بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فاستكمالاً لما تم الشروع فيه من استخراج فوائد من كتب العلامة محمد بن عثيمين عليه رحمات رب العالمين وكانت البداية بكتاب رياض الصالحين ، ثم كتاب الأربعين النووية ثم كان الكتاب الثالث تعليق الشيخ على صحيح مسلم ، وهذه الزاوية بإذن الله ستعنى باستخراج فوائد من تفاسير الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله ، وسأفتتحها باستخراج الفوائد من تفسير الشيخ لسورة الفاتحة والبقرة وهو تفسير مطبوع في ثلاث مجلدات ، والطبعة التي يتم منها النقل هي الطبعة الأولى 1423هـ ، دار ابن الجوزي .
فوائد من المجلد الأول : 1 ـ سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم ، وقد قيل : إنها أول سورة نزلت كاملة . ص3 . 2 ـ سورة الفاتحة لها مميزات تتميز بها عن غيرها ، منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، ومنها أنها رقية إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأ على اللديغ ، فبرئ : ( وما يدريك أنها رقية ) .
وقد ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة ، فصاروا يختمون بها الدعاء ، ويبتدئون بها الخطب ويقرؤونها عند بعض المناسبات ، وهذا غلط : تجده مثلاً إذا دعا ، ثم دعا قال لمن حوله : ( الفاتحة ) يعني اقرؤوا الفاتحة ، وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه أو في أحواله ، وهذا أيضاً غلط لأن العبادات مبناها على التوقيف ، والاتباع . ص 3-4 . 3 ـ هل البسملة آية من الفاتحة أو لا ؟
في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من يقول : إنها آية من الفاتحة ، ويقرأ بها جهراً في الصلاة الجهرية ، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة لأنها من الفاتحة ومنهم من يقول : إنها ليست من الفاتحة ولكنها آية مستقلة من كتاب الله وهذا القول هو الحق ودليل هذا : النص ، وسياق السورة . أما النص :
فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : إذا قال : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال الله تعالى : مجدني عبدي ، وإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي نصفين ، وإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) ، وهذا كالنص على أن البسملة ليست من الفاتحة ، وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، فكانوا لا يذكرون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في أول قراءة ولا في آخرها ) والمراد لا يجهرون والتمييز بينها وبين الفاتحة في الجهر وعدمه يدل على أنها ليست منها . أما من جهة السياق من حيث المعنى :
فالفاتحة سبع آيات بالاتفاق ، وإذا أردت أن توزع سبع الآيات على موضوع السورة وجدت أن نصفها هو قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهي الآية التي قال الله فيها : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) لأن ( الحمد لله رب العالمين ) واحدة ( الرحمن الرحيم ) الثانية ( مالك يوم الدين ) الثالثة ، وكلها حق لله عز وجل ( إياك نعبد وإياك نستعين ) الرابعة يعني الوسط وهي قسمان : قسم منها حق لله ، وقسم حق للعبد ( اهدنا الصراط المستقيم ) للعبد ( صراط الذين أنعمت عليهم ) للعبد ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) للعبد .فتكون ثلاث آيات لله عز وجل وهي الثلاث الأولى ، وثلاث آيات للعبد وهي الثلاث الأخيرة وواحدة بين العبد وربه وهي الرابعة الوسطى .فالصواب الذي لا شك فيه أن البسملة ليست من الفاتحة كما أن البسملة ليست من بقية السور . ص7 ـ 9 . 4 ـ قال تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) فهنا تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية : وهذا إما لأن ( الله ) هو الاسم العَلَم الخاص به ، والذي تتبعه جميع الأسماء ، وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط . ص 10 . 5 ـ ربوبية الله عز وجل مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة ، لأن الله تعالى لما قال : ( رب العالمين ) كأن سائلاً يسأل : ( ما نوع هذه الربوبية ؟ هل هي ربوبية أخذ ، وانتقام ، أو ربوبية رحمة ، وإنعام ؟ قال تعالى : ( الرحمن الرحيم ) . ص11 . 6 ـ في قوله تعالى : ( مالك ) قراءة سبعية : ( مَلِك ) و( المَلِك ) أخص من ( المالك ) .ففي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة ، وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي ، لأن من الخلق من يكون ملكاً ، ولكن ليس بمالك : يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء ، ومن الناس من يكون مالكاً ، ولا يكون ملكاً : كعامة الناس ، ولكن الرب عز وجل مالك ملك . ص 12 . 7 ـ قال تعالى : ( مالك يوم الدين ) إن قال قائل : أليس مالك يوم الدين ، والدنيا ؟ فالجواب : بلى ، لكن ظهور ملكوته ، وملكه ، وسلطانه ، إنما يكون في ذلك اليوم لأن الله تعالى ينادي : ( لمن الملك اليوم ) فلا يجيب أحد فيقول تعالى : ( لله الواحد القهار ) في الدنيا يظهر ملوك يعتقد شعوبهم أنه لا مالك إلا هم فالشيوعيون مثلاً لا يرون أن هناك رباً للسموات ، والأرض يرون أن الحياة : أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، وأن ربهم هو رئيسهم . ص 12ـ 13 .
