أبو عبد الله محمد مصطفى
New member
فضل اتباع السنة لمحمد عمر بازمول
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ[ [آل عمران:102].
] يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً[ [النساء:1]
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً الأحزاب:70،71].
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمّا بعد:
فهذه محاضرة بعنوان فضل اتباع السنة أدرتها على العناصر التالية: -
-تعريف السنة .
-أقسام السنة وأنواعها .
-ثمرات إتباع السنة وهي التالية :-
1. أنها سبيل النجاة من الاختلاف .
2. أنها سبيل الفكاك من الافتراق .
3. أنها سبيل الهداية من الضلال .
4. أن النسبة إليها فيها شرف النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
5. أننا باتباعها ننفك من سبل الشيطان .
6. أننا باتباعها يرفع المسلمون عن أنفسهم سمة الذل والهوان .
7. أن فيها تشخيص الداء والدواء .
8. أن فيها تحصيل الشرع جميعه .
9. أن بها يكون تمام صالح ومكارم الأخلاق .
10. أن بها ينجو المسلم من العذاب الأليم من النيران .
11. أن بها ينال المسلم دخول الجنة .
12. أن بها يكون إحياء السنة .
ذاك هو مجمل هذه المحاضرة وإليكم البيان .
العنصر الأول في المحاضرة وهو تعريف السنة :
السنة في اللغة: السيرة والطريقة, تقول فلان على سنة فلان أي: على طريقة فلان أي على سيرة فلان هذا هو المعنى في اللغة .
السنة في الشرع: إتباع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر وترك ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فهي تشمل في الشرع كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور واجبة وأمور مستحبة وترك الأمور المحرمة وترك الأمور المكروهة . ثم بعد ذلك أصبح للسنة اصطلاح عند العلماء :-
فالسنة عند المحدثين :- ما أضيف للرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
فأما ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول يعني حديث فيه قول للرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…)) . الحديث, هذه سنة قولية.
وأمّا الفعل فهو السنة الفعلية: أن ينقل إلينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا وكان يترك كذا مثل قول أنس رضي الله عنه كان رسول الله يحب الدباء هذا أمر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً من السنة الفعلية ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال في الصلاة أو أفعال في الزكاة أو أفعال في الصوم أو أفعال في الحج هذه كلها تدخل تحت السنة الفعلية .
وأمّا التقرير فهذه السنة التقريرية:وهي أن يحدث الفعل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زمنه والوحي ينزل ويقر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ويقر الوحي ذلك فلا ينكر ولا يغير فتكون بذلك تقرير شرعي للفعل! ودلالة السنة التقريرية بمجردها على الاستحباب ضعيفة!
وأما الصفة الخُلُقية : فهي ما نقل إلينا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن".
وأما الصفة الخلقية فما ينقل لنا عن هيئته صلى الله عليه وسلم كما يأتي في بعض الأحاديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة لا بالطويل ولا بالقصير إذا وقف بين الطوال طالهم وكان صلى الله عليه وسلم أبيض الوجه وجهه كأنه فلقة القمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ... إلى أخر ما يذكر في صفات خلقه صلى الله عليه وسلم!
إذاً السنة عند المحدثين ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
والسنة عند الأصوليين والفقهاء :
ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
لأن الفقيه والأصولي إنما ينظر في السنة من جهة أنها دليل شرعي وبالتالي لا يكتسب عنده سمة الدليل إلا هذه الأمور الثلاثة وهي : القول و الفعل والتقرير.
والفقهاء حينما يذكرون السنة ويريدون بها هذا المعنى ينبهون أن لهم اصطلاحاً آخر يطلقون فيه كلمة السنة بمعنى المستحب والمندوب ويجعلونها مرتبة من مراتب الحكم الشرعي التكليفي فيقولون : الأحكام الشرعية: خمسة الواجب والمحرم والمكروه والمباح والمستحب .
وهذا المستحب يعبرون عنه بالمندوب ويعبرون عنه بالسنة .
وشاع عند بعض الناس أن السنة هي فقط المستحب الذي ثمرته أنه يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه والواقع أن هذا الاصطلاح اصطلاح حادث جرى عليه أهل الأصول وأهل الفقه في بيان مرتبة من مراتب الحكم الشرعي التكليفي لكن لا يصح لنا أن نفسر كلمة سنة إذا جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو في كلام الصحابة أو في كلام التابعين أو الأئمة الكبار بمعنى المستحب فالسنة عندهم أعم من ذلك تشمل المستحب والواجب بل تشمل ما يكفر مخالفه، ولذلك أئمة السلف والأئمة الكبار في القرون الثلاثة الفاضلة الذين ألفوا وصنفوا لهم كتب اسمها كتب السنة تشتمل على أمور الاعتقاد والتي يكفر مخالفها ككتاب السنة لابن أبي عاصم وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل وكتاب السنة للمروزي وغيرهم .
إذاً ينبغي ألا يهجم المرء على تفسير كلمة السنة إذا وردت في كلام الصحابة أو في كلام الأئمة التابعين أو الأئمة الكبار بأنها بمعنى المستحب فقط لأن هذا اصطلاح حادث لا ينبغي أن يفسر عليه كلام أولئك القوم.
إذا اتضح هذا ننتقل إلى العنصر التالي :
ما هي أقسام السنة:
السنة عند النظر تنقسم إلى قسمين :
سنة صريحة: إضافتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صريحة وظاهرة .
يأتيك في الحديث قال رسول الله فعل رسول الله كان رسول الله كذا أو حصل كذا مع رسول الله فالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تأتي صريحة فهذه سنة صريحة .
السنة الضمنية: وهي سنة تغيب عن أذهان بعض الناس. و هي التي لا يأتي فيها صريحاً ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لكن حكمها حكم السنة المرفوعة الصريحة.
ما هي هذه السنة :
أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي والاجتهاد فيها لأنها ما دامت لا مجال للرأي والاجتهاد فيها فمن أين مصدرها ومن أين أخذوها ؟ أخذوها من الرسول صلى الله عليه وسلم .
- قول الصحابي الذي لا مخالف له فيه هذا أيضاً حكمه حكم السنة المرفوعة، وبعض أهل العلم يقول هذا إجماع سكوتي إذ أن الصحابي حينما يقول القول ويسكت عن الإنكار الصحابة الآخرون فإن هذا دليلٌ أن قول هذا الصحابي سنة إما أنه سنة صريحة بهذه الموافقة أو أنه حصل على درجة الحجة بموافقة الصحابة فصار حكمه حكم الإجماع السكوتي .
- قول الصحابي في أسباب النزول، في أسباب نزول القرآن الكريم هذا أيضاً حكمه حكم السنة المرفوعة إذا كانت الصيغة التي عبر فيها عن سبب النزول صيغة صريحة كقوله حدث كذا فأنزل الله كذا فإن هذا صريح في أن هذه الواقعة حصلت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .
- قول الصحابي في تفسير مرويه فإن الصحابي حينما سمع الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم علم بالقرائن التي حفت هذا الحديث فتفسيره لما يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على كلام غيره بل لعل الأصل فيه أن يكون هذا الفهم أو المعنى الذي فسر فيه الحديث يغلب على الظن أنه استفاده من الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذه أنواع تندرج تحت السنة الضمنية تغيب عن أذهان بعض الناس ولكن أهل الحديث من أكثر الناس تنبهاً لها لذلك تراهم إذا ألفوا الأجزاء الحديثية يوردون الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة لأنها لا تخلوا من أن تتضمن الدلالة أو الإشارة إلى سنة من السنن. ولهذا على طالب العلم أن يشمر عن ساعده للاعتناء بالوارد عن الصحابة في مسائل العلم، وهذا الجانب يقع فيه قصور من جهات:
الأولى: أن الغالب عدم الاعتناء ببيان الصحيح من الضعيف من الآثار. الثاني: عدم تحرير قول الصحابي في المسألة.
الثالث: الهجوم على نسبة القول إلى الصحابي، قبل تحرير إن كان آخر القولين له أوْ لا.
بعد ما عرفنا تعريف السنة وأقسام السنة نذكر لكم الآن فضل إتباع السنة والثمرات التي يجنيها المسلم إذا أتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فأقول كمقدمة لهذه الثمرات :
الحديث عن فضل اتباع السنة النبوية هو الحديث عن الإسلام بتشريعاته وحكمه البالغة وآدابه إذ السنة هي الدين كله قال تعالى ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ [[آل عمران :85-88] .
فالدين هو الإسلام والإسلام هو السنة فالدين هو السنة وفي هذه المحاضرة سأحاول أن ألقي الضوء على أهم ثمرات إتباع السنة والدخول فيها جعلنا الله وإياكم من أهلها فأقول مستعيناً بالله :
من أهم ثمرات ونتائج إتباع السنة ما يلي:
الثمرة الأولى
أن في اتباع السنة أخذ بالعصمة من الوقوع في الاختلاف
المذموم والمبعد عن الدين
الاختلاف المذموم الذي هو سمة الضعف ولا يسلم المرء منه إلا بطاعة الله وطاعة الرسول قال تعالى:] وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ[ [الأنفال :46]. ففي إتباع السنة والأخذ بها طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وذلك سبيل النجاة من الاختلاف المذموم.
أخرج الترمذي في سننه في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع وأبو داود في كتاب السنة من سننه باب ما جاء في لزوم السنة عن العرباض بن سارية قال "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ".
وفي لفظ ابن ماجه قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمنون كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد".
هذه الوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم لا يخرج عنها شيء وهي أصل عظيم من أصول الدين. وذلك أن حياة الناس تحوطها العلاقات؛ فهي إمّا علاقة للعبد مع ربه. وإما علاقة للعبد مع مجتمعه. وإمّا علاقة مع نفسه.
وبيّن الحديث أمر العلاقة مع الله في قوله صلى الله عليه وسلم: " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه".
وأمر العلاقة مع المجتمع في قوله: "وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
وأمر العلاقة مع النفس بينه في الوصية بالتقوى والتمسك بالسنة. تدلنا هذه
الوصية على فضل وثمرة من ثمرات اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الحديث حديث أبي نجيح العرباض بن سارية فيه إخبار عن أمر سيكون ، ما هو هذا الأمر؟!
