فوائد من تعليق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على صحيح مسلم

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع ضيف
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
ض

ضيف

Guest
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فاستكمالاً لما تم الشروع فيه من استخراج فوائد من كتب العلامة الشيخ محمد بن عثيمين عليه رحمات رب العالمين وكانت البداية بكتاب رياض الصالحين ثم بكتاب الأربعين النووية ، وهذا هو الكتاب الثالث وهو تعليق للشيخ على صحيح مسلم .

التعليق على صحيح مسلم تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته ، لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ، اعتناء الشيخ الدكتور عمر المقبل ، الطبعة الأولى 1427هـ ، مكتبة الرشد .

فوائد من المجلد الأول :

1 ـ قال ابن سيرين : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم . فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ) .

هذه المسألة في الرواية عن أهل البدع ، وهي تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : أن تكون البدعة مكفرة ، فهذا لا يروى عنه ، ولا يقبل خبره .

القسم الثاني : أن تكون البدعة مفسقة ، أي لا تصل إلى حد الكفر ، فهذا قد اختلف فيه العلماء : فمنهم من رد روايته مطلقاً ، ومنهم من قال بالتفصيل :

إن روى ما يقوي بدعته فإنه لا يقبل لأنه متهم ، وإن روى ما لا يقوي بدعته فإنه يقبل ، ولا سيما أهل التأويل الذين يتأولون ما مشوا عليه من البدع وليسوا يشاقون الله ورسوله .

فإن قال قائل : إن البخاري ومسلماً أخرجا لبعض من عرفوا بالبدع ، فما الجواب عن هذا ؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ في الجواب عن ذلك ـ : إنهم قد توثقوا لما نقل من أجل شواهد علموها ، أو يسوقونها في نفس الباب .

وينبغي التنبه هنا إلى أن البدعة قد تكون مكفرة ، وينسب إليها بعض الرواة ، لكن تكفير الراوي بعينه يحتاج إلى تثبت . ص 38 ـ 39 .

2 ـ هنا مسألة لها صلة بموضوع الأخذ عن أهل البدع يسأل عنها بعض الطلبة ، وهي أخذ العلم عن عالم معروف ببدعة من البدع ، لكنه متقن لفن من الفنون كالنحو أو الفرائض ، فما الحكم ؟

الجواب : أن الأخذ عن هؤلاء وأمثالهم يخشى منه أمران :

الأول : أن هؤلاء المبتدعة عندهم ذكاء وفطنة ، وغالبهم عندهم بيان ، فيخشى أن يستجروا هؤلاء إلى بدعتهم ، ولو على الأقل بالأمثلة إذا كانوا يدرسون في النحو مثلاً .

الثاني : أنه إذا تردد إليهم الإنسان الموثوق اغتر الناس بذلك فظنوا أنهم على حق .

فلهذا يجب الحذر بقدر الإمكان ، والعلم الذي عندهم ـ بحمد الله ـ قد يكون عند غيرهم من أهل السنة . ص39 ـ 40 .

3 ـ قال محمد : سمعت علي بن شقيق يقول : ( سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس : دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف ) .


إن قال قائل : هل من سب السلف يكفر ؟

فالجواب :

إن هذا يختلف بحسب الحال ، فمن سب شخصاً واحداً ممن لم تتفق الأمة على الثناء عليه ، فليس هذا بالمكفر قطعاً ، وأما إذ سب الجميع ، كأن يقول : كل الصحابة غير عدول ، ولا يوثق بهم ، فهذا كفر لأن هذا يؤدي إلى رد الشريعة كلها . ص 43 .

4 ـ ( حدثني محمد بن أبي عتاب قال : حدثني عفان عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال : لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث .

قال ابن أبي عتاب فلقيت ـ أنا ـ محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، فسألته عنه فقال : ـ عن أبيه ـ لم تر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث ) .

هذا فيه مبالغة عظيمة ، والمراد كما سيأتي في كلام المصنف ـ أنهم ـ أي الصالحين ، وهم : العباد تغلب عليهم الغفلة ، وسلامة القلب ، والثقة بالناس ، فيروون عمن ليس أهلاً للرواية .

ثم إن الصالحين ـ أيضاً ـ إذا جاء في باب الترغيب والترغيب ـ لحبهم للخير ـ لا يحترزون كثيراً ، وفي باب الترهيب كذلك لا يحترزون كثيراً ، فلذلك كَثُر فيهم الضعف ، أما كونهم أكذب الناس في الحديث ـ كما قال يحيى القطان ـ فهذا فيه مبالغة ، وتوجيهه بما ذكرنا . ص 47 .

قلت : ( ورد في المطبوع عبارة :( إذا جاء في باب الترغيب والترغيب ) ولعل هذا سبق قلم والصواب في باب الترغيب والترهيب ، والله أعلم ) .