8 ـ ليعلم أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أيدي الناس لا تنبغي القراءة بها عند العامة لوجوه ثلاثة : الوجه الأول : أن العامة إذا رأوا هذا القرآن العظيم الذي قد ملأ قلوبهم تعظيمه ، واحترامه إذا رأوه مرة كذا ، ومرة كذا تنزل منزلته عندهم لأنهم عوام لا يُفرقون . الوجه الثاني : أن القارئ يتهم بأنه لا يعرف لأنه قرأ عند العامة بما لايعرفونه فيبقى هذا القارئ حديث العوام في مجالسهم . الوجه الثالث : أنه إذا أحسن العامي الظن بهذا القارئ وأن عنده علماً بما قرأ فذهب يقلده فربما يخطئ ثم يقرأ القرآن لا على قراءة المصحف ، ولا على قراءة التالي الذي قرأها وهذه مفسدة . ولهذا قال علي : ( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذب الله ورسوله ) . وقال ابن مسعود : ( إنك لا تحدث قوما ً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . والحمد لله : ما دام العلماء متفقين على أنه لا يجب أن يقرأ الإنسان بكل قراءة ، وأنه لو اقتصر على واحدة من القراءات فلا بأس ، فدع الفتنة وأسبابها . ص 18 ـ 19 . 9 ـ قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) . هذا من بلاغة القرآن حيث جاء التعبير عن المغضوب عليهم باسم المفعول الدال على أن الغضب عليهم حاصل من الله تعالى ، ومن أوليائه . ص 20 . 10 ـ قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) . فقدم سبحانه الأشد ، فالأشد لأنه تعالى قدم المغضوب عليهم على الضالين لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه بخلاف المخالف عن جهل . ص 20 . 11 ـ سورة الفاتحة سورة عظيمة ، ولا يمكن لي ولا لغيري أن يحيط بمعانيها العظيمة ، لكن هذا قطرة من بحر ، ومن أراد التوسع في ذلك فعليه بكتاب ( مدارج السالكين ) لابن القيم رحمه الله . ص20 .
12 ـ قال جل وعلا في افتتاح سورة البقرة : ( آلم ) .هذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها ، وفي الحكمة منها على أقوال كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال : القول الأول : أن لها معنى ، واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه : هل هو اسم لله عز وجل أو اسم للسورة أو أنه إشارة إلى مدة هذه الأمة أو نحو ذلك . القول الثاني : هي حروف هجائية ليس لها معنى إطلاقاً . القول الثالث : لها معنى الله أعلم به ، فنجزم بأن لها معنى ولكن الله أعلم به لأنهم يقولون : إن القرآن لا يمكن أن ينزل إلا بمعنى . القول الرابع : التوقف ، وألا نزيد على تلاوتها ونقول : الله أعلم : ألها معنى ، أم لا وإذا كان لها معنى فلا ندري ما هو .
وأصح الأقوال فيها القول الثاني وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنى على الإطلاق وهذا مروي عن مجاهد ، وحجة هذا القول : أن القرآن نزل بلغة العرب وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية مثل ما تقول : ألف ، باء ، تاء ، ثاء ، جيم ، حاء . . . ، فهي كذلك حروف هجائية .أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره ، ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به . هذا بالنسبة لذات هذه الحروف ، أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين لها معنى فإن الحكمة منها : الدلالة على ذلك المعنى مثل غيرها مما في القرآن .
وأما على قول من يقول : ( ليس لها معنى ) ، أو : ( لها معنى الله أعلم به ) أو : ( يجب علينا التوقف ) فإن الحكمة عند هؤلاء على أرجح الأقوال وهو الذي اختاره ابن القيم ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، واختاره تلميذه الحافظ الذهبي ، وجمع كثير من أهل العلم هو الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم ، وأن هذا القرآن لم يأت بكلمات ، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر وإنما هو من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر ومع ذلك فقد أعجزهم .
فهذا أبين في الإعجاز لأنه لو كان في القرآن حروف أخرى لا يتكلم الناس بها لم يكن الإعجاز في ذلك واقعاً لكنه بنفس الحروف التي يتكلم بها الناس ومع هذا فقد أعجزهم ، فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة ، قالوا : ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت بهذه الحروف إلا وللقرآن فيها ذكر إلا بعض السور القليلة لم يذكر فيها القرآن لكن ذُكر ما كان من خصائص القرآن :
فمثلاً قوله تعالى : ( كهيعص ) ليس بعدها ذكر للقرآن ولكن جاء في السورة خاصية من خصائص القرآن وهي ذكر قصص من كان قبلنا : ( ذكر رحمت ربك عبده زكريا ) .كذلك في سورة الروم قال تعالى في أولها : ( الم * غلبت الروم ) فهذا الموضع أيضاً ليس فيه ذكر للقرآن ولكن في السورة ذكر شيء من خصائص القرآن وهو الإخبار عن المستقبل : ( غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين ) . وكذلك أيضاً قوله تعالى : ( الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ليس فيها ذكر القرآن ولكن فيها شيء من القصص الذي هو أحد خصائص القرآن : ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا ) .
فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح : أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره ، حيث أن القرآن لم يأت بجديد من الحروف ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء . ص22 ـ 24 . 13 ـ قال الله جل وعلا : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) أشار إليه سبحانه بأداة البعيد ( ذلك ) لعلو منزلته لأنه أشرف كتاب ، وأعظم كتاب ، وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة ، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلو والرفعة ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( ليظهره على الدين كله ) وكذلك ما وُصف به القرآن من الكرم ، والمدح ، والعظمة فهو وصف أيضاً لمن تمسك به . ص 25 ، ص28 . 14 ـ من القواعد الهامة في فهم وتفسير القرآن : أنه يجب علينا إجراء القرآن على ظاهره ، وأن لا نصرفه عن الظاهر إلا بدليل ، مثل قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) فهذه الآية ظاهرها خبر لكن المراد بها الأمر لأنه قد لا تتربص المطلقة فما دمت تريد تفسير القرآن الكريم فيجب عليك أن تجريه على ظاهره إلا ما دل الدليل على خلافه ، وذلك لأن المفسر للقرآن شاهد على الله بأنه أراد كذا وكذا وأنت لو فسرت كلام بشر على خلاف ظاهره للامك هذا المتكلم ، وقال : لماذا تحمل كلامي على خلاف ظاهره ! ليس لك إلا الظاهر ، مع أنك لو فسرت كلام هذا الرجل على خلاف ظاهره لكان أهون لوماً مما لو فسرت كلام الله ، لأن المتكلم غير الله ربما يخفى عليه المعنى ، أو يعييه التعبير ، أو يعبر بشيء ظاهره خلاف ما يريده ، فتفسره أنت على ما تظن أنه يريده ، أما كلام الله عز وجل فهو صادر عن علم ، وبأبلغ كلام ، وأفصحه ، ولا يمكن أن يخفى على الله عز وجل ما يتضمنه كلامه فيجب عليك أن تفسره بظاهره . ص26 ـ 27 .
15 ـ قال تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .من فوائد هذه الآية أن الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة ، ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ ، ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله . ص38 . 16 ـ قال الله تعالى : ( يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) .إن قيل : كيف يكون خداعهم لله وهو يعلم ما في قلوبهم ؟ فالجواب : أنهم أظهروا إسلامهم فكأنما خادعوا الله لأنهم حينئذ تُجرى عليهم أحكام الإسلام ، فيلوذون بحكم الله ـ تبارك وتعالى ـ حيث عصموا دماءهم وأموالهم بذلك . ص45 17 ـ قال تعالى : ( وإذا قيل لهم ءامنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) . من فوائد الآية : أن كل من لم يؤمن فهو سفيه ، كما قال الله تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) . ص51 . 18 ـ قال جل وعلا عن المنافقين : ( وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) .المنافق ذليل لأنه خائن فهم ( إذا لقوا الذين ءامنوا قالوا آمنا ) خوفاً من المؤمنين ، و( إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ) خوفاً منهم ، فهم أذلاء عند هؤلاء ، وهؤلاء ، لأن كون الإنسان يتخذ من دينه تقية فهذا دليل على ذله ، وهذا نوع من النفاق لأنه تستر بما يُظَن أنه خير وهو شر . ص54 ـ 55 .
19 ـ قال تعالى : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ) .قيل : إن في الآية مجازاً من وجهين ، الأول : أن الأصابع ليست كلها تجعل في الأذن والثاني : أنه ليس كل الأصبع يدخل في الأذن .
والتحقيق : أنه ليس في الآية مجاز ، أما الأول : فلأن ( أصابع ) جمع عائد على قوله تعالى : ( يجعلون ) فيكون من باب توزيع الجمع على الجمع ـ أي يجعل كل واحد منهم أصبعه في أذنه ، وأما الثاني : فلأن المخاطب لا يمكن أن يفهم من جعل الأصبع في الأذن أن جميع الأصبع تدخل في الأذن ، وإذا كان لا يمكن ذلك امتنع أن تحمل الحقيقة على إدخال جميع الأصبع ، بل الحقيقة أن ذلك إدخال بعض الأصبع ، وحينئذ لا مجاز في الآية .
على أن القول الراجح أنه لامجاز في القرآن أصلاً لأن معاني الآيات تدرك بالسياق ، وحقيقة الكلام : ما دل عليه السياق وإن استعملت الكلمات في غير أصلها ، وبحث ذلك مذكور في كتب البلاغة ، وأصول الفقة . وأكبر دليل على امتناع المجاز في القرآن : أن من علامات المجاز صحة نفيه ، وتبادر غيره لولا القرينة ، وليس في القرآن ما يصح نفيه وإذا وجدت القرينة صار الكلام بها حقيقة في المراد به . ص65 ـ 66 . 20 ـ قال تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ) . النداء هنا وجه لعموم الناس مع أن السورة مدنية والغالب في السور المدنية أن النداء فيها يكون موجهاً للمؤمنين ، والله أعلم بما أراد في كتابه ، ولو قال قائل : لعل هذه آية مكية جعلت في السورة المدنية ؟
فالجواب : أن الأصل عدم ذلك ـ أي إدخال الآيات المكية في السور المدنية ، أو العكس ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح صريح وعلى هذا فما نراه في عناوين بعض السور أنها مدنية إلا آية كذا ، أو مكية إلا آية كذا غير مسلم حتى يثبت ذلك بدليل صحيح صريح ، وإلا فالأصل أن السورة المدنية جميع آياتها مدنية ، وأن السور المكية جميع آياتها مكية إلا بدليل ثابت . ص72 . 21 ـ قال تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) . من طريق القرآن أنه إذا ذَكر الحكم غالباً ذكر العلة ، الحكم : ( اعبدوا ربكم ) والعلة : كونه رباً خالقاً لنا ، ولمن قبلنا . ص74 . 22. قال تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون * وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ) . قوله تعالى : ( وإن كنتم ) الخطاب لمن جعل لله أنداداً لأنه تعالى قال : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون * وإن كنتم في ريب ) . وفي ذكر هذه الآية المتعلقة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إشارة إلى كلمتي التوحيد ، وهما شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، لكن شهادة أن لا إله إلا الله : توحيد القصد والثاني : توحيد المتابعة فكلاهما توحيد ، لكن الأول توحيد القصد بأن يكون العمل خالصاً لله ، والثاني توحيد المتابعة بأن لا يتابع في عبادته سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا تأملت القرآن وجدت هكذا : يأتي بما يدل على التوحيد ، ثم بما يدل على الرسالة ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ) ثم قال تعالى : ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) وهذا مطرد في القرآن . ص80 ـ 81 . 23 ـ الريب يفسره كثير من الناس بالشك ، ولا شك أنه قريب من معنى الشك ، لكنه يختلف عنه بأن ( الريب ) يُشعر بقلق مع الشك ، وأن الإنسان في قلق عظيم مما وقع فيه الشك ، وذلك لأن ما جاء به الرسول حق والشاك فيه لابد أن يعتريه قلق من أجل أنه شك في أمر لا بد من التصديق به بخلاف الشك في الأمور الهينة ، فلا يقال : ( ريب ) وإنما يقال في الأمور العظيمة التي إذا شك فيها الإنسان وجد في داخل نفسه قلقاً ، واضطراباً . ص81 .