أخبر أنه سيكون اختلاف كثير بين المسلمين عما كان عليه الحال في زمنه صلى الله عليه وسلم : "ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً "!
ما النجاة ما الفكاك كيف الخلاص ؟
قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " .
إذاً أول ثمرة وأول فضل لاتباع السنة أنك تعصم نفسك به على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه، تعصم نفسك عن الاختلاف المذموم ، تعصم نفسك عن الدخول في أمور الاختلاف والفرقة التي ذمها الإسلام بأن تتمسك بالسنة وهذا معيار من الرسول صلى الله عليه وسلم نعلمه ونلقنه للناس نقول لهم إذا جاءكم أمر من الأمور والتبست عليكم الأمور وما عرفتم هل هذا الأمر يجوز أو لا يجوز؛ فانظروا هل كان عليه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا ضابط علمنا إياه صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ...".
وقوله في الحديث: (فعليه بسنتي) أي فليلزم سنتي (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء. وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها. وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي منهم أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل .
قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله: "في قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن قال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء من الفرق الناجية في القيامة جعلنا الله منهم بمنه .
ثم بوّب في ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفظه نفسه عن كل من يأباها من أهل البدع وإن حسنوا ذلك في عينه وزينوه"اهـ(1).
الثمرة الثانية
أن في اتباع السنة ولزومها النجاة من الفرقة التي توعد أهلها بالنار
هناك الاختلاف وقد لا يصل إلى حد الفرقة لكن قد يصل الاختلاف إلى حد فتكون هناك فرق وجماعات وانتماءات ذمها الرسول صلى الله عليه وسلم أخرج ابن ماجة عن أنس ابن مالك قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " .
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال صلى الله عليه وسلم : "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال : ما أنا عليه وأصحابي "
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة "(1) .
ففي هذا الحديث بيان أن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم السلامة من الفرقة المذمومة التي توعد أهلها بالنار .
هناك في الثمرة الأولى ذكر الاختلاف وقد يحدث الاختلاف ولا يصل إلى فرقة فاتباعك للسنة يسلمك من الاختلاف .
هنا في الثمرة الثانية ذكر فرق وهذا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم فيه إعجاز وتصديق لنبوته صلى الله عليه وسلم إذ الأمر حصل كما قال عليه الصلاة والسلام وحصلت فرق، هناك الخوارج وهناك المعتزلة وهناك المرجئة وهناك الجهمية وهناك الرافضة فرق كثيرة حصلت ، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الفرق ستبلغ إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ما هي ؟ هي التي تكون ما عليه أنا وأصحابي .
إذاً هذا فيه تعظيم لأمر إتباع السنة أليس كذلك؟
فيه بيان لثمرة من ثمرات إتباع السنة أليس كذلك؟
نقول بلى : فيه تعظيم لاتباع السنة وحث للمسلمين أن يتبعوا السنة فعليهم إذا أرادوا النجاة أن يكونوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهذه ثمرة من ثمرات إتباع السنة .
ومن المهم هنا التنبيه على أن قوله صلى الله عليه وسلم: " كلها في النار إلا واحدة " من باب نصوص الوعيد، فالفرق المتوعدة بالنار، في قوله صلى الله عليه وسلم: " كلها في النار إلا واحدة " هذا عذابها إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها، كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء:48]،[مجموع الفتاوى (7/217-218)].
قال الآجري محمد بن الحسين (ت360هـ) رحمه الله : " فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الملة الناجية باتباعه لكتاب الله عزوجل وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه رحمةُ الله عليهم ، وسنن التابعين بعدهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين ممن لا يستوحش من ذكرهم مثل سفيان الثوري والأوزاعي ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد القاسم بن سلام ومن كان على طريقهم من الشيوخ فما أنكروه أنكرناه وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به، ونبذنا ما سوى ذلك"اهـ [كتاب الأربعين حديثاً للآجري، تحقيق أخينا الفاضل بدر البدر، أضواء السلف، 1420هـ].
الثمرة الثالثة
أن في لزوم السنة تحصيل الهداية والسلامة من الضلال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يرد عليَّ الحوض" (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال : " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه " (2) .
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم" (3).
وعن أبي أمامه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
] مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ[" (1).
والكتاب والسنة قد هُدِي من تمسك بهما.
هذه الأحاديث تفيد أن في اتباع السنة النبوية سلامة من الضلال: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض". إذاً هذا الحديث فيه بشارة لمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسك بها وأنها ستكون داعية وهادية في عرصات يوم القيامة إلى الحوض المورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم وهذه ثمرة عظيمة من ثمرات التمسك والاتباع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال ابن تيمية رحمه الله: "كان أئمة المسلمين مثل مالك وحماد بن زيد والثوري ونحوهم إنما تكلموا بما جاءت به الرسالة وفيه الهدى والشفاء فمن لم يكن له علم بطريق المسلمين يعتاض عنه بما عند هؤلاء وهذا سبب ظهور البدع في كل أمة وهو خفاء سنن المرسلين فيهم وبذلك يقع الهلاك، ولهذا كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة".
قال مالك رحمه الله: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك".
وهذا حق فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين . واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه.
وهكذا إذا تدبر المؤمن سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر وجد القرآن والسنة كاشفان لأحوالهم مبينان لحقهم مميزان بين حق ذلك وباطله والصحابة كانوا أعلم الخلق بذلك كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين كما قال فيهم عبدالله بن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم"(1)اهـ.
الثمرة الرابعة
أن في السنة دخولاً تحت اسم النبي صلى الله عليه وسلم
وفي تركها خروجًا عن اسم الرسول صلى الله عليه وسلم
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : "من رغب عن سنتي فليس مني" وله قصة أخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وترك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو رغبة عنه، تركها بعد علمها هو رغبة عنه والرغبة عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على درجتين : قد تكون في درجة المعصية وقد تكون في درجة الكفر والعياذ بالله .
إذا تركتها إعراضاً عنها وإنكاراً لها وانتقاصاً لها فأنت انتقصت الدين وانتقاص الدين نوع من الكفر والإعراض عن الدين نوع من أنواع الكفر والعياذ بالله.
أما إذا تركت السنة تهاوناً وكسلاً لا عن اعتقاد القصور فيها واعتقاد النقص فيها، فأنت بحسب هذه السنة التي تركتها إن تركت واجباً فأنت عليك إثم الواجب وإن تركت مستحباً فأنت قد فاتك فضل المستحب وإذا أدمنت وداومت على ترك المستحب فإن أهل العلم في المذاهب الأربعة يسقطون عدالتك ويفسقونك بترك السنة بمعنى الإدمان على تركها. من ذلك ما ورد عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أنه سئل عمن يترك صلاة الوتر وصلاة الوتر عنده مستحبة ليست بواجبة فقال: لما سئل عمن ترك أو أدمن ترك صلاة الوتر لا يصلي الوتر قال : ذاك رجل فاسق ترد شهادته. وهو يترك سنة ولذلك نحن ننبه الناس نقول : لا تفهموا من قول العلماء إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هذا المعنى الذي تصلون به إلى التهاون بالسنة نقول : لا ، العلماء ما أرادوا هذا إنما أرادوا بيان السنة والواجب والمحرم والمكروه، أرادوا ما تصح به العبادة وما تفسد به العبادة، أرادوا بيان أدنى الأحوال التي يصل بها الإنسان إلى حد العدالة عموماً لا على الدوام وهم يفرقون مع قولهم إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها يفرقون بين من أدمن على ترك السنن وبين من كان يتركها أحياناً ولذلك الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحق قالوا: ما بلغنا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملنا به ولو مرة واحدة.
لماذا يصفون هذا؟ لماذا يقولون هذا ؟
حتى يعدوا من أصحاب هذه السنة ، يعدوا من أصحاب هذا الحديث لذلك من ثمرات العمل بالسنة وفضل العمل بالسنة أن من يعمل بها يعد من أهلها .
الثمرة الخامسة
أن في فضل السنة واتباعها الفكاك من سبل الشيطان
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :" خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً فقال : هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن شماله وعن يمينه ثم خط خطوطاً صغيرة عن شمال هذا الخط وعن يمينه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا سبيلي أشار إلى الخط الطويل وقال : هذا سبيلي وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه ثم تلا { وَأَنّ هَـَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } ". فمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم اتبع الصراط المستقيم وسلم من سبل الشياطين ، وخط الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صنعه ومثله بالمثال ليقربه إلى أذهان الناس فخط خطاً وخط على جانبه خطوطاً تصويراً لحقيقة هذه السنة، فالسنة طريق طويل ليست طريقاً قصيراً ولذلك الذين يتعجلون نتائج الدعوة يتعجلون نتائج اتباع السنة وتطبيق السنة يقولون: يا أخي نحن لنا مدة على طلب الحديث ونطبق الحديث والعمل بالسنة ولكن ما يوجد أثر لهذا؛ المجتمعات ماتغيرت!!
فأقول لك: يا أخي لا ضير في ذلك أما ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مثل لسنته وصراطه مثله صراطاً طويلاً ولما مثل السبل الأخرى مثلها سبل قصيرة على جانبيه فلا تغتر ولا تظنن أن اتباعك لتلك السبل التي هي على خلاف السنة يوصلك إلى النتيجة! فبعض الناس قد يظن أنه بهذا الأسلوب الذي يخالف سنة الرسول يصل مباشرة إلى مقصود الدعوة!
فنقول: هذه كلها اغواءات من الشيطان يغويك يفتح لك الأبواب ويغرر بك يوهمك أن هذا السبيل نتيجته سريعة طريقه قصير أما طريق السنة يا أخي فإنه طريق طويل محفوف بالمكاره، ولكنه صراط مستقيم يؤدي بسالكه إلى الجنة، وينجو به من النيران!
هذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم إن أردته ألزمه وهو طريق طويل عليك إن تصبر وعليك أن تتابع السبيل ولذلك كان من الوصايا العامة لجميع المؤمنين ما ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله { وَالْعَصْرِ . إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ .إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْر}
لابد من الصبر في أمر الدعوة!
وسبيل الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة ومنهج الأنبياء في الدعوة ليس بمنهج سريع تستعجل فيه ثمرته، ليس بمنهج بين يوم وليلة بين سنة وسنتين، بل هو سبيل طويل، وصراط مستقيم، أمّا سبيل الشياطين فإنها كلها قصيرة يغرر بك بقصرها فتتوهم أنها تؤدي إلى النتيجة سريعاً!