بقية الفوائد تأتي تباعاً بإذن الله .
 
5 ـ الصواب أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يصل على قتلى أحد ، وإنما دفنهم في ثيابهم ، ولم يغسلوا ، ولم يصل عليهم ، ولكنه في آخر حياته خرج فصلى عليهم ، وليست صلاة الجنازة لأن صلاة الجنازة إنما تكون في حينها قبل الدفن ، بل المعنى : دعا دعاء ًمطلقاً ، وليس صلاة جنازة ، هذا هو الصحيح في هذه المسألة . ص 58 .

6 ـ رأيت في كتاب إعلام الموقعين لابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية رحمه الله أنه أشكل عليه الحكم في الجنائز تقدم ليصلى عليها ، فيشك الإنسان أمسلمٌ هذا الميت أم كافر مع أشياء أخرى .

قال ابن تيمية رحمه الله : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فاستفتيته في ذلك ماذا نصنع في أمر الجنائز ؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن تيمية في المنام قال : عليك بالشرط يا أحمد .

وهذه لا شك كرامة ، أن ييسر الله لشيخ الإسلام ابن تيمية منبت العلم ليغترف منه ، ثم كرامة أخرى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن هذا الرجل من أمته أحمد ، وهذه لا شك أنها كرامة يشهد بها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

فإن قال قائل : فهل أنتم تعملون بالمنامات في مثل هذا ؟

فالجواب : إن كان له أصل في الشرع ، وهذا فرع منه ، أو كان له أصل في الشرع ، وهذا مقيس عليه ، يعني : بأن يكون في الأول عمومات ، ويأتي هذا على التفصيل ، وفي الثاني قياس ، فإننا نعمل به ، أما إذا لم يكن له أصل فإننا لا نعمل بالمنامات .

وهذا القول وسط بين الفريقين الذين يعملون بكل منام ، وبين من ينكرون هذا مطلقاً .

فإن من الناس ـ الذين يقبلون كل منام ـ من يدعي ـ عياذاً بالله ـ أنه رأى الله ، وأنه حدثه ، وأملى عليه شرعه .

وفي مقابل هؤلاء : الذين ينكرون المنامات مطلقاً ، يقول قائلهم : إن الأموات لا يمكن أن يحسوا بشيء من أحوال الأحياء أبداً .

وعادة يكون القول الوسط هو الخيار المقبول .

وفيما يتعلق بما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه ابن تيمية في المنام له أصل شرعي .

ففي الأحكام قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لضباعة بنت الزبير رضي الله عنها وقد اشتكت إليه ، وهي تريد الحج قال :

( حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ، فإن لك على ربك ما استثنيتي )

يعني قولي : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني هذا في الأحكام .

أما في الدعاء : ففي آية الملاعنة ( والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ) واللعن دعاء ، وتقول هي : ( والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) . وبناء على الشاهد الشرعي لهذه الرؤية حكمنا بصحتها .

وعلى هذا فإذا قُدم لنا ميت ، وكان مشهوراً بالتهاون بالصلاة فإننا لا نجزم بالدعاء له بل نقول : اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له .

وإن قدم لنا من نعلم أنه لا يصلي ، وأنه لم يتب ، فإنه يحرم علينا أن نصلي عليه ، ويجب علينا أن ننصرف ، إلا أن يشهد شاهدان على إسلامه ورجوعه إلى الإسلام بالصلاة .

فالحاصل :

أن الرؤيا المنامية إن شهد لها شاهد في الشرع فهي مقبولة ، وإن لم يشهد لها شاهد ، فإنها لا تقبل إذا كان في ذلك تغيير لشرع الله . ص 61 ـ 65 .
 
جزاك الله خيرا أخي الفاضل فهد على هذا الانتقاء المتميز والجهد المبارك .. وفقك الله وأعانك وكتب لك الأجر والمثوبة .. آمـــين ,,,,
 
وفقك الله أخي الكريم عبدالرحمن وزادك من فضله وجعلك مباركاً أينما كنت .
 
7 ـ يجوز حلف المفتي إذا دعت الحاجة إليه ، أو كان في ذلك مصلحة ، وهذا مما جاء في القرآن والسنة ، فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يحلف في ثلاثة مواضع من القرآن :

الموضع الأول : قوله تعالى : ( ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق ) .

الموضع الثاني : قوله تعالى : ( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) .

الموضع الثالث : قوله تعالى : ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ) .

وأقسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عدة أحاديث ، فإذا دعت الحاجة أو كانت المصلحة في اليمين فلا بأس أن يحلف الإنسان ، وأما إذا لم يكن هناك مصلحة ، ولا حاجة فالأفضل كف الإنسان عن اليمين . ص 93 .

