[align=center]لم أستمع بعدُ إلى المحاضرة ولكن لي تعليق على الموضوع، موضوع العلاقة بين العروبة والإسلام . ومن أحسن ما وقعت عيناي عليه قول لرحمة الله بن خليل الهندي في كتابه إظهار الحق :"اعلم أنّ الصادق صلوات الله عليه إنما أُرسِل إلى بني إسماعيل وهم
رسلُه إلى العالَم. فإنه إنما جاء بإصلاح ما لديهم . وليس بنقضه من أساسه". لكن هذا النص على صحته لا يحلّ إشكال المشكلة
ومن أحسن من أراه عالج العلاقة بين العروبة والإسلام هو
الأستاذ محمد عابد الجابري في مواضع متعددة
والأستاذ مكسيم رودنسون في كتابه "الماركسية والعالم الإسلامي".
لقد أسيء إلى العلاقة بين المفهومين "العروبة" والإسلام" بسبب أن الحركات "الإصلاحية"
في مطلع القرن العشرين قادها ناس هم إما "غير مسلمين" أو "عرب من الدرجة الثانية" كما
قال غابريلي "لقد كان النصارى العرب يشعرون على مدار التاريخ الإسلامي أنهم
مواطنون من الدرجة الثانية"
ولذلك فحين حددوا مفهوم القومية العربية استبعدوا أهم بعد فيها وهو البعد الإسلامي
واستغنوا عنه بأن اعتمدوا على العسكر لفرض صيغة معدلة من الماركسية مفصلة على الشعوب العربية(تجربة البعث). و(الناصرية) وإن كان جاك بيرك قد أثنى على جمال بأنه
نقل العرب من المرحلة الإقليمية إلى المرحلة العالمية.
ويعجبني قول الرصافي في 3 قصائد في ديوانه حين رأى المؤتمر القومي العربي
:الأول يعقد في باريس بحضور مسيحي 100%. فقال
مَنْ مُبلغُ القوم أن المصلحين لهم أضحوا كمن لبس الجلباب مقلوبا
عدوا النصارى وعدوا المسلمين بها ونحن نعهدهم طرا أعاريبا
ما ضرهم لو نحوا في الأمر جامعة ننفي الكنائس عنها والمحاريبا
لكنهم أمة تأبى مشاربها إلا التعصُّب للأديان مشروبا
وقوله
همُ أسمعونا نعرةً عربيةً فدوى صداها في المسامع مضطرا
فكم من خطيب قام فيها مثرثرا فطرى لنا من يابس القول ما طرّا
وكم شاعر قد أرخص الشعر دونها وكم قلم فوق الطروس بها صرّا
وكنا أجبناهم إليها إجابةً بها قد تركنا جانب الدين مزورّا
وقوله بها قد تركنا جانت الدين مزورا إشارة إلى تحديدهم للهوية القومية
تحديدا خاطئاً باستبعاد البعد الإسلامي.
لقد جنى النقص المعرفي لدى المفكرين المنظرين للهوية القومية على الأمة أيما جناية حين
استبعدوا أهم أبعاد الهوية القومية وهو البعد الإسلامي، مما ولّد لدى الإسلاميين وتلاميذ المساجد والكتاتيب نفورا من حتى كلمة "قومية". وحين أراد الأستاذ حسن الترابي أن يعيد البعد الإسلامي إلى الهوية القومية فأسمى حركته بالحركة القومية الإسلامية وجد بعض الناس صعوبة في فهم مراميه لأنهم ربطوا مفهوم قومية بتحديد نصارى لبنان له!
رأيت كثيرين من ذوي الأسماء الشهيرة يخلطون في المفهوم ، وهو علامة على ضعف بضاعتهم من العلوم الرياضية والتجريدية شأن أي إنسان يربط بين المفهوم وبين اسمه.
أو لم يفهم معنى قولهم لا مشاحة في الاصطلاح.
ومن أحسن نفثات الرصافي ضد نصارى بلاد الشام
قل للألى نطقوا بالضاد مدّغماً لم يُدغم الضاد آباء لكم فرطوا
[إشارة إلى الضاد الأعجمية الشديدة المخالفة للضاد العربية الرخوة، جرها إليهم المبالغة في التفريق بين الصوتين فذهبوا بالضاد إلى أن تكون دالا مفخمة. وفاتهم أن الفرق أقل من ذلك بكثير حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية "إذ هما في السمع واحد"ف]
قل لليعاريب قد هانت مكارمكم حتى ادعاها أناس كلهم نبط
أين المكارم إن هم أصبحوا عربا فإنها في طباع العرب تُشترطُ
إني ابتليتُ بقوم يبعرون على أعقابهم وإذا عنفتهم ثلطوا
يستنثرون صَغارا من معاطسهم ولا يبالون إن قالوا وإن ضرطوا
ويمكن أن نجمل قولا في المسألة التي كانت أكبر مسألة تلوعب بالأمة بها في القرن العشرين المسيحي. وقد استخدمتها تيارات صهيونية أو ماسونية عاملة في الخفاء ولا ريب استطاعت عبر شغلها على الكيانات السياسية أن تفعل بأمة الإسلام أفاعيلها.