فسبيل السنة سبيل طويل عليك أن تتبعه وأن تسلكه وأن تتواصى فيه مع إخوانك بالحق وأن تتواصى فيه مع إخوانك بالصبر .
إذاً في اتباعك للسنة أمان لك وفكاك لك من سبل الشياطين .
قال ناصر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن المنير (ت683هـ) رحمه الله: "من الحقوق الواجبة نشرها (يعني: السنة) على الناس قاطبة يحملها الآخذ إلى الغالب، ويبلغها الشاهد إلى الغائب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أدّاها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع" فوظيفة الحامل الجاهل في هذه الأمانة أن يؤديها إلى أهلها بالوفاء والتسليم ووظيفة الحامل الحاذق أيضاً أن يؤديها إلى من عساه أحذق منه في الفهم والتفهيم.
وليحذر أن يحجب عن المزيد باعتقاد أنه ذلك العظيم ففوق كل ذي علم عليم، ومهما ظن أنه ليس وراء قدره مرمى ، فقد حرم بركة قوله عزوجل: {وقل ربي زدني علماً} [طه:114] وقد كان العلماء الربانيون من هذه الأمة على ما وهبوه من القوة في غاية الجزع والهلع يتدرعون العجز الذي يأباه اليوم لكع بن لكع، حتى كان مالك رحمه الله وهو الذي لا يقري أحد كما يقري أهون ما عليه أن يقول فيما لا يدري أنه لا يدري، ويشير بها إلى الأفاضل والأماثل ويقول: جنة العالم لا أدري فإذا أخطأها أصيبت منه المقاتل"اهـ.(1)
قال ابن تيمية رحمه الله: "وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة كما كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة هو النجاة.
وقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ؛ وذلك أن السنة والشريعة والمنهاج هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله والرسول هو الدليل الهادي الخريت في هذا الصراط كما قال تعالى: { إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً .وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً }.
وقال تعالى: { وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مُسْتَقيم .صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَات وَمَا فِي الأرْضِ أَلاَ إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الاُمُورُ}.
وقال تعالى: { وَأَنّ هَـَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }.
وقال عبدالله بن مسعود: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: { وَأَنّ هَـَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }[الأنعام :153].
وإذا تأمل العاقل الذي يرجو لقاء الله هذا المثال وتأمل سائر الطوائف من الخوارج ثم المعتزلة ثم الجهمية والرافضة ومن أقرب منهم إلى السنة من أهل الكلام مثل الكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم(1) وأن كلا منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة وأهل الحديث ويدعى أن سبيله هو الصواب وجدت أنهم المراد بهذا المثال الذي ضربه المعصوم الذي لا يتكلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [ مجموع الفتاوى (4/56ـ57)].
الثمرة السادسة
في اتباع السنة تحصل الشرع والدين
وذلك أن الدين معناه أن لا تعبد إلا الله ولا تعبد الله إلا بما شرع ولا طريق لنا في معرفة الشرع بغير القرآن العظيم والسنة النبوية، ولهذا كانت العبادات توقيفية ولا غرو قالت عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن " وسنته صلى الله عليه وسلم شاملة لكل الدين . فهي المبينة للقرآن العظيم قال الله تبارك وتعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنِّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال تعالى: { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64].
توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، فمن زاد أو أنقص فقد أساء وظلم" .
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"!
وهو الذي قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وهو الذي قال: " أفشوا السلام بينكم وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا جنة ربكم بسلام " .
وقال ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا قال الفقهاء العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله r يقبلك لما قبلتك .
والله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع الرسول وطاعته وموالاته ومحبته وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته فقال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وقال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .
وأمثال ذلك في القرآن كثير ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما وضحت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفُ ما ليس به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فإن الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك كله انتهى كلامه رحمه الله " .
فمن ثمرا ت اتباع السنة أنك باتباعها تحصل الدين جميعه .
إن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول عبده ورسوله تتضمن أمرين:
أن لا نعبد إلا الله وأن لا نعبده إلا بما شرع .
إن هذين الأمرين هما اللذان يقوم عليهما الدين .
أما نقول ذلك ؟ إذاً الإتباع أن لا نعبد الله إلا بما شرع، وتحقيق هذا الأصل لا يكون إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معنى الجزء الثاني من الشهادة وأشهد أن محمداً رسول الله فلا طريق لك إلى معرفة عبادة الله إلا عن طريق اتباع رسول الله واتباع الرسول يكون بأخذ سنته صلى الله عليه وسلم ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". يعني تتقرب إلى الله بأمر انظر هذا الأمر هل هو من الأمور التي تقرب بها الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا . فإذا وجدتها من ذلك فهي مقبولة إن شاء الله إذا توفرت شروط القبول وإذا لم يكن الأمر كذلك فهو مردود عليك ولذلك حكم أهل العلم إن الذين يتقربون إلى الله بأمور محدثة يعني ببدع لا تقبل منهم عبادتهم لماذا ؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" إذاً في اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وتقفيها أخذ بالدين كله. والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نتوضأ وكيف نصلي وعلمنا الآداب والأخلاق وكان يعلمنا لما دخل المدينة قال: "أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" ويعلمنا يقول : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" علمنا الصيام وعلمنا الزكاة وعلمنا أمور الدين . فاتباعك لسنة الرسول أخذ بأمور الدين جميعها.
قال ابن عبد البر (ت463هـ):"هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} [النحل:90].
وروينا عن عائشة ذكره ابن وهب وغيره أنها قالت: "مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتدمم للصاحب وقرى الضيف والحياء رأسها".
قالت: "وقد تكون مكارم الأخلاق في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في ابنه ولا تكون فيه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله لمن أحب"اهـ [التمهيد (24/334)].
قلت: وسنة الرسول هي الدين كما تقدم، وهي المبينة لما في القرآن العظيم، وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقد قال ابن تيمية: "ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الاسود وقال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك" والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته وموالاته ومحبته وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته فقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}، وقال تعالى : {وإن تطيعوه تهتدوا}، وقال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم}، وأمثال ذلك في القرآن كثير.
ولا ينبغي لأحد أن يخرج فى هذا عما مضت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفو ما ليس له به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فان الله تعالى قد حرم ذلك كله"اهـ[قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص270ـ271].
الثمرة السابعة
أن في اتباعك لها رفع لسمة الذل والهوان عن الأمة
وذلك لأن السنة هي الدين وترك الدين سبب للذل والهوان.
أخرج أحمد في المسند وأبو داود في سننه عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" والعودة إلى السنة عودة إلى الدين .
وفي حديث جبريل الطويل الذي هو أم السنة بعد أن ذكر أركان الإيمان والإسلام والإحسان قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"!
الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأمر سيكون وأخبر بالنتيجة وذلك على سبيل الخلاص قال : "إذا تبايعتم بالعينة" والعينة نوع من أنواع البيوع تباع فيها السلعة ويبقى عينها عند بائعها ويشتريها البائع ممن اشتراها منه، كأن يذهب إنسان إلى صاحب سيارات وهو محتاج فلوس فيقول لصاحب السيارات: بعني هذه السيارة بالتقسيط بعشرين ألف، فيبيعه بعشرين ألف، وصاحب السيارة عارف أنه ما يريد السيارة يريد الفلوس فيقول له: أنا اشتري منك هذه السيارة نقداً بخمسة عشر ألفاً فيصير في الحقيقة أنه أخذ خمسة عشر ألفاً حاله بعشرين ألف مؤجلة ألم يحصل هذا .
هذا هو بيع العينة، سمي عينة لأن عين السلعة المباعة لم تنتقل من حرز مالكها.
والرسول عليه الصلاة والسلام عنون ببيع العينة من باب الإشارة إلى تفشي أنواع البيوع المحرمة لأنه لا يوجد عندنا في المعاملات في البيع والشراء إلا بيع وربا فعنوان البيوع المحرمة الربا ومنه بيع العينة.
قال : "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر" كانوا في السابق ولايزال إلى الآن في بعض البلاد المحراث يجره بقر وثور فيأتي المزارع يمشي خلف البقر ويمسك المحراث ويغرزه في الأرض حتى يقلبها فالرسول صلى الله عليه وسلم عبر عن الركون إلى الدنيا والأرض باتباع أذناب البقر يعني تصيروا أهل زرع وأهل دنيا وأهل مال فتجلسوا في الأرض وتتركوا الجهاد . قال : "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد " تضمن ثلاثة أمور:
• 1ـ إذا تبايعتم بالعينة! قلنا: هذا عنوان البيوع المحرمة الربوية .
• 2ـ واتبعتم أذناب البقر! معناه الركون إلى الدنيا .
• 3ـ وتركتم الجهاد
ما هي نتيجة هذه الأمور إذا وجدت في مجتمع من المجتمعات: "سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم " .
إذاً اتباع السنة عودة إلى الدين والعودة إلى الدين سبب في رفع الذل عنا.
إذاً اتباع السنة سبب في رفع الذل عن أمة المسلمين.
أخذ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والسير عليها والتمشي بها والحرص والتمسك بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم سبب لرفع الذل عن المسلمين وهذا ثمرة من ثمرات اتباع السنة أخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
في حديث جبريل الطويل ذكر الإيمان والإسلام والإحسان وقال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"؛ إذاً الذل لا يرفع إلا بالعودة إلى الدين والدين هو معرفة أركان الإيمان والإسلام والإحسان أليس كذلك؟!.
فمن أراد أن يعود إلى الدين فعليه أن يتعلم أحكام هذه المذكورات في حديث جبريل. فهل بعد هذا يلام أهل الحديث أنهم يشتغلون بتعليم الناس أحكام الطهارة وأحكام الصوم وأحكام الزكاة وأحكام الإيمان والإيمان بالله وبالملائكة والكتب ويتركوا الكلام في الأشياء التي لا فائدة فيها؟!
