فليبتكنّ آذان الأنعام ؟!

إنضم
08/09/2017
المشاركات
614
مستوى التفاعل
6
النقاط
18
الإقامة
السودان
قال تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
(إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيدا، إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبا مفروضا، ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليّا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا، يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصا ) سورة النساء- 121



بدأت الآيات أعلاه بالشرك بالله وأنه ضلالا بعيدا،

ثم وعد الشيطان، بمن يستعين به أو يتخذه وليا من دون الله، بقوله : لأضلّنهم ثم لأمنينّهم ثم لآمرنّهم،
والتضليل معروف أنه من فعل الشيطان وهو يتم عن طريق الوسوسة (فوسوس له الشيطان)، (ووسوس لهما) (الذى يوسوس فى صدور الناس)

ولكن زيد عليه فى هذه الآية خلق الأمنيات (لآمنينّهم) أى التوهم بوقوع شئ فى المستقبل يرغبه الإنسان،

ثم ثالثا الأمر، (لآمرنّهم)، فأين وكيف ومتى (يأمر) الشيطان البشر؟ وهل يطيعونه؟!

في حياة البشر هناك (السحر)، حين يلجأ الإنسان الى السحرة عندما تغلق عليه الأبواب وييأس من رحمة الله تعالى، أو عندما يتمنى ويتعجل حدوث شئ يصعب تحقيقه ويستبطئه من الله تعالى، أو عندما يرغب فى إحداث ضرر بإنسان ويخشى القانون وهى رغبة تنتج عن حسد وغيرة وحقد، مثل التفريق بين زوجين كما جاء فى الآيات بسورة البقرة (فيتعلمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم).

وهذا كله يبدأ بالوسوسة (التضليل)، وبهذا التضليل تزرع الأمنية فى النفس، ثم يذهب الإنسان بأمنيته تلك الى الساحر لتحقيقها، ومعلوم أن السحرة يستعينون بالشياطين، حينها (يأمر) الساحر الإنسان بفعل شئ غير مألوف، فيطيعه الإنسان بكل سرور تدفعه أمنياته ورغباته، وثقة الشيطان وغروره بطاعة هذا الإنسان له فى قوله (فليبتكنّ) (فليغيرنّ) بالنون المشددة.

وما يطلبه الساحر من الإنسان (بأمر من الشيطان) هى فعل أشياء غريبة لا معني لها جاءت الإشارة لها فى الآية بـ(قطع آذان الأنعام) و(تغيير خلق الله)، كأن يذبح قطة أو يأكل ما حرّمه الله أو كتابة رموز وكلمات وطلاسم بالدم على أقمشة ودفنها فى المقابر أو وضع بيض نئ مكسور أمام باب المنزل، أو شرب مشروبات غريبة، أو التبخير بنوع معين من العطور يطلبها الساحر الكافر ثم يقرأ عليها تعاويذه الكفرية..إلخ،

وكلها أفعال تخرج المومن من الإيمان، وهكذا يستمر الساحر (يأمر) والإنسان يطيع وينفذ،
ويعدهم ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
 
