فقه الحق ..

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..



فهذه عصارة اختيار سنوات جمعتها بعمل يدي من تقريرات الشيخ في فقه الحق ،أضعها بين يدي إخواني؛لينتفعوا بها، رزقني الله وإياهم العلم النافع والعمل الصالح، ووقانا الله شر الغثاء، و لم يجعل أعمالنا من الزبد الذي يذهب جفاء..




[ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ]



· قال الشيخ : ((من كان مطلوبه الحق من حيث هو حق، غير متبع لهواه المخالف للحق، فإنما مقصوده في الحقيقة هو الله ؛ فإنه الحق المحض))[جامع 6/141].



[الحق والإيمان]



· قال الشيخ : ((الأمة الوسط تصدق بالحق الموجود ،وتؤمن بالإله الواحد المعبود ))[ ( 19/62 )].




[الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَّا يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ]



· قال الشيخ : ((صلاحَ العبد في أن يعلمِ الحقَّ ويَعمَلَ به، فمن لم يَعلمِ الحقَّ فهو ضالٌّ عنه، ومَن عَلِمَه فخالفَه واتبَعَ هَواه فهو غاوٍ، ومَن علمه وعَمِل به كان من أولي الأيدي عملاً ومن أولي الأبصار علمًا. وهو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله سبحانه في كلِ صلاة أن نقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) فالمغضوب عليهم: الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه كاليهود، والضالّون: الذين يعملون أعمالَ القلوب والجوارح بلا علمٍ كالنصارى))[جامع 3/85].



· وقال : ((والتصديقُ بالحقّ وحبُّه هو أصلُ العلم النافع والعمل الصالح، والتكذيبُ به وبُغْضُه هو من الجهل والظلم. فالإنسان إذا لم يعلم من الحق ما يحتاج إليه أو لم يُقِرَّ به أو لم يُحِبَّه كان ظالمًا لنفسه، وإن أقرَّ بباطل أو أحبَّه واتَّبَع هواه كان ظالما لنفسه، فظلمُ النفسِ يعود إلى اتباعَّ الظن وما تهوى الأنفس، وهذا يكون في اتباع الآراء والأهواء، فأصلُ الشرِّ البدَعُ، وهو تقديمُ الرأي على النصِّ واختيارُ الهَوَى على امتثالِ الأمر، وأصلُ الخير اتباعُ الهُدَى))[جامع 4/49].



[طريق الهداية والنجاة من اتباع الظن والهوى]



· قال الشيخ : ((ومن تمام الهداية أن يَنظُر المستهديْ في كتاب الله، وفيما تواتَر من سنةِ نبيه وسنةِ الخلفاء، وما نقلَه الثقاتُ الأثباتُ، ويُميِّزَ بين ذلك وبين ما نقلَه مَن لا يَحفظ الحديثَ، أو يُتَّهَم فيه بكذب لغرضٍ من الأغراض، فإنّ المحدِّثَ بالباطل إمَّا أن يتعمد الكذبَ، أو يَكذِبَ خطأً لسوءِ حفظِه أو نسيانِه أو لقلَّةِ فهمِه وضبطِه.ثمَّ إذا حَصَلَتِ، المعرفةُ بذلك تدبَّر ذلك، وجَمَعَ بين المتفق منه، وتَدبَّر المختلفَ منه حتى يتبيَّنَ له أنه مُتّفق في الحقيقة وإن كان الظاهرُ مختلفًا، أو أن بعضَه راجحٌ يَجِبُ اتباعُه، والآخر مرجوحٌ ليس بدليلٍ في الحقيقة وإن كان في الظاهرِ دليلاً. أما غَلَطُ الناس فلعدمِ التمييز بين ما يُعقَلِ من النصوصِ والآثار،أو يُعقَل بمجردِ القياس والاعتبار، ثمَّ إذا خالط الظنَّ والغلط في العلم هَوَى النفوس ومُنَاها في العمل صارَ لصاحبِها نصيبٌ من قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )؛وهذا سبب ما خُلِقَ الإنسانُ عليه من الجهلِ في نوع العلم، والظلمِ في نوع العمل، فبجهلهِ يتبع الظن، وبظلمِه يتبع ما تَهوَى الأنفسُ. ولمّا بعثَ اللهُ رسلَه وأنزلَ كُتبه لهدى الناسِ وإرشادهم، صارَ أشدُّهم اتباعًا للرسلِ أبعدَهم عن ذلك، كما قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )


