عبدالرحمن الشهري
المشرف العام
- إنضم
- 29/03/2003
- المشاركات
- 19,331
- مستوى التفاعل
- 136
- النقاط
- 63
- الإقامة
- الرياض
- الموقع الالكتروني
- www.amshehri.com
هذا بحث أهداه للملتقى الشيخ الفاضل النبيل فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن عبدالله الباتلي أستاذ السنة النبوية بكلية أصول الدين بالرياض حفظه الله ورعاه ، وها هي مقدمة البحث ، والبحث كاملاً تجدونه في مكتبة شبكة التفسير . فجزى الله أبا أسامة خير الجزاء على هذا البحث العلمي الثمين .
[line]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله وصحبة أجمعين .. وبعد :
فلقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم باللغة العربية، فهي أشرف اللغات وأعلاها، وأكملها وأبقاها؛ لأنها لغة القرآن الكريم، ولسان سيد المرسلين .
قال تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [ الشعراء : 193–195] .
قال الإمام الطوفي([1]): "المراد باللسان هنا: اللغة".
وقال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ يوسف/ 2 ] .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية([2]): " وذلك لأن العربية أفصح اللغات، وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة، وهو رمضان، فكَمُلَ من كل الوجوه ".
فالعناية بها عناية بكتاب الله تعالى، ودراستها تعين – بتوفيق الله – على فهم كتابه الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله([3]): " اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب : فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ . ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله([4]): " إن هذه الشريعة المباركة عربية، فمن أراد تَفَهُمَها فمن جهة لسان العرب يُفهَم، ولا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة " .
وقال الإمام المبارك مجد الدين ابن الأثير([5]): " معرفة اللغة والإعراب هما أصل لمعرفة الحديث وغيره، لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب " .
أهمية إعراب القرآن الكريم:
لا يخفى على كل طالب علم ما لإعراب القرآن الكريم من فوائد تتجلى في ضبط الكلمات وفي معرفة معاني الآيات, لأن الإعراب يُميز المعاني([6]), قال الإمام مكي بن أبي طالب (ت437)([7]) "أَعظمُ ما يجب على الطالب لعلوم القرآن, الراغب في تجويد ألفاظه, وفهم معانيه, ومعرفة قراءاته ولُغاته, وأفضل ما القارئ إليه مُحتاج:معرفة إعرابه, والوقوف على تصرف حركاته, وسواكنه؛ ليكون بذلك سالماً من اللحن فيه, مستعيناً على أحكام اللفظ به, مُطلعاً على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات, متفهماً لما أراد الله به من عباده, إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني, وينجلي الإشكال, فتظهر الفوائد ويُفهم الخطاب, وتصح معرفة حقيقة المراد. ا هـ".
وقال الإمام أبو بكر الأنباري([8]) (ت328هـ) وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وتابعيهم من تفضيل إعراب القرآن والحض على تعليمه, وذم اللحن, وكراهيته, ما وجب به على قُراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه" ا هـ. قلت: فلأهمية هذا الموضوع, ولوقوفي على أحاديث وآثار في الأمر بإعراب القرآن الكريم. رغبت في جمعها، وتخريجها، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها في بحث عنوانه: (فضل إعراب القرآن الكريم في السنة النبوية, دراسة موضوعية ).
أسباب اختيار الموضوع :
1 – الإسهام في خدمة لغة القرآن الكريم في جانب من جوانبها المتعلقة بالسنة النبوية, وهذا ما يؤكد تكامل العلوم الشرعية .
2– حاجة الباحثين – لا سيما في التفسير وعلومه – لتخريج الأحاديث والآثار الواردة في فضل إعراب القرآن، وبيان درجاتها ؛ لقصور كتب علوم القرآن في الوفاء بتخريج الأحاديث بتوسع، والحكم عليها وفق منهج المحدثين .
3 – إبراز جهود المحدثين في بيان عناية السنة النبوية بإعراب القرآن الكريم.
4 – التحذير من الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة في إعراب القرآن الكريم .
الدراسات السابقة :
لم أقف – حسب علمي واطلاعي – على دراسة متخصصة في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في إعراب القرآن الكريم، وإنما خصه بعض العلماء بأبواب في مؤلفاتهم ذكروا فيها بعض الأحاديث والآثار, دون توسع في تخريجها، ودراستها, والحكم عليها. ومن هؤلاء :
1 – الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ( ت 224هـ) في كتابه : "فضائل القرآن" عقد باباً عنوانه "إعراب القرآن" (رقم :53) (ص: 200–204 ).
