محمود الشنقيطي
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واتبع سنته وهداه..
وبعد/
فهذه أجوبةٌ لبعض الإشكالات المتضمنة للكثير من الفوائدِ منتقاةٌ من كتاب أضوا البيان للشيخ المفسر العلامة (محمد الأمين الشنقيطي) رحمه الله تعالى وغفر له, والتي أظن أن الشيخ كان يطرحها ليدرأ بها ما يتوقع وروده على ذهن القارئ من تساؤلات وإشكالات , ويستدفع بها إلزام المخالف لترجيحه واختياره , وكم تمنيتُ أن لوقبلها قسم الدراسات العليا أطروحة للماجستير لكن تعدُّد تخصصاتها وكثرتها في هذا السفر ستكونُ حائلاً بين الإفادة منها في العمل الأكاديمي فأردت وضعها في الملتقى للإطْلاعِ عليها علَّ ناظراً فيها يبتكرُ فكرةً تُفيد من منهجية (افتعال الإشكال المحتمَل والإجابة عليه) في أضواء البيان وغيره من التفاسير.
1- عند قوله تعالى{الرحمن الرحيم} في سورة الفاتحة قال الشيخ رحمه الله(هما وصفان لله تعالى واسمان من أسمائه الحسنى مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, والرحمن أشد مبالغة من الرحيم لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا,وللمؤمنين في الآخرة,والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة, وعلى هذ أكثر العلماء , وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا.
وفي تفسيربعض السلف ما يدل عليه كما قاله ابن كثير ويدل له الأثر المروي عن عيسى
- كما ذكره ابن كثير وغيره - أنه قال عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (الرحمن رحمن الدنيا والآخرة , والرحيم لرحيم الآخرة ) وقد اشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال تعالى{ثم استوى على العرش الرحمن}وقال{الرحمن على العرش استوى}فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته,قــاله ابن كثير, ومثله قوله تعالى{أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن} أي: ومن رحمانيته لطفه بالطير وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء, ومن أظهر الأدلة على ذلك قوله تعالى {الرحمن* علم القرآن *... إلى قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان*} وقال{وكان بالمؤمنين رحيما} فخصهم باسم الرحيم..
فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم وبين ما جا في الدعا المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم{رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما}؟؟؟
فالظاهر في الجواب - والله أعلم - أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا , لكنه لا يختص بهم في الآخرة؛ بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضا فيكون معنى رحيمهما:رحمته بالمؤمنين فيهما.
والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى{هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضا.
وكذلك قوله تعالى {ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحيم الجار للضمير الواقع على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار, وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضا.
والعلم عند الله تعالى)
2- عند قول الله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون) في سورة البقرة,
قال الشيخ - رحمه الله -(عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله, ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه والذي ينبغي إمساكه, ولكنه بين في مواضع أخر أن القدرالذي ينبغي إنفاقه هو الزائد عن الحاجة وسد الخلة التي لا بد منها, وذلك كقوله {ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو} والمراد بالعفو الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات وهو مذهب الجمهور.
ومنه قوله تعالى{حتى عفوا} أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم. وقال بعض العلماء: نقيض الجهد, وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه الجهد , واستفراغ الوسع ومنه قول الشاعر:
خذي العفو مني تستديمي مودتي **** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
وهذا القول راجع إلى ما ذكرنا وبقية الأقوال ضعيفة ..
وقوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط..} فنهاه عن البخل بقوله{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} ونهاه عن الإسراف بقوله {ولا تبسطها كل البسط} فيتعين الوسط بين الأمرين, كما بينه بقوله{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير وبين البخل والاقتصاد , فالجود غير التبذير والاقتصاد غير البخل.
فالمنع في محل الإعطاء مذموم وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} واإعطاء في محلالمنع مذموم أيضا وقد نهى الله عنه نبيه صلى لله عليه وسلم بقوله {ولا تبسطها كل البسط } وقد قال الشاعر:
لا تمدحنَّ ابن عباد وإن هطلت...........يداه كالمزن حتى تخجل الديــما
فأنها فلتــــات من وســــاوسه............ يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما
وقد بين تعالى أن الإنفاق المحمود لا يكون كذلك إلا غذا كان مصرفه الذيصرف فيه مما يرضى الله, كقوله تعالى (قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين)..الآية , وصرح بأن الإنفاق فيما لا يرضي الله حسرة على صاحبه في قوله تعالى {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة...}الآية. وقد قال الشاعر:
إن الصنيعة لا تعدُّ صنيعةً.............حتى يصاب بها طريق المصنع
فإن قيل : هذا الذي قررتم يقتضي أن الإنفاق المحمود هو إنفاق ما زاد على الحاجة الضرورية مع أن الله تعالى أثنى على قوم بالإنفاق وهم في حاجة إلى ما أنفقوا وذلك في قوله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة...}الآية
فالظاهرفي الجواب - والله تعالى أعلم - هو ما ذكره بعض العلماء من أن لكل مقام مقالاً, ففي بعضالأحوال يكون الإيثار ممنوعا, وذلك كما إذا كانت على المنفق نفقات واجبة كنفقة الزوجات ونحوها , فتبرع بالإنفاق في غير واجب , وترك الفرض لقوله صلى الله عليه وسلم(وابدأ بمن تعول) وكأن يكون لا صبر عنده عن سؤال الناس فينفق ماله ويرجع إلى الناس يسألهم مالهم , فلا يجوز له ذلك.