يتحدث أهل الحديث في هذه الأمور يعلمون الناس الدين، هل يقال عنهم بعد ذلك أنتم علماء حيض ونفاس ولستم بعلماء واقع ولستم بعلماء دعوة؟
العالم الذي يعلم الناس هذه الأمور يعلم الناس الدين يعلمهم السبيل الذي يخرجون به عن الذل والهوان يعلمهم السبيل الذي أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إليه . إذا أرادوا الخلاص والنجاة في الآخرة!
فمن ترك تعلم هذه الأمور وجعل كلامه كله عن العلمانية وعن الشيوعية وعن الدول الكبرى وعن كذا، وترك تعليم نفسه ما يحتاجه من أمر دينه، بله تعليم الناس هذه الأشياء، هل علم الدين؟ هل تحقق فيه الرجوع إلى الدين، الذي أراده صلى الله عليه وسلم في قوله: "حتى ترجعوا إلى دينكم" وفي حديث جبريل ذكر الإيمان وأركانه والإسلام وأركانه والإحسان: "وقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"؟
فهل نتعلم الدين بدون أن نتعلم كيف نصلي ؟!
هل نتعلم الدين من غير أن نتعلم الطهارة التي هي مفتاح الصلاة؟!
هل نتعلم الدين من غير أن نعلم نساءنا وبناتنا وحريمنا أحكام الحيض وأحكام النفاس وهي أمور تمر عليهم دائماً؟
هل نكون تعلمنا الدين بغير ذلك؟
هل نتعلم الدين ونحن لا نعرف نعبد الله على الطريقة التي تقول: إن صلاتي أنا كما صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم، حجي أنا كما حج الرسول صلى الله عليه وسلم، صومي أنا كما صام الرسول صلى الله عليه وسلم؟
هل عرفنا الدين؟!
إذاً من ثمرات اتباع السنة ومن فضل اتباع السنة أن فيها رفع سمة الذل والهوان عن المسلمين .
سر يا أخي على الجادة اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص على أن تقيم عبادة الله وتحققها وثق أنك إذا ما مشيت على هذا فصلحت نفسك وأصلحت أهلك وأسرتك وصلاح النفس صلاح الأسرة .
وصلاح الأسرة صلاح المجتمع .
وصلاح المجتمع صلاح المدينة .
وصلاح المدينة صلاح الدولة .
وصلاح الدولة صلاح الأمة .
وصلاح الأمة صلاح الكون جميعه بإذن الله؛ فأحرص وأبدا بنفسك ثم أدناك فأدناك.
الثمرة الثامنة
أن فيها وصف الداء الذي اعترى الأمة الإسلامية ووصف الدواء
أخرج أحمد وأبو داود عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٍ كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة لكم و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن قال : حب الدنيا وكراهية الموت " .
الرسول صلى الله عليه وسلم وصف داءنا وحالنا : "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها ".
أما حصل هذا؟! والله حصل تداعت دول الاستعمار على البلاد الإسلامية التي حباها الله سبحانه وتعالى بالخيرات رزقها الله بالخيرات أنهار وزراعة وبترول وأمور مختلفة تداعوا عليها كما يتداعى الأكلة على قصعتها!
"قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟" هل نحن قليل حتى تجيء دول وتتكاثر علينا؟!
"قال: لا بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل". فما السبب في ضعفنا ؟
"قال: ولينـزعن الله من صدورهم المهابة لكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قالوا يا رسول الله ما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت" .
إذاً في السنة وصف الداء ووصف الدواء تريد تعالج نفسك تريد تمشي في طريقك تريد تحقق الخير لك؛ احرص على اتباع السنة وعالج نفسك من أمر حب الدنيا وكراهية الموت تنظر في السنة تجد فيها حديثاً يقول: " أكثروا من زيارة القبور فإنها تذكركم بالأخرة " تنظر في السنة تجد فيها حديثاً يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، تذكرك بالآخرة بالموت كل ما قرأت واطلعت في السنة وطبقتها، يضعف في نفسك حب الدنيا وخوف الموت شيئاً فشيئاً!
تسمع في السنة عن الدنيا: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم" .
تقرأ في القرآن العظيم: ] زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام ...إلى آخره[
وتستمر في تعلم القرآن والسنة فتتوضح لك الحقائق وتتكشف لك الدنيا!
فتقوم وقد عرفت ما هي الدنيا! عرفت ما هي الأمور التي حولك! فسلمت من الوهن وسلامتك من الوهن خروج لك من حالة الغثائية .
الثمرة التاسعة
أن في سنته صلى الله عليه وسلم تحصيل تمام الأخلاق وجميلها ومكارمها
أخرج أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِح الْأَخْلَاقِ "(1).
قال ابن عبد البر (ت463هـ):"هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} [النحل:90].
وروينا عن عائشة ذكره ابن وهب وغيره أنها قالت: "مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتدمم للصاحب وقرى الضيف والحياء رأسها".
قالت: "وقد تكون مكارم الأخلاق في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في ابنه ولا تكون فيه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله لمن أحب"اهـ (1).
قلت: وسنة الرسول هي الدين كما تقدم، وهي المبينة لما في القرآن العظيم، وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
الثمرة العاشرة
أن في لزوم السنة النجاة من الفتنة والعذاب الأليم
قال الله تبارك وتعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
كل من خالف السنة! كل من خالف أمر الرسول! عليه أن يحذر {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }تصيبهم فتنة فيدخل الكفر في قلوبهم أو النفاق في قلوبهم أو يدخلوا في البدع فيلحقهم بذلك عذاب أليم!
فمن فضل اتباع سنة الرسول أنها تحفظك من الفتنة .
جاء رجل إلى الإمام مالك قال: يا إمام أريد العمرة! قال: اعتمر! قال: أريد أن أحرم لها من المدينة من المسجد! قال: يا بني اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة واعتمارك من المسجد خلاف السنة وإني أخشى عليك الفتنة إذا أنت فعلت هذا ثم تلا { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم }.
الثمرة الحادية عشر
أن في اتباع السنة ولزومها تحقيق الإيمان وحصول السعادة في
الدارين والسلامة من النيران
قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى }، فمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولزمها فإنه لم يعرض عن الدين ولا عن ذكر الله بل أقبل فهذا لا يكون حاله كمن أعرض وقد قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } وقال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .
وبالمقابل جاءت آيات في حال من يعصي الله ورسوله قال تبارك وتعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}، بل نفى الإيمان عمن لم يحقق الاتباع له صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون لك حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، وقال تبارك وتعالى: {ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً}، وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً}.
إذاً اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام تحقيق للإيمان: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
الثمرة الثانية عشر
من ثمرات اتباع السنة أن في اتباعك للسنة وعملك بها إحياءً لها
وإحياؤك لها إظهاراً لها ودعوة للناس إليها، فمن عمل بالسنة، نتيجة عملك بها أجر وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعى إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
وأخرج مسلم أيضاً عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فابطئوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قال : ثم أن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : " من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة وعمل بها بعده كتب له مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً "
إذاً من عمل بالسنة وأظهرها دعى الناس إليها بمجرد أنه أظهرها. فإذا عمل إنسان بهذه السنة كان لمن أظهرها أولاً أجر من عمل بها إلى يوم القيامة!
قد يقول قائل: يا شيخ الرسول صلى الله عليه وسلم قال من سن سنة حسنة يعني إنسان يعمل عمل ولو ما جاء في الشرع ولو ما جاء عن الرسول!
أقول لك: لا ،ليس هذا معنى الحديث لأن أهل العلم يقولون إنما يعرف التحسين والتقبيح للأشياء من الشرع فمن أين لك هذا العمل حسن إذا لم يأت من الشرع فمصدرنا أن هذا حسن أو قبيح هو الشرع، يصير معنى الحديث: "من سن سنة حسنة " أي: من أحيا سنة من الشرع ولذلك الحديث ورد في الصدقة أن رجلاً جاء وقدم صدقة فجاء الناس بعده وتصدقوا.
دخل رجل المسجد ولقي فقيراً فخرَّج من ماله شيئاً وأعطاه! فلما رأوه الناس بادروا اقتداء به إلى إعطاء هذا الفقير ومساعدته! كل من عمل إقتداءً به يكون له أجر.فهل الصدقة وإخراجها من السنة التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أم سنة محدثة؟ إنها سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم .
ليس في الحديث أن الإنسان يعمل سنة من عند نفسه، لأن حسن السنن إنما يعرف من الشرع وليكن على ذكر منكم قوله صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
قال ابن حبان رحمه الله :" إن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم تمام السلامة وجماع الكرامة لا تطفئ سرجها ولا تدحض حججها من لزمها عصم ومن خالفها يذم إذ هي الحصن الحصين والركن الركين الي بان فضله ومتن حبله من تمسك به ساد ومن رام خلافه باد فالمتعلقون به أهل السعادة في الأجل والمغيوطون بين الأنام في العامل" .انتهى كلامه .
وبهذا تتم هذه المحاضرة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وسبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك وصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(1) صحيح ابن حبان (1 / 180)
(2) حديث صحيح، لغيره. وأشار بعضهم إلى احتمال تواتره.
أخرجه أحمد في المسند (4/102)، و أبو داود في كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم (4597)، والآجري في الشريعة (الطبعة المحققة) (1/132، تحت رقم 31).وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/32)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (204)، وذكر جملة من الأحاديث تشهد له. وانظر نظم المتناثر ص32-34.
فائدة : قال ابن تيمية رحمة الله عليه، في مجموع الفتاوى (3/346-347)، في معرض كلام له على حديث الافتراق: "وأمّا تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات، وذكروهم في كتب المقالات، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل؛ فإن الله حرّم القول بلا علم عموماً، وحرّم القول عليه بلا علم خصوصاً، فقال تعالى: {قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} [الأعراف:33]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسؤ والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} [البقرة:169]، وقال تعالى: {ولاتقف ما ليس لك به علم} [الإسراء:36]. وأيضاً فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين. فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي {لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن جعل شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق"اهـ
(2) أخرجه الحاكم والدار قطني والبيهقي
(3) أخرجه البيهقي .
(4) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد مسنداً.
(5) أخرجه ابن عبد البر أيضاً في التمهيد وأخرجه الترمذي
(6) مجموع الفتاوى (4/137).
(7) المتواري على تراجم أبواب البخاري ص34ـ35.
(8) وكذا فرق الاختلاف إلى يومنا هذا .
