الحمد لله الذي علَّم بالقلم علَّم الإنسان ما لم يعلم ، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما . أما بعد :
فهذه فوائد منثورة التقطتها من كتب أهل العلم غالبها في فروع الأحكام وما يتصل بها، لا يجمعها نظام، كنت أقيدها حين المرور عليها في جانب الكتاب، فظهر لي أنَّ نشرها هنا فيه نفع لي ؛ إذ أن تكلف كتابتها هنا نوع من المراجعة لها ، وأرجو أن يكون فيها نفع لمن يطلع عليها من المسلمين .
[align=center]فائدة [/align]
في الإنصاف للمرداوي ـ رحمه الله ـ 5/47
فائدتان : ...
الثَّانِيَةُ : يُعْتَبَرُ فِي سُكَّانِ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ مُفَارَقَةُ مَا نُسِبُوا إلَيْهِ عُرْفًا ، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي ، وَأَبُو الْوَفَاءِ: مُفَارَقَةَ مَنْ صَعِدَ جَبَلًا : الْمَكَانَ الْمُحَاذِيَ لِرُؤوسِ الْحِيطَانِ،
وَمُفَارَقَةَ مَنْ هَبَطَ : لِأَسَاسِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَبَرَ مُفَارَقَةَ الْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً اعْتَبَرَ هُنَا مُفَارَقَةَ سَمْتِهَا . اهـ
قلت: وفي معنى هذا في وقتنا الحاضر المسافر عن طريق الجو ، فإذا كان المطار في البلد فلا يترخص برخص السفر حتى ترتفع الطائرة عن محاذاة أعلى بناية فيها، كما أن رخص السفر لا تنقطع حتى تحاذي الطائرة أعلى بناية في البلد إذا عاد إلى بلده.
وكذلك يظهر بهذا أن المسافر بالطائرة إذا مر فوق بلده لا ينقطع حكم سفره إذ ليس مروره في حكم الدخول . والله أعلم .
رأيت بعض الناس خصوصا من كبار السن يعيبون على بعض الشباب في هذا الوقت ما يسمى بـ « القَطَّة » و هي: أن يخرج كل واحد من الرفقة مبلغا من المال ، ويدفعونه إلى رجل ينفق عليهم منه فيما يحتاجونه .
ويقولن ما كنا نعرف هذا سابقا ، بل كانت أمورنا تمشي على الكرم والمروءة والشهامة، وقولهم هذا له أصل في فعل العرب، وتذكرون ما فعلت قريش حين خرجوا لبدر فكان أشرافهم يذبحون لهم كل يوم عشرا من الإبل.
وقد ذكر الفقهاء والمحدثون ذلك وأنه لا بأس به في الجملة .
قال البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه في أول كتب الشركة
بَاب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنَّهْدِ ... لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا ...
قال إسحاق بن منصور في مسائله 2/539:
قلت لأحمد ـ رضي الله عنه ـ النهد في السفر ، قال : لا زال الناس يتناهدون .
قال إسحاق : سنة مسنونة، وهو أحب إلي من أن يدعو كل يوم واحدٌ أصحابَه لما لا يخلو ذلك من المباهاة والتباري، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه .اهـ
قلت : كلام الإمام إسحاق نفيس فرحمه الله رحمة واسعة .
تنبيه: وقع في المطبوع في دار الهجرة : ( كل يوم واحدا من أصحابه اهـ) وهو غلط.
تذييل :
في محاضرات الأدباء للراغب
التناهد
قال بعضهم في متناهدين:
وقال حفص لزيد حين ناهده * منك النبيذ ومني الدنّ والكوز
واللحم منك ومني النار أنضجه * والماء مني، ومنك الخبز مخبوز !
وتناهد قوم وفيهم مفلس فقال أحدهم: علي كذا. وقال آخر: وأنا علي كذا، إلى أن قالوا
للمفلس: وأنت ما عليك ؟
فقال: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين !
أخي الكريم "الماوردي " بارك الله فيك، وشكرا على تشرفيك الموضوع .
قال إسحاق بن منصور ـ مسائله ـ 2/598:
قلت [لأحمد] يكره للرجل أن يقول للرجل: فداك أبي وأمي ؟
قال: يكره أن يقول جعلني الله تعالى فداك . ولا بأس أن يقول: فداك أبي وأمي.