8 ـ إذا ذكر الإسلام والإيمان جميعاً فيكون الإسلام هو العلانية ، والإيمان هو السر ( مافي القلب ) هذا إذا ذكرا جميعاً ، أما إذا أفرد أحدهما صار متضمناَ للآخر كقوله تعالى : ( ورضيت لكم الإسلام ديناً ) . يشمل الإيمان كما يشمل الإسلام .

ويبقى عندنا إشكال ، وهو قوله تعالى : ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) . فجل المسلمين بدل المؤمنين ، والجواب عن ذلك أن يقال : إن الله تعالى قال : ( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) لأن امرأة لوط كان ظاهرها الإسلام ، فهي مسلمة ظاهراً ، فالبيت ليس فيه إلا مسلمون ، لكن الذي نجاهم هم المؤمنون ، وتخلفت المرأة لأنها مسلمة ، وليست مؤمنة . ص97 .

9 ـ ينبغي التنبه إلى أنه بالنسبة لتعليم العامة باب القضاء والقدر ، فإنه يكتفى بأن يقال لهم : تؤمن بالقدر خيره وشره ، تقول : المطر من الله ، والجدب من الله ، والثمار الطيبة من الله ، وهكذا ، يعني : تذكر له عموميات لأن العامي لا يدرك التفصيل ولأنه ربما إذا دخل في التفصيل ، دخل في بحر يغرقه ، فيولد عليه الشيطان شكوكاً ووساوس يعجز عنها . ص 102 ـ 103 .
 
10 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بني الإسلام على خمسة : على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والحج ) فقال رجل : الحج ، وصيام رمضان ؟ قال : لا . صيام رمضان والحج . هكذا سمعته من رسول الله .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إني سمعت رسول الله يقول : ( إن الإسلام بني على خمس شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وحج البيت ) .


ورد في بعض الروايات تقديم الحج على الصوم ، وهذا يعتبر شاذاً ، ووجه شذوذه أنه مخالف لأكثر الروايات ، ومخالف أيضاً لتصريح ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول هذا الحديث مرتباً ، وأنكر على الرجل الذي قدم الحج على الصوم . ص130 ـ 131 .

11 ـ تعلم زيد بن ثابت رضي الله عنه لغة اليهود في ستة عشر يوماً لأنه كان شاباً ، فطناً ، لقناً ، ولكن يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : إنما تعلمها في هذه المدة اليسيرة لأن اللغة العبرية قريبة من اللغة العربية . ص139 .


12 ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : أن وفد عبد القيس لما أتوا نبي الله قالوا : يا نبي الله جعلنا الله فداءك . ماذا يصلح لنا من الأشربة ؟ فقال : ( لاتشربوا في النقير ) قالوا : يانبي الله جعلنا الله فداءك . أو تدري ما النقير ؟ قال : ( نعم . الجذع يُنقر وسطه ، ولا في الدباء ، ولا في الحنتمة ، وعليكم بالموكى ) .

يجوز قول الإنسان لغيره : جعلني الله فداك ، وهذا بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام جائز ، وأقره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبالنسبة لغيره ، قيل : يجوز للوالدين فقط لأن لهما من البر ما يجعل هذا اللفظ صالحاً لهما ، وقيل : يجوز في كل من يكون بقاؤه أنفع للمسلمين من هذا الذي قال : جعلني الله فداك ، فإنه لا بأس أن يقول : جعلني الله فداك ، أما من كان مثله أو دونه ، فلا ينبغي . ص142 ـ 143 .

13 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن معاذاً قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) .

لا يجوز أن تنقل الزكاة إلى غير فقراء البلد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ) ، ومعلوم أن هذا لا إشكال فيه فيما إذا تساوى أهل البلد ، ومن كان بعيداً منه في الحاجة ، وفي الأجر والثواب ، وأما إذا تميز غيرهم بميزة كشدة الحاجة ، أو كونهم أقارب ، أو ما أشبه ذلك ، فإنه يكون أفضل ، أو على الأقل نقول : جائز لأن هذا فضل متعلق بذات العبادة ، والأول بمكانها ، باعتبار كونهم من فقراء البلد ، أما مع التساوي فإنه لايجوز أن ننقل الزكاة إلى بلد آخر ، وهذا في مسألة الزكاة التي يقصد بها في الأغلب نفعُ المعطَى .

وأما ما كان قربة في نفسه كالأضحية والعقيقة ، وما أشبه ذلك فهذه لا يجوز أن تصرف في غير بلاد الإنسان لأن المقصود منها ـ وهو التعبد لله بالذبح ـ يفوت ، لكن إن كان بالمسلمين مسغبة في مكان آخر ، وكان في دفعها إليهم سداً لحاجتهم فليرسل إليهم أطعمة ودراهم دون أن يرسل إليهم أضحية . ص145 ـ 146 .
 
14 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن معاذاً قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) .

