وليس المراد بقوله : ( في السماء ) أي ملكه في السماء بل هذا تحريف للكلم عن مواضعه .
ولذلك نجد أن المسألة فطرية لا تحتاج إلى دراسة وتعب حتى يقر الإنسان أن الله في السماء ، بمجرد الفطرة يرفع الإنسان يديه إلى ربه إذا دعا ويتجه قلبه إلى السماء ، واليد ترفع أيضاً نحو السماء .
بل حتى البهائم ترفع رأسها إلى السماء ، حدثني أحد الأساتذة في الجامعة عن شخص اتصل عليه من القاهرة إبان الزلزلة التي أصابت مصر يقول :
إنه قبل الزلزلة بدقائق هاجت الحيوانات في مقرها الذي يسمونه : (حديقة الحيوانات ) هاجت هيجاناً عظيماً ، ثم بدأت ترفع رأسها إلى السماء .
سبحان الله بهائم تعرف أن الله في السماء وأوادم من بني آدم ينكرون أن الله في السماء والعياذ بالله . ص142 ـ 143 .
8 ـ سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم البصل والكراث الشجرة الخبيثة لأنها رديئة منتنة كريهة حتى أن الإنسان إذا أكل منها وبقيت رائحتها في فمه فإنه يحرم عليه أن يدخل المسجد لا للصلاة ولا لغير الصلاة لأن المسجد معمور بالملائكة فإذا دخل المسجد آذى الملائكة ، والملائكة طيبون ، والطيبون للطيبات ، تكره الخبائث من الأعمال والأعيان ، فإذا دخلت المسجد وأنت ذو رائحة كريهة آذيت الملائكة . ص 162 .
9 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كسب الحجام خبيث ) .
الحجام الذي يخرج الدم بالحجامة ، هذا كسبه خبيث يعني ردئ وليس المراد أنه حرام ، قال ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه : لو كان كسب الحجام حراماً ما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجرته ، فقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ، ولو كان حراماً ما أعطاه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر على الحرام ولا يعين على الحرام ، لكن هذا من باب أنه كسب رديء دنيء ينبغي للإنسان أن يتنزه عنه ، وأن يحجم الناس إذا احتاجوا إلى حجامته تبرعاً وتطوعاً . ص164 .
10 ـ عند ابتداء الأكل يجب أن يقول الإنسان : بسم الله ، ولايحل له أن يتركها لأنه إذا تركها شاركه الشيطان في أكله ، أعدى عدو له يشاركه في الأكل إذا لم يقل بسم الله ، ولو زاد : الرحمن الرحيم فلا بأس ، لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( بسم الله ) يعني أذكر اسم الله .
والتسمية الكاملة هي أن يقول الإنسان : بسم الله الرحمن الرحيم كما ابتدأ الله بها كتابه ، وكما أرسل بها سليمان صلى الله عليه وسلم ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) فإن اقتصرت على قول بسم الله فلا حرج وإن زدت الرحمن الرحيم فلا حرج ، الأمر في هذا واسع . ص170 .
11 ـ ليس كل والد يأمر ابنه بطلاق زوجته تجب طاعته ،( فإن رجلاً سأل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال إن أبي يقول : طلق امرأتك وأنا أحبها قال : لا تطلقها قال : أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته لما أمره عمر ، فقال له الإمام أحمد : وهل أبوك عمر ؟ ) .
لأن عمر نعلم علم اليقين أنه لن يأمر عبدالله بطلاق زوجته إلا لسبب شرعي ، وقد يكون ابن عمر لم يعلمه لأنه من المستحيل أن عمر يأمر ابنه بطلاق زوجته ليفرق بينه وبين زوجته بدون سبب شرعي فهذا بعيد .
وعلى هذا فإذا أمرك أبوك أو أمك بأن تطلق امرأتك ، وأنت تحبها ولم تجد عليها مأخذاً شرعياً فلا تطلقها لأن هذه من الحاجات الخاصة التي لا يتدخل أحد فيها بين الإنسان وبين زوجته . ص203 .
12 ـ العقوق مأخوذ من العق وهو القطع ، ومنه سميت العقيقة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع لأنها تعق يعني : تقطع رقبتها عند الذبح . ص 205 .
13 ـ الغيرة انفعال يكون في الإنسان ، يحب أن يختص صاحبه به دون غيره ولهذا سميت غيرة ، لأنه يكره أن يكون الغير حبيباً لحبيبه . ص 220 .
14 ـ قال تعالى في شأن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .
هذا نص صريح واضح جداً بأن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من آل بيته خلافاً للرافضة الذين قالوا : إن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا من أهل بيته فزوجاته من أهل بيته بلا شك . ص 223 .
15 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ولاة الأمر : ( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) وقال لأصحابه فيما إذا أخل الأمراء بواجبهم قال : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليكم ماحملتم وعليهم ماحملوا ) .
أما أن نريد أن تكون أمراؤنا كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، فهذا لا يمكن ، لنكن نحن صحابة أو مثل الصحابة حتى يكون ولاتنا مثل خلفاء الصحابة .
أما والشعب كما نعلم الآن ، أكثرهم مفرط في الواجبات ، وكثير منتهك للحرمات ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين فهذا بعيد ، لكن نحن علينا أن نسمع ونطيع وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين فتقصيرهم هذا عليهم ، عليهم ما حملوا وعلينا ما حملنا .
فإذا لم يوقر العلماء ولم يوقر الأمراء ضاع الدين والدنيا نسأل الله العافية . ص232 ـ233 .
16 ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : ( ألا تزورنا أكثر مما تزورنا ) فنزلت : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وماخلفنا وما بين ذلك وماكان ربك نسياً ) .
ففي هذا الحديث طلب زيارة أهل الخير إلى بيتك فتطلب منهم أن يزوروك من أجل أن تنتفع بصحبتهم . ص246 .
في البداية أعتذر عن الخطأ غير المقصود في تكرار فوائد المجلد الثالث من 7 ـ 16 وهو خطأ من جهازي فالمعذرة الشديدة ، ونستكمل معكم الفوائد .
17 ـ إذا تم للجنين في بطن أمه مئة وعشرين يوماً يعني أربعة أشهر صار حينئذ إنساناً فإذا سقط بعد ذلك ، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويسمى ويعق عنه على الأرجح ليشفع لوالديه يوم القيامة لأنه يبعث يوم القيامة . ص291 .
18 ـ الدنيا هي حياتنا التي نعيش فيها وسميت دنيا لسببين :
السبب الأول : أنها أدنى من الآخرة لأنها قبلها كما قال تعالى : ( وللآخرة خير لك من الأولى ) .
السبب الثاني : أنها دنيئة ليست بشيء بالنسبة للآخرة . ص355 .
19 ـ عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله ، والله إني لأحبك فقال : ( انظر ماذا تقول ؟ قال والله إني لأحبك ، ثلاث مرات فقال : إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافاً فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ) .
هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه لاارتباط بين الغنى ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فكم إنسان غني يحب الرسول عليه الصلاة والسلام وكم من إنسان فقير أبغض ما يكون إليه الرسول عليه الصلاة والسلام ، فهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .ص 379 .
20 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر ).
يعني من سأل الناس أموالهم ليكثر بها ماله فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر ، إن استكثر زاد الجمر عليه وإن استقل قل الجمر عليه وإن ترك سلم من الجمر ، ففي هذا دليل على أن سؤال الناس بلا حاجة من كبائر الذنوب . ص 392 .
21 ـ قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) .
عبر بقوله ذائقة لأن الموت يكون له مذاق مر يكرهه كل إنسان . ص438 .
22 ـ قال تعالى : ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ) .
الموازين جمع ميزان وقد وردت في الكتاب والسنة مجموعة ومفردة فقال الله تعالى هنا : ( فمن ثقلت موازينه ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ).
فقال في الميزان ولم يقل في الموازين فجمعت مرة وأفردت أخرى ، وذلك لكثرة ما يوزن ، فلكثرة مايوزن جمعت ، ولكون الميزان واحداً ليس فيه ظلم ولا بخس أفردت .
أما الذي يوزن فقد قال بعض العلماء إن الذي يوزن هو العمل وقال بعض العلماء الذي يوزن العامل نفسه وذلك لأن كلاً منها جاءت به أحاديث .
أما الذين يقولون : إن الذي يوزن هو العمل فاستدلوا بقوله تعالى :
( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) ، فجعل الوزن للعمل .
والذين قالوا : إن الذي يوزن صحائف العمل استدلوا بحديث صاحب البطاقة الذي يأتي يوم القيامة فيمد له سجل يعني أوراقاً كثيرة مد البصر كلها سيئات ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله له ( إن لك عندنا حسنة فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله ) قالها من قلبه فتوضع البطاقة في كفة ، وتلك السجلات في كفة فترجح البطاقة بها ، فهذا يدل على أن الذي يوزن صحائف العمل .
وأما الذين قالوا : إن الذي يوزن هو العامل نفسه فاستدلوا بقوله تعالى : ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) .
والمهم أنه يوم القيامة توزن الأعمال أو صحائف الأعمال أو العمال ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن ثقلت موازينهم ومن المفلحين الفائزين برضوان الله . ص 448 ـ 450 .
23 ـ ما يفعله بعض الناس إذا كان له أولاد عدة وزوج الكبير أوصى للصغار بمثل المال الذي زوج به الكبير ، فإن هذا حرام ، لأن التزويج دفع حاجة كالأكل والشرب فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيهم قدرة وجب عليه أن يزوجه ، ومن لم يحتج إليه فإنه لا يحل له أن يعطيه شيئاً مثل ما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج .
وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس حتى على طلبة العلم ، يظنون أنك إذا زوجت ولدك فإنك يجب أن توصي للأولاد الصغار بمثل ما زوجته به ، وهذا ليس بصحيح فالوصية للوارث لا تجوز مطلقاً .
فإن قدر أن أحداًً كان جاهلاً وأوصى لأحد الورثة بشيء ، فإنه يرجع إلى الورثة بعد موته إن شاءوا نفذوا الوصية ، وإن شاءوا ردوها . ص462 ـ463 .
24 ـ قول الإنسان إذا دخل المقبرة في السلام على الأموات : ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) .
إن شاء الله هذه تعود إلى وقت اللحوق وليس إلى اللحوق لأن اللحوق متيقن ، والمتيقن لا يقيد بالمشيئة ، لكن تعود إلى وقت اللحوق ، لأن كل واحد منا لا يدري متى يلحق ، فيكون معنى قوله : ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) أي : وإنا متى شاء الله بكم لاحقون كقوله تعالى : ( ثم إذا شاء أنشره * كلا لما يقض ما أمره ) .ص 474 .
25 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ).
في هذا الحديث دليل جواز الشرط في الدعاء ، أن تشترط على الله عزوجل في الدعاء وقد جاء في نصوص أخرى ، مثل آية اللعان فإن الزوج يقول في الخامسة : إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وهي تقول في الخامسة : إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، فالشرط في الدعاء لا بأس به . ص 481 .
26 ـ الورع والزهد يشتبه معناهما عند بعض الناس ، لكن الفرق بينهما كما قال ابن القيم في كتاب الروح : الورع ترك ما يضر في الآخرة ، والزهد ترك ما لاينفع ، فمقام الزهد أعلى من مقام الورع . ص 485 .
27 ـ ابتداء السلام أفضل من الرد وإن كان الرد فرضاَ وهذا سنة ، لكن لما كان الفرض ينبني على هذه السنة كانت السنة أفضل من هذا الفرض لأنه مبني عليها .