2 – الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة (ت235هـ) في " المصنف " كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في إعراب القرآن (10/456).
3 – الإمام أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (ت 328هـ) في كتابه " إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل"، ويعد من أكثر المؤلفات جمعاً للأحاديث والآثار في هذا الموضوع.
واستهله برواية أحاديث وآثار كثيرة في فضل إعراب القرآن، وذم اللحن (ج1 / ص : 14– 61 ) .
4 – الإمام أبو جعفر النحاس (ت338هـ) في كتابه (إعراب القرآن) ذكر عدداً من الأحاديث والآثار ( 1/115 و116) .
5– الإمام أبو سليمان حَمْد بن محمد الخطابي (ت388هـ) في مقدمة كتابه " غريب الحديث " عقد فصلاً ترجم له بقوله :
" ذكر مادرج عليه الصدر الأول من لزوم الإعراب، وما أنكروه من اللحن، وعابوه من أهله " (1/60–63 ) .
6– الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) في كتابه " شُعب الإيمان " في الشعبة التاسعة عشرة : في تعظيم القرآن، عقد باباً في قراءة القرآن بالتفخيم والإعراب (2/426-430) .
7– الإمام الخطيب البغدادي (ت463هـ) في كتابه " الجامع لأخلاق الراوي، وآداب السامع " عقد فصلاً ترجم له بقوله : " القول في رد الحديث إلى الصواب إذا كان راويه قد خالف موجب الإعراب " (2/21–23) .
8– الإمام أبو عمر يوسف ابن عبدالبر القُرطبي (463) في كتابه : " بهجة المجالس، وأنس المُجالس " عقد باباً في حمد اللسان، وفضل البيان (1/54–59)، وباباً في اجتناب اللحن، وتعلم الإعراب (1/64–71)، وفي كتابه " جامع بيان العلم وفضله" عقد باباً في الأمر بإصلاح اللحن والخطأ... "( 1/339-353).
9– الإمام القاضي عياض بن موسى اليحُصبي (ت544هـ) في كتابه : " الإلماع إلى معرفة أصول الرواية، وتقييد السماع "، عقد باباً في إصلاح الخطأ، وتقويم اللحن .( 1/183–188) .
10– الإمام أبو بكر محمد بن عبدالملك الشنتريني (ت549هـ) في كتابه : " تنبيه الألباب على فضائل الإعراب "، ذكر أحاديثاً وآثاراً كثيرة في فضل إعراب القرآن (ص74 - 81 ).
11– الإمام المُفسر محمد بن أحمد القرطبي (671هـ) في تفسيره : " الجامع لأحكام القرآن " جعل له مقدمة تشتمل على أبواب منها : باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن مُعرباً ( 1/19–21).
12– الإمام أبو الربيع نجم الدين سليمان بن عبدالقوي الطوفي (ت716هـ) خصص كتابه: " الصعقَة الغضبية في الرد على منكري العربية " للدلالة على فضل علم العربية من الكتاب، والسنة، والآثار، وصريح العقل، وذكر فيه عدداً من الأحاديث والآثار في إعراب القرآن (ص235- 260).
13– الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه " زاد المعاد " تكلم عنه. (1/482) .
14– الإمام جلال الدين السيوطي (ت911هـ) في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " عقد باباً في معرفة إعراب القرآن, ذكر فيه بعض الآثار (1/179).
15- الإمام علاء الدين المتقي الهندي (ت975هـ) في كتابه (كنز العمال) ذكر أحاديث وآثاراً كثيرة في إعراب القرآن (1/533, 607).
خطة البحث:
يتألف البحث من مقدمة, وتمهيد, وبابين, وخاتمة,وفهارس.
أما المقدمة: فذكرت فيها أهمية الموضوع عموماً, وأهمية إعراب القرآن خصوصاً, وأقوال الأئمة الدالة على فضله.
ثم ذكرت أسباب اختيار الموضوع.
ثم الدراسات السابقة فيه.
ثم خطة البحث, والمنهج المتبع فيه.
أما التمهيد فخصصته لتعريف إعراب القرآن لغةً, واصطلاحاً, وثمرته, وأشهر المؤلفات المطبوعة فيه قديماً وحديثاً.
