فقه الحديث

أحمد طاهري

Well-known member
إنضم
05/04/2021
المشاركات
328
مستوى التفاعل
49
النقاط
28
العمر
38
الإقامة
الجزائر
قال الله تعالى في سورة النساء :
﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)
مالمقصود بفقه الحديث في الآية الكريمة ؟
هل المقصود به الفصاحة والأساليب البلاغية أم المنطق والفلسفة ؟
 
(Untitled)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي أحمد لا أرى ما الذي جعلك تحمل قوله تعالى"لا يكادون يفقهون حديثا" على المنطق والفلسفة.
اعلم أخي هدانا الله وإياك أن كلام الله جل وعلا لا يفسر بالمصطلحات الحادثة وإنما يفسر بما يفهمه العرب الذين نزل القرآن بلسانهم وبوجوه مخاطبتهم، ف(نصوص الكتاب تحمل على معهود الأميين في الخطاب)، وهذه من قواعد التفسير المهمة.
وإنما سموا أميين نسبة إلى الأم فهم على أصل خلقتهم التي ولدوا عليها.
وحبذا لو قرأت ما سطره الشيخ خالد السبت حفظه الله تعالى عند كلامه على هذه القاعدة في كتابه الماتع: (قواعد التفسير جمعا ودراسة).
فالمقصود بفقه الحديث فهم الكلام سواء المراد بالكلام القرآن الكريم أو غيره، الشاهد أن الله جل في علاه ذمهم لقلة فهمهم وفقههم، وإلا لو كانوا أهل فقه للكلام وأهل فهم وتدبر للقرآن ما قالوا تلك المقولة الباطلة ولا تفهوا بتلك الكلمات الرديئة.
يقول العلامة القاضي البيضاوي رحمه الله تعالى:"{ فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } يوعظون به وهو القرآن فإنهم لو فهموه وتدبروا معانيه لعلموا أن الكل من عند الله سبحانه وتعالى أو حديثا ما كبهائم لا أفهام لها."اهـــــ.
ويقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:"{ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } أي: لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه، أو لا يفهمون منه إلا فهمًا ضعيفًا، وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله-صلى الله عليهوسلم-، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم."اهــــ.
فهؤلاء لا فقه ولا فهم لديهم بل هم كالأنعام أو أضل سبيلا كما قال سبحانه في موضع آخر:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)"-عياذا بالله-.
 
وعليكم السلام ورحمة الله
اخي ناصر المصطلحات القديمة والجديدة سواء إذا كان لها نفس المعنى ، وحتى إن كانت المصطلحات القديمة أقرب إلى الفصحى فإستعمال الحديثة أقرب إلى ال الفهم وإيضاح المعنى .
وحمل فقه الحديث بمعنى فهم الكلام فيه تناقض مع سياق الآية ذالك لأنهم قد قالو كلاماً غير صحيح فأمر الله نبيه بتصحيح كلامهم ، لهذا فإن فقه الحديث لا يتعلق بما يسمعون بل بما يقولون .
لذالك دعني أغير سؤالي عن الآية كالتالي :
مانوع الخطأ الذي وقع فيه الكفار في الآية هل هو خطأ لغوي أم خطأ منطقي أم خطأ من نوع آخر ؟
 
أخي علم الكلام وفن الجدال وإقامة الحجة وإستعمال البرهان والإستدلال وضرب الأمثلة كلها موجودة في القرآن الكريم وهذه الأمور كلها تدور حول المنطق وإن كان يوجد إعتراض على مصطلح المنطق فهذا ليس الشيئ الذي يمنع وجود مصطلح بديل له نفس المعنى .
والإصطلاح الذي وجدته في القرآن الكريم والذي يتوافق مع معنى المنطق هو فقه الحديث من الآية الكريمة حيث يصف الله تعالى خطأهم في الكلام بعدم فقه الحديث .
 
لا تعني المنطق بل الفهم و العلم، لأنك إذا قلت الفهم فإن الفهم هو غاية و إن قلت العلم فإن العلم غاية أما المنطق فإنه هو فقط وسيلة و لكنه غير كافي لفهم الحقيقة لأن هناك أشياء تفوقه و هي الحكمة و العلم.

مثال : قوله تعالى :{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)

لو طبقنا المنطق مستدلين على العين بالعين و السن بالسن فهناك من يقول فالسارق سرق و مادام سرق فإن حكم السارق هو أن يسرق منه ما سرق و قد يبدوا هذا منطقيا للبعض و لكن غير صحيح، لأن معرفة الأشياء على حقيقتها يحتاج علم و فهم، و حكمة الله تفوق المنطق.