وهذه من المسائل التي ألغز بها بعض العلماء وقال : عندنا سنة أفضل من الفريضة ، لأنه من المتفق عليه أن الفرض أفضل ، مثلاً صلاة الفجر ركعتان أفضل من راتبتها ركعتين ، لأنها فرض والراتبة سنة لكن ابتداء السلام سنة ومع ذلك صار أفضل من رده لأن رده مبني عليه . ص529 .
28 ـ في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان :
فائدة شرعية : وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
فائدة صحية طبية : وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم ، والمؤمن لا يهمه ما يتعلق بالصحة البدنية ، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به لأن فيه صحة القلب وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع كان إيمانه أقوى . ص532 .
29 ـ عن أنس رضي الله عنه قال : كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق أو لا تكاد تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ) .
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حج عليها هذه ناقة أخرى ، وكان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه وسلاحه وما أشبه ذلك .
وفي قوله عليه الصلاة والسلام : ( من الدنيا ) دليل على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله فقوله تعالى : ( يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) هؤلاء لا يضعهم الله عزوجل ما داموا على وصف العلم والإيمان فإنه لايمكن أن يضعهم الله ، بل يرفع لهم الذكر ويرفع درجاتهم في الآخرة . ص533 ـ534 .
30 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أخبركم بأهل النار : كل عتل جواظ مستكبر ) .
العتل : معناها الشديد الغليظ ، ومنه العتلة التي تحفر بها الأرض فإنها شديدة غليظة ، فالعتل هو الشديد الغليظ والعياذ بالله . ص546 .
31 ـ الصحيح أن النجاسة تطهر بكل مايزيلها من ماء أو بنزين أو غيره ، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء على مكان البول لأنه أسرع في تطهير المكان ، وإلا فمن الممكن أن يبقى المكان لا يصب عليه الماء ، ثم مع الرياح والشمس تزول النجاسة ويطهر ، لكن هذا أسرع وأسهل . ص581 .
32 ـ عند العلماء قاعدة تقول : ما آذى طبعاً قتل شرعاً ، يعني ماكان طبيعته الأذى فإنه يقتل شرعاً ، ومالم يؤذ طبعاً ولكن صار منه أذية فلك قتله ، لكن هذا الأخير مقيد ، فلو آذاك النمل في البيت وصار يحفر البيت ويفسده فلك قتله وإن كان منهياً عنه في الأصل ، لكن إذا آذاك فلك قتله ، وكذلك غيره مما لايؤذي طبعاً ولكن تعرض منه الأذية فاقتله إذا لم يندفع إلا بالقتل .
فمثلاُ إذا أردت أن تقتل فأرة وقتلها مستحب فأحسن القتلة ، اقتلها بما يزهق روحها حالاً ، ولاتؤذها ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس حيث يضع لها شيئاً لاصقاً تلتصق به ثم يدعها تموت جوعاً وعطشاً ، وهذا لا يجوز ، فإذا وضعت هذا اللاصق فلا بد أن تكرر مراجعته ومراقبته حتى إذا وجدت شيئاً لاصقاً قتلته .
أما أن تترك هذا اللاصق يومين أو ثلاثة وتقع فيه الفأرة وتموت عطشاً أو جوعاً فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دخلت النارامرأة في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ) .ص596 .
33 ـ لننتبه إلى أمر هام ، إذا قُتل الإنسان بحد يعني قتل وهو زان أو قتل قصاصاً فإنه يصلى عليه ويدعى له بالرحمة والعفو مثل سائر المسلمين ، لعل الله أن يعفو عنه ويرحمه . ص599 .
34 ـ القول الراجح فيمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تاب أن توبته تقبل ، ولكنه يقتل ، وأما من سب الله ثم تاب فإن توبته تقبل ولا يقتل .
وليس هذا يعني أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من سب الله ، بل سب الله أعظم ، لكن الله قد أخبرنا أنه يعفو عن حقه لمن تاب منه ، فهذا الرجل تاب فعلمنا أن الله تعالى قد عفا عنه .
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو قد مات ، فإذا سبه أحد فقد امتهن حقه ، فإذا تاب فإن الله يتوب عليه ويغفر له كفره الذي كفره بسبب سبه ، ولكن حق الرسول عليه الصلاة والسلام باق فيقتل . ص609 .
هذا مامن الله به عز وجل من فوائد المجلد الثالث وفوائد المجلد الرابع تأتيكم تباعاً بإذن الله .
سبحان الله يفيض دررا حري بها أن تُسطر بماء الذهب، وهذا إنما كان شرحا مسجلا على أشرطة، ثم فرغت إلى كتاب.
ولو ألف شرحا مكتوبا لأتى بالأعاجيب، رضي الله عنه وأرضاه.
1 ـ الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل وإذا أتاه الإنسان فله ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يأتيه يسأله ولا يصدقه فهذا ثبت في صحيح مسلم أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً .
الحالة الثانية : أن يأتيه يسأله ويصدقه فهذا كافر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) ووجه كفره أن تصديقه إياه يتضمن تكذيب قول الله جلا وعلا : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ).
الحالة الثالثة : أن يسأل الكاهن ليكذبه ، وإنما يسأله اختباراً فهذا لا بأس به ، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد عما أضمر له فقال : الدخ يعني الدخان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( اخسأ فلن تعدو قدرك ) .
فإذا سأله ليفضحه ويكشف كذبه وحاله للناس ، فإن ذلك لا بأس به ، بل قد يكون محموداً مطلوباً لما في ذلك من إبطال الباطل . ص84 ـ 85 .
2 ـ قا ل ابن عباس رضي الله عنهما ( لن يغلب عسر يسرين ) أين ؟( في ألم نشرح لك صدرك ) قال تعالى : ( إن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ) العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين ، لكن حقيقة الأمر أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة واليسر ذكر مرتين لماذا ؟
قال العلماء إذا تكررت الكلمة معرفة بأل فهي واحدة ، وإذا جاءت غير معرفة بأل فهي اثنان .
العسر كرر مرتين لكن بأل فيكون العسر الثاني هو الأول ، واليسر كرر مرتين لكن بدون أل فيكون اليسر الثاني غير اليسر الأول . ص116 ـ 117 .
3 ـ اختلف العلماء أيهما أفضل عائشة أم خديجة رضوان الله عليهم ، فقيل : عائشة وقيل : خديجة .
والصحيح أن لكل واحدة منهما مزية تختص بها لا تشاركها فيها الأخرى .
لعائشة رضي الله عنها في آخر الرسالة ، وبعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام ، لها من نشر الرسالة والعلم والشريعة ما ليس لخديجة .
وخديجة لها في أول الرسالة ومناصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاضدته ما ليس لعائشة فلكل واحدة منهما مزية . ص 124 .
4 ـ اختلف العلماء هل المقدم المشورة أو الاستخارة ؟
الصحيح أن المقدم الاستخارة فقدم أولاً الاستخارة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا هم أحدكم بالأمر فليصل ركعتين ) فقدم أولاً الاستخارة ، ثم إذا كررتها ثلاث مرات ولم يتبين لك الأمر فاستشر ، ثم ما أشير عليك به فقد يكون هذا الذي جعله الله لك فخذ به .
وإنما قلنا : إنه يستخير ثلاث مرات لأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثاً ، والاستخارة دعاء ، وقد لايتبين للإنسان خير الأمرين من أول مرة ، قد يتبين في أول مرة أو الثانية أو في الثالثة وإذا لم يتبين فليستشر . ص162 ـ163 .
5 ـ ظن بعض الناس أن الأفضل في لبس الساعة جعلها في اليمين بناء على تقديم اليد اليمنى ، ولكن هذا ظن ليس مبنياً على صواب ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتختم بيمينه ويتختم أحياناً بيساره ، وربما كان تختمه بيساره أكثر ليسهل أخذ الخاتم باليد اليمنى من اليد اليسرى .
والساعة أقرب ماتكون للخاتم فلا تفضل فيها اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى .
الأمر في هذا واسع إن شئت باليمين وإن شئت باليسار كل هذا لا حرج فيه . ص176 ـ177 .
6 ـ عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا : ماعندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل ويقول : نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل ) .
الخل عبارة عن ماء يوضع فيه التمر حتى يكون حلواً . ص199 ـ 200 .
7 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً له من بطنه ، فإن كان لا محالة : فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ) .
هذا هو الأكل النافع الطبيعي وإذا جعت فكل فالأمر ليس مقصوراً على ساعات معينة .
لو قال الإنسان لو اقتصرت على ثلث وثلث وثلث ، يمكن أن أجوع قبل أن يأتي وقت العشاء . نقول : إ ذا جعت فكل ، الشيء موجود ، لكن كونك تأكل هذا الخفيف يكون أسهل للهضم وأسهل للمعدة ، المعدة تهضمه براحة ، وإذا اشتهيت فكل ، وهذا من الطب النبوي .
لكن لابأس بالشبع أحياناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا هريرة رضي الله عنه حينما سقاه اللبن وقال : ( اشرب . اشرب . اشرب ) حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه : والله لا أجد له مسلكاً يعني لا أجد له مكاناً ، فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وإنما الذي ينبغي أن يكون الأكثر في أكلك كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس . ص223 .
8 ـ عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ، فإذا فرغ لعقها .
ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاثة أصابع : الوسطى والسبابة والإبهام ، لأن ذلك أدل على عدم الشره ، وأدل على التواضع ، ولكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاثة أصابع ، أما الطعام الذي لا يكفي فيه ثلاثة أصابع مثل الأرز فلا بأس بأن تأكل بأكثر ، لكن الشيء الذي تكفي فيه الأصابع الثلاثة اقتصر عليها فإن هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم . ص229 .
9 ـ ينبغي للإنسان إذا انتهى من الطعام أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم يلعقها هو أو يُلعقها غيره ، أما كونه هو يلعقها فالأمر ظاهر ، وكونه يُلعقها غيره هذا أيضاً ممكن ، فإنه إذا كانت المحبة بين الرجل وزوجته محبة قوية ، يسهل عليه جداً أن تلعق أصابعه أو أن يلعق أصابعها فهذا ممكن . ص230 .
10 ـ قال تعالى : ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لاتظمؤ فيها ولا تضحى )
أشكلت هذه الآية على بعض الناس قالوا :
لماذا لم يقل إن لك ألا تجوع فيها ولا تظمأ وأنك لاتعرى فيها ولا تضحى ؟
لكن من تفطن للمعنى تبين له بلاغة القرءان .
فقال : ( ألا تجوع فيها و لاتعرى ) لأن الجوع عري الباطن فخلو البطن من الطعام عري لها . ( ولا تعرى ) من لباس الظاهر .
( وأنك لاتظمؤ فيها ) هذا حرارة الباطن ( ولا تضحى ) هذا حرارة الظاهر . ص264 .
11 ـ قال تعالى : ( يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير )
في هذه الآية إشارة إلى أنه يجب الاعتناء بلباس التقوى أكثر مما يجب الاعتناء بلباس البدن الظاهر الحسي ، لأن لباس التقوى أهم فقال الله عنه ( ولباس التقوى ذلك خير ) ولم يقل : ولباس التقوى هو خير ، لأن ذلك اسم إشارة وجيء بها للبعيد إشارة إلى علو مرتبة هذا اللباس كما قال تعالى : ( آلم * ذلك الكتاب لايب فيه هدى للمتقين )
ولم يقل : هذا الكتاب ، إشارة إلى علو مرتبة القرءان ، كذلك قوله : ( ذلك خير ) إشارة إلى علو مرتبة لباس التقوى . ص266 .