24 ـ هل النار باقية ، أو تفنى ؟
ذكر بعض العلماء إجماع السلف على أنها تبقى ، ولا تفنى وذكر بعضهم خلافاً عن بعض السلف أنها تفنى ، والصواب أنها تبقى أبد الآبدين ، والدليل على هذا من كتاب الله في ثلاث آيات من القرآن : في سورة النساء ، وسورة الأحزاب وسورة الجن ، فأما الآية التي في النساء فهي قوله تعالى : ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا ) ، والتي في سورة الأحزاب قوله تعالى : ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا ) ، والتي في سورة الجن قوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) ، وليس بعد كلام الله كلام ، حتى أني أذكر تعليقاً لشيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله على ( كتاب شفاء العليل) لابن القيم ، ذكر أن هذا من باب : ( لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ) وهو صحيح ، كيف أن المؤلف يستدل بهذه الأدلة على القول بفناء النار ، مع أن الأمر فيها واضح ؟ !
غريب على ابن القيم رحمه الله أن يسوق الأدلة بهذه القوة للقول بأن النار تفنى ! وعلى كل حال ، كما قال شيخنا في هذه المسألة : ( لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ) والصواب الذي لا شك فيه ـ وهو عندي مقطوع به ـ أن النار باقية أبد الآبدين لأنه إذا كان يخلد فيها تخليداً أبدياً لزم أن تكون هي مؤبدة لأن ساكن الدار إذا كان سكونه أبدياً لا بد أن تكون الدار أيضاً أبدية .
و أما قوله تعالى في أصحاب النار : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ماشاء ربك ) فهي كقوله تعالى في أصحاب الجنة : ( خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) لكن لما كان أهل الجنة نعيمهم ، وثوابهم فضلاً ومنة ، بين أن هذا الفضل غير منقطع ، فقال تعالى : ( عطاء غير مجذوذ ) ولما كان عذاب أهل النار من باب العدل ، والسلطان المطلق للرب عز وجل قال تعالى في آخر الآية : ( إن ربك فعال لما يريد ) وليس المعنى : ( إن ربك فعال لما يريد ) أنه سوف يخرجه من النار ، أو سوف يُفني النار . ص86 ـ 87 . 25 ـ إذا قال قائل : ما وجه الإعجاز في القرآن ؟ وكيف أعجز البشر ؟ الجواب : أنه معجز بجميع وجوه الإعجاز لأنه كلام الله ، وفيه من وجوه الإعجاز ما لا يدرك فمن ذلك : أولاً : قوة الأسلوب وجماله ، والبلاغة والفصاحة وعدم الملل في قراءته ، فالإنسان يقرأ القرآن صباحاً ، ومساءً ـ وربما يختمه في اليومين ، والثلاثة ـ ولا يمله إطلاقاً ، لكن لو كرر متناً من المتون كما يكرر القرآن مل . ثانياً : أنه معجز بحيث أن الإنسان كلما قرأه بتدبر ظهر له بالقراءة الثانية ما لم يظهر له بالقراءة الأولى . ثالثاً : صدق أخباره بحيث يشهد له الواقع وكمال أحكامه التي تتضمن مصالح الدنيا ، والآخرة لقوله تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ) . رابعاً : تأثيره على القلوب ، والمناهج ، وآثاره حيث ملك به السلف الصالح مشارق الأرض ، ومغاربها . ص88 . 26 ـ حكى الله عز وجل عن الأنبياء والرسل ، ومن عاندهم أقوالاً ، وهذه الحكاية تحكي قول من حُكيت عنه فهل يكون قول هؤلاء معجزاً ـ يعني مثلاً : فرعون قال لموسى : ( لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين ) : هذا يحيكه الله عزوجل عن فرعون فيكون القول قول فرعون ، فكيف كان قول فرعون معجزاً والإعجاز إنما هو قول الله عزوجل ؟ فالجواب : أن الله تعالى لم يحك كلامهم بلفظه بل معناه ، فصار المقروء في القرآن كلام الله عز وجل وهو معجز .ص 89 . 27 ـ البشارة هي الإخبار بما يسر ، وسميت بذلك لتغير بشرة المخاطب بالسرور ، لأن الإنسان إذا اُخبر بما يسره استنار وجهه ، وطابت نفسه ، وانشرح صدره ، وقد تستعمل ( البشارة ) في الإخبار بما يسوء ، كقوله تعالى : ( فبشرهم بعذاب أليم ) : إما تهكماً بهم ، وإما لأنهم يحصل لهم من الإخبار بهذا ما تتغير به بشرتهم ، وتسود به وجوههم . 89 ـ 90 .