ثم شرعتُ في: -
الباب الأول: في فضل إعراب القرآن, وفيه فصلان:-
الفصل الأول:- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعراب القرآن الكريم.
الفصل الثاني:- حث الصحابة على إعراب القرآن الكريم.
الباب الثاني: فيما يُعين على إعراب القرآن, وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: - تعلم العربية يعين على إعراب القرآن.
الفصل الثاني:- ذم اللحن في القرآن.
الفصل الثالث: - حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإعراب, والبيان.
- الخاتمة, وذكرت فيها أهم النتائج.
- التوصيات, ثم فهرس المراجع , ثم فهرس الموضوعات.
المنهج المتبع في البحث:
جمع الاحاديث والآثار من كتب السنة وعلومها. وعلوم القرآن , وفضائله, وإعرابه.
ترتيبها حسب خطة البحث.
ترقيم الأحاديث ترقيماً تسلسلياً.
تخريج الأحاديث والآثار في ضوء الجوانب الآتية: -
أ – إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فاقتصر في تخريجه عليهما؛ لتلقي الأمة لهما بالقبول، وعزوه لهما يغني عن ذكر درجته .
ب – إذا كان الحديث أو الأثر في غير الصحيحين، فأقوم بتخريجه بتوسع من المصادر الحديثية وغيرها مما وقفت عليه.
5 – أدرس الأسانيد حسب المنهج الآتي :
أ – من كان من الرواة متفقاً على توثيقه، أو تضعيفه، اكتفيت بدراسته بإيجاز مع العزو للمؤلفات التي ذكرت توثيقه أو ضعفه.
ب– من كان مختلفاً فيه أدرسُه بتوسع، ثم أُرجح حالة، مع الالتزام بقواعد الجرح والتعديل عند المحدثين .
6 – الحكم على الأحاديث والأثار بعد دراسة أسانيدها، وذكر ما وقفتُ عليه من كلام المحدثين عليها، وذكر ما أوردوه من شواهد وتخريجها، والحكم عليها.
7 – تفسير الكلمات الغريبة من كتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة وغيرها .
8 – التعليق على الأحاديث التي تتطلب ذلك، والاستنباط منها، مع الاستفادة من كتب الشروح الحديثية وعنونت لها بفقه الحديث .
تنبيه مهم:
لا يخفى على شريف علم القارئ أن أكثر الأحاديث الواردة في "إعراب القرآن" ضعيفة, بل وموضوعه, وقد يتساءل عن وجه إيرداها في هذا البحث؟
فأقول: إنما ذكرتها لتجلية أمرها, ومعرفة صحيحها من سقيمها, ولا يتبين ذلك إلا بالبحث والتخريج ودراسة الأسانيد, فما كان ضعيفاً, أو موضوعاً فيتنبه القارئ لدرجته, ويحذر من الاحتجاج به. فإن المحدثين كانوا يكتبون الأحاديث الضعيفة والموضوعة للتحذير منها ومن رواتها. قال الخطيب البغدادي([9]) "... فإن الحفاظ ما زالوا يكتبون الروايات الضعيفة, والأحاديث المقلوبة, والأسانيد المركبة؛ لينفروا عن واضعيها, ويبينوا حال من أخطأ فيها".
ويرد إشكال آخر في وجه استنباط بعض الأحكام والآداب منها وهي ضعيفة؟!!
فالجواب: أن العلماء كانوا يتساهلون في الاستدلال, والعمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال, قال الإمام النووي([10]): قال العلماء من المحدثين والفقهاء: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً". وقال ابن رجب([11]): "قد رخص كثير من الأئمة في روايته الأحاديث في الرقاق, ونحوها عن الضعفاء, منهم ابن مهدي, وأحمد بن حنبل".
أسأل الله التوفيق لخدمة كتابه الكريم, وسنة سيد المرسلين, إنه سميع مجيب.
-- الحواشي -----
([1]) الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية (ص235).
([2]) تفسير القرآن العظيم 2/1438 .
[3]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/470 .
([4]) الموافقات 2/64 .
([5]) جامع الأصول 1/37 .
([6]) للاستزادة يراجع: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي, النوع الحادي والأربعين في معرفة إعرابه, (1/179).
([7]) مشكل إعراب القرآن 1/63.
([8]) إيضاح الوقف والابتداء 1/14 ونقله عن القرطبي في مقدمة تفسيره: "الجامع لأحكام القرآن" باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه, والحث عليه, وثواب من قرأ القرآن معرباً", (1/19).