لم يذكر هذا الحديث الصوم ، ولا الحج ، وأقرب ما يقال في ذلك : إن الصوم لم يذكر لأن بعث معاذ كان في ربيع الأول ، أي بقي على رمضان خمسة شهور ، فاختار النبي عليه الصلاة والسلام ـ والله أعلم ـ ألا يبين لهم فرض صيام رمضان حتى يقرب وقته ، ويكون الإيمان قد رسخ في قلوبهم ، والتزموا بأحكام الإسلام التزاماً كاملاً .

أما الحج ، فقيل : إنه لم يأت وقته بعد ، فلذلك لم يذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هنا . ص147 .


15 ـ هل قتال مانعي الزكاة قتال بغاة ، أم قتال خارجين على الإمام ، أم قتال كفار ؟

الجواب : أن هذا ليس قتال كفار ، إلا من أنكر وجوبها فيقاتل مقاتلة الكفر .

فإن امتنع عن دفع الزكاة ، فهل يجبر عليها أو يقاتل ؟

إذا أمكن إجباره عليها بدون مقاتلة ، فهذا هو الواجب ، لكن أحياناً لا يمكن ذلك إذا صار الممتنع قبيلة كاملة ، فهذه تحتاج إلى قتال ، أما إذا كان واحداً أو اثنين ، فهذا يمكن أن يجبر عليها .

والصحيح أنه يجبر عليها ويؤخذ شطر ماله أيضاً ، كما جاء في الحديث : ( فإنا آخذوها وشطر ماله ) ، وهذا الشطر ، قيل : إنه كل المال ، يؤخذ نصف المال ، وقيل : إنه شطر المال الذي منع زكاته ، والأمر ـ في هذا ـ يرجع إلى رأي الإمام ، فإذا رأى أن يشطر ماله كله ، وأن هذا أنكى لغيره فهذا طيب ، وإذا أُخذت منه قهراً ، أجزأته ظاهراً ، أما فيما بينه وبين الله فلا تجزئه . ص155 .

16 ـ ما الفرق بين قولهم في السند أخبرنا ، وحدثنا ؟

أما عند الأولين من المحدثين ، فلا فرق ، لكن يتحرون اللفظ الذي ورد به الإسناد ، وأما عند المتأخرين ، فيجعلون التحديث بالمباشرة ، والإخبار : إما للإجازة ، أو لمن روى عنه ومعه غيره ، وما أشبه ذلك . ص155 ـ 156 .

17 ـ قال تعالى : ( ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ) .

ففي هذه الآية تحريم الاستغفار للمشركين لأن هذا عدوان في الدعاء ، إذ إن الاستغفار طلب المغفرة ، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به ، فإذا سألت الله تعالى ما أخبر أنه لا يفعله ، فهذا عدوان في الدعاء ، والعدوان في الدعاء يدور على أمرين :

أن يسأل ما لايمكن شرعاً ، أو يسأل ما لايمكن قدراً ، فهذا ضابط العدوان في الدعاء .

وقد أشكل على بعض الناس استئذان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه ـ بعد نزول هذه الآية ـ في زيارة أمه والاستغفار لها ، وقال : كيف يستأذن في الاستغفار ، وقد نهي عن ذلك ؟

والجواب ظاهر ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما علم أن الله تعالى قد خفف عن عمه أبي طالب ، استأذن ربه في الاستغفار لأمه لعله أن يخفف عنها ، فلم يأذن له ، وهذا يدل على أنه لا اعتبار بالقرب ، وإلا لقال قائل : إن التخفيف عن أم الرسول أولى من التخفيف عن عمه !

والجواب : أنه لم يكن لأمه ما كان لعمه من النصرة والدفاع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ص163 ـ 164 .
 
18 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل ، قال : يا معاذ قال : لبيك رسول الله وسعديك قال : يا معاذ ، قال : لبيك رسول الله وسعديك قال : ( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، إلا حرمه الله على النار قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال : إذاً يتكلوا ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثماًً ) .

مثل هذا الحديث لبيان السبب ، والسبب لا بد له من تمام الشروط ، ونضرب لهذاً مثلاً يوضح الأمر :

فمن المعلوم أن من أسباب الميراث القرابة ، وهل كل قريب يرث من قريبه ؟ كلا ، فلا بد من تحقق الشروط ، وانتفاء الموانع .