28 ـ قال تعالى : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) .من فوائد الآية مشروعية تبشير الإنسان بما يسر ، لقوله تعالى : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، وقوله تعالى : ( وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين ) ، وقوله تعالى : ( فبشرناه بغلام حليم ) ، فالبشارة بما يسر الإنسان من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام . وهل من ذلك أن تبشره بمواسم العبادة ، كما لو أدرك رمضان ، فقلت : هنّاك الله بهذا الشهر ؟ الجواب : نعم ، وكذلك لو أتم الصوم ، فقلت : هنأك الله بهذا العيد ، وتقبل منك عبادتك وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به ، وقد كان من عادة السلف . ص93 . 29 ـ قال تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ) .الموت يطلق على ما لا روح فيه وإن لم تسبقه حياة ، يعني : لا يشترط للوصف بالموت تقدم الحياة لقوله تعالى : ( كنتم أمواتاً فأحياكم ) ، أما ظن بعض الناس أنه لا يقال : ( ميت ) إلا لمن سبقت حياته فهذا ليس بصحيح ، بل إن الله تعالى أطلق وصف الموت على الجمادات ، قال تعالى في الأصنام : ( أموات غير أحياء ) . ص106 . 30 ـ قال الله جل وعلا عن الملائكة : ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) . وصف الإنسان نفسه بما فيه من الخير لا بأس به إذا كان المقصود مجرد الخبر دون الفخر ، لقولهم : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) . ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ، وأما إذا كان المقصود الفخر ، وتزكية النفس بهذا فلا يجوز لقوله تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) . ص117 ـ 118 . 31 ـ قال تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ) .هل هذه الأسماء أسماء لمسميات حاضرة أو لكل الأسماء ؟ للعلماء في ذلك قولان ، و الأظهر أنها أسماء لمسميات حاضرة بدليل قوله تعالى : ( ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ) وهذه الأسماء ـ والله أعلم ـ ما يحتاج إليها آدم ، وبنوه في ذلك الوقت . ص119 . 32 ـ قال تعالى : ( فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) . زعم بعض العلماء أن المراد : كان من الكافرين في علم الله بناءً على أن ( كان ) فعل ماضٍ والمضي يدل على شيء سابق ، لكن هناك تخريجاً أحسن من هذا : أن نقول : إن ( كان ) تأتي أحياناً مسلوبة الزمان ، ويراد بها تحقق اتصاف الموصوف بهذه الصفة ومن ذلك قوله تعالى : ( وكان الله غفوراً رحيماً ) ، وقوله تعالى : ( وكان الله سميعاً بصيراً ) وما أشبهها هذه ليس المعنى أنه كان فيما مضى بل لا يزال فتكون ( كان ) هنا مسلوبة الزمان ، ويراد بها تحقيق اتصاف الموصوف بما دلت عليه الجملة ، وهذا هو الأقرب ، وليس فيه تأويل ويُجرى الكلام على ظاهره . ص125 ـ 126 . 33 ـ قال تعالى : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) . هل المراد بـ ( الجنة ) جنة الخلد ، أم هي جنة سوى جنة الخلد ؟ظاهر الكتاب ، والسنة أنها جنة الخلد ، وليست سواها لأن ( أل ) هنا للعهد الذهني . فإن قيل : كيف يكون القول الراجح أنها جنة الخلد مع أن من دخلها لا يخرج منها وهذه أُخرج منها آدم ؟ فالجواب : أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها بعد البعث ، وفي هذا يقول ابن القيم في الميمية المشهورة :
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
قال : ( منازلك الأولى ) لأن أبانا آدم نزلها . ص128 . 34ـ قال تعالى مخاطباً آدم وحواء : ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) . قد يُنهى عن قربان الشيء والمراد النهي عن فعله للمبالغة في التحذير منه ، فإن قوله تعالى : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) المراد : لا تأكلا منها ، لكن لما كان القرب منها قد يؤدي إلى الأكل نُهي عن قربها . ص131 .
34 ـ قال تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) .
اختلف العلماء متى كان هذا على قولين : القول الأول : أن موسى صلى الله عليه وسلم اختار من قومه سبعين رجلاً لميقات الله ، وذهب بهم ، ولما صار يكلم الله ، ويكلمه الله قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) فعلى هذا القول يكون صعقهم حينما كان موسى خارجاً لميقات الله . القول الثاني : أنه لما رجع موسى من ميقات الله ، وأنزل الله عليه التوراة ، وجاء بها قالوا : ليست من الله ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) . والسياق يؤيد الثاني لأنه تعالى قال : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) ثم ذكر قصة العجل ، وهذه كانت بعد مجيء موسى بالتوراة ثم بعد ذلك ذكر : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) .
وأما قوله تعالى : ( فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ) . فقد أيد بعضهم القول الأول بهذه الآية ولكن الحقيقة ليس فيه تأييد لهم لأنه تعالى قال : ( فلما أخذتهم الرجفة ) رُجِفَ بهم والأخرى أخذتهم الصاعقة صعقوا وماتوا .
فالظاهر لي أن القول الأول لا يترجح بهذه الآية لاختلاف العقوبتين ، هذه الآية كانت العقوبة بالصاعقة وتلك كانت بالرجفة والله أعلم . ص191 ـ 192 . 35 ـ قال تعالى في شأن بني إسرائيل : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا ) .