(9) المسند (الرسالة) 14/513 .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ[ [آل عمران:102].
] يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً[ [النساء:1]
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً الأحزاب:70،71].
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمّا بعد:
فهذه محاضرة بعنوان فضل اتباع السنة أدرتها على العناصر التالية: -
-تعريف السنة .
-أقسام السنة وأنواعها .
-ثمرات إتباع السنة وهي التالية :-
1. أنها سبيل النجاة من الاختلاف .
2. أنها سبيل الفكاك من الافتراق .
3. أنها سبيل الهداية من الضلال .
4. أن النسبة إليها فيها شرف النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
5. أننا باتباعها ننفك من سبل الشيطان .
6. أننا باتباعها يرفع المسلمون عن أنفسهم سمة الذل والهوان .
7. أن فيها تشخيص الداء والدواء .
8. أن فيها تحصيل الشرع جميعه .
9. أن بها يكون تمام صالح ومكارم الأخلاق .
10. أن بها ينجو المسلم من العذاب الأليم من النيران .
11. أن بها ينال المسلم دخول الجنة .
12. أن بها يكون إحياء السنة .
ذاك هو مجمل هذه المحاضرة وإليكم البيان .
العنصر الأول في المحاضرة وهو تعريف السنة :
السنة في اللغة: السيرة والطريقة, تقول فلان على سنة فلان أي: على طريقة فلان أي على سيرة فلان هذا هو المعنى في اللغة .
السنة في الشرع: إتباع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر وترك ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فهي تشمل في الشرع كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور واجبة وأمور مستحبة وترك الأمور المحرمة وترك الأمور المكروهة . ثم بعد ذلك أصبح للسنة اصطلاح عند العلماء :-
فالسنة عند المحدثين :- ما أضيف للرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
فأما ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول يعني حديث فيه قول للرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…)) . الحديث, هذه سنة قولية.
وأمّا الفعل فهو السنة الفعلية: أن ينقل إلينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا وكان يترك كذا مثل قول أنس رضي الله عنه كان رسول الله يحب الدباء هذا أمر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً من السنة الفعلية ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال في الصلاة أو أفعال في الزكاة أو أفعال في الصوم أو أفعال في الحج هذه كلها تدخل تحت السنة الفعلية .
وأمّا التقرير فهذه السنة التقريرية:وهي أن يحدث الفعل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زمنه والوحي ينزل ويقر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ويقر الوحي ذلك فلا ينكر ولا يغير فتكون بذلك تقرير شرعي للفعل! ودلالة السنة التقريرية بمجردها على الاستحباب ضعيفة!
وأما الصفة الخُلُقية : فهي ما نقل إلينا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن".
وأما الصفة الخلقية فما ينقل لنا عن هيئته صلى الله عليه وسلم كما يأتي في بعض الأحاديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة لا بالطويل ولا بالقصير إذا وقف بين الطوال طالهم وكان صلى الله عليه وسلم أبيض الوجه وجهه كأنه فلقة القمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ... إلى أخر ما يذكر في صفات خلقه صلى الله عليه وسلم!
إذاً السنة عند المحدثين ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
والسنة عند الأصوليين والفقهاء :
ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
لأن الفقيه والأصولي إنما ينظر في السنة من جهة أنها دليل شرعي وبالتالي لا يكتسب عنده سمة الدليل إلا هذه الأمور الثلاثة وهي : القول و الفعل والتقرير.
والفقهاء حينما يذكرون السنة ويريدون بها هذا المعنى ينبهون أن لهم اصطلاحاً آخر يطلقون فيه كلمة السنة بمعنى المستحب والمندوب ويجعلونها مرتبة من مراتب الحكم الشرعي التكليفي فيقولون : الأحكام الشرعية: خمسة الواجب والمحرم والمكروه والمباح والمستحب .
وهذا المستحب يعبرون عنه بالمندوب ويعبرون عنه بالسنة .
وشاع عند بعض الناس أن السنة هي فقط المستحب الذي ثمرته أنه يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه والواقع أن هذا الاصطلاح اصطلاح حادث جرى عليه أهل الأصول وأهل الفقه في بيان مرتبة من مراتب الحكم الشرعي التكليفي لكن لا يصح لنا أن نفسر كلمة سنة إذا جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو في كلام الصحابة أو في كلام التابعين أو الأئمة الكبار بمعنى المستحب فالسنة عندهم أعم من ذلك تشمل المستحب والواجب بل تشمل ما يكفر مخالفه، ولذلك أئمة السلف والأئمة الكبار في القرون الثلاثة الفاضلة الذين ألفوا وصنفوا لهم كتب اسمها كتب السنة تشتمل على أمور الاعتقاد والتي يكفر مخالفها ككتاب السنة لابن أبي عاصم وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل وكتاب السنة للمروزي وغيرهم .
إذاً ينبغي ألا يهجم المرء على تفسير كلمة السنة إذا وردت في كلام الصحابة أو في كلام الأئمة التابعين أو الأئمة الكبار بأنها بمعنى المستحب فقط لأن هذا اصطلاح حادث لا ينبغي أن يفسر عليه كلام أولئك القوم.
إذا اتضح هذا ننتقل إلى العنصر التالي :
ما هي أقسام السنة:
السنة عند النظر تنقسم إلى قسمين :
سنة صريحة: إضافتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صريحة وظاهرة .
يأتيك في الحديث قال رسول الله فعل رسول الله كان رسول الله كذا أو حصل كذا مع رسول الله فالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تأتي صريحة فهذه سنة صريحة .
السنة الضمنية: وهي سنة تغيب عن أذهان بعض الناس. و هي التي لا يأتي فيها صريحاً ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لكن حكمها حكم السنة المرفوعة الصريحة.
ما هي هذه السنة :
أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي والاجتهاد فيها لأنها ما دامت لا مجال للرأي والاجتهاد فيها فمن أين مصدرها ومن أين أخذوها ؟ أخذوها من الرسول صلى الله عليه وسلم .
- قول الصحابي الذي لا مخالف له فيه هذا أيضاً حكمه حكم السنة المرفوعة، وبعض أهل العلم يقول هذا إجماع سكوتي إذ أن الصحابي حينما يقول القول ويسكت عن الإنكار الصحابة الآخرون فإن هذا دليلٌ أن قول هذا الصحابي سنة إما أنه سنة صريحة بهذه الموافقة أو أنه حصل على درجة الحجة بموافقة الصحابة فصار حكمه حكم الإجماع السكوتي .
- قول الصحابي في أسباب النزول، في أسباب نزول القرآن الكريم هذا أيضاً حكمه حكم السنة المرفوعة إذا كانت الصيغة التي عبر فيها عن سبب النزول صيغة صريحة كقوله حدث كذا فأنزل الله كذا فإن هذا صريح في أن هذه الواقعة حصلت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .
- قول الصحابي في تفسير مرويه فإن الصحابي حينما سمع الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم علم بالقرائن التي حفت هذا الحديث فتفسيره لما يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على كلام غيره بل لعل الأصل فيه أن يكون هذا الفهم أو المعنى الذي فسر فيه الحديث يغلب على الظن أنه استفاده من الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذه أنواع تندرج تحت السنة الضمنية تغيب عن أذهان بعض الناس ولكن أهل الحديث من أكثر الناس تنبهاً لها لذلك تراهم إذا ألفوا الأجزاء الحديثية يوردون الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة لأنها لا تخلوا من أن تتضمن الدلالة أو الإشارة إلى سنة من السنن. ولهذا على طالب العلم أن يشمر عن ساعده للاعتناء بالوارد عن الصحابة في مسائل العلم، وهذا الجانب يقع فيه قصور من جهات:
الأولى: أن الغالب عدم الاعتناء ببيان الصحيح من الضعيف من الآثار. الثاني: عدم تحرير قول الصحابي في المسألة.
الثالث: الهجوم على نسبة القول إلى الصحابي، قبل تحرير إن كان آخر القولين له أوْ لا.
بعد ما عرفنا تعريف السنة وأقسام السنة نذكر لكم الآن فضل إتباع السنة والثمرات التي يجنيها المسلم إذا أتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فأقول كمقدمة لهذه الثمرات :
الحديث عن فضل اتباع السنة النبوية هو الحديث عن الإسلام بتشريعاته وحكمه البالغة وآدابه إذ السنة هي الدين كله قال تعالى ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ [[آل عمران :85-88] .
فالدين هو الإسلام والإسلام هو السنة فالدين هو السنة وفي هذه المحاضرة سأحاول أن ألقي الضوء على أهم ثمرات إتباع السنة والدخول فيها جعلنا الله وإياكم من أهلها فأقول مستعيناً بالله :
من أهم ثمرات ونتائج إتباع السنة ما يلي:
الثمرة الأولى
أن في اتباع السنة أخذ بالعصمة من الوقوع في الاختلاف
المذموم والمبعد عن الدين
الاختلاف المذموم الذي هو سمة الضعف ولا يسلم المرء منه إلا بطاعة الله وطاعة الرسول قال تعالى:] وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ[ [الأنفال :46]. ففي إتباع السنة والأخذ بها طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وذلك سبيل النجاة من الاختلاف المذموم.
أخرج الترمذي في سننه في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع وأبو داود في كتاب السنة من سننه باب ما جاء في لزوم السنة عن العرباض بن سارية قال "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ".
وفي لفظ ابن ماجه قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمنون كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد".
هذه الوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم لا يخرج عنها شيء وهي أصل عظيم من أصول الدين. وذلك أن حياة الناس تحوطها العلاقات؛ فهي إمّا علاقة للعبد مع ربه. وإما علاقة للعبد مع مجتمعه. وإمّا علاقة مع نفسه.
وبيّن الحديث أمر العلاقة مع الله في قوله صلى الله عليه وسلم: " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه".
وأمر العلاقة مع المجتمع في قوله: "وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
وأمر العلاقة مع النفس بينه في الوصية بالتقوى والتمسك بالسنة. تدلنا هذه
الوصية على فضل وثمرة من ثمرات اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الحديث حديث أبي نجيح العرباض بن سارية فيه إخبار عن أمر سيكون ، ما هو هذا الأمر؟!
أخبر أنه سيكون اختلاف كثير بين المسلمين عما كان عليه الحال في زمنه صلى الله عليه وسلم : "ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً "!
