فرج بن ناصر
New member
هذا جزء من حوار مع المفكر العراقي يحيى محمد:
قصور مشروع الوحدة الإسلامية:
س: لنتكلم بواقعيّة هنا، اليوم النزاع المذهبي هو مشكلة من المشكلات، بتقديرك هل طريقة الإسلاميّين الوحدويّين الذين حاولوا معالجة هذا الاشكال من خلال مفردات التقريب التي انطرحت، هي صائبة ؟ وهل هي عاجزة للوصول إلى حل لهذه المشكلة؟ وأنتم كيف تعاطيتم مع هذا الموضوع؟ ونحن نتكلم بموضوع الوحدة لأنه موضوع جوهري وأساسي ومهم.
ج: يعد التفكير في سبيل الوحدة او التقريب بين المذاهب عملاً جليلاً، وقد كنت منذ أول شبابي وبداية تديني تواق لهذا المشروع، ومن الشخصيات البارزة التي استهوتني آنذاك شخصية جمال الدين الافغاني، لكني مع خبرة السنين وطول البحث والتفكير تبيّن لي أنّ هناك قصوراً ذاتياً في المشروع، فاعتقد انه مهما فعل اهل الوحدة والتقريب فلن ينجحوا، فليس من الممكن حل المشكلة القائمة بين السنة والشيعة من دون تنازل احد الطرفين للاخر، او يعترف بالخطأ، او على الاقل يحتمل ذلك صدقاً. وهنا نعود الى المشكلة المركزية المتعلقة بالفهم. اذ يرجع العجز الذاتي لدى الاطراف الداعية للتقريب الى عدم الاقرار باحتمال الخطأ الوارد في فهم الاسلام والعقيدة قبال الاخر. وكل ذلك من تبعيات علم الكلام، حيث المقرر وجوب القطع في اصول الاعتقاد، والا افضى الامر الى الكفر والضلال. وبالتالي فلا يوجد حس نقدي على صعيد الذات ليتقرب احد الطرفين للاخر، فكل طرف يرى نفسه محقاً في كل ما يطرحه من مفردات ورثها عن غيره من الاسلاف، وهذا في حد ذاته لا يدع مجالاً للتقريب، ولو طُرحت المسألة بعنوان المعايشة مع الاخر لكانت اقرب للحل العملي، رغم ان واقعنا الحالي لا يحتمل احياناً صور المعايشة والانفتاح على الاخر. وبالتالي فان مؤتمرات التقريبيين ومشاريعهم ما زالت بعيدة جداً عن الواقع الفعلي، وهي بعيدة وغريبة – احياناً - حتى لدى التقريبيين انفسهم. لذا فما يبقى لا يخرج في الغالب عن حدود المجاملات والتعاطف، دون حل جذري لاصل المشكل. فمثلاً كيف يمكنك التقارب مع طرف يعمل على تضليل وتكفير من تعدهم من الشخصيات المقدسة؟ فالتقريب القائم على هذا النحو من العلاقة هو تقريب مستحيل.
الاعتراف بالآخر طريق الوحدة
س: ما هو العنوان الأساس في موضوع الوحدة الإسلاميّة؟
ج: لا شك ان سعي اهل التقريب والوحدة منصب على محاولة ايجاد العناصر المشتركة بين الطرفين، فهذا ما يتمركزون حوله من بحث، ومن ذلك البحث حول العقائد المشتركة واصول الفقه والاحكام المشتركة، وكذلك الروايات المشتركة بين الطرفين، لكن تظل هناك عناصر مستعصية تمثل اساس الافتراق والابتعاد، وليس فيها ما يدعو للاشتراك، ولو تنازل احد الطرفين للاخر بما يعتقده حولها لكان يعني السقوط ضمن دائرة الاخر. واخص بالذكر موضوع كبار الصحابة او الخلفاء الراشدين، والتي اعدها المفصل الذي يتشكل عليه الالتحام او الخصام، فهي النقطة المركزية التي يدور حولها جوهر المشاكل بين السنة والشيعة. اما سائر المشاكل فإما أنها تعتمد على هذه المشكلة، او أنها ثانوية، او مبالغ بها، او كونها قابلة للحل. فلو أن الشيعة استجابت الى ما تقوله السنة بأن الخلافة الراشدة كانت خلافة شرعية، لكان يعني ذلك بطلان المذهب الشيعي القائم على فكرة الامامة الالهية والوصية والنص. لذلك فالشيعة ليست مستعدة للتخلي عن فكرة المؤامرة واغتصاب الخلافة، باعتبارها اقرب الاقوال التي تنسجم مع نظريتها ورواياتها التي تدعمها. كذلك فلو ان السنة استجابت الى ما تقوله الشيعة حول نظريتها بشأن الامامة والوصية والنص، لتحولت هذه الطائفة الى الشيعة، ولإعترفت بأن الخلافة الراشدة لم تكن صحيحة، وان الخلفاء الراشدين سلكوا مسكاً مغايراً لما اراده الله ورسوله، وكل ذلك يعد طعناً بهم ومن بايعهم برضى وطواعية.