إن قال قائل : أليس حِل الغنائم من خصائص هذه الأمة ، أي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب : بلى ، والإذن لبني إسرائيل أن يأكلوا من القرية التي دخلوها ليس على سبيل التمليك بل هو على سبيل الإباحة ، وأما حل الغنائم لهذه الأمة فهو على سبيل التمليك . ص203 . 36 ـ قال تعالى : ( وإذا قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم ) .
( مصراً ) ليست البلد المعروف الآن ، ولكن المقصود أي مصر كانت ولهذا نُكرت ، ومصر البلد لا تنكر ، ولا تنصرف واقرأ قوله تعالى : ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً ) فالمعنى : اهبطوا أي مصر من الأمصار تجدون ما سألتم . ص212 . 37 ـ قال تعالى : ( إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
الأقرب في الصابئين إنهم من لا دين لهم : من كانوا على الفطرة ولا يتدينون بدين . ص222 . 38 ـ قال الله جل وعلا عن قوم موسى : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة ) .
ففي تلك الساعة هرعوا إلى السجود وسجدوا ، ولكنهم مالوا في سجودهم ينظرون إلى الجبل خائفين منه ، ولهذا يقال : إن سجود اليهود إلى الآن سجود مائل كأنما ينظرون إلى شيء فوقهم وقالوا : إن هذا السجود سجدناه لله سبحانه وتعالى لإزالة الشدة فلا نزال نسجد به ، فهذا سجودهم إلى اليوم . ص226 . 39 ـ قال تعالى : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) .
في هذه الآية بيان حكمة الله في مناسبة العقوبة للذنب ، لأن عقوبة هؤلاء المتحيلين أنهم مسخوا قردة خاسئين ، والذنب الذي فعلوه أنهم فعلوا شيئاً صورته صورة المباح ولكن حقيقته غير مباح ، فصورة القرد شبيهة بالآدمي ، ولكنه ليس بآدمي ، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل ، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : ( فكلاً أخذنا بذنبه ) . ص231 .
40 ـ قال تعالى : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) .
من فوائد الآية : ذم من لا يعتني بمعرفة معاني كتاب الله عز وجل ، فمن لا يفهم المعنى فإنه لا يتكلم إلا بالظن لقوله تعالى : ( وإن هم إلا يظنون ) . ص256 . 41 ـ كفر بني إسرائيل بالنبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بغي وحسد لقوله تعالى : ( بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ، فمن رد الحق من هذه الأمة لأن فلاناً الذي يرى أنه أقل منه هو الذي جاء به فقد شابه اليهود . ص294 . 42 ـ ينبغي على من آتاه الله من فضله من العلم وغيره ، أن يكون أعبد لله من غيره لأن الله تعالى أعطاه من فضله فكان حقه عليه أعظم من حقه على غيره ، فكلما عظم الإحسان من الله عزوجل استوجب الشكر أكثر ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل حتى تتورم قدماه فقيل له في ذلك فقال : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) . ص295 . 43 ـ قال تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) .
ظاهر الآية الكريمة أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم بأنه إن كانت الدار الآخرة لهم كما يزعمون فليتمنوا الموت ليصلوا إليها ، وهذا لاشك هو ظاهر الآية الكريمة وهو الذي رجحه ابن جرير ، وكثير من المفسرين .
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى : ( فتمنوا الموت ) أي فباهلونا ، وتمنوا الموت لمن هو كاذب منا فتكون هذه مثل قوله تعالى في سورة آل عمران : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فيكون هذا المعنى :
تمنوا الموت عن طريق المباهلة ، ورجح هذا ابن كثير وضعف الأول بأنه لو كان المراد : تمنوا حصول الموت لكانوا يحتجون أيضاً علينا نحن ، ويقولون : أنتم أيضاً إن كنتم تقولون : إن الدار الآخرة لكم فتمنوا الموت لأن تحديكم إيانا بذلك ليس بأولى من تحدينا إياكم به ، لأنكم أنتم أيضاً تقولون : إن الدار الآخرة لكم ، وأن اليهود بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في النار ، فتمنوا الموت أيضاً .
والجواب عن ذلك :
أنا لم ندع أن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس بل نؤمن بأن الدار الآخرة لكل من آمن وعمل صالحاً سواء كان من هذه الأمة أم من غيرها ، وهذا المعنى الذي نحا إليه ابن كثير ـ رحمه الله ـ مخالف لظاهر السياق فلا يعول عليه وقد عرفت الانفكاك منه . ص308 . 44 ـ قال الله جل وعلا عن اليهود : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) .
نكر الله جل وعلا ( حياة ) ليفيد أنهم حريصون على أي حياة كانت وإن قلت حتى لو لم يأتهم إلا لحظة فهم أحرص الناس عليها . ص309 . 45 ـ من غور فهم السلف كراهتهم أن يدعى للإنسان بالبقاء ، فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان : ( أطال الله بقاءك ) لأن طول البقاء قد ينفع ، وقد يضر إذاً الطريق السليم أن تقول : ( أطال الله بقاءك على طاعة الله ) أو نحو ذلك . ص312 . 46 ـ قال تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) .
لا يعارض هذه الآية قوله تعالى : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ) .