ما النجاة ما الفكاك كيف الخلاص ؟
قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " .
إذاً أول ثمرة وأول فضل لاتباع السنة أنك تعصم نفسك به على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه، تعصم نفسك عن الاختلاف المذموم ، تعصم نفسك عن الدخول في أمور الاختلاف والفرقة التي ذمها الإسلام بأن تتمسك بالسنة وهذا معيار من الرسول صلى الله عليه وسلم نعلمه ونلقنه للناس نقول لهم إذا جاءكم أمر من الأمور والتبست عليكم الأمور وما عرفتم هل هذا الأمر يجوز أو لا يجوز؛ فانظروا هل كان عليه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا ضابط علمنا إياه صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ...".
وقوله في الحديث: (فعليه بسنتي) أي فليلزم سنتي (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء. وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها. وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي منهم أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل .
قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله: "في قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن قال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء من الفرق الناجية في القيامة جعلنا الله منهم بمنه .
ثم بوّب في ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفظه نفسه عن كل من يأباها من أهل البدع وإن حسنوا ذلك في عينه وزينوه"اهـ(1).
الثمرة الثانية
أن في اتباع السنة ولزومها النجاة من الفرقة التي توعد أهلها بالنار
هناك الاختلاف وقد لا يصل إلى حد الفرقة لكن قد يصل الاختلاف إلى حد فتكون هناك فرق وجماعات وانتماءات ذمها الرسول صلى الله عليه وسلم أخرج ابن ماجة عن أنس ابن مالك قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " .
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال صلى الله عليه وسلم : "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال : ما أنا عليه وأصحابي "
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة "(1) .
ففي هذا الحديث بيان أن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم السلامة من الفرقة المذمومة التي توعد أهلها بالنار .
هناك في الثمرة الأولى ذكر الاختلاف وقد يحدث الاختلاف ولا يصل إلى فرقة فاتباعك للسنة يسلمك من الاختلاف .
هنا في الثمرة الثانية ذكر فرق وهذا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم فيه إعجاز وتصديق لنبوته صلى الله عليه وسلم إذ الأمر حصل كما قال عليه الصلاة والسلام وحصلت فرق، هناك الخوارج وهناك المعتزلة وهناك المرجئة وهناك الجهمية وهناك الرافضة فرق كثيرة حصلت ، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الفرق ستبلغ إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ما هي ؟ هي التي تكون ما عليه أنا وأصحابي .
إذاً هذا فيه تعظيم لأمر إتباع السنة أليس كذلك؟
فيه بيان لثمرة من ثمرات إتباع السنة أليس كذلك؟
نقول بلى : فيه تعظيم لاتباع السنة وحث للمسلمين أن يتبعوا السنة فعليهم إذا أرادوا النجاة أن يكونوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهذه ثمرة من ثمرات إتباع السنة .
ومن المهم هنا التنبيه على أن قوله صلى الله عليه وسلم: " كلها في النار إلا واحدة " من باب نصوص الوعيد، فالفرق المتوعدة بالنار، في قوله صلى الله عليه وسلم: " كلها في النار إلا واحدة " هذا عذابها إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها، كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء:48]،[مجموع الفتاوى (7/217-218)].
قال الآجري محمد بن الحسين (ت360هـ) رحمه الله : " فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الملة الناجية باتباعه لكتاب الله عزوجل وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه رحمةُ الله عليهم ، وسنن التابعين بعدهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين ممن لا يستوحش من ذكرهم مثل سفيان الثوري والأوزاعي ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد القاسم بن سلام ومن كان على طريقهم من الشيوخ فما أنكروه أنكرناه وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به، ونبذنا ما سوى ذلك"اهـ [كتاب الأربعين حديثاً للآجري، تحقيق أخينا الفاضل بدر البدر، أضواء السلف، 1420هـ].
الثمرة الثالثة
أن في لزوم السنة تحصيل الهداية والسلامة من الضلال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يرد عليَّ الحوض" (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال : " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه " (2) .
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم" (3).
وعن أبي أمامه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
] مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ[" (1).
والكتاب والسنة قد هُدِي من تمسك بهما.
هذه الأحاديث تفيد أن في اتباع السنة النبوية سلامة من الضلال: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض". إذاً هذا الحديث فيه بشارة لمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسك بها وأنها ستكون داعية وهادية في عرصات يوم القيامة إلى الحوض المورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم وهذه ثمرة عظيمة من ثمرات التمسك والاتباع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال ابن تيمية رحمه الله: "كان أئمة المسلمين مثل مالك وحماد بن زيد والثوري ونحوهم إنما تكلموا بما جاءت به الرسالة وفيه الهدى والشفاء فمن لم يكن له علم بطريق المسلمين يعتاض عنه بما عند هؤلاء وهذا سبب ظهور البدع في كل أمة وهو خفاء سنن المرسلين فيهم وبذلك يقع الهلاك، ولهذا كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة".
قال مالك رحمه الله: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك".
وهذا حق فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين . واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه.
وهكذا إذا تدبر المؤمن سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر وجد القرآن والسنة كاشفان لأحوالهم مبينان لحقهم مميزان بين حق ذلك وباطله والصحابة كانوا أعلم الخلق بذلك كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين كما قال فيهم عبدالله بن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم"(1)اهـ.
الثمرة الرابعة
أن في السنة دخولاً تحت اسم النبي صلى الله عليه وسلم
وفي تركها خروجًا عن اسم الرسول صلى الله عليه وسلم
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : "من رغب عن سنتي فليس مني" وله قصة أخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وترك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو رغبة عنه، تركها بعد علمها هو رغبة عنه والرغبة عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على درجتين : قد تكون في درجة المعصية وقد تكون في درجة الكفر والعياذ بالله .
إذا تركتها إعراضاً عنها وإنكاراً لها وانتقاصاً لها فأنت انتقصت الدين وانتقاص الدين نوع من الكفر والإعراض عن الدين نوع من أنواع الكفر والعياذ بالله.
أما إذا تركت السنة تهاوناً وكسلاً لا عن اعتقاد القصور فيها واعتقاد النقص فيها، فأنت بحسب هذه السنة التي تركتها إن تركت واجباً فأنت عليك إثم الواجب وإن تركت مستحباً فأنت قد فاتك فضل المستحب وإذا أدمنت وداومت على ترك المستحب فإن أهل العلم في المذاهب الأربعة يسقطون عدالتك ويفسقونك بترك السنة بمعنى الإدمان على تركها. من ذلك ما ورد عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أنه سئل عمن يترك صلاة الوتر وصلاة الوتر عنده مستحبة ليست بواجبة فقال: لما سئل عمن ترك أو أدمن ترك صلاة الوتر لا يصلي الوتر قال : ذاك رجل فاسق ترد شهادته. وهو يترك سنة ولذلك نحن ننبه الناس نقول : لا تفهموا من قول العلماء إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هذا المعنى الذي تصلون به إلى التهاون بالسنة نقول : لا ، العلماء ما أرادوا هذا إنما أرادوا بيان السنة والواجب والمحرم والمكروه، أرادوا ما تصح به العبادة وما تفسد به العبادة، أرادوا بيان أدنى الأحوال التي يصل بها الإنسان إلى حد العدالة عموماً لا على الدوام وهم يفرقون مع قولهم إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها يفرقون بين من أدمن على ترك السنن وبين من كان يتركها أحياناً ولذلك الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحق قالوا: ما بلغنا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملنا به ولو مرة واحدة.
لماذا يصفون هذا؟ لماذا يقولون هذا ؟
حتى يعدوا من أصحاب هذه السنة ، يعدوا من أصحاب هذا الحديث لذلك من ثمرات العمل بالسنة وفضل العمل بالسنة أن من يعمل بها يعد من أهلها .
الثمرة الخامسة
أن في فضل السنة واتباعها الفكاك من سبل الشيطان
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :" خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً فقال : هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن شماله وعن يمينه ثم خط خطوطاً صغيرة عن شمال هذا الخط وعن يمينه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا سبيلي أشار إلى الخط الطويل وقال : هذا سبيلي وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه ثم تلا { وَأَنّ هَـَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } ". فمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم اتبع الصراط المستقيم وسلم من سبل الشياطين ، وخط الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صنعه ومثله بالمثال ليقربه إلى أذهان الناس فخط خطاً وخط على جانبه خطوطاً تصويراً لحقيقة هذه السنة، فالسنة طريق طويل ليست طريقاً قصيراً ولذلك الذين يتعجلون نتائج الدعوة يتعجلون نتائج اتباع السنة وتطبيق السنة يقولون: يا أخي نحن لنا مدة على طلب الحديث ونطبق الحديث والعمل بالسنة ولكن ما يوجد أثر لهذا؛ المجتمعات ماتغيرت!!
فأقول لك: يا أخي لا ضير في ذلك أما ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مثل لسنته وصراطه مثله صراطاً طويلاً ولما مثل السبل الأخرى مثلها سبل قصيرة على جانبيه فلا تغتر ولا تظنن أن اتباعك لتلك السبل التي هي على خلاف السنة يوصلك إلى النتيجة! فبعض الناس قد يظن أنه بهذا الأسلوب الذي يخالف سنة الرسول يصل مباشرة إلى مقصود الدعوة!
فنقول: هذه كلها اغواءات من الشيطان يغويك يفتح لك الأبواب ويغرر بك يوهمك أن هذا السبيل نتيجته سريعة طريقه قصير أما طريق السنة يا أخي فإنه طريق طويل محفوف بالمكاره، ولكنه صراط مستقيم يؤدي بسالكه إلى الجنة، وينجو به من النيران!
هذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم إن أردته ألزمه وهو طريق طويل عليك إن تصبر وعليك أن تتابع السبيل ولذلك كان من الوصايا العامة لجميع المؤمنين ما ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله { وَالْعَصْرِ . إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ .إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْر}
لابد من الصبر في أمر الدعوة!
وسبيل الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة ومنهج الأنبياء في الدعوة ليس بمنهج سريع تستعجل فيه ثمرته، ليس بمنهج بين يوم وليلة بين سنة وسنتين، بل هو سبيل طويل، وصراط مستقيم، أمّا سبيل الشياطين فإنها كلها قصيرة يغرر بك بقصرها فتتوهم أنها تؤدي إلى النتيجة سريعاً!