قال إسحاق [بن راهويه]: كما قال.
قال إسحاق بن منصور ـ مسائله ـ 2/590:
سئل إسحاق: كم يقرأ في قيام شهر رمضان؟
فلم يرخص في دون عشر آيات .
فقيل له : إنهم لا يرضون !
قال: لا رضوا، فلا تأمهم إذا لم يرضوا بعشر آيات من البقرة، ثم إذا صرت إلى الآيات الخفاف، فبقدر عشر آيات من البقرة .
وهذا لطيفة في ما يسمى بالقطة من كلام أبي عبيد القاسم بن سلام : ( قال أبو عبيد : وهذا عندي أصل للشاهد الذي تفعله الرفاق في الأسفار ألا ترى أنهم يتخارجون النفقات بالسوية وقد يتباينون في قلة المطعم وكثرته وليس كل من قل طعامه يطيب نفسه بالتفضل على رفيقه فلما جاء هذا في أموال اليتامى واسعاً كان في غيرهم بحمد الله ونعمته أوسع لولا ذلك لفخفت أن يضيق فيه الأمر بالناس ) أ.هـ المراد من كلامه . كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن باب ذكر اليتامى وما نسخ في شأنهم ص 238 - 240 .
قال إسحاق بن منصور ـ مسائله ـ 2/528:
قلت لأحمد : من قال : تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من أحيائها؟
قال: العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم .
قلت: في الوضوء والصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا ؟
قال: نعم .
قال إسحاق: كما قال.
قال إسحاق بن منصور ـ مسائله ـ 2/530:
قلت [لأحمد]: ما يكره من الشعر ؟
قال الرقيق الذي يتشبب بالنساء، وأما الكلام الجاهلي فما أنفعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من الشعر حكمة».
قال إسحاق: كما قال.
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا» فتلكأ !
فذكرتُ له قول النضر بن شميل يعني: أجوافنا لم تمتلئ شعرا فيها القرآن، والعلم والذكر، هذا لأولئك الأعراب الذين لا يحسنون إلا الشعر.
فقال: ما أحسن ما قال!
قال إسحاق: أجاد.اهـ
قلت: عند الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه في كتاب الأدب:
بَاب مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ.
ثم ساق الحديث، وهو برقم (6154)
وعلق ابن حجر في الفتح 10/548:
... هُوَ فِي هَذَا الْحَمْل مُتَابِع لِأَبِي عُبَيْد كَمَا سَأَذْكُرُهُ ـ ثم ذكر في 10/549 ـ وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : ... وَجْهه عِنْدِي أَنْ يَمْتَلِئ قَلْبه مِنْ الشِّعْر حَتَّى يَغْلِب عَلَيْهِ فَيَشْغَلهُ عَنْ الْقُرْآن وَعَنْ ذِكْر اللَّه فَيَكُون الْغَالِب عَلَيْهِ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآن وَالْعِلْم الْغَالِبَيْنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ جَوْفه مُمْتَلِئًا مِنْ الشِّعْر .اهـ
قلت: كلام أبي عبيد في كتابه غريب الحديث 1/36.
ويحتمل: أن أبا عبيد أخذه من النضر فهو في طبقة شيوخه، وأن البخاري أخذه من النضر أو إسحاق.
وفات هذا النقل الحافظ ابن حجر وغيره من الشراح، وهو من الأهمية بمكان، فقد استحسن جواب النضر بن شميل إمامان فقيهان محدثان: أحمد وإسحاق.
كما فات ابن رشيق في العمدة 1/29.
قال العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى 1/30:
لا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب.
وقال 1/31:
لم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط اعتمد عليه .
قلت:
في الآداب الشرعية لابن مفلح 1/463:
وقال الشيخ تقي الدين ـ بعد قول أبي بكر (1) ـ : يقتضي قوله أن يبرا في جميع المباحات فما أمراه ائتمر وما نهياه انتهى، وهذا فيما كان منفعة لهما ولا ضرر عليه فيه ظاهر ، مثل: ترك السفر وترك المبيت عنهما ناحية، والذي ينتفعان به ولا يستضر هو بطاعتهما فيه قسمان: قسم يضرهما تركه؛ فهذا لا يستراب في وجوب طاعتهما فيه، بل عندنا هذا يجب للجار.