فهذا لا شك أنه سبب لتحريم الرجل على النار ، وسبب لدخوله الجنة ، لكن لا بد من شروط وانتفاء موانع ، فإذا عرفنا هذه القاعدة المفيدة :

(أن الأشياء لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها ، وانتفاء موانعها ) ، زال عنا إشكالات كثيرة ، لا في هذه الأحاديث التي هي من أحاديث الرجاء ، ولا في الأحاديث الأخرى التي هي من أحاديث الوعيد ، لأن هناك أيضاً أحاديث وعيد على كبائر ، لاتوجب الخلود في النار ، وتجد أن الآيات فيها أو الأحاديث ظاهرها الخلود في النار ، كمثل قتل المؤمن : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ) . ومثل إخبار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن : ( من قتل نفسه بشيء من الدنيا عذب به يوم القيامة ) . لو أخذنا بهذه النصوص لزم من ذلك أن يخلد أصحاب الكبائر في النار ، وقد قال بذلك المعتزلة ، والخوارج .

ولو أخذنا بحديث معاذ وأمثاله من أحاديث الرجاء لزم أن لا تضر مع الشهادتين معصية كما قال بذلك أهل الأرجاء ـ غلاة المرجئة ـ .

ولهذا كان أهل السنة والجماعة وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء ، فقالوا : آيات الوعيد يكون فيها هذا الشيء سبباً لهذه العقوبة ، لكن لا ينتفي الشيء إلا بوجود شروطه ، وانتفاء موانعه ، والخلود في النار يمنعه التوحيد .

كذلك هذه الآيات : آيات الرجاء ، وأحاديث الرجاء ـ أيضاً ـ هي أسباب ، ولا تتم إلا بوجود شروطها وانتفاء موانعها . ص188 ـ 189 .

19 ـ التحريم نوعان : كوني ، وشرعي ، فقوله تعالى : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ) . من التحريم الشرعي ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا حرمه الله على النار ) هذا كوني كقوله تعالى : ( وحرمنا عليه المراضع من قبل ) . ص192 .

20 ـ عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال : أصابني في بصري بعض الشيء . فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى . قال : فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي .

يستفاد من هذا الحديث أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا شق عليه ذلك ، لكف بصره ، أو مرضه ، أو ما أشبه ذلك .

فإن قيل : كيف نجمع بين هذا الحديث ، وبين حديث ابن أم مكتوم ، الذي لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه قال : إن المدينة كثيرة الهوام ، وليس لي قائد يقودني ؟

فالجواب : أن في صحة هذه الألفاظ ـ إن المدينة كثيرة الهوام ، وليس لي قائد يقودني ـ في صحتها نظر ، ويقال أيضاً : إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن عتبان بن مالك له عذر واضح ، بخلاف الأعمى الذي لم يأذن له . ص 193 .

21 ـ عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال : أصابني في بصري بعض الشيء . فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى . قال : فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي . وأصحابه يتحدثون بينهم . ثم أسندوا عُظم ذلك وكبره إلى مالك بن دُخشم . قالوا : ودوا أنه دعا عليه فهلك . وودوا أنه أصابه شر . فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وقال : ( أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قالوا : إنه يقول ذلك . وما هو في قليه . قال : ( لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار ، أو تطعمه ) .

في هذا الحديث دليل على جواز الصلاة عند المتحدثين لأن الظاهر أن البيت ليس بكبير ، وأن الذين يتحدثون يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل أنه لما قضى الصلاة قال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟

فهذا يدل على أنه سمع كلامهم وفهمه ، فيكون فيه دليل على جواز الصلاة عند المتحدثين .

ولكن إذا كان حديث القوم يشغل الإنسان ، فإنه يكره أن يصلي حولهم ، إن لم يمكن إسكاتهم ، فإن أمكن إسكاتهم أسكتهم ، فإن لم يمكن فإنه يكره أن يصلي حولهم ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ، وأتوني بأنبجانية ، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي ) ، فدل هذا على أن ما يلهي عن الصلاة ، فإنه ينبغي للإنسان أن يتجنبه ، فإذا كان لا يهتم فلا بأس بذلك . ص194 ـ 195 .

وفيه أن سماع الرجل لحديث القوم وهو في صلاته لا ينافي الخشوع . ص196 .
 
22 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يعظ أخاه في الحياء ، فقال : ( الحياء من الإيمان ) .

قوله : ( يعظ أخاه في الحياء ) هل المعنى عنه أو فيه ؟ يعني يقول : لا تستح أو يقول : استح ؟

الظاهر والله أعلم أن السياق يدل على أنه يعظه في الحياء ، أي أنه منهمك في الحياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الحياء من الإيمان ) .

فعندي أن قوله : يعظ أخاه في الحياء ، أي : ينهاه عن كثرته . ص202 .


23 ـ عن سفيان بن عبدالله الثقفي قال : قلت : يارسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عند أحداً بعدك . وفي حديث أسامة غيرك قال : ( قل آمنت بالله فاستقم ) .