و لقد وضح الله تعالى ذلك في ما يلي، في قوله تعالى : قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)


فالمعتمد على المنطق فقط فإنه سيقول أن هناك تناقض بين الآيتين فكيف يقول الله في الاية 78، إن السيئة من عند الله و في الآية 79 يقول إنها من عند نفسه، و لكن في الحقيقة ليس هناك تناقض و إنما هناك عدم فقه الحديث، إن ففهم الآيتين يحتاج إلى فقه..
​​

فالملحدين كثيرا ما يشككون الجاهلون بدينهم مستدلين بالمنطق

و هناك من يتبعهم لأنه يظن أن علم الله يفهم بالمنطق و ليس بالفقه.

و الله أعلم
 
إختلاف المعنى بين الآية 78 والآية 79 يبين لنا أن فقه الحديث يختلف عن فقه الدين ، ففي الآية الأولى :( قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ ) وهو الصحيح وفقاً لفقه الحديث حسب سياق الآية ، وفي الآية التالية ( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ) وهو الصحيح وفقاً لفقه الدين لأن الكلام في الآية الثانية موجه لرسوله وفي الآية الأولى موجه للكفار .
لذالك فالله تعالى قام بتصحيح فقه الحديث بالنسبة للكفار في الآية الأولى وهو أقل متطلبات العقل أن تجيد فقه الحديث ( وهو ما يوافق الحديث المنطقي حسب رأيي ) ، ثم بعدها أعطى المزيد من المعنى لنفس الموضوع لكي يتضح لنا من خلاله فقه الدين .
والخطأ الذي وقع فيه الكفار في الآية الأولى يسمى في عصرنا هذا بـ " الإنحياز التأكيدي " ويسمى أيضاً " الإنحياز الذاتي " وهو الميل للبحث عن تفسير للمعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الشخص بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها ، وكثيراً ما تستعمل هذه الطريقة في التفكير لأغراض التمييز العنصري و يكون تأثير ذلك أقوى في المسائل المحكومة عاطفيًا والمعتقدات الراسخة بشدّة .
والله أعلم
 
فما هو إذن بالنسبة لك يا طاهري فقه الحديث !!!!!!
أنت تسأل و ما تصدق إلا كلامك..!


​​​​​​
فانتبه فإنك قد تبطل الحق و ربي يعذبك، و هنا الإشراف لا يحذف، فانتبه ما تقول
​​

​​​​​
 
أختي بهجة أنتي تظلمينني بقولك أنني لا أصدق إلا كلامي
هذا الموضوع للنقاش وقد أعطيت الأدلة التي بنيت عليها مقالتي وأوضحت على قدر ما أستطيع وجهة نظري وإجتهادي فإذا كان كلامي في غير محله فيوجد من العلماء في هذا المنتدى ما شاء الله يستطيعون أن يرشدوني إلى ما غفلت عنه .
 
العلماء بينوا ما هو فقه الحديث و قد أشار إليه الاخ ناصر، ، أما علماءك فهم يأخذون من تلك العلماء الذي حددوا التعريف،و الآن اعتبرني أني ضلمتك ... و لكن سؤالي لك الآن ما معنى لا يفقهون حديثا بالنسبة لك لكي نبدأ من الصفر ؟
 
(Untitled)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أوافقك الرأي أختي بهجة، فإن الأخ أحمد أخطأ خطأ فاحشا حينما اعتبر أن المصطلحات الحديثة أقرب إلى الفهم من المصطلحات القديمة.

أقول لك أخي أحمد كما قال موسى عليه السلام لقومه:" أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير".
كيف تؤثر وتفضل المصطلحات الحادثة على ما نزل به الشرع الحكيم وفهمه العرب الذين هم أولى بالفهم من غيرهم؟
وأنصحك أخي بعدم إقحام مثل تلك الألفاظ من الإنحياز التأكيدي والذاتي وغير ذلك في فهم كلام الله تعالى.

وللأسف ذكرت لك قاعدة مهمة من قواعد التفسير أراها كافية في الموضوع لكن لم تلق لها بالا ولم ترفع بها رأسا، مع أن معرفة قواعد أي فن من المهمات لفهم هذا الفن كما قرره أهل العلم، وكما قيل قديما:" من حرم الأصول حرم الوصول".

قلت في إحدى مداخلاتك:" وحمل فقه الحديث بمعنى فهم الكلام فيه تناقض مع سياق الآية..."، أي تناقض يا أخي؟؟ هل كل علماء التفسير فسروا هذه الكلمة بما يناقض سياق الآية؟

نظرة خاطفة لأقوال المفسرين لهذه الآية ستبين لك أن تفسيرهم متقارب، ولا يمكن أن يجمعوا على تفسير مناقض للسياق، بل إن السياق من أهم الأمور المعتبرة في التفسير كما هو معلوم.
فإذا كان هناك تناقض فإنما هو أمر عندك لا غير.