ولهذا صار ما وصفَ الله به الإنسانَ لا يَخصُّ غيرَ المسلمين دونَهم، ولا يَخصُّ طائفة من الأمة، لكن غير المسلمين أصابَهم ذلك في أصولِ الإيمان التي صارَ جهلُهم وظلمُهم فيها كفرانًا وخسرانًا مبينًا، ولذلك من ابتدعَ في أصولِ الدين بدعة جليلةً أصابَه من ذلك أشدُّ ممّا يُصيبُ مَن أخطأَ في أمرٍ دقيقٍ أو أذنبَ فيه، والنفوسُ لَهِجَة بمعرفةِ محاسنِها ومساوئ غيرِها.وأما العالم العادل فلا يقول إلا الحقَّ، ولا يتّبعُ إلا إيَّاه)).



· قال الشيخ : ((إذا قوى العلم والتذكر دفع الهوى وإذا اندفع الهوى بالخشية أبصر القلب وعلم ،وهاتان هما الطريقة العلمية والعملية كل منهما إذا صحت تستلزم ما تحتاج إليه من الأخرى وصلاح العبد ما يحتاج إليه ويجب عليه منهما جميعا ولهذا كان فساده بانتفاء كل منهما فإذا انتفى العلم الحق كان ضالا غير مهتد وإذا انتفى اتباعه كان غاويا مغضوبا عليه))[ (15 /244 )].



· وقال : ((فالهدى يتضمنُ كمالَ القوة العلمية، ودينُ الحق يتضمنُ كمالَ القوةِ العملية.))[جامع 5/283]



· وقال : ((وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز : لَا تكن مِمَّن يتبع الْحق إِذا وَافق هَوَاهُ وَيُخَالِفهُ إِذا خَالف هَوَاهُ فَإِذا أَنْت لَا تثاب على مَا اتبعته من الْحق وتعاقب على مَا خالفته . وَهُوَ كَمَا قَالَ - رَضِي الله عَنهُ - لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِنَّمَا قصد اتِّبَاع هَوَاهُ لم يعْمل لله )).



[بَلْ يتواصون بِالْحَقِّ وَالصَّبْر]



· قال الشيخ : ((لا تقع الفتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فهو سبحانه - أمر بالحق وأمر بالصبر ؛ فالفتنة إما من تَرْك الحق ، وإما من ترك الصبر))[ الاستقامة ( 1/39 )].



· وقال : ((فَلَا بُد من التواصي بِالْحَقِّ وَالصَّبْر إِذْ أَن أهل الْفساد وَالْبَاطِل لَا يقوم باطلهم إِلَّا بصبر عَلَيْهِ أَيْضا لَكِن الْمُؤْمِنُونَ يتواصون بِالْحَقِّ وَالصَّبْر وَأُولَئِكَ يتواصون بِالصبرِ على باطلهم كَمَا قَالَ قَائِلهمْ: (( أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم إِن هَذَا لشَيْء يُرَاد))،فالتواصي بِالْحَقِّ بِدُونِ الصَّبْر كَمَا يَفْعَله الَّذين يَقُولُونَ آمنا بِاللَّه ((فَإِذا أوذي أحدهم فِي الله جعل فتْنَة النَّاس كعذاب الله وَالَّذين يعْبدُونَ الله على حرف فَإِن أصَاب أحدهم خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة))،والتواصي بِالصبرِ بِدُونِ الْحق كَقَوْل الَّذين قَالُوا : ((أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم)) كِلَاهُمَا مُوجب للخسران وَإِنَّمَا نجا من الخسران الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ)).