والإيثار فيما إذا كان لم يضيع نفقة واجبة وكان واثقا من نفسه بالصبر والتعفف وعدم السؤال وأما على القول بأن قوله تعالى {ومما رزقناهم ينفقون} يعني به الزكاة فالأمر واضح -والعلم عند الله تعالى -)
وبعد/
فهذه أجوبةٌ لبعض الإشكالات المتضمنة للكثير من الفوائدِ منتقاةٌ من كتاب أضوا البيان للشيخ المفسر العلامة (محمد الأمين الشنقيطي) رحمه الله تعالى وغفر له, والتي أظن أن الشيخ كان يطرحها ليدرأ بها ما يتوقع وروده على ذهن القارئ من تساؤلات وإشكالات , ويستدفع بها إلزام المخالف لترجيحه واختياره , وكم تمنيتُ أن لوقبلها قسم الدراسات العليا أطروحة للماجستير لكن تعدُّد تخصصاتها وكثرتها في هذا السفر ستكونُ حائلاً بين الإفادة منها في العمل الأكاديمي فأردت وضعها في الملتقى للإطْلاعِ عليها علَّ ناظراً فيها يبتكرُ فكرةً تُفيد من منهجية (افتعال الإشكال المحتمَل والإجابة عليه) في أضواء البيان وغيره من التفاسير.
1- عند قوله تعالى{الرحمن الرحيم} في سورة الفاتحة قال الشيخ رحمه الله(هما وصفان لله تعالى واسمان من أسمائه الحسنى مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, والرحمن أشد مبالغة من الرحيم لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا,وللمؤمنين في الآخرة,والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة, وعلى هذ أكثر العلماء , وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا.
وفي تفسيربعض السلف ما يدل عليه كما قاله ابن كثير ويدل له الأثر المروي عن عيسى
- كما ذكره ابن كثير وغيره - أنه قال عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (الرحمن رحمن الدنيا والآخرة , والرحيم لرحيم الآخرة ) وقد اشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال تعالى{ثم استوى على العرش الرحمن}وقال{الرحمن على العرش استوى}فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته,قــاله ابن كثير, ومثله قوله تعالى{أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن} أي: ومن رحمانيته لطفه بالطير وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء, ومن أظهر الأدلة على ذلك قوله تعالى {الرحمن* علم القرآن *... إلى قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان*} وقال{وكان بالمؤمنين رحيما} فخصهم باسم الرحيم..
فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم وبين ما جا في الدعا المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم{رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما}؟؟؟
فالظاهر في الجواب - والله أعلم - أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا , لكنه لا يختص بهم في الآخرة؛ بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضا فيكون معنى رحيمهما:رحمته بالمؤمنين فيهما.
والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى{هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضا.
وكذلك قوله تعالى {ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحيم الجار للضمير الواقع على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار, وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضا.
والعلم عند الله تعالى)
2- عند قول الله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون) في سورة البقرة,
قال الشيخ - رحمه الله -(عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله, ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه والذي ينبغي إمساكه, ولكنه بين في مواضع أخر أن القدرالذي ينبغي إنفاقه هو الزائد عن الحاجة وسد الخلة التي لا بد منها, وذلك كقوله {ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو} والمراد بالعفو الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات وهو مذهب الجمهور.
ومنه قوله تعالى{حتى عفوا} أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم. وقال بعض العلماء: نقيض الجهد, وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه الجهد , واستفراغ الوسع ومنه قول الشاعر:
خذي العفو مني تستديمي مودتي **** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
وهذا القول راجع إلى ما ذكرنا وبقية الأقوال ضعيفة ..
وقوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط..} فنهاه عن البخل بقوله{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} ونهاه عن الإسراف بقوله {ولا تبسطها كل البسط} فيتعين الوسط بين الأمرين, كما بينه بقوله{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير وبين البخل والاقتصاد , فالجود غير التبذير والاقتصاد غير البخل.
فالمنع في محل الإعطاء مذموم وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} واإعطاء في محلالمنع مذموم أيضا وقد نهى الله عنه نبيه صلى لله عليه وسلم بقوله {ولا تبسطها كل البسط } وقد قال الشاعر:
لا تمدحنَّ ابن عباد وإن هطلت...........يداه كالمزن حتى تخجل الديــما
فأنها فلتــــات من وســــاوسه............ يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما
وقد بين تعالى أن الإنفاق المحمود لا يكون كذلك إلا غذا كان مصرفه الذيصرف فيه مما يرضى الله, كقوله تعالى (قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين)..الآية , وصرح بأن الإنفاق فيما لا يرضي الله حسرة على صاحبه في قوله تعالى {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة...}الآية. وقد قال الشاعر:
إن الصنيعة لا تعدُّ صنيعةً.............حتى يصاب بها طريق المصنع
فإن قيل : هذا الذي قررتم يقتضي أن الإنفاق المحمود هو إنفاق ما زاد على الحاجة الضرورية مع أن الله تعالى أثنى على قوم بالإنفاق وهم في حاجة إلى ما أنفقوا وذلك في قوله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة...}الآية
فالظاهرفي الجواب - والله تعالى أعلم - هو ما ذكره بعض العلماء من أن لكل مقام مقالاً, ففي بعضالأحوال يكون الإيثار ممنوعا, وذلك كما إذا كانت على المنفق نفقات واجبة كنفقة الزوجات ونحوها , فتبرع بالإنفاق في غير واجب , وترك الفرض لقوله صلى الله عليه وسلم(وابدأ بمن تعول) وكأن يكون لا صبر عنده عن سؤال الناس فينفق ماله ويرجع إلى الناس يسألهم مالهم , فلا يجوز له ذلك.
والإيثار فيما إذا كان لم يضيع نفقة واجبة وكان واثقا من نفسه بالصبر والتعفف وعدم السؤال وأما على القول بأن قوله تعالى {ومما رزقناهم ينفقون} يعني به الزكاة فالأمر واضح -والعلم عند الله تعالى -)