قلت:" فإن فقه الحديث لا يتعلق بما يسمعون بل بما يقولون"، هذا الكلام ينبئ عن قلة فهم للآيات -وأعتذر-، لأن مقولتهم الباطلة تلك إنما سببها عدم فهم وفقه لكلام الله تعالى، إذ لو أنهم فهموه وتدبروه لصح اعتقادهم وحسن قولهم وأيقنوا أن كل شيء بقدر وأن ما أصاب أي إنسان من خير أو شر فمن الله، فلا يكون شيء في الكون إلا بمشيئته سبحانه، مع اعتقاد أن ما يصيب الإنسان من شر فهو بما كسبت يداه، كما قرره الله تعالى في غير موضع.(إذا فلا تعارض بين الآيتين، وهذه الآيات مما يمثل بها العلماء في باب: موهم التعارض).

أما تساؤلك:" ما نوع الخطأ الذي وقع فيه الكفار..هل هو خطأ لغوي أم منطقي..."ّ؟
فالجواب: هو خطأ اعتقادي، ففساد عقيدتهم في باب القدر وبغضهم للنبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة التطير به هو الذي حملهم على تلك المقولة الفاسدة والكلمة الباطلة.

لا أخالفك الرأي في كلامك حول وجود فن الجدل في القرآن الكريم، فهو موجود خلافا لمن أنكره، بل إن أهل العلم ذكروا عدة أنواع من فنون الجدل التي استعملها القرآن الكريم لإفحام الخصم المعاند وإقامة الحجة على المخالف المعارض كالتسليم والقول بالموجب والانتقال والتمانع والدليل المنطقي وهو الانطلاق من مقدمات للوصول إلى نتائج وغيرها.
ومن أمثلة هذا الآخير ما ذكره العلماء من الكليات الدالة على البعث.
أما الآيات التي نتحدث حولها فلا أرى أي دخل للمنطق كفن من فنون الجدل فيها-والله أعلم-.

لذا أنصحك أخي أن تطلع على كلام أهل العلم في تفسير الآية لتعلم أنك قد أبعدت النجعة فترجع إلى الصواب.

ولعلي أضيف توضيحا آخر حول آخر مداخلاتك -لاحقا-.
والله المستعان..
 
شكراً لك اخي ناصر على التوضيح
بالنسبة إلى الموضوع فأنا بصدد بحث حول الأخطاء المنطقية التي وقع فيها الكفار في جدالاتهم في القرآن الكريم وكيف قام الله بتصحيح مقالاتهم ، لكن إستوقفتني هذه الآية من حيث معنى فقه الحديث .
الأخطاء العقائدية تختلف عن الأخطاء المنطقية في التفكير ، فالأخطاء المنطقية يمكن لها أن تتكرر بشكل مستمر طالما أن صاحب هذا النوع من الفكر لا ينتبه إلى أخطائه في التفكير ، وحتى أن بعض المسلمين يكررون أخطاء الكفار في التفكير ويقعون في نفس أخطائهم .
وفي موضوع فقه الحديث فأنا لست مصراً على رأي محدد ولكن لقلة التفاسير في الموضوع أحببت أن أناقش الموضوع هنا وأوضح ما بدى لي في الموضوع .
والله أعلم
 
بعد التفكير ملياً يبدو لي أن هذا المنتدى ليس المكان المناسب للنقاش والتدبر في مواضيع القرآن الكريم إلا من رحم ربي ، فمن يخالفك في الرأي يتهمك مباشرة البعض يقول أنك أناني تحب فقط كلامك والبعض يتهمك بالفحش لأنه يظنك لا تحب اللغة العربية ، وآخرين يقولون أنك تتبع علوم الملحدين والكفار وغيرها من الإتهامات التي لا تقدم ولا تؤخر في العلم شيئاً ، وفي الأخير تجد نفسك خارج الموضوع الذي تريد نقاشه .
لذالك قررت أن تكون مشاركتي هذه هي آخر مشاركة في هذا المنتدى .
ودمتم سالمين .
 
الأخ الكريم الطاهري، لا أقصد بكلامي أنك أناني، و لكن قلت إنك تسمع كلامك بحيث أنك لم تنطلق من التعريف المحدد من العلماء و هذا كان سيسهل عليك الأمر بدل من البحث من الصفر، و عموما أنا آسفة إذا أذيتك بكلامي... و أتمنى أن تستمر في المشاركة لكي تستفيد و تفيد غيرك، و حتى الاخ ناصر فهو لا يقصد أذيتك فهو دائما كان حريصا أن لا يفسر كلام الله إلا بعلم، لأن من فسره بجهل فليتبوء مقعده من النار فهو كما يخاف على نفسه، يخاف على إخوته في الله و أنت أخوه.


.
 