([9]) تاريخ بغداد 1/43.
([10]) الأذكار ص27.
([11]) شرح علل الترمذي 1/101.
[line]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـــة :الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله وصحبة أجمعين .. وبعد :
فلقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم باللغة العربية، فهي أشرف اللغات وأعلاها، وأكملها وأبقاها؛ لأنها لغة القرآن الكريم، ولسان سيد المرسلين .
قال تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [ الشعراء : 193–195] .
قال الإمام الطوفي([1]): "المراد باللسان هنا: اللغة".
وقال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ يوسف/ 2 ] .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية([2]): " وذلك لأن العربية أفصح اللغات، وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة، وهو رمضان، فكَمُلَ من كل الوجوه ".
فالعناية بها عناية بكتاب الله تعالى، ودراستها تعين – بتوفيق الله – على فهم كتابه الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله([3]): " اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب : فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ . ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله([4]): " إن هذه الشريعة المباركة عربية، فمن أراد تَفَهُمَها فمن جهة لسان العرب يُفهَم، ولا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة " .
وقال الإمام المبارك مجد الدين ابن الأثير([5]): " معرفة اللغة والإعراب هما أصل لمعرفة الحديث وغيره، لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب " .
أهمية إعراب القرآن الكريم:
لا يخفى على كل طالب علم ما لإعراب القرآن الكريم من فوائد تتجلى في ضبط الكلمات وفي معرفة معاني الآيات, لأن الإعراب يُميز المعاني([6]), قال الإمام مكي بن أبي طالب (ت437)([7]) "أَعظمُ ما يجب على الطالب لعلوم القرآن, الراغب في تجويد ألفاظه, وفهم معانيه, ومعرفة قراءاته ولُغاته, وأفضل ما القارئ إليه مُحتاج:معرفة إعرابه, والوقوف على تصرف حركاته, وسواكنه؛ ليكون بذلك سالماً من اللحن فيه, مستعيناً على أحكام اللفظ به, مُطلعاً على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات, متفهماً لما أراد الله به من عباده, إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني, وينجلي الإشكال, فتظهر الفوائد ويُفهم الخطاب, وتصح معرفة حقيقة المراد. ا هـ".
وقال الإمام أبو بكر الأنباري([8]) (ت328هـ) وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وتابعيهم من تفضيل إعراب القرآن والحض على تعليمه, وذم اللحن, وكراهيته, ما وجب به على قُراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه" ا هـ. قلت: فلأهمية هذا الموضوع, ولوقوفي على أحاديث وآثار في الأمر بإعراب القرآن الكريم. رغبت في جمعها، وتخريجها، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها في بحث عنوانه: (فضل إعراب القرآن الكريم في السنة النبوية, دراسة موضوعية ).
أسباب اختيار الموضوع :
1 – الإسهام في خدمة لغة القرآن الكريم في جانب من جوانبها المتعلقة بالسنة النبوية, وهذا ما يؤكد تكامل العلوم الشرعية .
2– حاجة الباحثين – لا سيما في التفسير وعلومه – لتخريج الأحاديث والآثار الواردة في فضل إعراب القرآن، وبيان درجاتها ؛ لقصور كتب علوم القرآن في الوفاء بتخريج الأحاديث بتوسع، والحكم عليها وفق منهج المحدثين .
3 – إبراز جهود المحدثين في بيان عناية السنة النبوية بإعراب القرآن الكريم.
4 – التحذير من الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة في إعراب القرآن الكريم .
الدراسات السابقة :
لم أقف – حسب علمي واطلاعي – على دراسة متخصصة في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في إعراب القرآن الكريم، وإنما خصه بعض العلماء بأبواب في مؤلفاتهم ذكروا فيها بعض الأحاديث والآثار, دون توسع في تخريجها، ودراستها, والحكم عليها. ومن هؤلاء :
1 – الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ( ت 224هـ) في كتابه : "فضائل القرآن" عقد باباً عنوانه "إعراب القرآن" (رقم :53) (ص: 200–204 ).
2 – الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة (ت235هـ) في " المصنف " كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في إعراب القرآن (10/456).
3 – الإمام أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (ت 328هـ) في كتابه " إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل"، ويعد من أكثر المؤلفات جمعاً للأحاديث والآثار في هذا الموضوع.