[بَطرُ الحقَّ]



· وقال : ((إن ضلال بني آدم وخطأهم في أصول دينهم وفروعه - إذا تأملته - تجد أكثره من عدم التصديق بالحق ؛ لا من التصديق بالباطل))[( 20/105 )].



· قال الشيخ : ((اليهود من شأنهم التكذيب بالحق ، والنصارى من شأنهم التصديق بالباطل ))[ الجواب الصحيح (1/260)].



· وقال : ((ومَن بَطِرَ الحقَّ فجحَدَه فإنه يضطرُّ إلى أن يُقِرَّ بالباطل، ومَن غمطَ الناسَ فاحتقرهم وازدراهم بغير حق فإنه يضطرّ إلى أن يُعظّم آخرين بالباطل، وهذا من الشرك))[جامع 6/228]



[امتحان الحق يرفعه]



· قال الشيخ : ((فالحق كالذهب الخالص كلما امتحن = ازداد جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن = ظهر فساده؛ فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر وناظر عنه المناظر = ظهرت له البراهين وقوي به اليقين وازداد به إيمان المؤمنين وأشرق نوره في صدور العالمين والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ورام أن يقيم عوده المائل = أقام الله تبارك وتعالى من يقدف بالحق على الباطل))[((الجواب)) (1/88)].



[الأمثل فالأمثل لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا]



· قال الشيخ : ((إذا أمكن العلم بمقدار الحق كان هو الواجب ، وإذا تعذر ذلك شَرَع الشارع ما هو أمثلُ الطرق،وأقربها إلى الحق))[( 4/538 )].



· وقال : ((أن يَعلم المسلمُ بما دلَّ عليه كتابُ الله وسنةُ رسوله وإجماعُ المؤمنين نصًّا واستنباطًا.ويَعلم الواقعَ من ذلك في الولاةِ والرعيَّهِ، ليعلمَ الحق من الباطل، ويعلمَ مراتبَ الحقِّ ومراتبَ الباطلِ، ليستعملَ الحق بحسب الإمكان، ويَدَعَ الباطلَ بحسب الإمكان، ويُرجِّحَ عند التعارضِ أحقَّ الحقَّينِ، ويَدفعَ أبطلَ الباطلَيْنِ))[جامع 5/383].



يتبع

 
[فكيف يصبر أهل الأهواء إذاً ؟]



· قال الشيخ : ((وَمَنْ صَبَرَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فَذَاكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ إذْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ - عَلَيْهَا طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ - مِنْ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوَافِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ : مَا يُوجِبُ قَبُولَهَا إذْ الْبَاطِلُ الْمَحْضُ لَا يُقْبَلُ بِحَالِ .


وَبِالْجُمْلَةِ : فَالثَّبَاتُ وَالِاسْتِقْرَارُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ))[4/51].



· ويقول : ((وَهَذَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ - بَابِ الْحِيرَةِ وَالشَّكِّ وَالِاضْطِرَابِ - لَكِنْ هُوَ مُسْرِفٌ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ بِحَيْثُ لَهُ نَهْمَةٌ فِي التَّشْكِيكِ دُونَ التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّهُ يُحَقِّقُ شَيْئًا وَيَثْبُتُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْحَقِّ لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ [لا]يَثْبُتُ عَلَى بَاطِلٍ مَحْضٍ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَوْعٍ مِنْ الْحَقِّ))[4/28]



[لا تطل الطريق]



· قال الشيخ : ((التطويل يبعد الطريق على الطالب المستدل فلا يخلو عن خطأ يصد عن الحق أو طريق طويل يتعب صاحبه حتى يصل إلى الحق مع إمكان وصوله بطريق قريب كما كان يمثله بعض سلفنا بمنزلة من قيل له أين أذنك فرفع يده فوق رأسه رفعا شديدا ثم أدارها إلى أذنه اليسرى))[ الرد على المنطقيين(1 / 162)].