هكذا فان التسليم بما يقوله الشيعة حول الامامة الالهية يعني طعناً بالخلفاء الراشدين وهم مقدسون بنظر اهل السنة. كما ان التسليم بما يقوله السنة حول شرعية الخلفاء الراشدين يعني طعناً بفكرة الامامة الالهية، ومن ثم ضرب آلاف الروايات الشيعية التي تدعو لذلك بلا منافس، فلا يبقى للشيعة – بعد ذلك – شيء يمكن الاعتماد عليه. أما إبقاء الامور على ما هي عليه، بمعنى ان على الشيعي ان يعتقد بما يعتقده حول الامامة، وان على السني ان يعتقد بما يعتقده حول الخلافة الراشدة، فذلك يعني إبقاء حالة التوتر قائمة بين الطرفين، لإعتقاد احدهما بضلال او كفر زعماء الاخر المقدسين. فهل يمكن لهذا الحال ان يسفر عن التقريب او تطييب الخواطر بين الطرفين؟ فمثلا هل يمكن لي ان اجالس انساناً اعرف بانه يكفّر أبي او يضلله او يلعنه؟ فكيف الحال عندما يكون الشخص المعني من المقدسين لدي؟ بغض النظر عن حقيقة امر هذا الشخص واقعاً.
طبعاً لست اقصد بذلك ذات الاشخاص الذين يجلسون على طاولة التقريب، اذ قد لا يكون بينهم من يعتقد او يمارس ذلك الفعل، إنما اقصد الطرف الذي يمثله هؤلاء الاشخاص، من حيث نتائج الاعتقاد اللازمة حتى بغض النظر عن الممارسة الفعلية للناس، وإن كانت الممارسة تأتي - عادة - كإنعكاس للاعتقاد، كالذي نلاحظه في الواقع قديماً وحاضراً.
ويمكن ان اصوّر الخلاف بين الطرفين بوجود طرف ثالث يتمثل بالخلفاء الراشدين او كبار الصحابة. اذ يرى احد الطرفين انه لا مشكلة لديه مع الطرف الاخر المنافس، بل مشكلته مع الطرف الثالث، في حين يرى الطرف الثاني ان مشكلته مع الطرف الاول لحمله الموقف السلبي اتجاه الطرف الثالث. وبالتالي فموضع المشكل بين الطرفين الاولين مختلف، حيث ما يراه احدهما بأن له مشكلة مع الاخر، لا يقابله الاخر بذات المنظار طالما ان مشكلته محددة بالاساس مع الطرف الثالث.
وبعبارة اخرى ان الشيعة لا ترى لها مشكلة عند السنة، وهو امر يفسر لماذا يهتم الشيعة اكثر من السنة بالتقريب بين المذاهب. في حين يرى اغلب السنة أن من العسير التعامل مع الشيعة، الى درجة انهم لا يثقون احياناً بدعواتهم نحو التقريب. وعلى ما اتذكر فإن رشيد رضا يعترف في تفسير (المنار) بأن لايران الفضل في الدعوات الخالصة للبدء بالتقريب بين المذاهب رغم اتهامها في الوقت ذاته انها سبب هذا الانشقاق والفتنة بين المسلمين، انتقاماً من العرب الذين قضوا على امبراطوريتهم ايام الخليفة عمر بن الخطاب، وهو الذي يفسر شدة الكراهة لهذه الشخصية الكبيرة.
وقد لمست ما يقوله رشيد رضا عند اقامتي في ايران خلال الثمانينات من القرن الماضي، فوجدت الحس الايراني العلمائي اكثر انفتاحاً من الحس العربي الشيعي، ربما باستثناء لبنان مؤخراً.
وما أود قوله هو ان حل المشكلة المذهبية للمسلمين لا تأتي من خلال مشروع الوحدة والتقريب، باعتباره عاجزاً عن ان يفعل شيئاً، فالحلم الذي يحمله هذا الاتجاه جميل لكنه يحمل العجز معه ايضاً.