12 ـ اختلف العلماء رحمهم الله : هل يقول المؤذن حي على الصلاة على اليمين ، حي على الصلاة على اليسار ، ثم حي على الفلاح على اليمين ، حي على الفلاح على اليسار ، أم أنه يجعل حي على الصلاة كلها على اليمين ، وحي على الفلاح كلها على اليسار ؟
الأمر في هذا واسع ، وإن فعل هذا أو هذا فكله على خير ولا بأس به . ص274 .
13 ـ العوام إذا أرادوا ضرب المثل بالإنسان الأبله ، قالوا : هذا رجل لا يعرف كوعه من كرسوعه .
وأكثر الناس يظنون أن الكوع : هو المرفق الذي إليه منتهى الوضوء ، ولكن ليس كذلك ، فما عند مفصل الكف من الذراع مما يلي الخنصر فهو الكرسوع ، وما يلي الإبهام فهو الكوع وما بينهما فهو الرسغ .
وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي
الخنصر الكرسوع والرسغ ماوسط
وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع
فخذ بالــعلم واحذر من الغلظ . ص 285 .
14 ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم لما قال له عليك السلام : لاتقل عليك السلام ، عليك السلام تحية الموتى ولكن قل السلام عليك .
وفي قوله عليه الصلاة والسلام : (قل السلام عليك ) دليل على أن الإنسان إذا سلم على الواحد يقول : السلام عليك ، وهكذا جاء أيضاً في حديث الرجل الذي يسمى المسيء في صلاته ، أنه جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك بالإفراد وهذا هو الأفضل .
وقال بعض العلماء : تقول : السلام عليكم تريد بذلك أن تسلم على الإنسان الذي سلمت عليه ومن معه من الملائكة ، ولكن الذي وردت به السنة أولى وأحسن أن تقول : السلام عليك ، إلا إذا كانوا جماعة فإنك تسلم عليهم بلفظ السلام عليكم . ص291 .
15 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما رجل يصلي مسبل إزاره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذهب فتوضأ ) فذهب فتوضأ ثم جاء فقال : ( اذهب فتوضأ ) فقال له رجل يارسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه قال : (إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل ) .
قال المؤلف النووي : الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ، ولكن في هذا نظر ، فإن الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والصحيح من أقوال العلماء أن صلاة المسبل صحيحة ولكنه آثم . ص300 .
16 ـ العلماء ثلاثة أقسام : عالم ملة ، وعالم دولة ، وعالم أمة .
أما عالم الملة فهو الذي ينشر دين الإسلام ويفتي بدين الإسلام عن علم ، ولايبالي بما دل عليه الشرع أوافق أهواء الناس أم لم يوافق .
وأما عالم الدولة فهو الذي ينظر ماذا تريد الدولة فيفتي بما تريد الدولة ، ولو كان في ذلك تحريف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأما عالم الأمة فهو الذي ينظر ماذا يرضي الناس ، إذا رأى الناس على شيء أفتى بما يرضيهم ، ثم يحاول أن يحرف نصوص الكتاب والسنة من أجل موافقة أهواء الناس نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من علماء الملة العاملين بها . ص307 ـ 308 .
17 ـ عقد النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاباً في آداب النوم والجلوس والجليس ، وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان في حياته ، وهذا يدل على أن هذا الكتاب كتاب شامل عام ينبغي لكل مسلم أن يقتنيه وأن يقرأه وأن يفهم مافيه . ص333 .
18 ـ ( اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا )
( الوارث منا ) يعني اجعل التمتيع بهذه الأمور السمع والبصر والقوة الوارث منا ، يعني اجعله يمتد إلى آخر حياتنا حتى يبقى بعدنا ويكون كالوارث لنا ، وهو كناية عن استمرار هذه القوة إلى الموت . ص363 .
19 ـ من المهم في الرؤى ألا نعتمد على مايوجد في بعض الكتب ككتاب تفسير الأحلام لابن سيرين ، وما أشبهها ، فإن ذلك خطأ وذلك لأن الرؤيا تختلف بحسب الرائي وبحسب الزمان وبحسب المكان وبحسب الأحوال .
فالحاصل ألا يرجع الإنسان إلى الكتب المؤلفة في تفسير الأحلام لأن الأحلام تختلف . ص377 .
20 ـ هل يقول الإنسان عند التثاؤب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؟
لا ، لا تقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم علمنا ماذا نفعل عند التثاؤب ولم يقل : تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم ، وأما ما اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان إذا تثاءب يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فهذا لا أصل له ، والعبادات مبنية على الشرع وليس على الهوى .
لكن قد يقول بعض الناس : أليس الله يقول : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان فهذا نزغ ؟ نقول : لا ، فقد فهمت الآية خطأ ، فالمراد بهذه الآية يعني الأمر بالمعاصي أو بترك الواجبات لأن هذه نزغ الشيطان ، كما قال تعالى فيه إنه ينزغ بين الناس ، فهذا نزغه : الأمر بالمعاصي والتثبيط عن الواجبات ، فإن أحسست بذلك فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أما التثاؤب فليس فيه إلا سنة فعلية فقط وهي الكظم ما استطعت ، فإن لم تقدر فضع يدك على فمك .ص440 .
21 ـ تقبيل اليد لا بأس به إذا كان الرجل أهلاً لذلك . ص448 .
22 ـ بعض الأبناء في بعض الدول قد يقبلون رجل والديهم نقول : أنه ليس لازماً تقبل رجله ، لكن لو قبلها فلا بأس ولكنه إن كان واقفاً فلا يقبل رجله أما إن كان جالساً أو ماداً رجليه فلا بأس بذلك ولكنه ليس بلازم . ص454 .
23 ـ القول الراجح أن عيادة المرضى فرض كفاية ومن المعلوم أن غالب المرضى يعودهم أقاربهم وأصحابهم وتحصل بذلك الكفاية ، لكن لو علمنا أن أحداً أجنبياً في البلد مريض ليس معروفاً ، وقد تعلم أنه لم يعده أحد فإن الواجب عليك أن تعوده لأن ذلك من حقوق المسلمين بعضهم على بعض .
24 ـ يقال : عيادة وزيارة وتشييع فما المقصود بها :
الزيارة للصحيح إذا زرت أخاً لك في الله في بيته في مكانه فهذه زيارة ، و العيادة للمريض لأن الإنسان يعيدها ويكررها مادام أخوه مريضاً ، وتشييع الجنازة اتباعها .ص462 .
25 ـ كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عند موته : ( اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ) .
26 ـ قال النووي رحمه الله باب تلقين المحتضر لا إله إلا الله .
المحتضر : هو الذي حضرت الملائكة لقبض روحه . ص507 .
27 ـ الجنازة بفتح الجيم اسم للميت ، والجنازة بكسر الجيم اسم للنعش الذي عليه الميت . ص532 .
28 ـ يسن الإسراع بالجنازة وألا تؤخر ، وما يفعله بعض الناس اليوم إذا مات الميت قالوا انتظروا حتى يقدم أهله من كل فج ، حتى يأتوا بعضهم ربما يكون في أوروبا أو في أمريكا ويقول انتظروا حتى يحضر بعد يوم أو يومين ، فهذا جناية على الميت وعصيان لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة ) فإذا جاء أهله وقد دفن فإنهم يصلون على قبره ، فالأمر واسع والحمد لله ، وهو إذا حبس دفنه حتى يأتوا فماذا ينفعه ؟ لن ينفعوه إلا بالدعاء والصلاة عليه .
وهذا حاصل إذا صلوا عليه في قبره ، ولاجه لهذا الحبس إطلاقاً ، فإن قال قائل : أليس النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الإثنين ولم يدفن إلا ليلة الأربعاء ؟ قلنا : بلى ، لكن الصحابة رضي الله عنهم أرادوا إلا يدفنوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقيموا خليفة على عباد الله بعده ، لئلا تخلو الأرض عن خليفة لله عزوجل في أرضه ، فلهذا لما تمت مبايعة أبي بكر رضي الله عنه دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم وهذه علة ظاهرة واضحة . ص548 .
29 ـ القراءة عند القبر الأصح أنها مكروهة وأنه يكره للإنسان أن يذهب إلى القبر ثم يقف أو يجلس عنده ويقرأ لأن هذا من البدع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة ) وأقل أحوالها أن تكون مكروهة . ص 563 .
30 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وكذلك من أجمعت الأمة على الثناء عليه ، فإننا نشهد له بالجنة فمثلاً الأئمة أحمد ، والشافعي وأبو حنيفة ومالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة رحمهم الله أجمعت الأمة على الثناء عليهم فنشهد لهم بأنهم من أهل الجنة .
وشيخ الإسلام رحمه الله أجمع الناس على الثناء عليه إلا من شذ ، والشاذ شذ في النار ،فإنه يشهد له بالجنة على هذا الرأي ، ويؤيد ماذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من شهد له أربعة وثلاثة واثنان )بالخير أدخله الله الجنة ثم لم يسألوه عن الواحد . نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة المحرمين على النار . ص573 .
31 ـ سمي السفر سفراً لأنه من الإسفار وهو الخروج والظهور كما يقال أسفر الصبح إذا ظهر وبان ، وقيل : سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال . ص581 .
32 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( لو يعلم الناس مافي الوحدة ما سار راكب بليل قط وحده ) يعني :
معناه أن الإنسان لا ينبغي أن يسير وحده في السفر لأنه ربما يصاب بمرض أو بإغماء أو يتسلط عليه أحد أو غير ذلك من المخاطر فلا يكون معه أحد يدافع عنه أو يخبر عنه أو ماأشبه ذلك ، وهذا في الأسفار التي تتحق فيها الوحدة ، وأما ما يكون في الخطوط العامرة التي لا يكاد يمضي فيها دقيقة واحدة إلا وقد مر بك فيها سيارة فهذا وإن كان الإنسان في سيارته وحده ، فليس من هذا الباب ، يعني ليس من السفر وحده ،لأن الخطوط الآن كأنما تمشي في وسط البلد فهذا لايدخل في النهي . ص585 ـ586 .
33 ـ قال تعالى : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين ) أي مطيقين ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) هذه جملة عظيمة كأن الإنسان لما ركب مسافراً على هذه الذلول أو الفلك كأنه يتذكر السفر الأخير من هذه الدنيا وهو سفر الإنسان إلى الله عزوجل ، إذا مات وحملته الناس على أعناقهم فيتذكر ويقول : ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) جل وعلا فالمنقلب إلى الله .ص 602 .
34 ـ بعض الناس يقول : إذا غرقت امرأة ثم جاء إنسان وأنقذها أو شب حريق في البيت فجاء إنسان فأنقذها ، فإن بعض العوام يدعي أنه يصير محرماً لها ، وهذا ليس له أصل وغير صحيح . ص630 .
35 ـ قواعد التجويد المعروفة فهي من باب التحسين والتكميل وليست من باب الواجبات ولهذا يضعف القول بأن التجويد واجب وأن من لم يجود القرءان آثم ، فإن هذا قول ضعيف جداً ، بل يقال القرءان أمره ولله الحمد بين واضح لا تسقط حرفاً من حروفه ، وأما مراعاة قواعد التجويد فليست بواجبة ، لكنها من باب تحسين الصوت بالقرءان . ص634 .
هذا ما من الله به من فوائد المجلد الرابع وفوائد المجلد الخامس تأتي تباعاً بإذن الله .
1 ـ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال : من توضأ هكذا غفر له ماتقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة ) رواه مسلم .
في هذا الحديث قال : ( وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة )
يعني : زائداً على مغفرة الذنوب ، وليس معنى نافلة يعني صلاة تطوع ، قد تكون صلاة فريضة ، ولكن نافلة : يعني شيئاً زائداً على مغفرة الذنوب ، لأن ذنوبه غفرت بوضوئه وصلاته الأولى ، فيكون مشيه للمسجد وصلاته ولو فريضة نافلة أي زيادة على مغفرة الذنوب ، لأن النفل في اللغة معناه الزيادة ، كما قال الله تبارك وتعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) . ص 13 .
