فن الاحتراز أو الاحتراس في القرآن

إنضم
26/02/2009
المشاركات
1,878
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الحمد لله
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد
وبعد:
فإن الذي دفعني لكتابة هذه المشاركة هو أني كنت مع بعض طلبة العلم نقرأ في تفسير الشيخ بن سعدي رحمه الله في تفسير سورة الحديد فوقفنا عند قوله رحمه الله : "احترز تعالى من هذا بقوله: { وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة"
حيث استغرب أحد الجالسين قوله رحمه الله " احترز تعالى" فقال هل تصح هذه العبارة؟ هل الله يحترز من أحد ؟
فقلت: ليس الأمر كما تبادر إلى ذهنك ، وإنما أراد الشيخ أن يخبرنا لماذا أتى الله بهذه الجملة ، ما الفائدة منها.
والقرآن الكريم جاء على أساليب العرب في التخاطب ، وهذا أسلوب بلاغي يعرف بفن الاحتراس يأتي به المتكلم لدفع بعض ما قد يتوهمه السامع من الكلام وهو ليس مقصودا للمتكلم.

يقول الجرجاني:
"الاحتراس
هو أن يأتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه، أي يؤتى بشيء يدفع ذلك الإيهام، نحو قوله تعالى: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين " . فإنه تعالى لو اقتصر على وصفهم ب " أذلةٍ على المؤمنين " لتوهم أن ذلك لضعفهم، وهذا خلاف المقصود، فأتى على سبيل التكميل بقوله: " أعزةٍ على الكافرين " . التعريفات للجرجاني

وهذه بعض المواضع من كتاب الله التي ورد فيها هذا الفن البلاغي:


"نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ"
سورة البقرة من الآية
لما كانت أنى تحتمل معنيين: معنى كيف، ومعنى أين، احترس الباري سبحانه بقوله: حرثكم؛ لأن الموضع المكروه ليس بحرث، والحرث موضع الزرع. ذكره الجبائي في تفسيره.

(..وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء من الآية (23)
والاحتراس في قوله : اللاتي دخلتم بهن احترز من اللاتي لم يدخل بهن ، وفي وربائبكم اللاتي في حجوركم احترس من اللاتي ليست في الحجور . وفي قوله : والمحصنات من النساء إذا المحصنات قد يراد بها الأنفس المحصنات ، فيدخل تحتها الرجال ، فاحترز بقوله : من النساء . تفسير البحر المحيط

(أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) سورة النحل (21)
"وحيث كان بعضُ الأموات مما يعتريه الحياة سابقاً أو لاحقاً كأجساد الحيوان والنطفِ متى يُنشِئها الله تعالى حيواناً احتُرز عن ذلك فقيل : { غَيْرُ أَحْيَاء } أي لا يعتريها الحياة أصلاً فهي أمواتٌ على الإطلاق" تفسير أبي السعود


(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) سورة آل عمران (92)
"ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا وكان قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه." تفسير السعدي

(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء (96)

"وتأمل حسن هذا الانتقال من حالة إلى أعلى منها فإنه نفى التسوية أولا بين المجاهد وغيره ثم صرَّح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة ثم انتقل إلى تفضيله بالمغفرة والرحمة والدرجات
وهذا الانتقال من حالة إلى أعلى منها عند التفضيل والمدح أو النزول من حالة إلى ما دونها عند القدح والذم - أحسن لفظا وأوقع في النفس
وكذلك إذا فضَّل تعالى شيئا على شيء وكل منهما له فضل احترز بذكر الفضل الجامع للأمرين لئلا يتوهم أحد ذم المفضل عليه." تفسير السعدي


(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) سورة الحج (78)
"ولما كان قوله: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } ربما توهم متوهم أن هذا من باب تكليف ما لا يطاق، أو تكليف ما يشق، احترز منه بقوله: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية، شيء كثير معروف في كتب الأحكام."
تفسير السعدي

(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19))سورة لقمان
"وهذه الوصايا، التي وصى بها لقمان لابنه، تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمرا، وإلى تركها إن كانت نهيا.
وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب الموجب لبرهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة اللّه، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها." تفسير السعدي

(وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) سورة الحديد (10)
"ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: { وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة." تفسير السعدي

(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) سورة آل عمران(78)
"ولما كان الكذب قد يطلق على ما لم يتعمد ، بل وقع خطأ احترز عنه بقوله : { وهم يعلمون * } أي أنه كذب ، لا يشكون فيه ." نظم الدرر للبقاعي

( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة التوبة (91)
"ولما كان ربما كان أحد من المنافقين بهذ الصفة احترز عنه بقوله : { إذا نصحوا } أي في تخلفهم وجميع أحوالهم." نظم الدرر للبقاعي

(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) سورة مريم (48)
"ثم دعا لنفسه بما نبههم به على خيبة مسعاهم فقال غير جازم بإجابة دعوته وقبول عبادته إجلالاً لربه وهضماً لنفسه : { عسى ألاّ أكون } أي كوناً ثابتاً كأنه احترز بذلك عما لا بد للأولياء منه في الدنيا من البلاء." نظم الدرر للبقاعي

(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) سورة الأحقاف (12)
"ولما كان الكتاب قد تقوم الأدلة على مصادقته لكتب الله ويكون بغير لسان المكذب به فيكون في التكذيب أقل ملامة ، احترز عن ذلك بقوله : { لساناً } أي أشير إلى هذا المصدق القريب منكم زماناً ومكاناً وفهماً حال كونه { عربياً } في أعلى طبقات اللسان العربي مع كونه أسهل الكتب تناولاً وأبعدها عن التكليف ، ليس هو بحيث يمنعه علوه بفخامة الألفاظ وجلالة المعاني وعلو النظم ورصافة السبك ووجازة العبارة ، وظهور المهاني ودقة الإشارة مع سهولة الفهم وقرب المتناول بعد بعد المغزى ." نظم الدرر للبقاعي

(وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) سورة الواقعة(21)
ولما كان في لحم الطير مما يرغب عنه ، احترز عنه بقوله : { مما يشتهون * } أي غاية الشهوة بحيث يجدون لآخره من اللذة ما لأوله . نظم الدرر للبقاعي

( ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) الأعلى (13)
"ولما كان من يدخل النار فلا تؤثر في موته قد يكون ذلك إكراماً له من باب خرق العوائد ، احترز عنه بقوله : { ولا يحيى * } أي حياة تنفعه لأنه ما تزكى فلا صدق ولا صلى ." نظم الدرر للبقاعي

"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ" سورة النحل من الآية : 75
"فإن قلت : لم قال عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ، وكل عبد هو مملوك وهو غير قادر على التصرف؟ قلت : إنما ذكر المملوك ليتميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعاً لأنهما من عباد الله ، وقوله : لا يقدر على شيء احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف ، لأنهما يقدران على التصرف." تفسير الخازن.

(وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء من الآية (23)
وقوله تعالى : { الذين من أصلابكم } احترز به من زوجة المتبنِّي فلا تحرم حليلته ، كقضية زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . البحر المديد

(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )
سور ة المنافقون(1)
"وجملة { والله يعلم إنك لرسوله } معترضة بين الجملتين المتعاطفتين وهذا الاعتراض لدفع إيهام من يسمع جملة { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } أنه تكذيب لجملة { إنك لرسول الله } فإن المسلمين كانوا يومئذٍ محفوفين بفئام من المنافقين مبثوثين بينهم هجّيراهم فتنة المسلمين فكان المقام مقتضياً دفع الإِيهام وهذا من الاحتراس ." التحرير والتنوير.

وختاماً:
أسأل الله تعالى أن ينفع بها.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

حجازي الهوى 7/1/1431 هـ
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :

ورد في تفسير السعدي:

" ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة آل عمران (92)
"ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا وكان قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه." تفسير السعدي "

قد يحب الإنسان أمرا محرما فهل ينال البر بإنفاقه.

لذا فمسألة الاحتراز مسألة تحتاج إلى بحث ، من حيث قضية القرآن حمال أو جه ، وقضية احتياج القرآن لمبينه " السنة ، وقضية الأيات المحكمات والآيات المتشابهات.