وقسم ينتفعان به ولا يضرهما أيضا يجب طاعتهما فيه على مقتضى كلامه.
فأما ما كان يضره طاعتهما فيه لم تجب طاعتهما فيه لكن إن شق عليه ولم يضره وجب، وإنما لم يقيده أبو عبد الله؛ لأن فرائض الله من الطهارة وأركان الصلاة والصوم تسقط بالضرر = فبر الوالدين لا يتعدى ذلك، وعلى هذا بنينا أمر التملك؛ فإنا جوزنا له أخذ ماله ما لم يضره فأخذ منافعه كأخذ ماله، وهو معنى قوله: " أنت ومالك لأبيك " حديث صحيح أخرجه ابن ماجه والطحاوي، فلا يكون الولد بأكثر من العبد، ثم ذكر الشيخ تقي الدين نصوص أحمد التي تدل على أنه لا طاعة لهما في ترك الفرض، وهي صريحة في عدم ترك الجماعة وعدم تأخير الحج .اهـ
وفي الاختيارات للبعلي ص 170:
ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية ـ وإن كانا فاسقين ـ وهو ظاهر إطلاق أحمد ، وهذا : فيما فيه منفعة لهما ، ولا ضرر ؛ فإن شق عليه ، ولم يضره = وجب ، وإلا فلا .
-----------
(1) وقال أبو بكر في زاد المسافر من أغضب والديه وأبكاهما يرجع فيضحكهما
سألت أحمد عن شهري عيد لا ينقصان ؟
قال: لا يكون كلاهما ناقصين ، إن نقص رمضان تم ذو الحجة ، فإن نقص ذو الحجة تك رمضان.
قال إسحاق: شهرا عيد لا ينقصان: نقول: إنكم ترون العدد تسعا وعشرين فترونه نقصانا، فليس ذلك نقصانا إذ جعله الله عز وجل شهرا تاما كما جعل الثلاثين تاما ، وإنما قَصَدَ قَصْد رمضان وذي الحجة؛ لأن لناس كلهم إنما يخوضون في شهور السنة في نقصان عدد أيامه وكماله في هذين الشهرين ، فمضى من النبي صلى الله عليه وسلم فيهما لذلك نقول: وإن رأيتم العدد نقصانا فهو تام، فلا تسمون ناقصا.
في المعيار المعرب والجامع المغرب 11/103:
وسئل الأستاذ أبو إسحاق الشاطبي ـ رحمه الله ـ عن مراعاة قول ضعيف أو رواية ضعيفة ؟
فأجاب:
مراعاة الأقوال الضعيفة أو غيرها شأن المجتهدين من الفقهاء؛ إذ مراعاة الخلاف إنما معناها: مراعاة دليل المخالف حسبما فسره لنا بعض شيوخنا المغاربة، ومراعاة الدليل أو عدم مراعاته ليس إلينا معشر المقلدين؛ فحسبنا فهم أقوال العلماء، والفتيا بالمشهور منها. وليتنا ننجو مع ذلك رأسا برأس لا لنا ولا علينا .اهـ
قال العلامة ابن مفلح في الفروع 3/227 ـ في الاستسقاء ـ:
ويعظهم الإمام ويأمرهم بالتوبة وأداء الحقوق ،
قال جماعة : والصدقة والصيام ،
زاد جماعة : ثلاثة أيام ، وأنه يخرج صائما ،
وظاهر كلامهم : لا يلزم الصوم بأمره ،
مع أن في المستوعب وغيره: تجب طاعته في غير المعصية ، وذكره بعضهم ( ع ) (1)،
ولعل المراد : في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقا ،
ولهذا جزم بعضهم : تجب في الطاعة ، وتسن في المسنون ، وتكره في المكروه،
وذكر أبو الوفاء وأبو المعالي : لو نذر الإمام الاستسقاء زمن الجدب وحده أو هو والناس لزمه في
نفسه ، وليس له أن يلزم غيره بالخروج معه. اهـ
وقال في الآداب الشرعية نحو ذلك 1/467، وذكر أن الذي نقل الإجماع السابق: القاضي عياض.
ونقله مضمون ما في الفروع العلامة المرداوي في الإنصاف 5/415.
-----------
(1) أي إجماعا في أصطلاح المؤلف في كتابه هذا.