2 ـ الأذان من أفضل الأعمال ، وهو أفضل من الإمامة ، يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام ، لأن المؤذن يعلن لتعظيم الله وتوحيده والشهادة للرسول بالرسالة وكذلك أيضاً يدعو الناس إلى الصلاة وإلى الفلاح في اليوم خمس مرات ، والإمام لا يحصل منه ذلك ، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ، ولهذا كان الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة .
فإن قال قائل : إذا كان كذلك لماذا لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤذن ولا الخلفاء الراشدون ؟
أجاب العلماء عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كانوا مشغولين بمصالح العباد لأنهم أئمة وخلفاء يدبرون أمور الأمة ، والأذان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كالأذان في وقتنا ، الآن إذا أراد الإنسان أن يؤذن ليس عليه سوى أن ينظر إلى الساعة ويعرف الوقت حل أو لم يحل ، لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يراقبون الشمس ويتابعون الظل حتى يعرفوا أن الشمس قد زالت ، وكذلك أيضاً يراقبونها حتى يعرفوا أنها قد غربت ثم يراقبون الشفق ، ثم يراقبون الفجر ، ففيه صعوبة ، صعوبة عظيمة ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون لا يتولون الأذان لا لأن فضله أقل من الإمامة ، ولكن لأنهم مشغولون بما هم فيه عن الأذان .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته بأن الناس ( لو يعلمون مافي النداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا ) .
سبحان الله العظيم فمعنى هذا أن الناس لو يعلمون ما في الأذان من فضل وأجر لكانوا يقترعون أيهم الذي يؤذن بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعونه . ص29 ـ 30 .
3 ـ إذا فرغ المؤذن من الأذان فإنك تصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تقول : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداًّ الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد )
هذا الحد يث رواه البخاري إلى قوله :( الذي وعدته ) لكن قد صحت الزيادة ( إنك لا تخلف المعياد ) فينبغي أن يقولها الإنسان لأنها صحيحة ولأن هذا دعاء المؤمنين : ( ربنا وءاتنا ماوعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) . ص40 ـ41 .
4 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) .
أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء والفجر لأن المنافقين يصلون رياءً وسمعة ، وصلاة العشاء والفجر ظلمة لا يشاهدون فيها يأتون إليها كرهاً ، لكن يأتون إلى الظهر والعصر والمغرب لأن الناس يشاهدونهم ، فهم يراءون الناس ، ولا يذكرون الله إلا قليلاً ، والعشاء والفجر ما فيهما مراءاة لأنها ظلمة وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن توجد أنوار ولا كهرباء ولا سرج فلا يشاهدهم أحد فيكون حضورهم العشاء والفجر ثقيلاً عليهم لفوات المراءاة ، هذا من وجه ، ومن وجه آخر أن صلاة العشاء والفجر وقت الراحة والنوم . 83 .
5 ـ تأمل قول الله سبحانه وتعالى في الملائكة : ( يسبحون الليل والنهار ) ولم يقل : يسبحون في الليل والنهار ، لأنهم يستوعبون الوقت كله في التسبيح ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون . ص106 .
6 ـ مراصة الصفوف في الصلاة ليس المراد بها المراصة التي تشوش على الآخرين ، يعني يرصه حتى يتعبه ويؤذيه ، فإن هذا لايجوز ، وإنما المراد منها ألا يكون بينك وبينه فرجه ، هذه هي المراصة ، أما المراصة التي يحصل بها أذية وتشويش على أخيك الذي عندك فليست مطلوبة . ص 107 .
7 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) .
هذا مالم يكن النساء في مكان خاص لهن ، فإذا كن في مكان خاص لهن فإن خير صفوفهن أولها ، لأنه أقرب من الإمام ولا محذور فيه ، لأنهن بعيدات من الرجال فلا محذور في ذلك . ص111 .
8 ـ أحب أن أنبه على خصلة بدأ الناس يفعلونها وليست معروفة من قبل ، ألا وهي أن الإنسان من حين أن يسلم يتقدم على إخوانه ويستدبرهم ، وهذا مما أخشى أن يكون داخلاً في النهي الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ولاتدابروا ) وقد شكى إلي بعض الناس هذه الحال فقال : إنهم يصلون إلى جنبنا ثم يستدبروننا ويعطوننا ظهورهم ، لماذا وليس هناك حاجة ؟
فلو كان ذلك في درس وأراد أن يسمع كلام المتكلم فلا بأس ، أما إذا قال : أنا أستضيق مثلاًً ، فهذا نقول له : قم وابعد عن الصف حتى لاتكون مستدبراً لصحبك ، اذهب إلى القبلة أو إلى خلف الصفوف حتى لا تستدبر إخوانك المسلمين . ص111 ـ 112 .
9 ـ إذا كان للصلاة سنتان قبلها وبعدها وفاتت المصلي الأولى فإنه يبدأ أولاً بالبعدية ثم بالقضاء .
مثال ذلك : دخل والإمام يصلى الظهر وهو لم يصل راتبة الظهر ، فإذا انتهت الصلاة يصلي أولاً الركعتين اللتين بعد الصلاة ثم يقضى الأربع التي قبلها . ص122 .
الصفة الأولى : أن يوتر بواحدة فقط وهذا جائز ، ولا يكره الوتر بها .
الصفة الثانية : أن يوتر بثلاث وله الخيار إن شاء سلم من الركعتين ، ثم أتى بالثالثة ، وإن شاء سردهما سرداً بتشهد واحد .
الصفة الثالثة : أن يوتر بخمس ، فيسردها سرداً ، لا يتشهد إلا في آخرها .
الصفة الرابعة : أن يوتر بسبع ، فيسردها سرداً لا يتشهد إلا في آخرها .
الصفة الخامسة : أن يوتر بتسع ، فيسردها سرداً لكن يتشهد بعد الثامنة ، ولا يسلم ، ثم يصلى التاسعة ويسلم .
الصفة السادسة : أن يوتر بإحدى عشرة فيسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة . ص149 .
11 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله . رواه مسلم .
ولم تحدد ، وأما قول من قال : إن أكثرها ثمان ففيه نظر ، لأن حديث أم هانئ في فتح مكة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات ، لايدل على أن هذا هو أعلاه ، فإن هذا وقع اتفاقاً ، وما يقع اتفاقاً ليس فيه دليل على الحصر .
وعلى هذا نقول : أقلها ركعتان ، ولا حد لأكثرها ، صل ماشئت . ص153 .
12 ـ الجنة التي أهبط منها آدم ، اختلف فيها هل هي جنة المأوى ، أو أنها جنة بستان عظيم على ربوة طيبة الهواء كثيرة الماء ؟
الصواب أنها جنة الخلد . ص165 .
13 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر )
هذه الساعات تختلف في طولها وقصرها بحسب اختلاف الأيام ، ففي أيام الصيف يطول النهار فتطول الساعات ، وفي أيام الشتاء يقصر النهار فتقصر الساعات ، والمهم أن تقسم ما بين طلوع الشمس إلى حضور الإمام إلى خمسة أقسام ، قد تكون الساعة عرفية كالساعات التي معنا ، وقد تكون أطول أو أقصر ، فالساعة الأولى هي الخمس الأول والثانية هي الخمس الثاني وهلم جرا . والله الموفق . ص172 .
14 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) متفق عليه .
ولهذا يستحب أن الإنسان يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ، ولأنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ، ولأن ذلك أسرع في حل عقد الشيطان ، فبمجرد أن يصلي ركعتين تنحل العقد . ص196 .
15 ـ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة ـ تعني في الليل ـ يسجد السجدة من ذلك قدر مايقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة . رواه البخاري .
من فوائد هذا الحديث أن إمام المسجد لا يخرج من بيته إلا للإقامة ، يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة ، فيخرج إلى المسجد ويصلي ، هذا هو الأفضل ، أفضل من أن يتقدم الإمام ويصلي بالمسجد ، أما غير الإمام فينتظر الإمام ، والإمام ينتظره غيره ، فلذلك كان الأفضل في حقه أن يتأخر إلى قرب إقامة الصلاة .
وإن كان في تقدمه مصلحة ، مثل أن يكون تقدمه يشجع المصلين فيتقدمون ، ولو تأخر لكسلوا ، فهذا ينظر للمصلحة .ص207 .
16 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله تعالى بخير إلا أعطاه إياه )
وهذه الساعة غير معلومة بعينها ، يعني : الله أعلم . لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بهذا من أجل أن نجتهد ، وأن نتحرى قدر الله عزوجل ونعمته بقبول الدعاء ، وهذه الساعة كساعة يوم الجمعة مبهمة ، وإن كانت ساعة يوم الجمعة أرجى ما يكون إذا حضر الإمام ـ يعني الخطيب ـ إلى أن تقضى الصلاة . 212 ـ213 .
17 ـ أود أن أنبه على مسألة وهي أن بعض الناس قد يولد مختوناً ليس له كلفة .
تجد الحشفة بارزة ظاهرة من حين أن يولد ، وشاهدنا ذلك بأعيننا ، فهذا لا يختن ، مابقي شيء يختن من أجله . 230 .
18 ـ حكى لي بعض الصلحاء أن رجلاً كان يمنع أهله من الصدقة من البيت يقول : لاتصدقوا ، وفي يوم من الأيام نام ورأى في المنام كأن الساعة قد قامت ، ورأى فوق رأسه ظلاً يظله من الشمس إلا أن فيه ثلاثة خروق يقول : فجاءت تمرات فسدت هذه الخروق ، فتعجب ما هذه الرؤيا ؟ ! ، كيف أن الثوب مخرق وتجيء التمرات تسد الخروق ، فلما قصها على زوجته ، أخبرته بأنها تصدقت بثوب وثلاث تمرات ، فكان الكساء الأول هو الثوب ، لكنه مخرق وجاءت التمرات الثلاث فسدت الخروق ، ففرح بذلك ، وأذن لها بعد هذا أن تتصدق بما شاءت ، فالحاصل أن هذه الرؤيا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ) . ص239 .
19 ـ يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي )
والمعنى : أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال لأنه أي الصيام أعظم العبادات إخلاصاً ، فإنه سر بين الإنسان وبين ربه ، لأن الإنسان لا يُعلم إذا كان صائماً أو مفطراً ، هو مع الناس يذهب ويأتي ، ويخرج ويدخل ولا يُعلم به ، نيته باطنة ، فلذلك كان أعظم إخلاصاً ، فاختصه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة من بين سائر الأعمال .
وقال بعض العلماء :
معناه : إذا كان الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد ، فإنه يؤخذ للعباد من حسناته إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء ، لأنه لله عزوجل وليس للإنسان ، وهذا معنى جيد ، أن الصيام يتوفر أجره لصاحبه ولا يؤخذ منه لمظالم الخلق شيء . ص266 .
20 ـ من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، يعني هذا الباب خاص يسمى باب الريان ، والريان يعني الذي يروي لأن الصائمين يعطشون ولا سيما في أيام الصيف الطويلة الحارة فيجازون بتسمية هذا الباب بما يختص بهم . ص271 .
