فضيلة الشيخ / أبوالعينين شعيشع ...( صفحات من حياته )

إنضم
03/09/2008
المشاركات
291
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
المدينةالمنورة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعد وبعد ؛
فقبل أسابيع قليلة فقدت الأمة الإسلامية علماً من أعلام القراء المعروفين بجودة التلاوة وحلاوة الصوت ... إنه فضيلة الشيخ ( أبو العينين شعيشع ) ، وكنت قد جالسته كثيراً و استفدت منه عام 2003م إبَّان دراستى لرواية ورش عن نافع بالمعهد الدولى بمصر الذى كان القارىء مديراً له وكان يمتعنى حديثه الشيق المصحوب دائماً بالطرفة والدعابة عن رحلاته فى خدمة القرآن الكريم فطلبت منه ذات مرةً أن يملى علىَّ شيئاً عن حياته لأدوِّنه مكتوباً فأملى علىَّ هذه الورقة التى أضعها بين يدى إخوانى فى هذا الملتقى المبارك ، وكان هذا ظهر يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر يونية لعام 2008م .
اسمه : أبو العينين بن شعيشع بن أبى العينين .
ولد فى التاسع من شهر أغسطس لعام 1922م بمركز ( بيلا ) محافظة كفر الشيخ .
توفى والده وهو فى التاسعة من عمره فتولت أمُّه رعايته والاهتمام به ، و ألحقته بالمعهد الابتدائى بالقرية المسمّى ( معين ) على اسم ناظره آنذاك ، و بعد ذلك ترك الدراسة النظامية و توجه لحفظ القرآن الكريم بكُتَّاب القرية بناءً على رغبة بعض أقارب أمه وتشجيعهم له لما لاحظوا في من صوت جميل فحفظ القرآن الكريم خلال سنتين على يد الشيخ ( يوسف شتا ) و كان عمره أربعة عشر عاماً .
بعد ذلك التحق الفتى الذى ما زال فى السابعة عشر من عمره بالإذاعة المصرية ليكون بذلك أصغر قارىءٍ بالإذاعة المصرية ، ولم يكن التحاقه بالإذاعة عن رغبة منه بل حدث أن توفى زوج بنت الشيخ الخضرى – شيخ الأزهر آنذاك – و كان من أقاربه فطلبوا منه أن يقرأ فى المأتم – وهذا من البدع كما هو معلوم – فقرأ و كان الإمام الخاص بالملك ( فاروق ) موجوداً ويدعى ( عبدالله عفيفى ) فأعجب بصوته جداً و أصرّ أن يأخذه من غده لمدير الإذاعة فرفضه المدير أول ما رآه لحداثة سنه إلا أن الإمام طلب من المدير أن يسمعه فسمعه من اليوم التالى ، وكان للإذاعة آنذاك مديران ؛ مدير إنجليزى يدعى ( فرجسهون ) و مدير عربى يدعى ( سعيد باشا لطفى ) أخو الزعيم ( لطفى باشا السيد ) وكان هذا أيام الاحتلال قبل الثورة المباركة كما ذكر الشيخ- إلا أن الواقع أثبت أنها لم تكن مباركة و قد رأينا كيف كان الظلم والاستبداد - .
نعود إلى موضوعنا : فقد رفض المدير مشاركة الفتى الصغير فى الإذاعة لحداثة سنه – ولا أدرى من الذى رفض ! الإنجليزى أم العربى ! – إلا أنه وافق عندما سمعه اليوم التالى و أعجب بصوته ، وطلب منه المدير أن يترك قريته ويستقر فى القاهرة ليعمل فى الإذاعة ... فترك الشيخ قريته و جاء هو و أمُّه و إخوانه وكانوا خمس بنات و ثلاثة صبيان ماتوا كلهم تباعاً بعيد التحاق الشيخ بالإذاعة !! فظل يعمل بها لمدة عام ، ثم انتقل سنة 1940م إلى إذاعة الشرق الأدنى التابعة للجيش البريطانى بـــــ ( يافا ) فى فلسطين وكان بذلك أول قارىءٍ يسافر إلى الخارج فى تاريخ الإذاعة المصرية ، فسافر هناك و أعطته الإذاعة سيارة بسائق إنجليزى لا يجيد العربية ، و مكث شهراً ثم اشتاق لرؤية أمِّه فطلب من مدير الإذاعة - وكان رجلاً إنجليزياً يدعى ( مرساك ) – أن يرجع إلى مصر فرفض طلبه .
أخبر الشيخ أحد أصدقائه من أعيان البلد برفض المدير الإنجليزى ، فأخذه صديقه و ذهب به خفيةً إلى موقف قطار مصر القديم الموصل لفلسطين و اسمه موقف ( اللد ) ورجع الشيخ إلى مصر حيث أمُّه تنتظره هناك .
بعد أيام جاء مدير إذاعة الشرق الأدنى إلى مصر خصيصاً ليطلب من الشيخ أن يرجع معه للعمل بالإذاعة فرجع معه بعد إلحاح طويل ، و كانت هذه الإذاعة من أسباب شهرته و ذيوع صيته فى العالم الإسلامى و الأوروبى ، و فى هذه الأثناء طلبت منه إذاعة ( لندن ) أن يسافر للعمل بها فرفض الشيخ و أرسل لهم تسجيلات بصوته فكانت تذيع صوته ثلاث مرات يومياً .
ظل الشيخ فى ( يافا ) قارئاً بالإذاعة ، و عندما توفيت ملكة العراق اتصل ابنها بالشيخ ليأتى للقراءة فى المأتم و عندما وصل مطار بغداد استقبله الناس استقبالاً حافلاً حتى إنهم حطموا سور المطار ليروا الشيخ .
زار الشيخ تقريباً جميع دول العالم قارئاً للقرآن ، و أسلم الكثيرون عندما سمعوا صوته ، و يذكر الشيخ آخر زيارة له بفرنسا أن وفداً يربو عدده على العشرين سمعوه يقرأ فتعجبوا وسألوا من كان حاضراً فلما علموا أن هذا قرآن أسلموا جميعاً .
بعض الأعمال التى تولاها الشيخ :
- نقيب القراء بجمهورية مصر العربية .
- مستشار دينى لقناة الفجر .
- عضو لجنة اختيار القراء بالإذاعة والتليفزيون بمصر .
- رئيس المعهد الدولى للقرآن الكريم بمصر الجديدة .
- عضو اللجنة الدينية بمحافظة القارة لعمارة المساجد .
إلى غير ذلك من الأعمال التى تولاها خدمةً للقرآن الكريم ، فرحم الله الشيخ رحمة واسعة و أسكنه فسيح جناته .
تلاة للقارىء - رحمه الله -
http://www.youtube.com/watch?v=GCba1i3E78M&feature=related
 
