د. محمد بن جميل المطري
Member
فضل الصدقة سرًا وعلانية في السراء والضراء وبيان معنى قوله تعالى: {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}
بقلم/ محمد بن علي بن جميل المطري
بقلم/ محمد بن علي بن جميل المطري
تُستحب صدقة التطوع في كل وقت ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية، قال الله سبحانه: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [إبراهيم: 31]، وأثنى الله على المتصدقين ليلًا ونهارًا، سرًّا وعلانيةً فقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274]، والأفضل إظهارُ الزكاةِ المفروضة، وإخفاءُ الصدقةِ النافلة، ويجوز إظهار الصدقة النافلة، قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].
وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بالصدقة والنفقة ولو في حال العسر، قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، ووصف الله المتقين في أول المصحف بقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [البقرة: 3]، وقال عنهم: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 134]، فمدح المتقين الذين ينفقون أموالهم في حال الرخاء والغنى، وفي حال الشدة والفقر، وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 16، 17]، فمن تصدَّق فهو يُقرِض الله الكريم، وسيُخلِف الله عليه في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وقال عز وجل: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272]، والصدقةُ سببٌ عظيمٌ لتيسير الأمور، وحفظ الأموال، وشفاء الأمراض، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7]، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ))، وفي الأثر: (حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةَ).
والآيات القرآنية في الحث على الصدقة والترغيب فيها كثيرة جدًا، قال الله سبحانه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [آل عمران: 92]، وقال تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، وقال تبارك وتعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7] ، وقال سبحانه: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 10]، وقال جل وعلا: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد: 18]، وقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219]، والعفو: ما يفضل عن حاجة الإنسان وحاجة أهله ولو كان يسيرًا، فتُستحب الصدقة بما فضُل عن الحاجة من الطعام واللباس والأثاث وغير ذلك.
وكلُّ معروفٍ صدقةٌ ولو على كافرٍ أو فاسقٍ أو حيوان، لعموم قول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، وقوله سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
وتجوز صدقة التطوع على الأغنياء، قال النووي في المجموع (6/ 239): "تَحِل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل، ويُستحب للغني التنزه عنها، ويُكره التعرض لأخذها".
وتتأكد الصدقة على الأقارب والمساكين والمحتاجين من المسافرين والمرضى والمنكوبين ونحوهم، ويستحب الإهداء للأقارب والأصحاب والأصهار، وإكرام اليتامى والضعفاء والجيران، وإعانة المتزوجين، ومن أفضل الصدقة: إطعام الطعام، وسقي الماء، والمواساة بالمال، والصدقات الجارية.
ويُشرع التعاون على البر والتقوى، ومن ذلك إعانة المتفرغين لمصالح المسلمين، وكفالة من تيسر منهم، فقد حث الله على الصدقة على المجاهدين والعلماء وطلاب العلم والدعاة، قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273]، قال السعدي في تفسيره (ص: 116): "قوله: {أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: قصروها على طاعة الله من جهاد وغيره، فهم مستعدون لذلك، محبوسون له".
وتُستحب الصدقة عن الموتى، لا سيما الوالِدَين وغيرِهما من الأقارب، قال النووي في المجموع (5/ 323): "أجمع المسلمون على أن الصدقة عن الميت تنفعه وتصله"، وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (24/ 314): "الصدقة عن الميت يَنتفع بها باتفاق المسلمين".
وقد حذَّر الله من البخل، وزجر عن التقصير في الصدقة فقال سبحانه: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: (نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ)، وقال عز وجل: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11]، فمن قصَّر في الصدقة فسيندم عند موته، ويتمنى أن يُؤخَّر ليتصدق، فالحذر الحذر!
وقد ذم الله الكافرين الذين يبخلون ويمتنعون عن الصدقة، ويعتذرون عن ذلك بأن الله لو يشاء لرزق الفقراء فقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يس: 47]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24].
وتستحب الصدقة بالشيء غير المعلوم، وبالشيء المعلوم المقدَّر الذي يتكرر كل شهر أو كل سنة، قال الله مثنيًا على عباده المؤمنين المتصدقين: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [الذاريات: 19]، وقال في آية أخرى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]،
قال الألوسي في تفسيره روح المعاني (15/ 71): "{حَقٌّ مَعْلُومٌ} أي: نصيبٌ معين يستوجبونه على أنفسهم تقربًا إلى الله تعالى، وإشفاقًا على الناس، وهو ما يوظِّفه الرجل على نفسه يؤديه في كل جمعة أو كل شهر مثلًا".
وقال السعدي في تفسيره (ص: 887): "{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} من زكاة وصدقة {لِلسَّائِلِ} الذي يتعرض للسؤال، {وَالْمَحْرُومِ} وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيُعطوه، ولا يُفطَن له فيُتصدَّق عليه".