وقد بدأ التلاعب يؤتي أكله في عامي 1908-1909 إبان ما عرف بالانقلاب العثماني
حددت الهوية التركية على اساس العرق الطوراني واستبعد البعد الإسلامي السني من هوية الأتراك-.
ضرب العرب بالأتراك ليستنفروا ضدهم
وهذا ما جعل الشريف حسين ومناصريه من العرب ينخدعون مرتين مرة فكريا بأن قاموا بتحديد الهوية القومية على نفس طريقة الترك وذلك باستبعاد البعد الإسلامي . قال فيصل بن الحسين ملك العراق : نحن عرب قبل موسى وعيسى ومحمد
ومرةً سياسيا بأن يصدّقوا وعود الإنكليز بأنهم سيعطونه الشرق العربي كله
قام حزب البعث بضرب الأكراد بالعرب نشأت الهوية القومية الكردية رد فعل على العرب والترك معا وأيضا باستبعاد البعد الإسلامي من الهوية القومية الكردية
أما في شمال إفريقيا فالوضع أفضل ذلك أن البربر باستثناء بعض أفراد منطقة القبائل وبعض المغاربة لا يجدون غضاضة أن يعدوا عربا
وقد سمعت بنفسي بوتفليقة يصف الأمة الجزائرية بقوله
الإسلامية دينا
العربية ثقافة
الأمازيغية عرقا
وما أحسن قول جعفر ماجد ضد الاستعمار الفرنسي
هذه الأرضُ وجهها عربيُّ عاد فيها محمدٌ وعلُّي
طلبوا مسخها فلم يمسخوها وأرادت فأخرج الأجنبيُّ
وهذا كلام ناس يفهمون حقيقة انتمائهم بخلاف الذين تلاعبوا بالأمة من القوميين الترك والعرب في العراق والشام والحزبين الكرديين الحاليين.
وأما رأي الشرع في المسألة فهو وظيفة علم أصول الدين الذي لم يقُم المسلمون بإحيائه
لأسباب لا يسعني ذكرها الآن.
لكن لا ننس أننا جميعا نسمى (أمة محمد)وأن اللغة إنما هي واحدة من عدة أبعاد في الهوية القومية وليست كل الأبعاد.
فالكردي يتكلم نفس لغة اليزيدي عابد الشيطان فهل هو أخوه في القومية ؟
كيف يكون أخاه في القومية وهو يستطيع أن يزوج بنته للعربي المسلم أو يتزوج منه وأن يأمنه ويأتمنه؟
ولكيلا ينأى بنا الموضوع فنصبح جاحظيين استطراديين نقول رأينا باختصار
إنه لا فرق بين أن تكون القدس وفلسطين قضية عربية أو إسلامية لأنه لا يوجد تضاد بيت العروبة والإسلام
بل كل مسلم فهو عربي الثقافة واللغة العربية هي لغته الدينية
والشعوب العربية كلها أغلبها مسلمون
فعلى الإخوة الذين ورثوا تخاليط القرن العشرين أن يكفوا عن هذرهم ويتخلصوا من عقدهم إزاء العروبة
على الترك أن يقبلوا على استعادة هويتهم القومية الحقة بإدخال أهم أبعادها وهو أنهم مسلمون أولا
وعلى الكرد أن يتخلصوا من عقدهم إزاء العرب والترك فهم مسلمون أولا
لا شكّ أن أحد أسباب نجاح حماس عدم انزلاقها إلى ضرب المفهومين ببعضهما
مفهوم عروبة ومفهوم إسلام
وثم ملاحظة قبل أن أختم لا يجوز استخدام قومية بمعنى عرق لأن الأعراق قد تختلف في انتماءاتها كما هو حاصل بين كثير من الشعوب
أرجو أن أكون قد وفقت في بيان أهمية المسألة في العقيدة
وأن على الإنسان المسلم أن يجد هويته في القرآن أولاً
وأن أمة محمد ذات هوية قومية واحدة
وأن العرق واللون واللغة أبعاد ليست الأهم في الهوية القومية
[/align]