هنا سؤال يشكل على البعض ، ففي قصة الأعرابي لما سأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن عمل يدخله الجنة فعلمه أركان الإسلام ، وهنا قال لسفيان رضي الله عنه : قل آمنت بالله فاستقم ) فما الجواب ؟

الجواب أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم يجيب كل إنسان بما يناسب حاله ، فالرجل الذي قال : أوصني قال له : ( لا تغضب ) ، ومعلوم أن الوصية العامة لكل الخلق ، هي الوصية بتقوى الله عز وجل ، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا بعث أميراً على جيش ، أو سرية أوصاه بتقوى الله ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يخاطب كل إنسان أو يجيب كل إنسان بما يناسب حاله ، فقد يسأله سائل فيقول : أي العمل أفضل ؟ فيقول له : الجهاد في سبيل الله ، ويقول للآخر خلاف ذلك .

وهذه مسألة ينبغي أن يتنبه لها الإنسان ، وهي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله ، بخلاف ما إذا تكلم بدون سؤال ، فإنه يذكر الأصل . ص206 .


24 ـ هل يجوز أن نبدأ الكفار بالسلام بقصد ترغيبهم في الإسلام ؟

الجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ) لكن إن رأيت أن تبدأه بالسلام ، سلم على من اتبع الهدى ، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل الكتب إلى ملوك الكفرة ، يقول : ( السلام على من اتبع الهدى ) فيكون في هذا ـ مع حصول السلام ـ دعوة له إلى الهدى .ص208 .


25 ـ الأحوال في إزالة المنكر أربع :

الحال الأولى : أن يزول المنكر بالكلية .

الحال الثانية : أن يخفف المنكر ، وفي هاتين الحالتين ـ الأولى والثانية ـ يجب الإنكار .

الحال الثالثة : أن يرى المنكِرُ أن إنكاره لا يزيد من المنكر ولا ينقصه ، فهو في هذه الحال مخير ، والإنكار أولى .

الحال الرابعة : أن يكون إنكاره سبباً في زيادة المنكر ، ففي هذه الحال يحرم الإنكار . ص226 .
 
26 ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( غلظ القلوب والجفاء في المشرق ، والإيمان في أهل الحجاز ) .

قوله عليه الصلاة والسلام : ( الإيمان في أهل الحجاز ) يؤيد تفسير من فسر اليمن بأنه الحجاز عموماً ، فتدخل فيه المدينة و مكة ، وأهل اليمن : صنعاء ، وعدن ، وغير ذلك ، فهو أعم مما هو مفهوم عند كثير من الناس في اليمن . ص236 .


27 ـ قال تعالى عن القرءان : ( في كتاب مكنون ) أي : أن القرءان في الكتاب المكنون ، يعني : اللوح المحفوظ ، وهل الذي في الكتاب المكنون نفس القرءان ؟ أو المراد ذكره ؟

الجواب : أن المراد بذلك ذكر القرءان ، وليس القرءان ، ولكن ذكره بالثناء عليه ، وبيان وقت نزوله ، وعلى من ينزل ، وماذا يكون من ثمراته ، وما أشبه ذلك ، وهذا ليس ببعيد ، كما قال تعالى : ( وإنه لفي زبر الأولين ) .

ومن المعلوم أن القرآن الكريم ، ليس الذي في زبر الأولين لفظه ، بل الذي في زبر الأولين ذكره ، و التحدث عنه .

ويؤيد هذا القول أن القرءان نزل من عند الله تعالى إلى جبريل ، إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، يتكلم به جل وعلا حين نزوله . ص274 ـ 275 .


28 ـ قال تعالى : ( في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون ) .

في قوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) إشارة إلى أن القرءان الكريم لا ينتفع به إلا من طهر قلبه من الشرك ، والحقد ، والبغضاء ، ليكون طاهراً قابلاً لمعرفة المعاني . ص276 .


29 ـ السحر نوعان :

النوع الأول : نوع يكون بمساعدة الشياطين ومعاونتهم ، وهو أعظمه ، وهو الذي يكون بالنفث في العقد ونحوها ، وهذا كفر ، أي : أن فاعله يكفر ، ويجب قتله دفعاً لأذيته ، ومن أجل ردته ، حتى لو فرض أنه تاب فإننا نقتله لأنه حد ، كما جاء في الحديث : ( حد الساحر ضربة بالسيف ) ، اللهم إلا أن تقوم القرائن القوية على أن الرجل نزع عن هذا ، وتاب توبة نصوحاً ، فهنا نقول : إننا نقبل توبته أما مجرد أن يقول : تبت ، ولم تظهر قرائن ، فإنه لا تقبل توبته .

النوع الثاني : سحر يكون بالأدوية المركبة ، وهذا أهون من الأول ، ولهذا قال كثير من العلماء : إنه لا يكفر لأن هذا مثل الذي يعتدي على الغير بأي عدوان كان .

وكلا النوعين من كبائر الذنوب ، الأول : كبيرة وكفر ، والثاني : كبيرة دون الكفر . ص310 ـ 311 .