وقال ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز (5/ 368): "قال الحسن ومجاهد وابن عباس: هذه الآية في الحقوق التي في المال سوى الزكاة، وهي ما ندبت الشريعة إليه من المواساة، وقد قال ابن عمر ومجاهد والشعبي وكثير من أهل العلم: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وهذا هو الأصح في هذه الآية؛ لأن السورة مكية، وفرض الزكاة وبيانها إنما كان بالمدينة، والمحروم: الذي قد ثبت فقره، ولم تنجح سعاياته لدنياه، الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه" انتهى باختصار.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير (29/ 172): "تسمية ما يُعطُونَه من أموالهم من الصدقات باسم (حقٌّ) للإشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرَط رغبتهم في مواساة إخوانهم، ... ومعنى كون الحق معلومًا أنه يعلمه كل واحد منهم ويحسِبونه، ويعلمه السائل والمحروم بما اعتاد منهم".
والناظر في قصص الصحابة والتابعين لهم بإحسان يجد حرصهم العظيم على الصدقات، ويعملون بقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77]، ويصدق عليهم قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ))، وقولُه عليه الصلاة والسلام: ((وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ)).
روى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (98) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: (يَا حَبَّذَا الْمَالُ أَصِلُ مِنْهُ رَحِمِي، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ)، وروى أيضًا (101) عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه قال: (مَا تُدْرَكُ الْآخِرَةُ إِلَّا بِالدُّنْيَا، فِيهَا يُوصَلُ الرَّحِمُ، وَيُفْعَلُ الْمَعْرُوفُ، وَفِيهَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ)، ومشهورٌ في السِّيَر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه جهَّز جيش تبوك بألف دينار، وألفٍ من الإبل والخيل، وهذا مالٌ عظيم جدًا، وفي سِيَر أعلام النبلاء للذهبي (1/ 88، 90) أن أهل المدينة كانوا عِيالًا على عبد الرحمن بن عوف: ثلثٌ يُقرضُهم ماله، وثلثٌ يَقضي دينَهم، ويَصِل ثلثًا، وأن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى بألف فرس في سبيل الله، وأوصى لمن شهد بدرًا، فكان الأحياء منهم مائة، فأُعطي كلَّ واحد منهم أربعمائة دينار، والدينار يساوي أربعة جرام ورُبع من الذهب.
وروى الطبراني في كتاب الجود والسخاء (65) عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: كان أنس بن مالك يؤتى بغِلَّته سبعين ألفًا، وثمانين ألفًا، وأكثر من ذلك، فتُوضع بين يديه، فيَصِرُّها صِرارًا، فيقسمها بين جيرانه وإخوانه والفقراء، فيقوم وما بين يديه منها شيء.
وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 1145) أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كان يحمل الخبز على ظهره بالليل يتتبع به المساكين في ظلمة الليل، ولما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة.
وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (11/ 395) أن عبد الله بن المبارك كان يُنفِق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم.
وروى البُرْجُلاَنِيُّ في كتاب الكرم والجود (67) عن الصَّلت بن بِسطام قال: كان حماد بن أبي سليمان يُفطِّر كل ليلة في شهر رمضان مائة إنسان، فإذا كان ليلة الفِطر كساهم ثوبًا ثوبًا، وأعطاهم مائة مائة.
وبحمد الله لا يزال الخير باقيًا بين المسلمين إلى زماننا هذا، فكثيرٌ من المشاريع الخيرية المتنوعة يقوم بها تجار صالحون، وأغنياء محسنون، وذلك ظاهر للعيان، من بناء مساجد، وحفر آبار، وتعبيد طرق، وكفالة أيتام ودعاة وطلاب علم، وتزويج الشباب، ومساعدة المحتاجين، وعلاج المرضى، والمشاركة في تنمية المجتمع ببناء المستشفيات والمدارس، وإنشاء العيادات الطبية، والتأهيل المهني، وتطوير الخبرات، ومِنَح الطلاب، وغير ذلك من الأعمال الخيرية، والأمثلة كثيرة جدًّا، وأكتفي بهذا الخبر الموثوق: في تاريخ 15 رجب 1435 هـ الموافق 14/5 / 2014 م أعلن رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية بالكويت الدكتور أحمد محمد علي أن البنك تلقى تبرعًا بقيمة 267 مليون دولار من فاعل خير سيخصص لإنشاء 75 عيادة طبية في عدة بلدان.
فهنيئًا لمن جعله الله من أهل البذل والإحسان، وجعله من مفاتيح الخير، وجعل التيسير على الناس على يديه، وبماله، وعلى كل مسلمٍ أن يتصدق ويُحسِن بقدر استطاعته، والله يجزي المتصدقين، والله يحب المحسنين.