· قال الشيخ : ((أحق الناس بالحق : من علّق الأحكام بالمعاني التي علقها بها الشارع ))[ ( 22/331 )].



[بينهما يضيع الحق]



· قال الشيخ : ((كثيراً ما يضيع الحق بين الجهال الأُمِّيين ، وبين المحرفين للكلم الذين فيهم شعبة نفاق)).[ ( 25/129 )].



[رحمة أهل الحق]



· قال الشيخ : ((أهل العلم والسنة : يتَّبعون الحق الذي جاء به الكتاب والسنة ، ويعذرون من خالفهم إذا كان مجتهداً أو مخطئاً أو مقلِّداً له ))[ جامع ( 5 / 122 )].



· قال الشيخ : ((أئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العدل والإيمان والرحمة ؛ فيعلمون الحق الذين يكونون به موافقين للسنة ، سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم .. ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون الشر ابتداءً ؛ بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأهم وجهلَهم وظلمَهم كان قصدُهم بذلك بيانَ الحق ورحمةَ الخلق ))[ الرد على البكري ( 2 / 490 ) ].



[لا يُكتم الحق إلا بظهور الباطل]




· يقول الشيخ : ((وَقَوْلُهُ : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ } هُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّ مَنْ لَبَّسَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ فَجَعَلَهُ مَلْبُوسًا بِهِ خَفَى مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْبَاطِلِ فَصَارَ مَلْبُوسًا وَمَنْ كَتَمَ الْحَقَّ احْتَاجَ أَنْ يُقِيمَ مَوْضِعَهُ بَاطِلًا فَيُلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ كَتَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَ بَاطِلًا . وَهَكَذَا " أَهْلُ الْبِدَعِ " لَا تَجِدُ أَحَدًا تَرَكَ بَعْضَ السُّنَّةِ الَّتِي يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْعَمَلُ إلَّا وَقَعَ فِي بِدْعَةٍ وَلَا تَجِدُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ إلَّا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ السُّنَّةِ))[7/172]



[الباطل المحض نادر لا يكاد ينفق]



· قال الشيخ : ((وَلَا يُنْفَقُ الْبَاطِلِ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِشَوْبِ مِنْ الْحَقِّ ؛ كَمَا أَنَّ أَهْل الْكِتَابِ لَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ بِسَبَبِ الْحَقِّ الْيَسِيرِ الَّذِي مَعَهُمْ يُضِلُّونَ خَلْقًا كَثِيرًا عَنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَدَّعُونَهُ إلَى الْبَاطِلِ الْكَثِيرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . وَكَثِيرًا مَا يُعَارِضُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يُحْسِنُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَا يُقِيمُ الْحُجَّةَ الَّتِي تُدَحِّضُ بَاطِلَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ حُجَّةَ اللَّهِ الَّتِي أَقَامَهَا بِرُسُلِهِ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ)) [35/190].



· وقال : ((وَهَكَذَا عَامَّةُ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ يَكُونُ مَعَ هَؤُلَاءِ بَعْضُ الْحَقِّ ؛ وَقَدْ تَرَكُوا بَعْضَهُ كَذَلِكَ مَعَ الْآخَرِينَ . وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ الْبَاطِلُ الْمَحْضُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشَابَ بِشَيْءِ مِنْ الْحَقِّ ؛ فَلِهَذَا لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك ؛ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْحَقِّ كُلِّهِ ؛ وَصَدَّقُوا كُلَّ طَائِفَةٍ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ الْحَقِّ ؛ فَهُمْ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ))[8/37]




· قال الشيخ : (( كل ذي مقالة فلا بد أن تكون في مقالته شبهة من الحق ، ولولا ذلك لما راجَتْ واشتبهت ))[قاعدة في المحبة ( 289 )].