لأن هذه الآية في صنف معين من النصارى وهم الذين منهم القسيسون والرهبان الذين من صفاتهم أنهم لا يستكبرون ، فإذا وجد هذا الصنف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده انطبقت عليه الآية ، لكن اختلف حال النصارى منذ زمن بعيد نسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم ، حتى يعرفوا حقيقة عداوة النصارى ، وغيرهم من أهل الكفر فيعدوا لهم العدة . ص344 ـ 345 . 47 ـ قال جل وعلا : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) .
وجه الخيرية كما يقول العلماء أن النسخ إن كان إلى أشد فالخيرية بكثرة الثواب وإن كان إلى أخف فالخيرية بالتسهيل على العباد مع تمام الأجر ، وإن كان بالمماثل فالخيرية باستسلام العبد لأحكام الله عزوجل وتمام انقياده لها كما قال تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) . ص346 ـ 347 . 48 ـ قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
إن إخلاص النية وحده لا يكفي في تبرير التعبد لله لقوله تعالى : ( وهو محسن ) وعلى هذا فمن قال : إنه يحب الله ، ويخلص له وهو منحرف في عبادته فإنه لا يدخل في هذه الآية لاختلال شرط الإحسان .
ويتفرع على هذه الفائدة أن أهل البدع لا ثواب لهم على بدعهم ـ ولو مع حسن النية ـ لعدم الإحسان الذي هو المتابعة ، والأجر مشروط بأمرين : الأول : إسلام الوجه لله والثاني : الإحسان . ص370 . 49 ـ النص من الكتاب والسنة إذا كان يحتمل معنيين لا منافاة بينهما ، ولا يترجح أحدهما على الآخر فإنه يحمل على المعنيين جميعاً ، لأنه أعم في المعنى ، وهذا من سعة كلام الله عزوجل ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وشمول معناهما ، وهذه قاعدة مهمة ينبغي أن يحتفظ بها الإنسان . ص373 . 50 ـ حكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام : شرعي : مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة :( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ) . كوني : مثل قوله تعالى عن أخي يوسف : ( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ) . جزائي : مثل قوله تعالى : ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة ) . والحكم الجزائي هو ثمرة الحكم الشرعي لأنه مبني عليه : إن خيراً فخير وإن شراً فشر . ص375 . 51 ـ الحكم يوم القيامة بين الناس إما بالعدل أو بالفضل ، ولا يمكن أن يكون بالظلم لقوله تعالى : ( وما ربك بظلام للعبيد ) وقوله تعالى : ( ولا يظلم ربك أحداً ) هذا بالنسبة لحقوق الله أما بالنسبة لحقوق الخلق فيما بينهم فيقضى بينهم بالعدل .
فإذا قال قائل : إذا كان الله تعالى يجزي المؤمنين بالفضل ، فما الجواب عن قوله تعالى : ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) ؟
فالجواب : أن هذا هو الذي أوجبه الله على نفسه والفضل زيادة والمقام مقام تحذير . ص376 .
هذا ما من الله تعالى به من فوائد من المجلد الأول ويليه بإذن الله فوائد من المجلد الثاني .
1 ـ المضاف إلى الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
إما أن يكون أوصافاً أو أعياناً أو ما يتعلق بأعيان مخلوقة ، فإذا كان المضاف إلى الله وصفاً فهو من صفاته غير مخلوق ، مثل كلام الله ، وعلم الله ، وإذا كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها فهو مخلوق وليس من صفاته ، مثل مساجد الله ، وناقة الله ، وبيت الله ، فهذه أعيان قائمة بنفسها إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه على وجه التشريف ، ولا شيء من المخلوقات يضاف إلى الله عز وجل إلا لسبب خاص به ولولا هذا السبب ما خص بالإضافة ، وإذا كان المضاف إلى الله ما يتعلق بأعيان مخلوقة فهو أيضاً مخلوق ، وهذا مثل قوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) فإن الروح هنا مخلوقة لأنها تتعلق بعين مخلوقة . ص9 2 ـ قال تعالى : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) .
الإنسان المصاب إذا رأى أن غيره أُصيب يتسلى بذلك ، وتخف عليه المصيبة ، كما قال تعالى : ( ولن ينفعكم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) فالله تعالى يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا القول الذي قيل له قد قيل لمن قبله . ص25 . 3 ـ الشفاعة هي التوسط للغير بدفع مضرة ، أو جلب منفعة سميت بذلك لأن الشافع إذا انضم إلى المشفوع له صار شفعاً بعد أن كان وتراً . ص38 . 4 ـ قال تعالى : ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )
قوله تعالى : ( بكلمات ) أصح الأقوال فيها أن كل ما أمره به شرعاً ، أو قضاه عليه قدراً فهو كلمات ، فمن ذلك أنه ابتلي بالأمر بذبح ابنه فامتثل ، لكن الله سبحانه وتعالى رفع ذلك عنه حين استسلم لربه وهذا من الكلمات الشرعية وهذا امتحان من أعظم الامتحانات ، ومن ذلك أن الله امتحنه بأن أوقدت له النار وأُلقي فيها وهذا من الكلمات الكونية وصبر واحتسب فأنجاه الله منها ، وقال تعالى : ( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) وكل ما قدره الله عليه مما يحتاج إلى صبر ومصابرة ، أو أمره به فهو داخل في قوله تعالى : ( بكلمات ) . ص41 . 5 ـ اختلف المؤرخون : هل كان الحجر الذي كان يرفع عليه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة لاصقاً بالكعبة ، أو كان منفصلاً عنها في مكانه الآن ؟
أكثر المؤرخين على أنه كان ملصقاً بالكعبة ، وأن الذي أخره إلى هذا الموضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبناءً على ذلك يكون للخليفة حق النظر في إزاحته عن مكانه إذا رأى في ذلك المصلحة .