أبيات في رثاء القاريء أبو العينين الشعيشع رحمه الله

فليبكِ فينا كلُّ ذي عَينَينِ = قد فارقَ الدنيا أبو العَينينِ
صوتٌ لقرءانِ الورى تركَ الورى = فلهُ بكاءُ العرشِ والثقَلَينِ[1]
هجرَ الزوالَ لخلدِ ربٍّ دائمٍ = فنعاهُ في الدنيا نعِيُّ البَينِ
واستقبلتْهُ ملائكٌ من قبلُ قد = سمعتْهُ شنّفَ سمْعَ ذي الأذُنَينِ
من ماتَ قد يبقى لهُ أثرٌ بنا = وشعيشعٌ فينا لَذو أثرَينِ
أثرٌ لرُزءٍ بالعظيمِ بشخصهِ = ومجوّدٌ للذكرِ يا لَاثنَينِ[2]
إن كانَ لم يسطعْ جوارَ المصطفى = في طَيْبةٍ ما رانَها
ذو الرَّينِ[3]
هوَ والرسولُ محمّدٌ قد أصبحا = في برزخِ العشّاقِ كالجارَينِ
قد عاشَ في دنيا الكتابِ مجوّداً = لحروفِهِ عاشا كما الأخوَينِ
ألناسُ إن قُضيَ القضا أجلٌ لهم = وشُعيشَعُ القرءانِ في أجَلَينِ
أجلٌ شهدْناهُ وآخرُ بعدَهُ = سيحلُّ بعدَ إماتةِ الثقلَينِ[4]
عَينَي تلاوتِنا غدَتْ محزونةً = في اليُتْمِ منذُ نأى أبو العَينَينِ[5]
قسماً بذكرِ اللهِ والهادي لهُ = سيْدُ البرايا ذاكَ جدُّ حُسَينِ
مَن كان في الدّنيا القُرانُ جليسَهُ = فشفيعُهُ هوَ في كلا الدارَينِ[6]
فعليهِ من ربِّ السلامِ سلامُهُ = في يومِ مولدِهِ وفي يَومينِ
يومِ المماتِ وبعثِهِ ليرتّلَ الـ
= ـقرءانَ في حشرٍ بقُرّةِ عَينِ

.............................................
د.كريم جبر الزبيدي
[1]
الثقلين :كتاب الله والعترة أو السنة في رواية

[2] يا لعظم الأثرين

[3] الرين : الشك والريبة

[4] الثقلين الإنس والجن

[5] هنا أبو العينين ليس القاريء بل الأب لعيني التلاوة

[6] القران هنا على قراءة ابن كثير
 
عودة
أعلى