21 ـ نذكركم بحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين رجع من تبوك : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) يعني جهاد النفس ، وهذا الحديث لا أصل له ، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه متداول بين الناس إلا أنه من الأحاديث التي لا أصل لها ، لأنه أحياناً يشتهر على ألسن الناس أحاديث ليس لها إسناد ، وليس لها صحة كقول بعضهم : ( حب الوطن من الإيمان ) هذا غير صحيح ، بل حب الديار الإسلامية من الإيمان ، أما الوطن فقد يرتحل الإنسان ويهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، ولا يكون حبها من الإيمان ، بل دار الكفر مبغوضة هي وأهلها ، أما الديار الإسلامية فحبها من الإيمان سواء كانت وطنك أم لا . ص330 .
22 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ) رواه مسلم .
سلوك الطريق يشمل الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام ، مثل أن يأتي الإنسان من بيته إلى مكان العلم سواء كان مكان العلم مسجداً أو مدرسة أو كلية أو غير ذلك ، ومن ذلك أيضاَ الرحلة في طلب العلم أن يرتحل الإنسان من بلده إلى بلد آخر يلتمس العلم فهذا سلك طريقاَ يلتمس فيه علماً .
والطريق الثاني الطريق المعنوي ، وهو أن يلتمس العلم من أفواه العلماء ومن بطون الكتب فالذي يراجع الكتب للعثور على حكم مسألة شرعية وإن كان جالساً على كرسيه فإنه قد سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ولو كان جالساً . ص433 ـ434 .
23 ـ ليعلم أن ذكر الله عزوجل هو ذكر القلب وأما ذكر اللسان مجرداً عن ذكر القلب فإنه ناقص ، ويدل على هذا قوله عز وجل : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ) ولم يقل من أسكتنا لسانه عن ذكرنا ، فالذكر النافع هو ذكر القلب ، وذكر القلب يكون في كل شيء ، يعني معنى ذلك أن الإنسان وهو يمشي وهو قاعد وهو مضطجع إذا تفكر في آيات الله عزوجل فهذا من ذكر الله . ص 460 .
24 ـ إذا أعياك الشيء وعجزت عنه قل : ( لاحول ولا قوة إلا بالله ) فإن الله تعالى يعينك عليه ، وليست هذه الكلمة كلمة استرجاع كما يفعله كثير من الناس إذا قيل له : حصلت المصيبة الفلانية قال : لاحول ولا قوة إلا بالله . ولكن كلمة الاسترجاع أن تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أما هذه فهي كلمة استعانة وإذا أردت أن الله يعينك على شيء فقل : لاحول ولا قوة إلا بالله .
المهم أن كلمة ( لاحول ولا قوة إلا بالله ) كنز من كنوز الجنة تقولها أيها الإنسان عندما يعييك الشيء ويثقلك وتعجز عنه قل : ( لاحول ولا قوة إلا بالله ) ييسر لك الأمر . ص522 .
25 ـ سميت سورة الإخلاص بهذا الإسم لأن الله تعالى أخلصها لنفسه فلم يذكر فيها شيئاً إلا يتعلق بنفسه جل وعلا ، ليس فيها ذكر لأحكام الطهارة أو الصلاة أو البيع أو غير ذلك ، بل كلها مخلصة لله عزوجل .
ثم إن الذي يقرؤها يكمل إخلاصه لله تعالى فهي مخلصة ومخلصة ، تخلص قارءها من الشرك . ص544 .
هذا ما من الله به من فوائد المجلد الخامس وفوائد المجلد السادس والأخير تأتي تباعاً .
بارك الله في الأختين الكريمتين ونفع بهما ورزقهما العلم النافع والعمل الصالح .
فوائد المجلد السادس والأخير :
1 ـ قال تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين ءامنوا وكانوا يتقون ) .
قد أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من هذه الآية عبارة قال فيها : من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً . ص60 .
2 ـ شاع عند الناس كلمة غير صحيحة وهي قولهم : لاغيبة لفاسق .
هذا ليس حديثاً وليس قولاً مقبولاً ، بل الفاسق له غيبة مثل غيره ، فإذا ذكرنا فسقه على وجه العيب والسب فإن ذلك لا يجوز لكن إذا ذكرناه على سبيل النصيحة والتحذير منه فلا بأس به بل قد يجب .
والمهم أن هذه العبارة ليست حديثاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام وليست على إطلاقها أيضاً بل في ذلك تفصيل كما تقدم . ص111 .
3 ـ بعد أن ذكر الإمام النووي رحمه الله في أحد الأبواب مايباح من الغيبة ، علق الشيخ بن عثيمين رحمه الله على ذلك فقال :
وكلامه رحمه الله ليس بعده كلام ، لأنه كله كلام جيد وصواب وله أدلة ، فنسأل الله أن يغفر للمؤلف الحافظ النووي ، وأن يجمعنا به في جناته . ص 136 .
4 ـ عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا الجهم ومعاوية خطباني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه ) . وفي رواية لمسلم : ( وأما أبو الجهم فضراب للنساء ).
قيل إن معنى قوله : (لا يضع العصا عن عاتقه ) أنه كثير الأسفار ، لأن صاحب السفر
في ذلك الوقت يسافر بالإبل ويحتاج العصا ، والظاهر أن المعنى واحد يعني ضراب للنساء ولا يضع العصا عن عاتقه بمعنى واحد لأن الروايات يفسر بعضها بعضاً . ص140 .
5 ـ لعن المعين من كبائر الذنوب ، يعني لا يجوز أن تلعن إنساناً بعينه فتقول : اللهم العن فلاناً أو تقول : لعنة الله عليك ، أو ما أشبه ذلك ، حتى لو كان كافراً وهو حي فإنه لا يجوز أن تلعنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يقول : اللهم العن فلاناً ، اللهم العن فلاناً يعينهم قال الله له : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) .
ومن الناس من تأخذه الغيرة فيلعن الرجل المعين إذا كان كافراً وهذا لايجوز ، لأنك لاتدري فلعل الله أن يهديه ، وكم من إنسان كان من أشد الناس عداوة للمسلمين والإسلام هداه الله وصار من خيار عباد الله المؤمنين . ص191 ـ192 .
لكن يجوز أن تقول : اللهم العن الظالمين على سبيل العموم وليس شخصاً واحداً معيناً فيشمل كل ظالم وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة وهذا في النساء .
فتخصيص أحد بعينه باللعن هذا حرام ولايجوز أما على سبيل العموم فلا بأس . ص202 ـ 204 .
6 ـ إن الإنسان إذا حلف بالله على شيء معتقداً أنه كما حلف ثم تبين أنه على خلاف اعتقاده فإنه لا إثم عليه ولا كفارة عليه .
مثال ذلك ، لو قال : فلان سيقدم غداً وهو متأكد يقول : إني متأكد والله ليقدمن غداً ، قال ذلك بناءً على ظنه ثم لم يقدم فلا كفارة عليه ، لأنه حلف على غالب ظنه ، ولذلك أقر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي قال : والله ما بين لا بيتها أهل بيت أفقر منه ، يعني مابين لابتي المدينة أهل بيت أفقر منه ، مع أن هذا الرجل لم يأت على كل البيوت يفتش فيها ، لكن حلف على غالب ظنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك . ص193 ـ 194 .
7 ـ قال أهل العلم رحمهم الله : إن النذر أقسام :
القسم الأول :
نذر الطاعة بأن ينذر الإنسان أن يصلي أو يصوم أو يتصدق أو يحج أو يعتمر فهذا يجب الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يطع الله فليطعه ) وسواءً كان معلقاً على شرط أو غير معلق .
القسم الثاني :
نذر المعصية فهذا لايجوز الوفاء به ، مثل أن ينذر الإنسان أن لايكلم فلاناً وفلاناً من المؤمنين الذين لا يُهجرون لكن صارت بينه وبينه عداوة يعني سوء تفاهم فقال : لله علي نذر ما أزور أخي ، أو قريبي أو ماأشبه ذلك ، هذه معصية حرام ولا يجوز الوفاء بهذا النذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) ولكن ماذا يفعل ؟ يجب عليه أن يكفر كفارة يمين .
القسم الثالث :
ما يسمى عند العلماء بنذر اللجاج والغضب وهو الذي يقصد به الإنسان المنع أو الحث أو التصديق أو التكذيب مثل أن يقول : علي نذر أن لا أفعل كذا وكذا يحملها على ذلك أنه يريد الامتناع ، ما أراد النذر لكن أراد معنى اليمين ، فهذا يخير بين فعله إن كان فعلاً أو تركه إن كان تركاً وبين كفارة اليمين ، مثاله أن يقول : لله على نذر لا ألبس هذا الثوب ، نقول : أنت الآن بالخيار إن شئت تلبسه وكفر كفارة يمين وإن شئت لا تلبسه ولا كفارة عليك .
القسم الرابع :
النذر المطلق يعني ليس في شيء محدد كأن يقول : لله على نذر فقط فهذا عليه كفارة يمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين ) والحاصل أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر ، فالخير يأتي بدون نذر والقضاء لايرد النذر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء ) .
وكم من أناس الآن يسألون : نذرت إن شفى الله مريضي لأصومن شهرين متتابعين . نقول : من حثك على هذا فإن شفى الله مريضه لزمه أن يصوم شهرين متتابعين ، فما الداعي لهذه النذور . ص197 ـ 198 .
8 ـ جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن شارب الخمر إذا شرب فجلد ثم شرب فجلد ثم شرب فجلد ثم شرب الرابعة ، فإنه يجب قتله هكذا جاء في السنن وأخذ بظاهره الظاهرية .
وقالوا : شارب الخمر إذا جلد فإنه يقتل في الرابعة لأنه أصبح عنصراً فاسداً لم ينفع به الإصلاح والتقويم ، وقال جمهور العلماء : إنه لا يقتل بل يكرر عليه الجلد فكلما شرب جلد ، وتوسط شيخ الإسلام رحمه الله فقال إذا كثر شرب الخمر في الناس ، ولم ينته الناس بدون القتل فإنه يُقتل في الرابعة ، وهذا قول وسط روعي فيه الجمع بين المصلحتين ، مصلحة ما يدل عليه بعض النصوص الصريحة ، لأن عمر رضي الله عنه لم يرفع العقوبة إلى القتل ، مع أنه يقول إن الناس كثر شربهم ، وبين هذا الحديث الذي اختلف الناس في صحته ، وفي بقاء حكمه ، هل هو منسوخ أو غير منسوخ وهل هو صحيح أو غير صحيح ، فعلى كل حال فما اختاره شيخ الإسلام فهو عين الصواب أنه إذا كثر شرب الخمر ولم ينته الناس دون قتل فإنه يُقتل الشارب في الرابعة . ص226 .
9 ـ المناجشة هي الزيادة في الثمن بغير إرادة الشراء مثلاً رأيت سلعة ينادى عليها في السوق للمزايدة ثمنها مثلاً مائة ريال ، فناجشت عليه وقلت بمائة وعشرة وأنت لا تريدها ، ولكن تريد أن يزيد الثمن على المشتري فهذا حرام وعدوان .
أما لو كنت رأيت السلعة رخيصة الثمن بمائة ريال مثلاً ، وزدت وقلت بمائة وعشرة ولم يكن عندك نية لشرائها لكن استرخصتها فزدت حتى بلغت الثمن الذي لا ترى فيه مصلحة لك فتركتها ، فهذا لا بأس به .
لكن إذا كان قصدك العدوان على المشتري وأن تنكد عليه ، وتزيد عليه الثمن فهذا هو النجش وهو حرام ، وكذلك لو زادت السلعة من أجل نفع البائع وهو لا يعرف المشتري وليس بينه وبينه شيء لكن يريد أن ينتفع البائع فزاد في الثمن وهو لايريد الشراء وإنما يريد نفع البائع ، فمثلاً قدّرت السلعة بمائة ريال فقال بمائة وعشرة لا إضراراً بالمشتري لأنه ليس يعرفه وليس بينه وبينه شيء لكن من أجل نفع البائع هذا أيضاً حرام لا يجوز وهو من المناجشة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم . ص244 ـ245 .