[ولذلك كان من عَدم فقه الباطل = دخل الباطل حماه في إزار من الحق مشتبه]



· قال شيخ الإسلام : ((مَنْ عَرَفَ الشَّرَّ وَذَاقَهُ ثُمَّ عَرَفَ الْخَيْرَوَذَاقَهُ = فَقَدْتَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِالْخَيْرِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالشَّرِّوَبُغْضُهُ لَهُ = أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّوَيَذُقْهُمَا كَمَا ذَاقَهُمَا ؛ بَلْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا الْخَيْرَ فَقَدْيَأْتِيهِ الشَّرُّ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ شَرٌّ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِوَإِمَّا أَنْ لَا يُنْكِرَهُ كَمَا أَنْكَرَهُ الَّذِي عَرَفَهُ .


وَلِهَذَا قَالَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (( إنَّمَا تُنْقَضُ عُرَىالْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْالْجَاهِلِيَّة)).


وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ ؛ فَإِنَّ كَمَالَ الْإِسْلَامِ هُوَبِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ نَشَأَ فِي الْمَعْرُوفِ لَمْ يَعْرِفْغَيْرَهُ= فَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُنْكَرِ وَضَرَرِهِ مَاعِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْجِهَادِ لِأَهْلِهِ مَاعِنْدَ الْخَبِيرِ بِهِمْ ؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ الْخَبِيرُ بِالشَّرِّ وَأَسْبَابِهِإذَا كَانَ حَسَنَ الْقَصْدِ عِنْدَهُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْعِ أَهْلِهِ وَالْجِهَادِ لَهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ .


وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْظَمَ إيمَانًا وَجِهَادًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ؛لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَكَمَالِ مَحَبَّتِهِمْ لِلْخَيْرِ وَبُغْضِهِمْ لِلشَّرِّ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقُبْحِ حَالِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي؛وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ ذَاقَ الْفَقْرَ وَالْمَرَضَ وَالْخَوْفَ أَحْرَصَ عَلَى الْغِنَى وَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْ ذَلِكَ .


وَلِهَذَا يُقَالُ : وَالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ،وَيُقَالُ : وَبِضِدِّهَاتَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : ((لَسْتُ بِخِبِّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ)) .


فَالْقَلْبُ السَّلِيمُ الْمَحْمُودُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ الْخَيْرَ لَا الشَّرَّ وَكَمَالُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ فَذَاكَ نَقْصٌ فِيهِ لَا يُمْدَحُ بِهِ .



وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْهُ مُطْلَقًا ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَّرِدِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الطَّبِيبُ أَعْلَمَ بِالْأَمْرَاضِ مِنْ الْمَرْضَى ،وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَطِبَّاءُ الْأَدْيَانِ فَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَايُصْلِحُ الْقُلُوبَ وَيُفْسِدُهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَذُقْ مِنْ الشَّرِّ مَا ذَاقَهُ النَّاسُ . وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِذَوْقِهِ الشَّرَّ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَالنُّفُورِ عَنْهُوَالْمَحَبَّةِ لِلْخَيْرِ إذَا ذَاقَهُ مَا لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِالنَّاسِ((.[10/300-301].






· وقال: ((ونحن - ولله الحمد - قد تبين لنا بيانا لا يحتمل النقيض= فساد الحججالمعروفة للفلاسفة والجهمية والقدرية ونحوهم التي يعارضون بها كتاب الله ،وعلمنابالعقل الصريح فساد أعظم ما يعتمدون عليه من ذلك وهذا - ولله الحمد - مما زادناالله به هدى وإيمانا ؛ فإن فساد المعارض مما يؤيد معرفة الحق ويقويه ،وكل من كان أعرفبفساد الباطل كان أعرف بصحة الحق،ويروي عن عمر بن الخطاب رضيالله عنه انه قال : ((إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية)).