(Untitled)

بارك الله فيك أختي بهجة، أسأل الله تعالى لنا ولك ولجميع الأعضاء الكرام التوفيق والسداد.

أما بالنسبة لك أخي أحمد فلا أرى داعيا للقلق، فنحن في هذا الملتقى أسرة واحدة، فمهما بعدت الديار لكن يجمعنا ملتقانا الكريم حول مائدة القرآن الكريم وتفسيره وعلومه.

فأنصحك أخي ألا تفكر في مغادرته، فلن تجد –حسب ظني والله أعلم- ملتقى يهتم بالقرآن الكريم وما يتعلق بالتفسير وغيره من علوم القرآن كهذا الملتقى.

فالعلم أخي-سواء تبليغا وأداء أو أخذا واستفادة- يحتاج إلى صبر، وضع أخي نصب عينيك ما قاله الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام:" إنك لن تستطيع معي صبرا".
فدل على أن العلم من أهم شروطه الصبر.

ورحم الله الإمام الهمام محمد بن إدريس الشافعي حيث يقول:
اصبر على مُرَّ الجفا من مُعلِّم ... فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة ... تجرع ذل الجهل طول حياته

فاصبر أخي ولا تقلق، فليس القصد أن يؤذي بعضنا بعضا ولكن القصد أن يسدد بعضنا وبعضا .
فنحن هنا لنتعلم ما ينفعنا ويفيد بعضنا بعضا.

وأسأل الله تعالى أن يوفقك في بحثك، لكن أنصحك أخي ألا تنأى عن أهل العلم .
نعم وهبك الله عقلا لتتدبر وتستنبط، لكن لتكن استنباطاتك غير معارضة لما أجمع عليه أهل العلم سواء في التفسير أو غيره.
 
الأخ أحمد طاهري المكرّم.
عنوان المنشور موفق للغاية، وفيه إشارة إلى واحدة من الجمل الرائعة الجامعة المانعة في القرآن.
﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ يُفهم منها أمران بحسب المراد من الحديث.

- إما الحديث الذي هو اسم مفعول أو مصدر دال على القرآن؛ وبهذا المعنى قال معظم المفسرين، أي لا يكادون يفقهون كلام الله، وجاءت آيات كثيرة تسمي القرآن حديثًا. وإذا كان الحديث المرادُ هو حديث رسول الله صلــى الله عليـه وسلم فهو منه وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال الطبري: "لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به، من أن كل ما أصابهم من خير أو شر، أو ضرّ وشدة ورخاء، فمن عند الله" اهـ.

- وإما الحديث الذي هو مصدرٌ دالّ على التحدّث والقول، أي لا يكادون يفقهون التحدّث بما يليق في موضعه، وفي الآية محلّ المدارسة واضحٌ قولهم باللحن والبذاءة. وبهذا المعنى قال الفراءُ والثعلبي (427هـ) قاله الثعلبيّ في تفسيره:
"فقال: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ يعني المنافقين واليهود لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي ليسوا يفقهون قولا إلّا التكذيب بالنعمة.
قال الفراء: قوله فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ كذبوا في الكلام". اهـ.
وهي بهذا المعنى كقوله تعالى: ﴿وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا﴾ (الكهف:93)، قال الطبري (310هـ): "لا يكادون يفقهون قول قائل سوى كلامهم" اهـ.
قلتُ: أو أنَّ منطقهم ملتبسٌ لا يُفهِمُونَ غيرهم، وبه جاءت القراءة الأخرى.
قال الطبريّ: "وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿يَفْقَهُون﴾ فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة ﴿يَفقَهُونَ قَوْلا﴾ بفتح القاف والياء، من فقَه الرجل يفقَه فقها، وقرأ ذلك عامَّة قرّاء أهل الكوفة ﴿يُفْقِهُون قَوْلا﴾ بضمّ الياء وكسر القاف: من أفقهت فلانا كذا أفقهه إفقاها: إذا فهمته ذلك" اهـ.


وأرى هذه الآية أصلا في فقه الحديث سواء حديث الله أو حديث رسوله أو فقه حديث الناس وتَحَدُّثهم.
وحتى "فقه الحديث" بالمعنى الاصطلاحيّ كعلمٍ متفرع عن علم الحديث النبوي الشريف؛ الذي تجد في تعريفه الغاية المرجوّة من سؤالك وزيادة.
قال القاضي عياض: "ثم التفقه فيه، [وهو] استخراج الحكم والأحكام من نصوصه ومعانيه، وجلاء مشكل ألفاظه على أحسن تأويلها، ووِفق مختلفها على الوجوه المفصلة تنزيلها".
وقال الطيبي: "هو ما تضمنه متن الحديث من الأحكام والآداب المستنبطة".

والله أعلم.
 
عودة
أعلى