قال الله تعالى : "وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا" النساء 119
قال الإمام أبوالحسن الواحدي في "التفسير البسيط"104/7: - قوله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}. قال ابن عباس: "يريد من سبيل الهدى". وقال الكلبي: لأضلنهم عن الحق.
{وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}. قال ابن عباس: يريد تسويف التوبة وتأخيرها .
وقال الكلبي: أمنينهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث .
الزجاج: أي أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا .
وقال غيره: ولأمنينهم ركوب الأهواء الداعية لهم إلى العصيان .
وقيل: ولأمنينهم طول البقاء في نعيم الدنيا؛ ليؤثروها على الآخرة .
وقوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ}.
البتك: القطع ، وسيف باتك: قاطع، وسيوف بواتك: قواطع، والتبتيك: التقطيع .
وهو في هذا الموضعِ: قطع آذان البحيرة عند جميع أهل التفسير .
وقوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. قال ابن عباس: يريد دين الله .
وهو قول إبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك وقتادة والسدي وسعيد ابن المسيب وسعيد بن جبير .
ومعنى تغيير دين الله على ما ذكره أهل العلم: هو أن الله تعالى فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم كالذر، وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم، وآمنوا، فمن كفر فقد غيّر فطرة الله التي فطر الناس عليها .
وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، ويُنصرانه، اويمجسانه" .
وقال بعضهم: معنى تغيير دين الله هو تبديل الحرام حلالًا، والحلال حرامًا .
وروي عن أنس وشهر بن حوشب وعكرمة وأبي صالح، أن معنى تغيير خلق ههنا: هو الخصاء، وقطع الآذان، وفقء العيون، لهذا كان أنس يكره خصاء الغنم .
وكانت العرب إذا بلغت إبل أحدهم ألفًا، عوروا عين فحلها.
وروى يونس عن الحسن قال: هو الوشم . يعني ما لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الواشمة والمستوشمة .
وقال أبو زيد: هو التحنت." توقع محققه أنه ربما قصد : التخنث.
وقال أبو إسحاق: معناه أن الله عز وجل خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها، فحرموها على أنفسهم، كالبحائر والسوائب والوصائب، وخلق الشمس والقمر سخرةً للناس ينتفعون بها، فعبدها المشركون، فغيروا خلق الله .
والأظهر هو القول الأول، لأنه يدخل فيه كل ما نهى الله عنه، وكل من ارتكب محظورًا، أو أتى منهيًّا، فقد غير دين الله .


* إن الدارس لاصول التفسير , لايسعه الا أن يأخذ تفسير القرآن الذي هو بيان مراد الله تعالى من خلال القواعد والأصول التي أقرها أهل علوم القرآن سلفا وخلفا من التفسير بالقرآن , وبالسنة " التفسير النبوي المباشر, وغير البمباشر", ومقتضى لغة العرب, وأقوال السلف في التفسير من الصحابة والتابعين ..
ولعل من يقارن بين المعاني التي نقلها "الواحدي" عن السلف , وبين ماتفضلت به أختنا " الزيتونة" , في بعض معاني الآية يلاحظ الفرق الواضح.
ينبغي أن نفرق دائما بين "التدبر" و "الإشارة" و"الإسقاط على الواقع" و"الإستشهاد", وأي هذه التطبيقات يمكن إعتباره من التفسير والبيان .
 
شكرا اخ مسعود،

لعلك لاحظت اختلاف التفاسير التى أوردتها بين بعضها البعض، فهل كان لدى هؤلاء المفسرين قاعدة يستندوا عليها؟
وبالطبع إذا كانت هناك قاعدة، فالنتيجة ستكون تشابه التفسيرات، ولكننا نلاحظ اختلافها.
ثانيا : لم يوضح لنا المفسرون جزاهم الله خيرا، متى وكيف يأمر الشيطان الناس؟ فيطيعونه بكل صدق وجد :
ولآمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...جزاكما الله تعالى خيرا...الأخت الفاضلة زيتونة أحببت ان أسأل ما هو الربط بين معنى الآية الكريمة والسحر....لان من الصعب ان نفهم توجيه المعنى للسحر بدون وجود قرينة تدل على ذلك...وفقنا الله تعالى واياكم.
 
شكرا الأخ البهيجى،
هناك من الآيات التى تحمل موضوعات متشابهة، ويمكن للقارئ أن يربط بينها ويستنبط ليخرج بالفكرة،

مثلا الآية بسورة البقرة تقول (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )
نعلم أن الشياطين هم وراء السحر والسحرة، وعندهم القدرة على التفريق بين المرء وزوجه،
ولكن لم يأت التفصيل فى الآية عن كيفية أو تفاصيل فعل السحر،