وهذا حال كثير ممن نشأ في عافية الإسلام وما عرف ما يعارضه ليتبين لهفساده فإن لا يكون في قلبه من تعظيم الإسلام مثل ما في قلب من عرف الضدين)).





· وقال : ((وَالْآخَرُونَ يَخْرُجُونَ إلى الْغَفْلَةِ الْمَذْمُومَةِ ، فَيُبَالِغُونَ فِي سَلَامَةِالْبَاطِنِ حَتَّى يَجْعَلُونَ الْجَهْلَ بِمَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ الشَّرِّ - الَّذِي يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ - مِنْ سَلَامَةِ الْبَاطِنِ ،وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ سَلَامَةِ الْبَاطِنِ مِنْ إرَادَةِالشَّرِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَبَيْنَ سَلَامَةِ الْقَلْبِ مِنْ مَعْرِفَةِالشَّرِّ الْمَعْرِفَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا))[1/16].



· ويقول : ((فَإِذَا افْتَقَرَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ وَدَعَاهُ وَأَدْمَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ = انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ الْهُدَى ؛ ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ خُبِّرَ نِهَايَاتِ أَقْدَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَعَرَفَ أَنَّ غَالِبَ مَا يَزْعُمُونَهُ بُرْهَانًا هُوَ شُبْهَةٌ وَرَأَى أَنَّ غَالِبَ مَا يَعْتَمِدُونَهُ يُؤَوَّلُ إلَى دَعْوَى لَا حَقِيقَةَ لَهَا ؛ أَوْ شُبْهَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ قِيَاسٍ فَاسِدٍ ؛ أَوْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا جُزْئِيَّةً ؛ أَوْ دَعْوَى إجْمَاعٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ أَوْ التَّمَسُّكِ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ . ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكِّبَ بِأَلْفَاظِ كَثِيرَةٍ طَوِيلَةٍ غَرِيبَةٍ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ أَوْهَمَتْ الْغِرَّ مَا يُوهِمُهُ السَّرَابُ لِلْعَطْشَانِ = ازْدَادَ إيمَانًا وَعِلْمًا بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ الضِّدَّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالْبَاطِلِ أَعْلَمُ كَانَ لِلْحَقِّ أَشَدَّ تَعْظِيمًا وَبِقَدْرِهِ أَعْرَفَ إذَا هُدِيَ إلَيْهِ))[5/118].


· قال ابن القيم :(( فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية فاستبانت لهم السبيلان كما يستيبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكةفهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم وهم الأدلاء الهداة [وبهذا] برز الصحابة عليجميع من أتي بعدهم إلى يومالقيامة؛ فإنهم نشأوا في سبيلالضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصلة ثم جاءهم الرسولفأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم فخرجوا من الظلمةالشديدة إلى النور التام ومن الشرك إلى التوحيد ومن الجهل إلى العلم ومن الغي إلى الرشاد ومن الظلم إلى العدل ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر فعرفوا مقدار مانالوه وظفروا به ومقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنه الضد وإنما تتبين الأشياءبأضدادها فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه ونفرة وبغضاً لما انتقلوا عنهوكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام وأبغض الناس في ضده عالمين بالسبيل على التفصيل


وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين فان اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما كما قال عمر بن الخطاب إنما تنقض عري الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه ؛فانه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول فانه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعةودعا إليها وكفر من خالفها))



والحمد لله رب العالمين..



 
أحسن الله إليكم يا أبا فهر ، هذا يدل علي قراءة واعية لتراث الشيخ رحمه الله و رضي الله عنه .
 
جزاك الحق خير الجزاء
وجعلنا واياك من اتباع الحق
ومن اهل الحق
ومن الباحثين عنه
والداعين له والمدافعين عنه
ونسأله ان نكون ممن يراك يا حق
يوم احقاق الحق في مستقر رحمة الحق
 
عودة
أعلى