واستهله برواية أحاديث وآثار كثيرة في فضل إعراب القرآن، وذم اللحن (ج1 / ص : 14– 61 ) .
4 – الإمام أبو جعفر النحاس (ت338هـ) في كتابه (إعراب القرآن) ذكر عدداً من الأحاديث والآثار ( 1/115 و116) .
5– الإمام أبو سليمان حَمْد بن محمد الخطابي (ت388هـ) في مقدمة كتابه " غريب الحديث " عقد فصلاً ترجم له بقوله :
" ذكر مادرج عليه الصدر الأول من لزوم الإعراب، وما أنكروه من اللحن، وعابوه من أهله " (1/60–63 ) .
6– الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) في كتابه " شُعب الإيمان " في الشعبة التاسعة عشرة : في تعظيم القرآن، عقد باباً في قراءة القرآن بالتفخيم والإعراب (2/426-430) .
7– الإمام الخطيب البغدادي (ت463هـ) في كتابه " الجامع لأخلاق الراوي، وآداب السامع " عقد فصلاً ترجم له بقوله : " القول في رد الحديث إلى الصواب إذا كان راويه قد خالف موجب الإعراب " (2/21–23) .
8– الإمام أبو عمر يوسف ابن عبدالبر القُرطبي (463) في كتابه : " بهجة المجالس، وأنس المُجالس " عقد باباً في حمد اللسان، وفضل البيان (1/54–59)، وباباً في اجتناب اللحن، وتعلم الإعراب (1/64–71)، وفي كتابه " جامع بيان العلم وفضله" عقد باباً في الأمر بإصلاح اللحن والخطأ... "( 1/339-353).
9– الإمام القاضي عياض بن موسى اليحُصبي (ت544هـ) في كتابه : " الإلماع إلى معرفة أصول الرواية، وتقييد السماع "، عقد باباً في إصلاح الخطأ، وتقويم اللحن .( 1/183–188) .
10– الإمام أبو بكر محمد بن عبدالملك الشنتريني (ت549هـ) في كتابه : " تنبيه الألباب على فضائل الإعراب "، ذكر أحاديثاً وآثاراً كثيرة في فضل إعراب القرآن (ص74 - 81 ).
11– الإمام المُفسر محمد بن أحمد القرطبي (671هـ) في تفسيره : " الجامع لأحكام القرآن " جعل له مقدمة تشتمل على أبواب منها : باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن مُعرباً ( 1/19–21).
12– الإمام أبو الربيع نجم الدين سليمان بن عبدالقوي الطوفي (ت716هـ) خصص كتابه: " الصعقَة الغضبية في الرد على منكري العربية " للدلالة على فضل علم العربية من الكتاب، والسنة، والآثار، وصريح العقل، وذكر فيه عدداً من الأحاديث والآثار في إعراب القرآن (ص235- 260).
13– الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه " زاد المعاد " تكلم عنه. (1/482) .
14– الإمام جلال الدين السيوطي (ت911هـ) في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " عقد باباً في معرفة إعراب القرآن, ذكر فيه بعض الآثار (1/179).
15- الإمام علاء الدين المتقي الهندي (ت975هـ) في كتابه (كنز العمال) ذكر أحاديث وآثاراً كثيرة في إعراب القرآن (1/533, 607).
خطة البحث:
يتألف البحث من مقدمة, وتمهيد, وبابين, وخاتمة,وفهارس.
أما المقدمة: فذكرت فيها أهمية الموضوع عموماً, وأهمية إعراب القرآن خصوصاً, وأقوال الأئمة الدالة على فضله.
ثم ذكرت أسباب اختيار الموضوع.
ثم الدراسات السابقة فيه.
ثم خطة البحث, والمنهج المتبع فيه.
أما التمهيد فخصصته لتعريف إعراب القرآن لغةً, واصطلاحاً, وثمرته, وأشهر المؤلفات المطبوعة فيه قديماً وحديثاً.
ثم شرعتُ في: -
الباب الأول: في فضل إعراب القرآن, وفيه فصلان:-
الفصل الأول:- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعراب القرآن الكريم.
الفصل الثاني:- حث الصحابة على إعراب القرآن الكريم.
الباب الثاني: فيما يُعين على إعراب القرآن, وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: - تعلم العربية يعين على إعراب القرآن.
الفصل الثاني:- ذم اللحن في القرآن.