وهنا نجد تسلسل الأفعال (لأضلنهم ولآمنينهم ولآمرنهم)
وقد جاء التضليل بمعنى الغواية والتزيين ، ومثل لهم القرآن بتضليل الشيطان لآدم وزوجه، بالوسوسة والتزيين و لم تكن أمرا، وعن طريق الوسوسة (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين..)
ثم بمتابعة كل الآيات التى وردت بالقرآن نعلم مداخل الشياطين،
كالحسد بين يوسف وأخوته،
وبالتنبيه على كلمة (الأمر) نجد أن الشيطان لا يستطيع الأمر مباشرة، بينما ذكرت كلمة التضليل قبلها، إذا هى مختلفة عنها
ثم تأكيد الشيطان على تنفيذ ذلك الأمر وبثقة (فليبتكنّ) (فليغيرنّ)
فالإنسان الذي وصلت به درجة (الضلال) الى أن يصل للسحرة للإستعانة بهم فبالتأكيد سينفذ أوامرهم،
ثم تجئ أفعال أخرى كبتك أذان الأنعام، وتغيير خلق الله،
وهو ما نشاهده فى حياتنا من أفعال غريبة غير مفهومة.
 
جزاك الله خيرا أخت "الزيتونة" على ماتفضلت به من رد , لكن فقط أود التنبيه على أن الأقوال التي أوردها المفسرون - من علماء السلف - ليست مختلفة بمعنى متعارضة , انما هي مختلفة اختلاف تنوع , فكل منهم كان يذكر مثالا لتغيير خلق الله , أو لإضلال الشيطان, أو أمانيه المغررة , أو أنواع إضلاله .
أما المفسرون من السلف فما بعدهم , فقد بينوا مداخل الشيطان وطرقه في إضلال الناس , واغرائهم بتغيير خلق الله , بل هي واضحة في القرآن نفسه بما لايحتاج الى بيان :
- "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا"
- "من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس"
فهو يتصل بالإنسان من هذا "البعد" الثالث , أين يوحي له, أي يلقي عليه تعليماته وأوامره دون أن يراه, وتسميته بالوسوسة , وهو الكلام السريع الخفي أقرب إلى معنى الوحي, وهذه الحقيقة أشار إليها الله عز وجل في قوله " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم ".
أما مداخله المختلفة التي أفاض العلماء في الكلام عنها , مثل صنيع ابن القيم في "اغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " , فإنهم يحذون من المنافذ التي يدخل من الشيطان على الإنسان لكي يوحي اليه بالشر , ويوسوس له بفعل المنكرات, والمفاسد..
السحر نفسه , يأتي نتيجة " ايحاء " الشيطان للساحر, والمسحور, فهو عمل شيطاني بحت , وهو نفسه تنفيذ لأوامر الشيطان التي مصدرها دائما الوسوسة , والوحي الخفي.
 
أنا لم أقل أبدا أن تفسيرك فيه تناقض أو "تضاد", بل أردت أن أنبه إلى أن التفسير هو من أجل علوم القرآن , له أصوله, وقواعده, وضوابطه, التي قررها أهل العلم , حتى صار علم التفسير اليوم علما قائما بذاته , له مناهجه, واتجاهاته , وضوابطه, وقواعده.
أما أن يكون مرد فهم مراد الله من آيات القرآن , هو مجرد التعويل على قدراتنا اللغوية , أو تراكماتنا المعرفية , أو أذواقنا , ومؤهلاتنا العقلية , فهذا كله ضروري في التعامل مع أي علم كان, لكن تبقى مراعاة "أصول " العلم وقواعده ضرورية , في سبيل الوصول إلى مخرجات علمية صحيحة , يمكن اعتبارها إضافة جديدة في مسار هذا العلم..
ولو انك استعملت عبارة أخرى غير "التفسير" , مثل "التدبر" أو " إيحاءات الآية" أو " ظلال الآية" , أو " الإسقاط" أو " الإشارة" كما يسميها المفسرون من أهل "السلوك" , لكان تعبيرك أدق عن ما أردت الوصول إليه من خلال مافهمت "أنت" من الآية.
وفقنا الله وإياك إلى التفقه في آيات كتابه , وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم..
 
عودة
أعلى