30 ـ عن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : المنان الذي لا يعطي شيئاً إلا منة ، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر ، والمسبل إزاره ) .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يكلمهم الله ) أي : تكليم رضوان ، وإلا فإن الله تعالى يكلم أهل النار ـ وهم في النار ـ قال : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) وهذا خطاب لهم ، ولكن لا على سبيل الرضا . ص349 .
 
31 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) .

قوله عليه الصلاة والسلام : ( حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ) لعل المراد بذلك : المسافة بين اعتناقه هذا العمل وبين موته وليس المراد : أنه يدنو بعمله إلى الجنة لأن الذي يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس لا يقرب من الجنة إذ أن عمله هذا يعتبر حابطاً لأنه رياء . ص370 .


32 ـ قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم ) .

فإذا كان هذا في رفع الصوت ـ الذي هو صفة النطق ـ فما بالك في رفع القول على قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ كالذين يقدمون أقوال الكفرة والفسقة على أقواله ؟ ! ما بالك بهؤلاء ؟ ! هؤلاء أقرب بكثير إلى حبوط العمل ، ممن رفع صوته بصفة النطق بلا شك . ص 383 .


33 ـ لما نزلت : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس هو كما تظنون . إنما هو كما قال لقمان لابنه : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) .

في هذا الحديث استدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن على القرآن ، وفيه دليل على أنه ينبغي للإنسان وإن كان موثوقاً عند الناس أن يذكر مستنده لأن ذلك أبلغ في طمأنينة المخاطب . ص401 .


34 ـ عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات . ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة . وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) .

تأمل الحسنة قال : ( كاملة ) والسيئة قال : ( واحدة ) سيئة واحدة ، سواء في الحرمين أو في الحل .

وعلى هذا فلا تضاعف السيئة في مكة مضاعفة كمية ، لكنها تضاعف مضاعفة كيفية ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) .

وهذه الآية نزلت في مكة لأن سورة الأنعام كلها مكية ، ولقوله تعالى : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) أي مؤلم فهي مضاعفة في كيفيتها لا في كميتها .

وبهذا نعرف بطلان ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه خرج إلى الطائف ، وقال لا أسكن مكة ، بلداً حسناته وسيئاته سواء ، فهذا لا يصح عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو أفقه من أن يقول مثل هذا الكلام . ص416 ـ 417 .

بقية الفوائد تأتي تباعاً .
 
35 ـ من هم بالسيئة ولم يعملها ، فالأدلة تدل على أن ذلك أقسام .

القسم الأول : أن يتركها عجزاً عنها ، مع فعل ما قدر عليه منها ، فهذا يكتب عليه إثمها كاملاً كإثم فاعلها ، ودليله قوله النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار ، قالوا : هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) .

القسم الثاني : أن يتركها عجزاً ، دون أن يفعل الأسباب ، ودون أن يفعل ما قدر عليه منها ، كرجل هم بسرقة ، ولكنه رأى الناس حوله ، فتركها فهذا عليه وزرها ، لكنه ليس كالذي فعل ماقدر عليه منها لأن هذا لم يفعل شيئاً ، لكن عليه الوزر ، وهو وزر النية بلا شك .

القسم الثالث : أن يهم بالسيئة ، ثم يتركها لله ، فهذا تكتب له حسنة كاملة ، لقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : ( فإنما تركها من جراي ) أي : من أجلي ، فتكتب له حسنة كاملة .

القسم الرابع : أن لا يطرأ على باله تلك السيئة من الأصل ، كرجل لم تطرأ عليه السرقة ، ولم يطرأ عليه الزنا ، ولا شرب الخمر ، فهذا ليس له أجر ، وليس عليه وزر ، لأنه ليس له نية ، لا لفعل السيئة ، ولا لتركها .

فهذه أربعة أقسام دلت عليها النصوص . ص417 ـ 418 .


36 ـ س : لو وجدنا إنساناً مقتولاً ، وقال قاتله : إنه إنسان جاء يريد أخذ مالي ، فهل نصدق هذا القائل أو نضمنه ؟

ج : الأمر لا يخلو من ثلاثة أحوال :

الحال الأولى : أن يكون القاتل معروفاً بالخير والصلاح ، والمقتول بالعكس ، فهنا القول قول القاتل .

الحال الثانية : أن يكون المقتول معروفاً بالخير والصلاح ، والقاتل معروفاً بالشر والفساد ، ويبعد جدا ًأن هذا المقتول يعتدي عليه ، فالقول قول أولياء المقتول .

الحال الثالثة : أن تتردد الاحتمالات ، فالقول قول أولياء المقتول ، وذلك لأن الأصل العصمة ، وأن هذه النفس معصومة ، حتى يقوم دليل على زوال عصمتها . ص444 .