فسبيل السنة سبيل طويل عليك أن تتبعه وأن تسلكه وأن تتواصى فيه مع إخوانك بالحق وأن تتواصى فيه مع إخوانك بالصبر .
إذاً في اتباعك للسنة أمان لك وفكاك لك من سبل الشياطين .
قال ناصر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن المنير (ت683هـ) رحمه الله: "من الحقوق الواجبة نشرها (يعني: السنة) على الناس قاطبة يحملها الآخذ إلى الغالب، ويبلغها الشاهد إلى الغائب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أدّاها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع" فوظيفة الحامل الجاهل في هذه الأمانة أن يؤديها إلى أهلها بالوفاء والتسليم ووظيفة الحامل الحاذق أيضاً أن يؤديها إلى من عساه أحذق منه في الفهم والتفهيم.
وليحذر أن يحجب عن المزيد باعتقاد أنه ذلك العظيم ففوق كل ذي علم عليم، ومهما ظن أنه ليس وراء قدره مرمى ، فقد حرم بركة قوله عزوجل: {وقل ربي زدني علماً} [طه:114] وقد كان العلماء الربانيون من هذه الأمة على ما وهبوه من القوة في غاية الجزع والهلع يتدرعون العجز الذي يأباه اليوم لكع بن لكع، حتى كان مالك رحمه الله وهو الذي لا يقري أحد كما يقري أهون ما عليه أن يقول فيما لا يدري أنه لا يدري، ويشير بها إلى الأفاضل والأماثل ويقول: جنة العالم لا أدري فإذا أخطأها أصيبت منه المقاتل"اهـ.(1)
قال ابن تيمية رحمه الله: "وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة كما كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة هو النجاة.
وقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ؛ وذلك أن السنة والشريعة والمنهاج هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله والرسول هو الدليل الهادي الخريت في هذا الصراط كما قال تعالى: { إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً .وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً }.
وقال تعالى: { وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مُسْتَقيم .صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَات وَمَا فِي الأرْضِ أَلاَ إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الاُمُورُ}.
وقال تعالى: { وَأَنّ هَـَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }.
وقال عبدالله بن مسعود: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: { وَأَنّ هَـَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }[الأنعام :153].
وإذا تأمل العاقل الذي يرجو لقاء الله هذا المثال وتأمل سائر الطوائف من الخوارج ثم المعتزلة ثم الجهمية والرافضة ومن أقرب منهم إلى السنة من أهل الكلام مثل الكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم(1) وأن كلا منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة وأهل الحديث ويدعى أن سبيله هو الصواب وجدت أنهم المراد بهذا المثال الذي ضربه المعصوم الذي لا يتكلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [ مجموع الفتاوى (4/56ـ57)].
الثمرة السادسة
في اتباع السنة تحصل الشرع والدين
وذلك أن الدين معناه أن لا تعبد إلا الله ولا تعبد الله إلا بما شرع ولا طريق لنا في معرفة الشرع بغير القرآن العظيم والسنة النبوية، ولهذا كانت العبادات توقيفية ولا غرو قالت عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن " وسنته صلى الله عليه وسلم شاملة لكل الدين . فهي المبينة للقرآن العظيم قال الله تبارك وتعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنِّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال تعالى: { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64].
توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، فمن زاد أو أنقص فقد أساء وظلم" .
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"!
وهو الذي قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وهو الذي قال: " أفشوا السلام بينكم وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا جنة ربكم بسلام " .
وقال ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا قال الفقهاء العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله r يقبلك لما قبلتك .
والله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع الرسول وطاعته وموالاته ومحبته وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته فقال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وقال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .
وأمثال ذلك في القرآن كثير ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما وضحت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفُ ما ليس به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فإن الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك كله انتهى كلامه رحمه الله " .
فمن ثمرا ت اتباع السنة أنك باتباعها تحصل الدين جميعه .
إن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول عبده ورسوله تتضمن أمرين:
أن لا نعبد إلا الله وأن لا نعبده إلا بما شرع .
إن هذين الأمرين هما اللذان يقوم عليهما الدين .
أما نقول ذلك ؟ إذاً الإتباع أن لا نعبد الله إلا بما شرع، وتحقيق هذا الأصل لا يكون إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معنى الجزء الثاني من الشهادة وأشهد أن محمداً رسول الله فلا طريق لك إلى معرفة عبادة الله إلا عن طريق اتباع رسول الله واتباع الرسول يكون بأخذ سنته صلى الله عليه وسلم ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". يعني تتقرب إلى الله بأمر انظر هذا الأمر هل هو من الأمور التي تقرب بها الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا . فإذا وجدتها من ذلك فهي مقبولة إن شاء الله إذا توفرت شروط القبول وإذا لم يكن الأمر كذلك فهو مردود عليك ولذلك حكم أهل العلم إن الذين يتقربون إلى الله بأمور محدثة يعني ببدع لا تقبل منهم عبادتهم لماذا ؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" إذاً في اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وتقفيها أخذ بالدين كله. والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نتوضأ وكيف نصلي وعلمنا الآداب والأخلاق وكان يعلمنا لما دخل المدينة قال: "أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" ويعلمنا يقول : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" علمنا الصيام وعلمنا الزكاة وعلمنا أمور الدين . فاتباعك لسنة الرسول أخذ بأمور الدين جميعها.
قال ابن عبد البر (ت463هـ):"هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} [النحل:90].
وروينا عن عائشة ذكره ابن وهب وغيره أنها قالت: "مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتدمم للصاحب وقرى الضيف والحياء رأسها".
قالت: "وقد تكون مكارم الأخلاق في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في ابنه ولا تكون فيه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله لمن أحب"اهـ [التمهيد (24/334)].
قلت: وسنة الرسول هي الدين كما تقدم، وهي المبينة لما في القرآن العظيم، وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقد قال ابن تيمية: "ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الاسود وقال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك" والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته وموالاته ومحبته وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته فقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}، وقال تعالى : {وإن تطيعوه تهتدوا}، وقال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم}، وأمثال ذلك في القرآن كثير.
ولا ينبغي لأحد أن يخرج فى هذا عما مضت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفو ما ليس له به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فان الله تعالى قد حرم ذلك كله"اهـ[قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص270ـ271].
الثمرة السابعة
أن في اتباعك لها رفع لسمة الذل والهوان عن الأمة
وذلك لأن السنة هي الدين وترك الدين سبب للذل والهوان.
أخرج أحمد في المسند وأبو داود في سننه عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" والعودة إلى السنة عودة إلى الدين .
وفي حديث جبريل الطويل الذي هو أم السنة بعد أن ذكر أركان الإيمان والإسلام والإحسان قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"!
الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأمر سيكون وأخبر بالنتيجة وذلك على سبيل الخلاص قال : "إذا تبايعتم بالعينة" والعينة نوع من أنواع البيوع تباع فيها السلعة ويبقى عينها عند بائعها ويشتريها البائع ممن اشتراها منه، كأن يذهب إنسان إلى صاحب سيارات وهو محتاج فلوس فيقول لصاحب السيارات: بعني هذه السيارة بالتقسيط بعشرين ألف، فيبيعه بعشرين ألف، وصاحب السيارة عارف أنه ما يريد السيارة يريد الفلوس فيقول له: أنا اشتري منك هذه السيارة نقداً بخمسة عشر ألفاً فيصير في الحقيقة أنه أخذ خمسة عشر ألفاً حاله بعشرين ألف مؤجلة ألم يحصل هذا .
هذا هو بيع العينة، سمي عينة لأن عين السلعة المباعة لم تنتقل من حرز مالكها.
والرسول عليه الصلاة والسلام عنون ببيع العينة من باب الإشارة إلى تفشي أنواع البيوع المحرمة لأنه لا يوجد عندنا في المعاملات في البيع والشراء إلا بيع وربا فعنوان البيوع المحرمة الربا ومنه بيع العينة.
قال : "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر" كانوا في السابق ولايزال إلى الآن في بعض البلاد المحراث يجره بقر وثور فيأتي المزارع يمشي خلف البقر ويمسك المحراث ويغرزه في الأرض حتى يقلبها فالرسول صلى الله عليه وسلم عبر عن الركون إلى الدنيا والأرض باتباع أذناب البقر يعني تصيروا أهل زرع وأهل دنيا وأهل مال فتجلسوا في الأرض وتتركوا الجهاد . قال : "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد " تضمن ثلاثة أمور:
• 1ـ إذا تبايعتم بالعينة! قلنا: هذا عنوان البيوع المحرمة الربوية .
• 2ـ واتبعتم أذناب البقر! معناه الركون إلى الدنيا .
• 3ـ وتركتم الجهاد
ما هي نتيجة هذه الأمور إذا وجدت في مجتمع من المجتمعات: "سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم " .
إذاً اتباع السنة عودة إلى الدين والعودة إلى الدين سبب في رفع الذل عنا.
إذاً اتباع السنة سبب في رفع الذل عن أمة المسلمين.
أخذ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والسير عليها والتمشي بها والحرص والتمسك بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم سبب لرفع الذل عن المسلمين وهذا ثمرة من ثمرات اتباع السنة أخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
في حديث جبريل الطويل ذكر الإيمان والإسلام والإحسان وقال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"؛ إذاً الذل لا يرفع إلا بالعودة إلى الدين والدين هو معرفة أركان الإيمان والإسلام والإحسان أليس كذلك؟!.
فمن أراد أن يعود إلى الدين فعليه أن يتعلم أحكام هذه المذكورات في حديث جبريل. فهل بعد هذا يلام أهل الحديث أنهم يشتغلون بتعليم الناس أحكام الطهارة وأحكام الصوم وأحكام الزكاة وأحكام الإيمان والإيمان بالله وبالملائكة والكتب ويتركوا الكلام في الأشياء التي لا فائدة فيها؟!
يتحدث أهل الحديث في هذه الأمور يعلمون الناس الدين، هل يقال عنهم بعد ذلك أنتم علماء حيض ونفاس ولستم بعلماء واقع ولستم بعلماء دعوة؟
العالم الذي يعلم الناس هذه الأمور يعلم الناس الدين يعلمهم السبيل الذي يخرجون به عن الذل والهوان يعلمهم السبيل الذي أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إليه . إذا أرادوا الخلاص والنجاة في الآخرة!