10 ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما في إنائها ) أو قال : مافي صفحتها . البخاري ومسلم .
لو اشترطت الزوجة الثانية على زوجها أن يطلق زوجته الأولى فهذا الشرط لا يقبل ولا يوفى به لهذا الحديث ، فهذا الشرط محرم لأنه عدوان على الغير فيكون باطلاً ولا يجب الوفاء به ، بل لا يجب الالتزام به أصلاً لأنه شرط فاسد . ص 271 بتصرف يسير .
11 ـ لو اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها وقبل فشرط صحيح ، لأنه ليس فيه عدوان على أحد ، فهذا فيه منع الزوج من أمر يجوز له باختياره وهذا لابأس به ، لأن الزوج هو الذي أسقط حقه وليس فيه عدوان على أحد ، فإذا اشترطت ألا يتزوج عليها فتزوج فلها أن تفسخ النكاح رضي أم أبى ، لأنه خالف الشرط . 271 ـ 272 .
12 ـ ما ذكر من أن الإنسان يوم القيامة يدعى باسم أمه فيقال يافلان بن فلانة فليس بصحيح ، بل إن الإنسان يدعى باسم أبيه كما يدعى به في الدنيا . ص274 .
13 ـ عن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما أنه مر بالشام على أناس من الأنباط .
سموا أنباطاً لأنهم يستنبطون الماء أي يستخرجونه ، وهم فلاحون في الشام . ص298 .
14 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر عليه حمار قد وُسم في وجهه ، فقال : (لعن الله الذي وسمه) .
وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا رأى شيئاً مما يلعن فاعله فقال : اللهم العن من فعل هذا فلا إثم عليه ، لو وجدنا بهيمة موسومة في الوجه ، وقلنا اللهم العن من وسمها فلا بأس ، لكن لا نقول فلان بن فلان نقول : اللهم العن من وسمها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . ص299 .
15 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مطل الغني ظُلم ) .
هذا الحديث يدل على أن مطل الفقير ليس بظلم ، فإذا كان الإنسان ليس عنده شيء وماطل فهذا ليس بظالم ، بل الظالم الذي يطلبه ، ولهذا إذا كان صاحبك فقيراً وجب عليك أن تُنظره وألا تطالبه به لقول الله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) .
فأوجب الله الانتظار إلى الميسرة ، وكثير من الناس يكون له الحق عند الفقير ويعلم أنه فقير ويطالبه ويشدد عليه ويرفع شكواه إلى ولاة الأمور ويحبس وهو ليس بقادر ، هذا أيضاً حرام وعدوان ، ويجب على القاضي إذا علم أن هذا فقير وطالبه من له الحق ، أن ينهر صاحب الحق وأن يوبخه وأن يصرفه لأنه ظالم ، فإن الله أمر بالانتظار ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) ولا يحل له أبداً أن يتعرض له ، وهو يدري أنه فقير . ص 303 ـ 304 .
16 ـ الساحر يجب أن يقتل حداً سواءً تاب أو لم يتب وذلك لعظم مضرته على الناس وشدة جرأته والعياذ بالله ولهذا جاء في الحديث ( حد الساحر ضربة بالسيف ) وفي رواية (ضربه بالسيف ) .ص314 .
17 ـ قال تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) .
اختلف العلماء رحمهم الله : هل المعنى لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا على هذا الوصف يعني يقومون من القبور كأنهم مجانين ، كأنهم يضربهم الشيطان من المس ؟
أو المعنى لا يقومون للربا لأنهم يأكلون الربا وكأنهم مجانين من شدة طمعهم وجشعهم وشحهم ، لايبالون فيكون هذا وصفاً لهم في الدنيا ؟
والصحيح أن الآية إذا كانت تحتمل المعنيين فإنها تحمل عليهما جميعاً ، يعني أنهم في الدنيا يتخبطون ويتصرفون تصرف الذي يتخبطه الشيطان من المس ، وفي الآخرة كذلك يقومون من قبورهم على هذا الوصف ، نسأل الله العافية . ص322 .
18 ـ كثير من سفهائنا يستهين بالدين ، يكون عنده مثلاً سيارة تكفيه تساوي عشرين ألفاً ، فيقول : لا تكفي ، أنا أشتري بثمانين ألف بالتقسيط أو أتحيل الربا كما يفعل بعض الناس ، يأتي إلى المعرض ويقول : بكم السيارة ويحددها ويعرف سعرها ، ثم يذهب إلى التاجر ويقول له اشترها وبعها علي ، أعوذ بالله كلها حيل على رب العالمين ، مكر وخداع ( يخادعون الله وهو خادعهم ) .
يعني أن هذا التاجر لم يقصد شراء السيارة ولا الإحسان إلى المشتري المستدين ، بل قصد الزيادة ، ولهذا لو قيل له : بعها عليه برأس مالك الذي اشتريتها به لأجاب : ما الفائدة ؟ لا أبيعه إلا بالزيادة ، ثم إن المسموع عن هؤلاء أنه إذا ترك المستدين الشراء كتب اسمه في القائمة السوداء حتى لا يعامل مرة أخرى ، وهذا كالإجبار ، فكيف نتحايل على رب العالمين .
لو جاء الرجل إلى البنك ، وقال : أعطني مائة ألف ريال قرضاً بزيادة فهذا أهون من ذلك الدين ، لأن الخداع أشد من الصريح ، فالمخادع ارتكب الإثم مع زيادة الخداع ، والصريح ارتكب الإثم معترفاً بذلك ويحاول أن يتوب عنه لأن نفسه لا ترضى عن هذا الشيء ، لكن المشكلة في المخادع الذي يرى أن هذا حلال ويستمرئ هذا الفعل ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ) .
لا تسأل أحداً ، استفت قلبك هل قصدت شراء السيارة فعلاً أم استجابة لطلب المستدين وبيعها عليه مباشرة بقصد الزيادة في الثمن ؟ والذي يسألك ويحاسبك يوم القيامة هو الله رب العالمين ، وهو الذي يعلم مافي قلبك .
أما مسألة التورق فالسلعة موجودة عند البائع لهذا ولغيره ، إن جاءه من يشتري بنقد باعها بخمسين ، وإن جاءه من يشتريها مؤجلة باعها بستين فهذا لابأس به .
والحاصل أنه يجب الحذر كل الحذر من طرق التحايل على الربا والابتعاد عنها ولو لم يجد الناس من يسهل الأمر عليهم لا متنعوا بعض الشيء وسلمت ذممهم واستراحوا . ص335 ـ 337 .
19 ـ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم ، وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احتجبا منه فقلنا : يارسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ) .
هذا الحديث ضعيف لأن الأحاديث الصحيحة كلها ترده فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس : ( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ) وهذا الحديث في الصحيحين ، وأما هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله فقد قال الإمام أحمد : إن رفعه خطأ ، يعني لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا فلا يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل ولو كان أجنبياً بشرط ألا يكون نظرها بشهوة أو لتمتع بل يكون نظراً عادياً ، ولذلك نجد الرجال يمشون في الأسواق كاشفين وجوههم والنساء ينظرن إلى الوجوه ، وكذلك النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحضرن إلى المسجد ولا يحتجب الرجال عنهن ، ولو كان الرجل لا يحل للمرأة أن تراه لوجب عليه أن يحتجب كما تحتجب المرأة عن الرجل .
فالصحيح أن المرأة لها أن تنظر إلى الرجل لكن بغير شهوة ولا استمتاع أو تلذذ ، وأما الرجل فيحرم عليه أن يرى المرأة ، وكذا الخادمة التي في البيوت كغيرها من النساء يجب أن تستر وجهها بل هي أشد خطراً ، لأنها لو كشفت وجهها وكانت شابة أو جميلة افتتن بها صاحب البيت وأولاده ، إذا كان له أولاد . ص363 ـ364 .
20 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع . متفق عليه .
وعنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً قد حُلق بعض شعر رأسه وتُرك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال :( احلقوه كله أو اتركوه كله ) .
في هذه الأحاديث دليل على أن اتخاذ الشعر ليس بسنة .
ومعنى اتخاذ الشعر : أن الإنسان يُبقي شعر رأسه حتى يكثر ، ويكون ضفرة أو لمة ، فهو عادة من العادات ولو كان سنة لقال النبي صلى الله عليه وسلم : اتركوه ولا تحلقوه في الصبي .
ولكن اتخاذ الشعر عادة ، إذا اعتاده الناس فاتخذه ، وإن لم يعتده الناس فلا تتخذه ، وأما من ذهب من أهل العلم رحمهم الله إلى أنه سنة فإن هذا اجتهاد منهم ، والصحيح أنه ليس بسنة وأننا لا نأمر الناس باتخاذ الشعر ، بل نقول : إن اعتاده الناس وصار الناس يتخذون الشعر ، فاتخذه لئلا تشذ عن العادة ، وإن كانوا لا يتخذونه كما هو معروف الآن في عهدنا فلا تتخذه .
ولهذا كان مشايخنا الكبار كالشيخ عبدالرحمن بن سعدي ، والشيخ محمد بن إبراهيم ، والشيخ عبدالعزيز بن باز ، والشيخ عبدالله بن حميد وغيرهم من العلماء رحمهم الله لا يتخذون الشعر لأنه ليس بسنة ولكنه عادة . ص383 .
21 ـ ليعلم أن لبس النعال من السنة والاحتفاء من السنة أيضاَ ، فالسنة أن الإنسان يلبس النعال ، و الناعل كالراكب لكن ينبغي أحياناً أن يمشي حافياً بين الناس ليظهر هذه السنة التي كان بعض الناس ينتقدها ، إذا رأى شخصاً يمشي حافياً قال ماهذا ؟ هذا من الجهال . وهذا غلط لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه ويأمر بالاحتفاء أحياناً . ص387 .
22 ـ يرى العلماء الآن أن الإنسان لا يدخل بنعليه في المسجد نظراً لأنها مفروشة بفرش تتلوث لو دخل الإنسان بنعليه ، وإذا أراد الإنسان أن يطبق السنة فليصل النوافل في بيته بنعليه ، التهجد ، أو الراتبة أو ما أشبه ذلك ، ويحصل بذلك امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( إن اليهود لا يصلون في نعالهم ) . ص388 .
23 ـ علم النجوم قسمان :
القسم الأول :
جائز لا بأس به ، وهو مايسمى بعلم التسيير يعني علم سير النجوم يستدل به على الفصول وعلى طول النهار ، وقصر النهار ، فهذا حاجة ولا بأس به ولاحرج فيه ، لأن الناس يهتدون به لمصالحهم . ومن ذلك علم جهات النجوم مثل القطب الشمالي ، الجدي معروف قرب القطب من ناحية الشمال ، يستدل به على القبلة ، وعلى الجهات قال تعالى ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون * وعلامات ) يعني الجبال ( وبالنجم هم يهتدون ) يهتدون في ظلمات البر والبحر ، وإذا لم يكن سحاب يغطي النجوم اهتدوا بها .
فصار علم التسيير ما يتعلمه الإنسان للزمان والمكان ، للزمان مثل الفصول ، دخل وقت الشتاء ودخل وقت الصيف ، ويستدل بها على المكان أي الجهات .
القسم الثاني :
محرم وهو علم التأثير وهو أن يتخذ من علم النجوم سبباً يدعي به أن ماحصل في الأرض فإنه من سبب النجم ، كالذي يقولون في الجاهلية مطرنا بنوء كذا وكذا ، هذا هو المحرم ، ولايجوز اعتماده لأنه لا علاقة لما يحدث في الأرض بما يحدث للسماء ، السماء مستقلة ، فما حصل من أثر في السماء فإنه لايؤثر على الأرض . فالنجوم لا دخل لها في الحوادث .