أما إذا قلنا : إن هذا مكانه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه لا يجوز أن يغير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره ، وإذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم فليس لنا أن نؤخره عنه .
وقد كتب أحد طلبة العلم رسالة في هذا الموضوع ، وقرظها الشيخ عبدالعزيز بن باز ورأى أنه يجوز إزاحته عن مكانه من أجل المصلحة والتوسعة بناءً على المشهور عند المؤرخين أنه كان لاصقاً بالكعبة ، ثم أُخر وهذا لا شك أنه لو أُخر عن مكانه فيه دفع مفسدة ، وهي مفسدة هؤلاء الذين يتجمعون عنده في المواسم وفيه نوع مفسدة وهي أن يبعد عن الطائفين في غير أيام المواسم ، فهذه المصالح متعارضة هنا :
هل الأولى بقاؤه في مكانه ؟ أو الأولى تأخيره عن مكانه ؟ فإذا كانت المصالح متكافئة فالأولى أن يبقى ما كان على ما كان ، وحذراً من التشويش واختلاف الآراء في هذه المسألة ، ومسألة تضييق المصلين على الطائفين هذا يمكن زواله بالتوعية إذا أفادت أو بالمنع بالقهر إذا لم تفد ، وفي ظني أنها قلّت في السنوات الأخيرة بعض الشيء لأن الناس صار عندهم وعي . ص50 ـ 51 .
6 ـ الشقاق بمعنى الخلاف وهو في كل معانيه يدور على هذا حتى في قوله تعالى : ( وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) فبعضهم قال : ( الشقاق ) هنا بمعنى الضلال ولكن الصحيح أن معناه : الخلاف فكلما جاءت في القرآن فمآلها إلى الخلاف ولكنها أشد ، حيث تفيد الاختلاف مع طلب المشقة على الخصم ، ويدل لهذا أن أصل معنى الشقاق أن يكون أحد الطرفين في شق ، والثاني في شق آخر ، وبهذا يكون الخلاف . ص93 . 7 ـ قال تعالى : ( فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) .
قد يقول قائل : يبدو لنا أن المناسب أن يقول :( وهو القوي العزيز ) لأنه قال : ( فسيكفيكهم الله ) فما هو الجواب عن ختمها بالسمع والعلم ؟
الظاهر لي والله أعلم أنه لما كان تدبير الكيد للرسول صلى الله عليه وسلم من هؤلاء قد يكون بالأقوال وقد يكون بالأفعال والتدبير أمر خفي ليس هو حرباً يعلن حتى نقول : ينبغي أن يقابل بقوة ، وعزة قال تعالى : ( وهو السميع العليم ) أي حتى الأمور التي لا يُدرى عنها ولا يبرزونها ولا يظهرون الحرابة للرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله سميع عليم بها ، هذا ما ظهر لي والله أعلم . ص93 ـ 94 . 8 ـ قال تعالى : ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب ) .
العدو يحتج على عدوه بما يثير نعرته ويلزمه ، لقوله تعالى : ( عن قبلتهم ) لم يقولوا : عن القبلة كأنهم يقولون : كنتم تتولون ذلك فما الذي صرفكم عنه ؟ ! وهكذا قد يثير شعور الإنسان حتى يبقى على ما هو عليه ، وكأنهم قالوا : بالأمس تختارونها ، واليوم تنكرونها ، وتنبذونها ، فالخصم دائماً يُهيج خصمه بما يثير نعرته ليوافقه فيما ذهب إليه . ص107 . 9 ـ بعض الذين أسلموا ارتدوا حينما تحولت القبلة إلى الكعبة وقالوا : ( إن محمداً ليس على يقين من أمره ، بالأمس له قبلة واليوم له قبلة ) ، وما علموا أن ذلك مما يؤيد رسالته ، لأن الإنسان الكذاب يحرص على أن لا يتراجع لأن التراجع وصمة فيه ، لكن الإنسان الصدوق لا يهتم أن يقول ما أوحي إليه ، سواء وافق ما كان عليه أولاً ، أو خالف . ص119 . 10 ـ قال تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) .
التقدم حقيقة إنما يكون بالإسلام وأن الرجعية حقيقة إنما تكون بمخالفة الإسلام ، لقوله تعالى : ( ممن ينقلب على عقبيه ) فإن هذا حقيقة الرجوع على غير هدى ، لأن الذي ينقلب على عقبيه لا يبصر ما وراءه ، فمن قال للمتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله رجعيون قلنا له : بل أنت الرجعي حقيقة لأن الله سمى مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم انقلاباً على العقب ولا أبلغ من هذا الرجوع أن الإنسان يرجع على عقبيه رجوعاً أعمى والعياذ بالله لا يدري ما وراءه . ص119 . 11 ـ تأمل الفضل والكرم من الله جل وعلا : هو الذي منّ علينا بالهداية ثم يقول في سورة الرحمن : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، فكأننا نحن الذين أحسنا ، فأحسن إلينا بالجزاء مع أن له الإحسان أولا ً وآخراً . ص120 ـ 121 .
أما الفائدة رقم 15 من تفسير آل عمران فلكأني أسمعها الآن في ذلك الدرس ..
فيا لتلك المجالس القرآنية العامرة، ورحمات الله المتتابعة على شيخنا ، وجزى الله أخانا الشيخ فهد على هذه الاختيارات المسددة ..