الفصل الثالث: - حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإعراب, والبيان.
- الخاتمة, وذكرت فيها أهم النتائج.
- التوصيات, ثم فهرس المراجع , ثم فهرس الموضوعات.
المنهج المتبع في البحث:
جمع الاحاديث والآثار من كتب السنة وعلومها. وعلوم القرآن , وفضائله, وإعرابه.
ترتيبها حسب خطة البحث.
ترقيم الأحاديث ترقيماً تسلسلياً.
تخريج الأحاديث والآثار في ضوء الجوانب الآتية: -
أ – إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فاقتصر في تخريجه عليهما؛ لتلقي الأمة لهما بالقبول، وعزوه لهما يغني عن ذكر درجته .
ب – إذا كان الحديث أو الأثر في غير الصحيحين، فأقوم بتخريجه بتوسع من المصادر الحديثية وغيرها مما وقفت عليه.
5 – أدرس الأسانيد حسب المنهج الآتي :
أ – من كان من الرواة متفقاً على توثيقه، أو تضعيفه، اكتفيت بدراسته بإيجاز مع العزو للمؤلفات التي ذكرت توثيقه أو ضعفه.
ب– من كان مختلفاً فيه أدرسُه بتوسع، ثم أُرجح حالة، مع الالتزام بقواعد الجرح والتعديل عند المحدثين .
6 – الحكم على الأحاديث والأثار بعد دراسة أسانيدها، وذكر ما وقفتُ عليه من كلام المحدثين عليها، وذكر ما أوردوه من شواهد وتخريجها، والحكم عليها.
7 – تفسير الكلمات الغريبة من كتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة وغيرها .
8 – التعليق على الأحاديث التي تتطلب ذلك، والاستنباط منها، مع الاستفادة من كتب الشروح الحديثية وعنونت لها بفقه الحديث .
تنبيه مهم:
لا يخفى على شريف علم القارئ أن أكثر الأحاديث الواردة في "إعراب القرآن" ضعيفة, بل وموضوعه, وقد يتساءل عن وجه إيرداها في هذا البحث؟
فأقول: إنما ذكرتها لتجلية أمرها, ومعرفة صحيحها من سقيمها, ولا يتبين ذلك إلا بالبحث والتخريج ودراسة الأسانيد, فما كان ضعيفاً, أو موضوعاً فيتنبه القارئ لدرجته, ويحذر من الاحتجاج به. فإن المحدثين كانوا يكتبون الأحاديث الضعيفة والموضوعة للتحذير منها ومن رواتها. قال الخطيب البغدادي([9]) "... فإن الحفاظ ما زالوا يكتبون الروايات الضعيفة, والأحاديث المقلوبة, والأسانيد المركبة؛ لينفروا عن واضعيها, ويبينوا حال من أخطأ فيها".
ويرد إشكال آخر في وجه استنباط بعض الأحكام والآداب منها وهي ضعيفة؟!!
فالجواب: أن العلماء كانوا يتساهلون في الاستدلال, والعمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال, قال الإمام النووي([10]): قال العلماء من المحدثين والفقهاء: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً". وقال ابن رجب([11]): "قد رخص كثير من الأئمة في روايته الأحاديث في الرقاق, ونحوها عن الضعفاء, منهم ابن مهدي, وأحمد بن حنبل".
أسأل الله التوفيق لخدمة كتابه الكريم, وسنة سيد المرسلين, إنه سميع مجيب.
كتبه
د / أحمد بن عبد الله الباتلي
25/12/1425هـ
الرياض
د / أحمد بن عبد الله الباتلي
25/12/1425هـ
الرياض
-- الحواشي -----
([1]) الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية (ص235).
([2]) تفسير القرآن العظيم 2/1438 .
[3]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/470 .
([4]) الموافقات 2/64 .
([5]) جامع الأصول 1/37 .
([6]) للاستزادة يراجع: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي, النوع الحادي والأربعين في معرفة إعرابه, (1/179).
([7]) مشكل إعراب القرآن 1/63.
([8]) إيضاح الوقف والابتداء 1/14 ونقله عن القرطبي في مقدمة تفسيره: "الجامع لأحكام القرآن" باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه, والحث عليه, وثواب من قرأ القرآن معرباً", (1/19).
([9]) تاريخ بغداد 1/43.
([10]) الأذكار ص27.
([11]) شرح علل الترمذي 1/101.