شايب زاوشثتي
New member
أصول الفقه وفقه التفسير
الباعث وراء تقنين أسس ومرتكزات أي علم هو تحصين المادة المعرفية التي يشتغل بها وعليها هذا العلم.
وهذا الباعث مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية عبارة عن إشكالات وعوائق، وعليه فإن:
أي تغيير في الإشكاليات والعوائق يستدعي تغييرا في البواعث، وبالتالي ضرورة التجديد في أسس العلم ومرتكزاته.
أو على الأقل في مناهج وأدوات الأسس حسب نوع المتغير وطبيعته.
لقد جرت عادة كثير من أهل الإصلاح أن يشيروا إلى الحديث الشريف:
( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين )
لكن من منهم إستشكل واقع حركية هذا التحريف، والإنتحال، والتأويل ؟
كما جرت عادة كثير من أهل التفسير أن يؤصلوا ضدّ على:
التفسير بالرأي، والتفسير بالمذهب، والتفسير بالإشارة.
لكن من منهم إستشكل تطور العقل، والتقليد، والغنوص؟
التفسير وفقه التفسير
لا أحد ينكر أهمية العلوم الشرعية الأخرى في التفسير، إضافة إلى اللغة.
ولاشك أيضا أن توظيف هذه العلوم يؤدي إلى تشكيل صورة عامة عن الآية القرآنية، إذ نجد تفسيرات:
جمعت ما روي في أبواب الحديث، وأخرى إستكثرت من علم اللغة وذكر المسائل الفقهية والإعتقادية، كما شملت أخرى ردودا ومناقشات ..إلخ.
وهذا تنوع أدى كما هو معلوم إلى تصنيف موضوعات مستقلة مستخلصة من تلك التفاسير.
لكن الإستشكال في المعطى: لماذا إحتفظ التفسير بالتقليد رغم العلاقات بين العلوم فيه؟
ولماذا حافظ التفسير على هيأته التقليدية المتمثلة في التفسير التحليلي والتفسير المقارن؟
لماذا لم تتطور هذه الهيأة لتشمل التفسير الإجمالي و الموضوعي؟
المفسرون وفقه التفسير
من المعلوم أن المفسرين سلف، ومتقدمين ومتأخرين.
السلف يروي، والمتقدمون يجمعون ويصنفون، ثم متأخرون يحللون ويقيمون شبكة العلاقات المعرفية.
إستشكال ما قدمه المتقدمون من شأن المتحدثين والمحققين.
أما إستشكال أعمال المتأخرين فقد إنحصر تقريبا في:
المقارنة، وإستخراج علاقات الذات بالموضوع (تأثير الإنتماء المذهبي والفكري في التفسير)، والإلتزام بالأصول.
أما غيرها من القراءات الوصفية كدراسة المناهج، والظرف والمظروف، وتوظيف المعارف .. فلاشأن لها بالإستشكال.
المهم لماذا لم تستشكل مسألة الإلتزام بالأسس والقواعد:
هل يوظف المفسر أدوات ومناهج الأسس والمرتكزات أم يخضع لها فيصير مسجونا لها؟
وما أثر خلفية المفسر ورؤيته التكاملية (دينية، كونية، إجتماعية، تاريخية ..) في توظيف المناهج والقواعد؟
(كالتقديم والتأخير) : تقديم المضمون المعرفي في السنة على الإرشاد المنهجي فيها، مثلا.
وإن بعض أدوات المفسر في تحليله تكون غير ظاهرة يعني مخفية فهو يستحضرها معه ومع ذلك لا يخصص لها موضوعا معينا.
مثال: تفسير ((صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)).
ستجد من المفسرين من يوظف التفسير بالسنة، وفي نفس الوقت يستحضر تصور مجمل لأهل الضلال ومن يحق عليهم غضب الله.
نتيجة هذا الإستحضار المخفي يؤدي بالمفسر للإنتقال من تفسير القرآن إلى تفسير السنة، فتفسير التأويل (= التعيين) هو:
المغضوب عليهم: اليهود، و الضالين: النصارى. لكن أليس كل المشركين مغضوب عليهم وضالين؟
وهنا سيحلل ويعلل والخلاصة تأويل للتأويل.
ما السبيل إلى إكتشاف مثل هذه القواعد "المخفية" ولماذا يقيد المفسر نفسه بها؟
لاشك أن المصدر الرئيسي للتصور ذاك هو القرآن نفسه، لكن لماذا لا يوسع المفسر في تطبيق القاعدة الأولى (تفسير القرآن بالقرآن)؟
من المعلوم أن السنة بإعتبارها الأصل الثاني: معرفة ومناهج، وقد تجتمع المعرفة والمنهج في مادة واحدة مثل:
تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم الآية ((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)) بالآية ((يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)).
إذا كانت السنة تقيّده فإن الذي إستحضره تفسير للقرآن بالقرآن، ثم والسنة تقدم له المنهج الذي به يستحضر السؤال الذي طرحه.
ومن المفسرين من يوظف التفسير بالقرآن والتفسير بالسنة جزئيا.
مثال: يفسر ((الذين أنعمت عليهم)) بالآية ((فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)).
ولا يفسر ((المغضوب عليهم)) بآيات قرآنية:
((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما))
((قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب))
((ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير))
((ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا))
والإمام الطبري رحمه الله يفسر ((المغضوب عليهم)) بالقرآن:
((قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير))
وأتبع هذا التفسبر بقوله: ( فإن قيل: وما الدليل على أنهم أولاء الذين وصفهم الله وذكر نبأهم في تنزيله على ما وصفت قيل ..)
فوظف الأصل الثاني أي تفسير القرآن بالسنة.
والسؤال الآن في المعطى: هل قدّم الأصل الأول أم الثاني؟ وهل يقيد الأول بالثاني؟
وهل يبدأ بذكر الحديث أم الآية أمر لايهم لأن السؤال لا يختلف.
فالثعلبي مثلا يفسر بالسنة، ولم يفسر بالقرآن إلا ليصدق الحديث.
ومع ذلك السؤال هو هو..
قد يقول قائل أن السؤال لا معنى له لأن السنة مبينة للقرآن، وهذا صحيح.
هذه الحقيقة لم تمنع أهل الصنعة في أصول التفسير من التمييز.
إلا أن السؤال عندما يطرح على مستوى "فقه التفسير" يأخذ أبعادا أخرى ومعاني أشمل لمحاولة فهم حركة وحرية المفسر في توظيف القواعد.
هذا معناه أن فقه التفسير لا يقدم "مادة معرفية" جديدة، مثله مثل أصول التفسير، لأن إنتاج المعرفة التفسيرية من تخصص التفسير.
ولنأخذ الآن مثلا الربط بين الآية كآلية من آليات التفسير التحليلي.
من المفسرين من فسّر ((أنعمت عليهم)) بالآية ((يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)).
هل يفسر هنا بالقرآن أم يتحرك داخل الآية بإعمال الربط لأن اليهود من بني إسرائيل أيضا؟
كما تجده يذكر الأثر "المنعم عليهم أصحابُ موسى قبل أن يبدلوا".
هل يفسر بالمأثور أم يقيد نفسه بهذه الآلية؟
تلك مجرد أمثلة، و "فقه التفسير" نحتاج إليه للإطلالة على الأصول، والتفسير، والمفسرين من الخارج.