37 ـ أحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم متنوعة : بعضها كونية ، وبعضها شرعية ، وبعضها أرضية ، وبعضها سماوية ، وبعضها في الحاضر ، وبعضها في المستقبل ، وقد ساقها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) ساقها سياقاً غريباً لا تكاد تجد أحداً من المؤرخين ساقها كما ساقها شيخ الإسلام رحمه الله . ص464 .


38ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : ( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .

قوله عليه الصلاة والسلام : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) يعني :

أنه إذا كنا نحن لا نشك ، فإبراهيم من باب أولى ، هذا معنى الحديث ، وليس معنى الحديث : أننا شاكون ، وإبراهيم شاك ، ونحن أحق بالشك منه ، بل المعنى : لو كان إبراهيم شاكاً ، فنحن من باب أولى . 478 .


39 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) .

في هذا الحديث دليل على : أن ما يأتي به الأنبياء من خوارق العادات يسمى آيات ، ولا يسمى معجزات .

وما اشتهر من العلماء بتسميتها بالمعجزات ففيه قصور ، وذلك لأن المعجزات يدخل فيها معجزات السحرة ، وخوارق الشياطين لأنها معجزة ، لكن لو قلنا : آية ، أي علامة على صدق من جاء بها ، لم يدخل فيها ما سواها ، فالتعبير بالآيات خير من التعبير بالمعجزات لسببين :

أولاً : لأنه اللفظ الذي جاء في الكتاب والسنة .

ثانياً : أنه لايرد عليه مثل الخوارق التي تكون من السحرة والشياطين . ص484 .


40 ـ القرآن باق بين أيدينا ، لكننا فقدنا طعمه ولم نذقه ، لأننا لا نقرأه على الوجه الذي أراد الله منا ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ) لماذا ؟ ( ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) .

ولهذا فقدنا شيئاً كثيراً من آيات هذا القرآن الكريم لأننا ما تأملناه ، واللوم علي وعليكم ، الذي يحفظ القرآن يمكنه أن يتدبر الآية وهو يمشي في السوق ، أو على سيارته أحياناً ، تفكر في الآية ، تجد فيها معاني عظيمة ، لو بحثت في كل الكتب ما وجدتها ، مثل هذا إذا مر بك ، فليكن معك قلم وورقة ، تقيدها حتى لا تنساها أنت ، وتحتاجها فيما بعد . ص486 .


41 ـ قال تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم )

قال تعالى : ( اقرأ باسم ربك ) فبدأ بالقراءة ، ثم ذكر الخلق كقوله تعالى : ( الرحمن * علم القرءان * خلق الإنسان ) لأن العناية بالشرع أولى من العناية بالخلق ، ولهذا يجب على الإنسان أن يعتني بإيمانه وقلبه وروحه أكثر مما يعتني بجسده ، بل إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل العناية بالأجساد من صفات القرون المفضولة ، فقد ذكر القرون المفضلة ثم ذكر مجيء قوم بعد ذلك ، وذكر من صفاتهم : أنهم يظهر فيهم السمن ، وذلك لعنايتهم بأبدانهم . ص521 .


بقية الفوائد تأتي تباعاً بإذن الله .
 
ولقد اتصلت في العام الماضي في شهر جمادي الآخرة بصاحب الفضيلة الشيخ عمر المقبل وسئلته عن صدور المجلد الثاني لأنه هو وفقه الله من اعتنى بإخراج المجلد الأول ، فأخبرني أنه فرغ من إعداد المجلد الثاني والثالث ، وأنه ينتظر طباعته ، والآن مر على هذه المكالمة سنة وثلاثة أشهر ، فلعل المانع خيراً بإذن الله ، ولعل الشيخ عمر وفقه الله وبارك فيه يبشرنا بقرب صدوره .
رأى الإخوة في المؤسسة أن يجتمع لديهم عدد من المجلدات لتطبع جميعاً لأسباب منها:
1 ـ تخفيف الجهد والوقت في المتابعة لطبع الكتاب (وهذه أبصم عليها ، فلا يعرف معاناة المؤلف أو من ينوب عنه في المتابعة إلا من جربها).
2 ـ تخفيف التكلفة المالية التي تظهر فروقها في كتب مثل هذا الإمام الذائع الصيت، الذي تنتشر كتبه كالشمس ، ففرق كبير بين كلفة طبع مجلد ، وبين كلفة طبع 3 مجلدات أو 4 .
وأبشرك أنني سلمتهم إلى نهاية كتاب الصيام في رمضان هذا العام ، فلعلهم ينشطون لطباعة ما وصلهم من أجزاء .
وبالمناسبة ، فدور العبد الفقير ينتهي بالمراجعة العلمية فقط.
رحم الله شيخنا وغفر له ، ورفع درجته في المهديين.
 
عودة
أعلى