أخرج أحمد في كتاب الزهد عن عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن أبي قلابة قال : قال أبو الدرداء رحمه الله : إنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها .."
وأخرجه ابن المبارك في الزهد.، وغيرهم.

قال الأستاذ الدكتور راتب النابلسي:

" فاقرأ القرآن ، وكلما وقفت على أمرٍ دقق ، أين أنا من هذا الأمر ؟ هل أنا مطبقٌ له ؟ فهذا أمر ، "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، أصلح نفسك وحدها ، وأصلح ما بينك وبين الآخرين ، وأنت طرفٌ ، وأصلح بين اثنين ، وهذا من صفات المؤمن ، والقرآن كما قال سيدنا علي : حمَّال أوجه ، أيْ له أوجه كثيرة ." أهــ

وهنا نرى أن الأوجه عضتها نصوص من السنة .، والله أعلم.
فهل من باحث متخصص يقوم بمناقشة المسألة ببحث متقن؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :

ورد في تفسير السعدي:

" ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة آل عمران (92)
"ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا وكان قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه." تفسير السعدي "

قد يحب الإنسان أمرا محرما فهل ينال البر بإنفاقه.

لذا فمسألة الاحتراز مسألة تحتاج إلى بحث ، من حيث قضية القرآن حمال أو جه ، وقضية احتياج القرآن لمبينه " السنة ، وقضية الأيات المحكمات والآيات المتشابهات.

الأخ الفاضل أبا الأشبال
شكرا الله لك مداخلتك
ثم إن الإنفاق من الحلال الطيب متقرر عند المسلم بنص آخر من القرآن:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) سورة البقرة(168)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) سورة البقرة (172)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) سورة البقرة (267)
وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
وَقَالَ
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ."

إذا المتقرر عند المسلم هو أن الإنفاق من الحرام ليس من البر وعنده لا يصح ماذكرت من أنه قد يفهم من الآية أن الإنفاق من المحرم قد يكون مقبولا.

ونخلص إلى أن ما ذكره الشيخ رحمه الله صحيح ولا غبار عليه.
 
أخي الكريم حجازي الهوى
بارك الله فيكم على هذه الفوائد القيمة ، وهذا الموضوع اللطيف من الموضوعات الجديرة بالعناية حقاً . جزاك الله خيراً .
وأذكر أن خليل بن أيبك الصفدي صنَّف في ذلك كتاباً خاصاً ، تتبع فيه أمثلته من القرآن وكلام العرب .
 
في قسم البلاغة والنقد بجامعة الإمام رسالة علمية بعنوان (أسلوب الاحتراس في القرآن الكريم: صوره وبلاغته) للباحثة جواهر بنت راشد الرشود، نالت بها درجة (الماجستير) بمرتبة الشرف الأولى في عام 1429هـ، وكان المشرف: الشيخ د.عبد المحسن العسكر، والمناقشان: د. صالح بن محمد الزهراني و د. عويض بن حمود العطوي.
وفي كلية التربية بجامعة الملك سعود رسالة علمية بعنوان (الاحتراس في القرآن الكريم: دراسة نظرية تحليلية) للباحثة حنان بنت قاسم العنزي، مسجلة رسالة (دكتوراه) في عام 1427هـ، بمسار التفسير، ولا أدري إن كانت نوقشت، أو أنها لم تنته، ولعل أخانا الفاضل الشيخ د. عبد الرحمن الشهري يفيدنا بذلك.
 
أخي الكريم حجازي الهوى
بارك الله فيكم على هذه الفوائد القيمة ، وهذا الموضوع اللطيف من الموضوعات الجديرة بالعناية حقاً . جزاك الله خيراً .
وأذكر أن خليل بن أيبك الصفدي صنَّف في ذلك كتاباً خاصاً ، تتبع فيه أمثلته من القرآن وكلام العرب .