بعض الناس والعياذ بالله يقول : هذا الرجل ولد في النوء الفلاني فسيكون سعيداً ، هذا الولد ولد في النوء الفلاني فسيكون شقياً ؟ من قال هذا ؟ ويسمونه الطالع أي طالع هذا الولد . هذا هو المحرم الذي من صدق المنجم فيه فهو كمن صدق الكاهن . ص 406 ـ 407 .
24 ـ قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن كان الشؤم في شيء فإنه في ثلاث : في الدار والمرأة والفرس ) . فالمعنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يكون مرافقة للإنسان المرأة زوجه ، والدار بيته ، والفرس مركوبه ، وهذه الأشياء الثلاثة أحياناً يكون فيها شؤم ، فأحياناً تدخل المرأة على الإنسان يتزوجها ولايجد إلا النكد والتعب منها ومشاكلها . وأيضاً ينزل الدار فيكون فيها شؤم فيضيق صدره و لايتسع ويمل منها . أيضاً الفرس ، والفرس الآن ليس مركوبنا ولكن مركوبنا السيارات ، فبعضها يكون فيها شؤم تكثر حوادثها وخرابها ، ويسأم الإنسان منها ، فإذا أصيب الإنسان بمثل هذا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك فيزيل الله مافي نفسه من الشؤم . ص 416 .
قسم متفق على تحريمه ، وهو أن يصور ما فيه روح على وجه تمثال من خشب أو حجر أو طين أو جبس أو ما أشبه ذلك ، فهذا إذا صوره على صورة حيوان أو إنسان أو أسد أو أرنب أو قرد أو غير ذلك فهذا حرام بالاتفاق ، وفاعله ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ويعذب يوم القيامة فيقال له : أحي ما خلقت .
وفي حديث ابن عباس قال ( كل مصور في النار فإن كنت لابد فاعلاً فاصنع الشجر وما لاروح فيه ) .
القسم الثاني :
تصوير ما لاروح فيه مثل الأشجار والشمس والقمر والنجوم و الأنهار والجبال ، وما أشبهها هذه جائزة . لكن ما كان ينمو كالنبات فمن العلماء من لم يجزه كمجاهد رحمه الله من التابعين المشهورين قال : كل ما ينمو فإنه لا يجوز أن يصور ولو كان لاروح له ، لأنه في الحديث الصحيح أن الله قال : ( فليخقوا حبة أو ليخلقوا ذرة أو ليخلقوا شعيرة ) ولكن الذي عليه جمهور العلماء أن الذي لا روح فيه لابأس أن يصوره سواء كان مما ينمو كالأشجار أو مما لا ينمو كالشمس والبحار والقمر والأنهار وما أشبهها .
القسم الثالث :
تصوير ما فيه روح لكن بالتلوين والرسم فهذا قد اختلف فيه العلماء : فمنهم من يقول : إنه جائز لما رواه البخاري من حديث زيد بن خالد أظن قال : ( إلا رقماً في ثوب ) فاستثنى الرقم لأن الرقم لا يماثل ما خلق الله عزوجل إذ إن ماخلق الله عزوجل جسم ملموس ، وأما هذا فهو مجرد رقم وتلوين فيجوز لو باليد ، ولكن جمهور العلماء على أنه لا يجوز وهو الصحيح أنه لا يجوز التصوير لا بالتمثال ولا بالرقم مادام المصور من الأشياء التي فيها الروح .
ولم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ماحدث في زماننا هذا من الصور الفوتوغرافية وهل تدخل في النهي أو لاتدخل ؟
وإذا تأملت وجدت أنها لا تدخل لأن الذي يصور صورة فوتوغرافية لا يصور في الواقع . غاية ما هنالك أنه يلقي هذا الضوء الشديد على جسم أمامه فليتقط صورته في لحظة ، والمصور لا بد أن يعالج التصوير ويخطط العين والرأس والأنف والأذن وما أشبه ذلك فلا بد أن يكون منه عمل ، أما هذه الصور فإنها في لحظة تلتقطها وكأنها تنقُلُ التي صورها الله لتجعلها في هذا الكارت وهذا القول هو الراجح .
وعلماء العصر مختلفون في هذا : هل يدخل هذا في اللعن والنهي أم لا ؟
والصحيح أنه لا يدخل ، لأنه لا علاج من المرء فيه فليس بمصور ، ولو أنه أراد أن يصور لبقي في هذه الصورة مدة ربع ساعة أو أكثر ، ولكن هذا يتم في لحظة .
ونظيره تماماً لو أن الإنسان كتب رسالة إلى أخيه ثم أدخل المكتوب في آلة التصوير وخرجت صورة الرسالة فهل هذا الذي صورها هو الذي رسم الكلمات والحروف ؟
لا ، وإنما الصورة لما فيها من الضوء العظيم حسب صناعتها طبعت هذا ، ولا أحد من الناس يقول : إن هذه الحروف التي انطبعت في هذه الورقة كما عمل من حرك الآلة ، ولهذا يصور الإنسان هذا في الظلام ، كما يصوره الأعمى أيضاً ، فمن تأمل النص ، و تأمل الحكمة من ذلك ، عرف أن المراد من أراد أن يضاهي خلق الله ويبدع في تصويره وتخطيطه وكأنه خالق ، هذا الذي يشمله النهي واللعن . أما هذا فهو التقاط صورة فقط .
ولكن يبقى النظر ماهو الغرض الذي من أجله صُوِرت هذه الصورة .
يعني إذا فهمنا أنها مباحة وأنها لا تكون تصويراً ، يبقى أن ننظر فيها كما ننظر في أي مباح من المباحات لأي غرض صنعت ؟ أو لأي غرض صورت ، لأن المباح يختلف حكمه بحسب ماقُصِد به ، ولهذا لو أراد الإنسان أن يسافر في رمضان من أجل أن يفطر قلنا : هذا الفعل حرام عليه مع أن السفر في الأصل مباح حلال . ولو أراد الإنسان أن يشتري بندقية ليقتل بها مسلماً أو يعتدي على مال مسلم قلنا : هذا البيع حرام . مع أن البيع في الأصل مباح .
فينظر إلى هذا التصوير ماذا قُصِد به ، قد يقصد الإنسان بهذا التصوير قصداً سيئاً ، يصور امرأة ليتمتع بالنظر إليها وهي ليست زوجته ، فكلما مر عليه زمن أخرجها من محفظته وجعل ينظر إليها ليتلذذ بذلك وهذا حرام لا إشكال فيه . أو يصور عظماء من الأمراء أو السلاطين أو العلماء من أجل أن يعظمهم ، ويعلق صورهم عنده في البيت تعظيماً لهم فهذا أيضاً حرام ، أو يصور عباداً قانتين لله عزوجل من أجل أن يجعلهم في بيته تبركاً بهم فهذا أيضاً حرام ولا يجوز ، أو يصور للذكرى فهذا أيضاً حرام لأنه إضاعة للوقت وأي فائدة لك من تذكر هذا المصَور حيناً بعد حين .
ومن ذلك أن بعض الناس يموت له الميت ، وللميت بطاقة شخصية فيها صورة فيبقيها عنده وهذا لا يجوز ، لأن الحاجة إليها قد انتهت ، فإذا مات الميت فلا تحتفظ بصورته لأجل أن لا تذهب وتتذكر هذا الميت فيتجدد الحزن وربما تعتقد فيه اعتقاداً باطلاً ، اللهم إلا أن يخشى الإنسان أن يحتاج إليها في إثبات معاشات التقاعد عند الدولة أو ما أشبه ذلك ، فهذا معذور ، أما إذا لم يكن هناك سبب فالواجب إحراقها .
وأما إذا قصد بالتصوير الفوتوغرافي إثبات الشخصية أو إثبات واقعة من الوقائع لغرض صحيح فهذا لا بأس به ، مثل أن تندب لجنة لعمل معين ويريدون أن يثبتوا أنهم قاموا بهذا العمل فصوروا عملهم فهذا لا بأس به لأنه لغرض صحيح فيه مصلحة .
وكذلك لو أن إنساناً شهد مشهداً يحب أن الناس يطلّعون عليه استعطافاً واستدراراً لأموالهم كالنظر مثلاً إلى قوم جياع عراة مجروحين من الأعداء وما أشبه ذلك ليعرضهم على الناس ليستعطفهم عليهم هذا أيضاً غرض صحيح لا بأس به .
وخلاصة القول أن التصوير باليد ولو كان بالتلوين والتخطيط حرام على القول الراجح .
وأما التصوير بالآلة الفوتوغرافية فليس بتصوير أصلاً حتى نقول إنه داخل في التحريم ، ويجب علينا أن نتأمل أولاً دلالة النص ، ثم في الحكم الذي يقتضيه النص ، وإذا تأملنا وجدنا أن هذا ليس بتصوير ، ولايدخل في النهي ولا في اللعن ، ولكن يبقى مباحاً ثم ينظر في الغرض الذي من أجله يُصور ، فإن كان غرضاً مباحاً فالتصوير مباح ، وإن كان غرضاً محرماً فهو محرم . 418 ـ 422 .
26 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لاتصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ) رواه مسلم .
ما يكون في المنبهات من الساعات وشبهها فلا يدخل في النهي لأنه لا يعلق على البهائم وإنما هو مؤقت بوقت معين للتنبيه .
وكذلك ما يكون عند الأبواب يستأذن به فإن بعض الأبواب يكون عندها جرس للاستئذان فهذا أيضاً لا بأس به ، ولا يدخل في النهي ، لأنه ليس معلقاً على بهيمة وشبهها ، ولايدخل به الطرب الذي يكون مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم . ص432 .
27 ـ ما يجعل للانتظار في الهاتف من قراءة القرءان أحياناً ، إذا اتصلت سمعت آيات من القرءان ثم يقول : انتظر ثم تسمع آيات من القرءان ، فهذا فيه ابتذال لكلام الله عزوجل حيث يجعل كأداة يُعلمُ بها الانتظار ، والقرءان نزل لما هو أشرف من هذا وأعظم ، فلقد نزل لإصلاح القلوب والأعمال ، ولم ينزل ليُجعل وسيلة للانتظار في الهاتف وغيره ، ثم إنه قد يتصل عليك إنسان لا يعظم القرءان ولا يهتم به ويثقل عليه أنه يسمع شيئاً من كتاب الله والعياذ بالله ، أو يتصل كافر أو يهودي أو نصراني فيسمع هذا القرءان فيظنه أغنية ، لأنه لا يعرفه فقد لايكون عربياً أيضاً ، فلا شك أن هذا ابتذال للقرءان ، وأن من وضع القرءان من أجل الانتظار يُنصح ويقال له : اتق الله ، كلام الله أشرف من أن يجعل أداة للانتظار .
أما إذا جعل في هذا الانتظار حكم مأثورة نظماً أو نثراً وما أشبه ذلك من الأشياء النافعة المفيدة فلا بأس . ص432 ـ433 .
28 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردها الله عليك ) .
ندعو عليه بأن الله لا يردها عليه ولا يعثر عليها ، لاردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا .
أما إذا نشد عن صاحبها ، فهذا أجازه بعض العلماء وقال : لا بأس به ، لأن هذا إحسان . وبعض العلماء كرهه وقال : حتى هذه الحال يكره ، ولكن إذا كان يريد أن يتم إحسانه يجلس عند باب المسجد ويقول : من ضاع له المفتاح ، من ضاع له نقود ، من ضاع له كذا وكذا ، فالمهم أن المساجد يجب أن تحترم . ص444 .