فمن ترك تعلم هذه الأمور وجعل كلامه كله عن العلمانية وعن الشيوعية وعن الدول الكبرى وعن كذا، وترك تعليم نفسه ما يحتاجه من أمر دينه، بله تعليم الناس هذه الأشياء، هل علم الدين؟ هل تحقق فيه الرجوع إلى الدين، الذي أراده صلى الله عليه وسلم في قوله: "حتى ترجعوا إلى دينكم" وفي حديث جبريل ذكر الإيمان وأركانه والإسلام وأركانه والإحسان: "وقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"؟
فهل نتعلم الدين بدون أن نتعلم كيف نصلي ؟!
هل نتعلم الدين من غير أن نتعلم الطهارة التي هي مفتاح الصلاة؟!
هل نتعلم الدين من غير أن نعلم نساءنا وبناتنا وحريمنا أحكام الحيض وأحكام النفاس وهي أمور تمر عليهم دائماً؟
هل نكون تعلمنا الدين بغير ذلك؟
هل نتعلم الدين ونحن لا نعرف نعبد الله على الطريقة التي تقول: إن صلاتي أنا كما صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم، حجي أنا كما حج الرسول صلى الله عليه وسلم، صومي أنا كما صام الرسول صلى الله عليه وسلم؟
هل عرفنا الدين؟!
إذاً من ثمرات اتباع السنة ومن فضل اتباع السنة أن فيها رفع سمة الذل والهوان عن المسلمين .
سر يا أخي على الجادة اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص على أن تقيم عبادة الله وتحققها وثق أنك إذا ما مشيت على هذا فصلحت نفسك وأصلحت أهلك وأسرتك وصلاح النفس صلاح الأسرة .
وصلاح الأسرة صلاح المجتمع .
وصلاح المجتمع صلاح المدينة .
وصلاح المدينة صلاح الدولة .
وصلاح الدولة صلاح الأمة .
وصلاح الأمة صلاح الكون جميعه بإذن الله؛ فأحرص وأبدا بنفسك ثم أدناك فأدناك.
الثمرة الثامنة
أن فيها وصف الداء الذي اعترى الأمة الإسلامية ووصف الدواء
أخرج أحمد وأبو داود عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٍ كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة لكم و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن قال : حب الدنيا وكراهية الموت " .
الرسول صلى الله عليه وسلم وصف داءنا وحالنا : "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها ".
أما حصل هذا؟! والله حصل تداعت دول الاستعمار على البلاد الإسلامية التي حباها الله سبحانه وتعالى بالخيرات رزقها الله بالخيرات أنهار وزراعة وبترول وأمور مختلفة تداعوا عليها كما يتداعى الأكلة على قصعتها!
"قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟" هل نحن قليل حتى تجيء دول وتتكاثر علينا؟!
"قال: لا بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل". فما السبب في ضعفنا ؟
"قال: ولينـزعن الله من صدورهم المهابة لكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قالوا يا رسول الله ما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت" .
إذاً في السنة وصف الداء ووصف الدواء تريد تعالج نفسك تريد تمشي في طريقك تريد تحقق الخير لك؛ احرص على اتباع السنة وعالج نفسك من أمر حب الدنيا وكراهية الموت تنظر في السنة تجد فيها حديثاً يقول: " أكثروا من زيارة القبور فإنها تذكركم بالأخرة " تنظر في السنة تجد فيها حديثاً يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، تذكرك بالآخرة بالموت كل ما قرأت واطلعت في السنة وطبقتها، يضعف في نفسك حب الدنيا وخوف الموت شيئاً فشيئاً!
تسمع في السنة عن الدنيا: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم" .
تقرأ في القرآن العظيم: ] زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام ...إلى آخره[
وتستمر في تعلم القرآن والسنة فتتوضح لك الحقائق وتتكشف لك الدنيا!
فتقوم وقد عرفت ما هي الدنيا! عرفت ما هي الأمور التي حولك! فسلمت من الوهن وسلامتك من الوهن خروج لك من حالة الغثائية .
الثمرة التاسعة
أن في سنته صلى الله عليه وسلم تحصيل تمام الأخلاق وجميلها ومكارمها
أخرج أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِح الْأَخْلَاقِ "(1).
قال ابن عبد البر (ت463هـ):"هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} [النحل:90].
وروينا عن عائشة ذكره ابن وهب وغيره أنها قالت: "مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتدمم للصاحب وقرى الضيف والحياء رأسها".
قالت: "وقد تكون مكارم الأخلاق في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في ابنه ولا تكون فيه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله لمن أحب"اهـ (1).
قلت: وسنة الرسول هي الدين كما تقدم، وهي المبينة لما في القرآن العظيم، وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
الثمرة العاشرة
أن في لزوم السنة النجاة من الفتنة والعذاب الأليم
قال الله تبارك وتعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
كل من خالف السنة! كل من خالف أمر الرسول! عليه أن يحذر {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }تصيبهم فتنة فيدخل الكفر في قلوبهم أو النفاق في قلوبهم أو يدخلوا في البدع فيلحقهم بذلك عذاب أليم!
فمن فضل اتباع سنة الرسول أنها تحفظك من الفتنة .
جاء رجل إلى الإمام مالك قال: يا إمام أريد العمرة! قال: اعتمر! قال: أريد أن أحرم لها من المدينة من المسجد! قال: يا بني اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة واعتمارك من المسجد خلاف السنة وإني أخشى عليك الفتنة إذا أنت فعلت هذا ثم تلا { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم }.
الثمرة الحادية عشر
أن في اتباع السنة ولزومها تحقيق الإيمان وحصول السعادة في
الدارين والسلامة من النيران
قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى }، فمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولزمها فإنه لم يعرض عن الدين ولا عن ذكر الله بل أقبل فهذا لا يكون حاله كمن أعرض وقد قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } وقال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .
وبالمقابل جاءت آيات في حال من يعصي الله ورسوله قال تبارك وتعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}، بل نفى الإيمان عمن لم يحقق الاتباع له صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون لك حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، وقال تبارك وتعالى: {ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً}، وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً}.
إذاً اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام تحقيق للإيمان: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
الثمرة الثانية عشر
من ثمرات اتباع السنة أن في اتباعك للسنة وعملك بها إحياءً لها
وإحياؤك لها إظهاراً لها ودعوة للناس إليها، فمن عمل بالسنة، نتيجة عملك بها أجر وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعى إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
وأخرج مسلم أيضاً عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فابطئوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قال : ثم أن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : " من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة وعمل بها بعده كتب له مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً "
إذاً من عمل بالسنة وأظهرها دعى الناس إليها بمجرد أنه أظهرها. فإذا عمل إنسان بهذه السنة كان لمن أظهرها أولاً أجر من عمل بها إلى يوم القيامة!
قد يقول قائل: يا شيخ الرسول صلى الله عليه وسلم قال من سن سنة حسنة يعني إنسان يعمل عمل ولو ما جاء في الشرع ولو ما جاء عن الرسول!
أقول لك: لا ،ليس هذا معنى الحديث لأن أهل العلم يقولون إنما يعرف التحسين والتقبيح للأشياء من الشرع فمن أين لك هذا العمل حسن إذا لم يأت من الشرع فمصدرنا أن هذا حسن أو قبيح هو الشرع، يصير معنى الحديث: "من سن سنة حسنة " أي: من أحيا سنة من الشرع ولذلك الحديث ورد في الصدقة أن رجلاً جاء وقدم صدقة فجاء الناس بعده وتصدقوا.
دخل رجل المسجد ولقي فقيراً فخرَّج من ماله شيئاً وأعطاه! فلما رأوه الناس بادروا اقتداء به إلى إعطاء هذا الفقير ومساعدته! كل من عمل إقتداءً به يكون له أجر.فهل الصدقة وإخراجها من السنة التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أم سنة محدثة؟ إنها سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم .
ليس في الحديث أن الإنسان يعمل سنة من عند نفسه، لأن حسن السنن إنما يعرف من الشرع وليكن على ذكر منكم قوله صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
قال ابن حبان رحمه الله :" إن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم تمام السلامة وجماع الكرامة لا تطفئ سرجها ولا تدحض حججها من لزمها عصم ومن خالفها يذم إذ هي الحصن الحصين والركن الركين الي بان فضله ومتن حبله من تمسك به ساد ومن رام خلافه باد فالمتعلقون به أهل السعادة في الأجل والمغيوطون بين الأنام في العامل" .انتهى كلامه .
وبهذا تتم هذه المحاضرة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وسبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك وصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(1) صحيح ابن حبان (1 / 180)
(2) حديث صحيح، لغيره. وأشار بعضهم إلى احتمال تواتره.
أخرجه أحمد في المسند (4/102)، و أبو داود في كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم (4597)، والآجري في الشريعة (الطبعة المحققة) (1/132، تحت رقم 31).وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/32)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (204)، وذكر جملة من الأحاديث تشهد له. وانظر نظم المتناثر ص32-34.
فائدة : قال ابن تيمية رحمة الله عليه، في مجموع الفتاوى (3/346-347)، في معرض كلام له على حديث الافتراق: "وأمّا تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات، وذكروهم في كتب المقالات، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل؛ فإن الله حرّم القول بلا علم عموماً، وحرّم القول عليه بلا علم خصوصاً، فقال تعالى: {قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} [الأعراف:33]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسؤ والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} [البقرة:169]، وقال تعالى: {ولاتقف ما ليس لك به علم} [الإسراء:36]. وأيضاً فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين. فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي {لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن جعل شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق"اهـ
(2) أخرجه الحاكم والدار قطني والبيهقي
(3) أخرجه البيهقي .
(4) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد مسنداً.
(5) أخرجه ابن عبد البر أيضاً في التمهيد وأخرجه الترمذي
(6) مجموع الفتاوى (4/137).
(7) المتواري على تراجم أبواب البخاري ص34ـ35.
(8) وكذا فرق الاختلاف إلى يومنا هذا .
(9) المسند (الرسالة) 14/513 .