جزاكم الله خيرا على مداخلتكم شيخنا الفاضل عبد الرحمن
الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ما ذكرت سابقا وممن تعرض لهذا صاحب كتاب إعراب القرآن وبيانه محيي الدين درويش حيث إنه يذكر الصور البلاغية في كل آية ولا أظن هذا يخفى على علمكم الكريم.
وهناك رسالة ماجستير عنوانها: أسلوب الاحتراس في القرآن الكريم صوره وبلاغته ، وهذه بعض المعلومات عن الرسالة وصاحبتها منقول عن موقع صوت العربية:
• اسم الباحث
جواهر بنت راشد الرشود
• الجنسية
سعودية
• القسم العلمي
كلية اللغة العربية - جامعة الإمام - قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
• عنوان الرسالة
أسلوب الاحتراس في القرآن الكريم – صوره وبلاغته
• درجتها
ماجستير
• التخصص
• تاريخ التسجيل
14 /10 /1427هـ
• اسم المشرف
د. عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
• تاريخ المناقشة
14 /1 /1429هـ
• لجنة المناقشة
د. صالح بن محمد الزهراني / د. عويض بن حمود العطوي
• النتيجة
ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى
 
إضافة

إضافة

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) سورة البقرة(133)
احترس بقوله: " إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ" لأن في أباء يعقوب عليه السلام من لا يجب اتباع ملته. إعراب القرآن محي الدين درويش

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ) سورة آل عمران(111)
"وقوله { ثم لا ينصرون } احتراس أي يولوكم الأدبار تولية منهزمين لا تولية متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة ، أو متأمّلين في الأمر . وفي العدول عن جعله معطوفاً على جملة الجواب إلى جعله معطوفاً على جملتي الشرط وجزائه معاً ، إشارة إلى أنّ هذا ديدنهم وهجيراهم . لو قاتلوكم ، وكذلك في قتالهم غيركم ." التحرير والتنوير

(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) سورة الأنعام (103)
احتراس بقوله" وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ" حتى لا يفهم أنه لا وجود له.

(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة هود (44)
قوله" وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"
"وهذا دعاء أوجبه الاحتراس ممن يظن أن الغرق لشموله الأرض ربما أودى بمن لا يستحق العذاب فدعا على الهالكين ووصفهم بالظلم ليعلم أن الهلاك إنما شمل من يستحق العذاب دون سواهم احتراسا من هذا الاحتمال."
" اعراب القرآن محي الدين درويش

"أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا" سور الرعد من الآية 17
"فقوله :" بقدرها " في موضع الحال من أودية ، وذكره لأنه من مواضع العبرة ، وهو أن كانت أخاديد الأودية على قَدْر ما تحتمله من السيول بحيث لا تفيض عليها وهو غالب أحوال الأودية . وهذا الحال مقصود في التمثيل لأنه حال انصراف الماء لنفععٍ لا ضرّ معه ، لأنّ من السيول جواحف تجرف الزرع والبيوت والأنعام " التحرير والتنوير

" وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ." سورة الرعد من الآية 22
"فقد انتفى بقوله ابتغاء وجه ربهم أن يكون صبرهم ناشئا عن حب الجاه والشهرة أو ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل لئلا يشمت به الأعداء كقول أبي ذؤيب :
و تجلدي للشامتين أريهم ،،،،،،،، أني لريب الدهر لا أتزعزع
و لا اعتقادا منهم بأن الأمر مقدور ولا مفر منه ولا طائل من الهلع ولا مرد للفائت ولا دافع لقضاء اللّه كقوله :
ما إن جزعت ولا هلع .... ت ولا يرد بكاي زندا" إعراب القرآن وبيانه محي الدين درويش

(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) ) سورة الحجر
"الاستثناء في قوله تعالى : « فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس » فإن هذا الاستثناء لو لم يتقدم لفظه هذا الاحتراس من قوله كلهم أجمعون لا حتمل- كما أشرنا في الاعراب- أن يكون في الملائكة من لم يسجد فيتأسى به إبليس ولا يكون منفردا بهذه الكبيرة لاحتمال أن تكون آلة التعريف للعهد لا للجنس فلما كان هذا الاشكال يتوجه على الكلام إذا اقتصر فيه على ما دون التوكيد وجب الإتيان بالتوكيد ليعلم أن آلة التعريف للجنس فيرتفع هذا الإشكال بهذا " إعراب القرآن وبيانه