29 ـ عن جابر رضي الله عنه الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لايسأل بوجه الله إلا الجنة ) .
لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ، وكذلك ما يقرب إلى الجنة ، فلك أن تسأل بوجه الله النجاة من النار فتقول : اللهم إني أسألك بوجهك أن تنجني من النار ، لأنه إذا نجا الإنسان من النار لابد أن يدخل الجنة .
فإذا قلت : أسألك بوجهك أن تجيرني من النار ، فلا بأس لأن الله متى أجارك من النار أدخلك الجنة .
وهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن معناه صحيح ، لا ينبغي أن تسأل بوجه الله العظيم إلا شيئاً عظيماً . ص465 .
الأخ العزيز فهد الجريوي وفقه الله وأسعده بطاعته
قرأتُ بعض هذه الفوائد الرائعة جزاك الله خيراً ونفع بك ، وأجمل من فوائد الشيخ حسن اختيارك لها، واختيار المرء قطعة من عقله حقاً ، فقد دللتنا بحسن اختيارك على فضلك وعلمك. وقد هاتفني أحد الزملاء من أبها - وهو من خيرة من أعرف علماً وأدباً وذوقاً وفقهاً وهو من أهل التخصص في الفقه والعناية الدقيقة به - فأثنى على هذا الموضوع ثناء عاطراً ودعا لك دعاء أرجو أن يتقبله الله منه . وهو يشكرك ويدعوك للمواصلة ، فوعدته أن أكتب ذلك لك حتى تعلم أن هناك من ينتفع بما تكتب . ويقترح عليك أن تضيف للموضوع أو في موضوع آخر (فوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين لمنظومته في أصول الفقه) ففيها فوائد كثيرة كما يقول الدكتور .
جزى الله الأخ فهد على هذه النقول، ود. الشهري على رفع هذا الموضوع الذي لم أتفطن إليه من قبل.
وقد استرعى انتباهي تعليق الشيخ العثيمين رحمه الله برقم 29:
====
29 ـ عن جابر رضي الله عنه الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لايسأل بوجه الله إلا الجنة ) .
لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ، وكذلك ما يقرب إلى الجنة ، فلك أن تسأل بوجه الله النجاة من النار فتقول : اللهم إني أسألك بوجهك أن تنجني من النار ، لأنه إذا نجا الإنسان من النار لابد أن يدخل الجنة .
فإذا قلت : أسألك بوجهك أن تجيرني من النار ، فلا بأس لأن الله متى أجارك من النار أدخلك الجنة .
وهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن معناه صحيح ، لا ينبغي أن تسأل بوجه الله العظيم إلا شيئاً عظيماً . ص465 .
====
وسؤالي: ما المقصود هنا بوجه الله؟ وما وجه التوفيق بين هذا الحديث والأدعية التي ورد فيها التعوذ بوجه الله والسؤال باسم الله الأعظم، إلخ. فهل السؤال بوجه الله غير التعوذ بوجه الله ؟
جزى الله الأخ فهد على هذه النقول، ود. الشهري على رفع هذا الموضوع الذي لم أتفطن إليه من قبل.
وقد استرعى انتباهي تعليق الشيخ العثيمين رحمه الله برقم 29:
====
29 ـ عن جابر رضي الله عنه الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لايسأل بوجه الله إلا الجنة ) .
لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ، وكذلك ما يقرب إلى الجنة ، فلك أن تسأل بوجه الله النجاة من النار فتقول : اللهم إني أسألك بوجهك أن تنجني من النار ، لأنه إذا نجا الإنسان من النار لابد أن يدخل الجنة .
فإذا قلت : أسألك بوجهك أن تجيرني من النار ، فلا بأس لأن الله متى أجارك من النار أدخلك الجنة .
وهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن معناه صحيح ، لا ينبغي أن تسأل بوجه الله العظيم إلا شيئاً عظيماً . ص465 .
====
وسؤالي: ما المقصود هنا بوجه الله؟ وما وجه التوفيق بين هذا الحديث والأدعية التي ورد فيها التعوذ بوجه الله والسؤال باسم الله الأعظم، إلخ. فهل السؤال بوجه الله غير التعوذ بوجه الله ؟
أولاً: حديث "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" ضعفه بعض أهل العلم.
ثانياً : هذه بعض النقولات التي فيها الجواب عن بعض ما سألت عنه:
جاء في فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل : ( قلت: والظاهر أن المراد لا يسأل بوجه اللَّه إلا الجنة، أو ما هو وسيلة إليها، كالاستعاذة بوجه اللَّه من غضبه ومن النار، ونحو ذلك، مما هو وارد في أدعيته صلى الله عليه وسلم ، وتعوذاته، ولما نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} (444) قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعوذ بوجهك" {أَوْمِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: "أعوذ بوجهك" . رواه البخاري(445) .
وقال في "فتح المجيد" (446) : وهنا سؤال، وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبه أهل الطائف، ومن في الطائف من أهل مكة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء المأثور: "اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي" وفي آخره: "أعوذ بنور وجهك، الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك، أو ينزل بي سخطك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه" (447) .رواه ابن إسحاق والطبراني عن عبد اللَّه بن جعفر. والحديث المروي في "الأذكار" : "اللَّهم أنت أحق من ذُكر وأحق من عُبد" وفي آخره: "أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض" . (448) وفي حديث آخر: "أعوذ بوجه اللَّه الكريم، وباسم اللَّه العظيم، وبكلماته التامة من شر السامة واللامة، ومن شر ما خلقت أي رب ومن شر هذا اليوم، ومن شر ما بعده، ومن شر الدنيا والآخرة" . وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة بالأسانيد الصحيحة، أو الحسان. فالجواب: أن ما ورد من ذلك، فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة، أو ما يمنعه من الأعمال التي تمنعه من الجنة فيكون قد سأل بوجه اللَّه، وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة، كما في الحديث الصحيح: "اللَّهم إني أسألك الجنة، وما يقرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار، وما يقرب إليها من قول وعمل" (449) بخلاف ما يختص بالدنيا، كسؤال المال، والرزق، والسعة في المعيشة؛ رغبة في الدنيا، مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة، فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه اللَّه. وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث. كما لا يخفى. واللَّه أعلم.) انتهى
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة "؟
فأجاب رحمه الله بقوله : ( اختلف في المراد به على قولين:
القول الأول: أن المراد لا تسألوا أحداً من المخلوقين بوجه الله فإذا أردت أن تسأل أحداً من المخلوقين لا تسأله بوجه الله، لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذاً لا يسألون بوجه الله مطلقاً.
القول الثاني: أنك إذا سألت الله فإن كان الجنة وما يستلزم دخولها فاسأل بوجه الله، وإن كان من أمور الدنيا فلا تسأل بوجه الله، فأمور الآخرة تسأل بوجه الله كقولك مثلاً : أسألك بوجهك أن تنجيني من النار.)[/align]
أفدت وأتحفت وأمتعت يا شيخ فهد، جزاك الله خيرا على عملك وأفرحك الله به يوم الدين.
تعليقا وتطفلا على سؤال أخي محمد بن جماعة:
لعل ما ذكره الشيخ ابن عثيمين آخراً يوضح المراد، وهو أنه لا يُسأل بوجه الله العظيم إلا شيء عظيم.
والاستعاذة نوع من أنواع الدعاء، فهي: طلب العَوذ، ولذا فإنها فتدخل في السؤال.
ومعلوم أن من مراعاة أدب السؤال أن تُختار العبارة المناسبة للأمر المسئول، فكل اسم من أسمائه تعالى وصفة من صفاته تقتضي أن يسأل بها ما يناسبها من معنى تختص به، فلا يقال مثلا: اللهم ارحمني يا قوي، أو اللهم دمر أعداءك يا رحيم.
ومثل هذا: السؤالُ بوجهه تعالى، فهي عبارة عظيمة لا يليق إلا أن يسأل بها شيء عظيم كالجنة أو النجاة من النار وما شابه.
30 ـ كل إنسان يجب عليه إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول : الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية ، أما الأمور الكونية القدرية ، فهذا لا يقول : ورسوله أعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، مثلاً لو قال قائل : أتظن المطر ينزل غداً ؟ تقول : الله أعلم ، ولا تقل : الله ورسوله أعلم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم مثل هذه الأمور ، لكن لو قال لك : هل هذا حرام أم حلال ؟ تقول : الله ورسوله أعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم الشريعة . ص475 .
31 ـ ما يقوله بعض الناس ـ وأظنهم من الصوفية ـ : ( اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه ) فإن هذا حرام ، كيف لا تسأل الله رد القضاء . وكأنك إذا قلت : اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ، كأنك تقول : يارب عذبني ولكن الطف بي ، يا رب أهلك أحبابي ولكن أرفق ، وما أشبه ذلك ، وكل هذه الأدعية يجب على الإنسان أن يتوخى فيها ما جاء في الكتاب والسنة وما كان بمعنى ذلك . وينبغي إن يقول : اللهم ارفق بي ، اللهم اكفني الشر ، وما أشبه ذلك . ص 492 .
32 ـ هل ينبغي للإنسان أن يمدح أخاه بما هو فيه أو لا ؟ هذا له أحوال :
الحالة الأولى :
أن يكون في مدحه خير وتشجيع له على الأوصاف الحميدة والأخلاق الفاضلة ، فهذا لا بأس به ، لأنه تشجيع لصاحبه ، فإذا رأيت من رجل الكرم والشحاعة وبذل النفس والإحسان إلى الغير ، فذكرته بما هو فيه أمامه من أجل أن تشجعه وتثبته حتى يستمر على ماهو عليه ، فهذا حسن وهو داخل في قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .
الحالة الثانية :
أن تمدحه لتبين فضله بين الناس وينتشر ويحترمه الناس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، أما أبو بكر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ذات يوم فقال : ( من أصبح منكم اليوم صائماً ) ؟ فقال أبوبكر : أنا فقال : ( من تبع منكم اليوم جنازة ) ؟ قال أبو بكر : أنا فقال : ( من تصدق بصدقة ) ؟ فقال أبوبكر : أنا ، فقال : ( فمن منكم عاد مريضاً ) ؟ قال أبو بكر : أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ) .
وقال الني صلى الله عليه وسلم لعمر : ( إن الشيطان ما سلكت فجاً إلا سلك فجاً غير فجك ) . كل هذا لبيان فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهذا لا بأس به .
الحالة الثالثة :
أن يمدح غيره ويغلو في إطرائه ويصفه بما لا يستحق ، فهذا محرم وهو كذب وخداع ، مثل أن يذكر رجلاً أميراً أو وزيراً أو ما أشبه ذلك ويطريه ويصفه بما ليس فيه من الصفات الحميدة فهذا حرام عليك ، وهو أيضاً ضرر على الممدوح .
الحالة الرابعة :
أن يمدحه بما هو فيه ، لكن يخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه ويزهو بنفسه ويترفع على غيره ، فهذا أيضاً محرم لا يجوز . ص 564 ـ 565 .
33 ـ هذا الكتاب رياض الصالحين من أبرك ما رأيت من الكتب في انتفاع الناس به مما يدل على حسن نية مؤلفه رحمة الله عليه . ص 712 .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وفي ختام هذه الفوائد من هذا الشرح المبارك شرح الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة رب العالمين لكتاب رياض الصالحين أقول :
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
وهذه الفوائد إنما هي غيض من فيض وما تركت أكثر مما كتبت ، فعفواً إن أطلت وعذراً إن قصرت فما أريد إلا الإصلاح ما استطعت .