محمود عبد الصمد الجيار
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
فقه يساير متطلبات العصر.. كيف؟
[مقال نشر بجريدة «الأهرام» المصرية، 13/ 2/ 1998م، الصفحة: 11]
الأمة تحتاج لاجتهاد يستوعب كل أمورها؛ لأن الإسلام يستوعب الحياة الإنسانية ولا يتناقض معها، وأن الفقه الإسلامي هو الذي ينظم حياة المسلم، وهو قادر على مسايرة روح كل عصر ويتماشى مع مصالح الناس والمهم أن يكون لدينا اجتهاد حقيقي صادر عن الإطار العام الثابت ويستوعب قضايا العصر.ومن هنا طرحت )صفحة الفكر الديني ( في الأسبوع الماضي قضية مسايرة الفقه الإسلامي لمستجدات عصرنا، واليوم نواصل مناقشة هذا الموضوع ولتكن البداية مع الدكتور عبده الراجحي الأستاذ بجامعة الإسكندرية الذي أكد أن هناك حقائق راسخة في الإسلام ليست موضوع نقاش ولا خلاف، يتحدث عنها المسلمون دائما لكنهم لا يرتبون عليها ماتؤدي إليه من عمل.
من هذه الحقائق أن الإسلام جاء للناس كافة، وأنه خاتم الأديان جميعها، أي إنه قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذا كلام مستقر نردده كل يوم، لكننا نتغافل بعد ذلك أحيانا عما يفضي إليه، ومايفضي إليه هو المقصود، وأول ذلك أن الإسلام يستوعب الحياة الإنسانية ولايتناقض معها، وأن سنة الله في الكون قد اقتضت ألا تكون هذه الحياة على هيئة واحدة، وإنماتتعدد و«تتنوع» و«تختلف» باختلاف المكان والزمان. من هنا لم يكن تنظيم الإسلام لقواعد الحركة في الحياة تنظيما واحدا جامدا لا يتغير؛ بل وجدنا فيه على امتداد تاريخه «تنوعا» و«تعددا» و«اختلافا» يصدر في أصله عن هذه السنة الإلهية فى الكون.
وأضاف: ومن الحقائق الراسخة أيضا أن الفقه -وهو الذي ينظم حياة المسلمين- هو ما ماتوصل إليه علماء المسلمين من«اجتهادهم» الدءوب في محاولة فهم النصوص، وهي محاولة «جوهرها» إنسانى بما تعنيه من محدودية العمل الإنساني وقصوره وارتباطه ببيئته الزمانية والمكانية، ومن حقنا أن نعتز اعتزازا كبيرا بهذا التاريخ المشرق؛ لأنه يقبل قبولا قويا مبدأ التعدد والتنوع والحركة المستمرة، نعم هناك إطار عام ثابت لكن الحركة داخله «مشروعة» ومطلوبة وحتمية.
وعن فقه خاص يناسب ظروف الأقليات المسلمة فى البلاد الأجنبية أوضح أن يكون الأقليات الإسلامية في المجتمعات الأخرى، يواجهون -كما نواجه نحن أيضا- قضايا«حيوية» تتصل اتصالا جوهريا بحياتهم، والإسلام لم يعرف يوما نظام «الجيتو» أو الانعزال في «حارة» مغلقة وهو أمر يستحيل حدوثه الآن على أية حال، كما أن فكرة الهجرة كما نادى بها أصحاب التكفير تتناقض مع هذه الحقائق الإسلامية الراسخة.
فهل يظل «الفقه» صامتا أمام هذه القضايا التي تعيشها الأقليات الإسلامية ومنها ما يتصل بالحركة اليومية كقضية «البنوك» التي لا بديل لها أمامهم، وقضية العمل في أماكن يضطر فيها المسلم إلى حمل صناديق الخمور أو لحم الخنزير، أويسكن في بيت تحته «بار» أوملهى، ثم ماذا عن نظام العمل وقواعده في عالم تخضع فيه الحياة المعاصرة لشبكة معقدة جدا من العناصر، وإذا كان الخطباء يرفعون أصواتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك هذه الأمة على«المحجة البيضاء ليلها كنهارها» فينبغي أن نفهم من ذلك أنه لا مكان لغموض أو تغافل أو تجاهل، بل نلقي الضوء على كل ما يجد أمامنا في الحياة ولا نترك فيه نقطة واحدة يلفها الظلام.
-يتحدث كثيرون عن الإمام محمد عبده باعتباره رمزا للتجديد فما تعليقكم؟
يجب أن ندرك أنه ليس فريدا في بابه بل هو حلقة في سلسة طويلة مضيئة منذ اجتهادات الخليفة الأول رضى الله عنه إلى يومنا هذا.
وعلى أيه حال فإن الدعوة إلى أن يظل باب الاجتهاد مفتوحا ليست شيئا جديدا، لكن المهم أن يكون هذا الاجتهاد حقيقيا، صادرا عن الإطار العام الثابت مستوعبا لقضايا العصر، مدركا لاختلاف «القدرات» وتعدد العناصر البيئية والاجتماعية مرتكزا على معرفة علمية واسعة وعميقة، ولسنا نغالي حين نلحظ أن الأسلام الآن ملجأ لكثيرين خاصة مايعرف بالمجتمعات المتقدمة وهذا موضوع كبير يستحق الدراسة الواعية، لكننا نشير إليه فقط لاتصاله الوثيق بما نحن فيه...