(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) سورة النحل (26)
"في قوله تعالى « فخر عليهم السقف من فوقهم » فإن لقائل أن يقول : السقف لا يكون إلا من فوق فما معنى ذكر من فوقهم والجواب انه احتراس من احتمال أن السقف قد يكون أرضا بالنسبة لغيرهم ، فإن كثيرا من السقوف يكون أرضا لقوم وسقفا لقوم آخرين فرفع اللّه تعالى هذا الاحتمال بجملتين وهما قوله « عليهم » وقوله « خر » لأنها لا تستعمل إلا فيما يهبط أو يسقط من العلو إلى السفل." إعراب القرآن.

( قَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) سورة النحل(51)
"الاحتراس :
و ذلك في قوله تعالى « و قال اللّه لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد » والمعروف انه لا يجمع بين العدد والمعدود إلا فيما وراء الواحد والاثنين فيقولون عندي رجال ثلاثة ونساء ثلاث لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص فلو لم تشفعه بصفته لما فهمت العدد المراد وأما رجل وامرأة ورجلان وامرأتان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال : رجل واحد وامرأة واحدة ورجلان اثنان وامرأتان اثنتان أما في الآية فالاسم الحامل لمعنى الافراد والتثنية وهو إله وإلهان دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريد الدلالة على أن المراد الذي يساق إليه الحديث هو العدد كان لا بد من أن يشفع بما يؤكده ألا ترى أنك لو قلت إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل إليك أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية فكان لا بد من الاحتراس وهذا من روائع البلاغة التي تتقطع دونها الأعناق." إعراب القرآن

(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى) سورة طه (22)
و في قوله « تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ » فن الاحتراس وقد تقدم ذكره والسوء الرداءة والقبح في كل شي ء فكني به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوءة وكان جذيمة بن الوضاح أبرص فكنوا عنه بالأبرش لأن البرص أبغض شي ء الى العرب وبهم عنه نفرة عنبسة فكان جديرا أن يكنى عنه ولا أحسن ولا ألطف من كنايات القرآن كما يأتي ولو أنه لم يذكر من غير سوء لتوهم أن البياض قد ازداد حتى صار برصا فأتى بقوله من غير سوء دفعا لذلك التوهم. إعراب القرآن

(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة النور(33)

الاحتراس : في قوله تعالى « إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً » فقد أقحم هذا الاعتراض ليبشع ذلك عند المخاطب ويحذره من الوقوع فيه ولكي يتيقظ أنه كان ينبغي له أن يأنف من هذه الرذيلة وإن لم يكن زاجر شرعي ، ووجه التبشيع عليه أن مضمون الآية النداء عليه بأن أمته خير منه لأنها آثرت التحصّن عن الفاحشة وهو يأبي إلا إكراهها ، ولأبي السعود قول جميل في هذا الصدد : « و قوله تعالى إن أردن تحصنا ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنا وإخراج ما عداها من حكمه كما إذا كان الإكراه بسبب كراهتهنّ الزنا لخصوص الزاني أو لخصوص الزمان أو لخصوص المكان أو لغير ذلك من الأمور المصحّحة للاكراه في الجملة بل للمحافظة على عادتهم المستمرة حيث كانوا يكرهوههنّ على البغاء وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور وقصورهن في معرفة الأمور الداعية الى المحاسن الزاجرة عن تعاطي القبائح » .

(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) سورة النمل(91)
"الاحتراس :
في قوله تعالى « و له كل شي ء » احتراس بديع وقد تقدم ذكر هذا الفن وأنه يؤتى به دفعا لتوهم يتوجه على الكلام ، فقد أضاف سبحانه اسمه الى مكة تشريفا لها وذكرا لتحريمها ، ولما أضاف اسمه الى البلدة والمخصوصة بهذا التشريف أتبع ذلك اضافة كل شي ء سواها الى ملكه قطعا لتوهم اختصاص ملكه بالبلدة المشار إليها وتنبيها على أن الاضافة الأولى إنما قصد بها التشريف لا لأنها ملك اللّه تعالى خاصة." إعراب القرآن

(وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) سورة القصص (46)
"و في هذه الآية نفسها فن الاحتراس وقد تقدم ذكره كثيرا ، ولعل الاحتراس الذي وقع في هذه الآية أعجب احتراس وقع في القرآن فالخطاب كما قلنا موجه الى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ولما نفى تبارك وتعالى عن رسوله الكريم كونه بالمكان الذي قضى لكليمه موسى الأمر عرّف المكان بالجانب الغربي ولم يصفه باليمين كما قال في الإخبار عن موسى عليه السلام : « و ناديناه من جانب الطور الأيمن » أدبا منه سبحانه مع نبيه أن ينفي عنه كونه في الجانب الأيمن ووصف سبحانه الجانب هاهنا باليمين إذ أخبر أنه نادى منه كليمه موسى تشريفا له." إعراب القرآن

(وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) سورة الأحزاب (25)
"في قوله « ورد الذين كفروا بغيظهم ... » الآية فن المناسبة وقد تقدم الإلماع الى هذا الفن وأنه ضربان : مناسبة في المعاني ومناسبة في الألفاظ ، وما ورد في هذه الآية من الضرب الأول لأن الكلام لو اقتصر فيه على دون الفاصلة لأوهم ذلك بعض الضعفاء أن هذا الإخبار موافق لاعتقاد الكفار في أن الريح التي حدثت كانت سببا في رجوعهم خائبين وكفى المؤمنين قتالهم ، والريح إنما حدث اتفاقا كما تحدث في بعض وقائعهم وقتال بعضهم لبعض وظنوا أن ذلك لم يكن من عند اللّه فوقع الاحتراس بمجي ء الفاصلة التي أخبر فيها سبحانه أنه قوي عزيز قادر بقوته على كل شي ء ممتنع وأن حزبه هو الغالب وأنه لقدرته يجعل النصر للمؤمنين أفانين متنوعة ليزيدهم إيمانا وتثبيتا فهو ينصرهم." إعراب القرآن

(لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) سورة الواقعة(44)
" في قوله « لا بارد ولا كريم » فن الاحتراس وقد تقدم تعريفه ، وهنا لمّا قال وظل من يحموم أوهم أن الظل ربما جلب لهم شيئا من الراحة بعد التعب فنفي عنه صفتي الظل يريد أنه ظل ولكن لا كسائر الظلال التي تنشر البرد والروح وتجلب النفع لمن يأوي إليه ويتفيأ تحته ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح إليه فقوله لا بارد ولا كريم صفتان للظل لا لقوله من يحموم ، وهنا يرد اعتراض بأن الفاء تفيد الترتيب مع التعقيب ، ونقول نصّ الرضي على أنه غير واجب مع أنه هنا يفضي إلى عدم توازن الفاصلتين وجعلهما نعتين ليحموم لا يلائم" إعراب القرآن محي الدين درويش

وختاما أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة الذين قال فيهم:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)) سورة المرسلات

محبكم في الله
حجازي الهوى
9/1/1431 هـ
 
وفي كلية التربية بجامعة الملك سعود رسالة علمية بعنوان (الاحتراس في القرآن الكريم: دراسة نظرية تحليلية) للباحثة حنان بنت قاسم العنزي، مسجلة رسالة (دكتوراه) في عام 1427هـ، بمسار التفسير، ولا أدري إن كانت نوقشت، أو أنها لم تنته، ولعل أخانا الفاضل الشيخ د. عبد الرحمن الشهري يفيدنا بذلك.

انتهت الطالبة من بحثها ، ومشرفها الأستاذ الدكتور زيد عمر عبدالله وفقه الله . وهي في طور تشكيل لجنة لمناقشتها بإذن الله .
 
جزاك الله خيراً ...

وفعلاً هذه قاعدة جليلة قرأتها منذ زمن للسعدي وطبقتها في كلامي وفي حكمي حيث أنها تساعد على الإنصاف.

فإن قدحت برنامج أو محاضرة أو مقالة أو غير ذلك وكان فيها خير ذكرت الخير أيضاً لئلا يعتقد قارئ أني أذمها من ساسها لراسها :)
 
عودة
أعلى