وعموماً ان للمشكلة جذورها المتعلقة بالفهم، فأساليب الفهم المختلفة والنوازع القبلية التي تقف خلفه هي ما جعلت المسلمين فرقاً كثيرة، ويوماً بعد يوم يزداد الافتراق اكثر فأكثر، وبالتالي لا يأتي الحل عبر مشاريع التقريب والوحدة، انما ياتي عبر باب اخر مختلف، وهو ما عالجته في مشروع (المنهج في فهم الاسلام) طبقاً لجعل ‹‹الفهم›› كما في ذاته موضوعاً للبحث المنهجي، مما جعلني اتجاوز الطروحات المذهبية. صحيح اننا اليوم نتحدث على الصعيد النظري، ومشروعنا هو مشروع نظري لا يمكن العمل به ونشره وتطبيقه في وقت قريب، لكن عسى ان يأتي اليوم الذي تجنى من هذا المشروع ثماره وتطبيقاته. فطبقاً لهذا المشروع يمكننا دراسة ما يتضمنه المذهبان السني والشيعي من مناهج مشتركة ومتعددة، فالمناهج الواردة لدى السنة هي ذاتها لدى الشيعة، واذا كان بعضها صحيحاً فمعنى ذلك انه متقاسم عليه لدى الطرفين، فما موجود هنا موجود هناك، وما من حسنة هنا الا وفي قبالها حسنة هناك، وكذا العكس بالعكس. وقد تكون جميع هذه المناهج غير صحيحة، فتراثنا المعرفي غير معصوم من الخطأ، وخطأ التراث لا يعني خطأ الفكر الاسلامي، باعتبار ان الاخير اعم منه وانه قابل للجود عبر الزمان بلا نهاية. وهذا يعني انه عندما ندرك خطأ هذه المناهج جميعاً او قصورها، فالواجب الملقى علينا هو البحث عن منهج جديد مناسب يفي بالغرض من حل اشكالية الفهم الديني، وهو ما نسعى إليه. فعلينا - اذاً - أن نقدم منهجاً جديداً وليس مذهباً في قبال المذاهب المتعارف عليها.
لذا اجد في كثير من الاحيان ان كلامي مقبول لدى الكثير ممن ينتمي الى السنة والشيعة. فمن خلال المحاضرات والدروس التي القيها، كما في عدد من الجامعات للدراسات العليا الاسلامية وبعض الحوزات وغيرها، أجد ان بالاستطاعة توصيل الفكر المنهجي الجديد حتى للبعض المحسوبين على التيار السلفي، فهنا لست بحاجة للعمل بما يطلق عليه التقريب والوحدة، كما ان طرحي لا يمت الى الجانب المذهبي بصلة، رغم انه يتعرض لافكار المذاهب كشواهد متماثلة لدى السنة والشيعة. وكثيراً ما اقول بأن كل حسنة او سيئة تجدها هنا؛ يوجد مثلها هناك، وان في الطرفين رجالاً يجتهدون من دون عصمة، فلا يوجد فكر معصوم او حق مطلق في قبال خطأ وباطل مطلقين، وبالتالي ما الضرورة التي تجبرنا على التمسك بهذا أو بذاك؟ بالحقيقة لا أرى من ضرورة سوى الاعتبارات الاجتماعيّة والبيئيّة التي تربّينا عليها، فكل شخص ولد في بيئة شيعيّة كان شيعيّاً، او ولد في بيئة سنيّة كان سنيّاً. لكن لو كنّا قد تربينا على دراسة المناهج بخلط المذاهب وجعلها متداخلة فيما بينها، فسينقلب الحال، ويتولد رجال يعدون انفسهم من اتباع المنهج الفلاني دون ان يبالوا بالفارق المتعلق بكونهم شيعة او سنة، او ان هذا الفارق سيتضاءل وينمحي بمرور السنين، طالما كان التركيز على الشكل المنهجي لا المذهبي، وان الاساس هو العلم لا المذهب. ويكون الشعار المتبع هو العمل بمبدأ مراجعة الافكار والمسلمات باستمرار لاجل مزيد من العلم والتحقيق بدل التوقف والتقليد. ففي تصوّري ان هذا هو الحل الأمثل للمشكل الذي نعانيه قديماً وحاضراً..
المصدر :موقع يحيى محمد
قصور مشروع الوحدة الإسلامية:
س: لنتكلم بواقعيّة هنا، اليوم النزاع المذهبي هو مشكلة من المشكلات، بتقديرك هل طريقة الإسلاميّين الوحدويّين الذين حاولوا معالجة هذا الاشكال من خلال مفردات التقريب التي انطرحت، هي صائبة ؟ وهل هي عاجزة للوصول إلى حل لهذه المشكلة؟ وأنتم كيف تعاطيتم مع هذا الموضوع؟ ونحن نتكلم بموضوع الوحدة لأنه موضوع جوهري وأساسي ومهم.
ج: يعد التفكير في سبيل الوحدة او التقريب بين المذاهب عملاً جليلاً، وقد كنت منذ أول شبابي وبداية تديني تواق لهذا المشروع، ومن الشخصيات البارزة التي استهوتني آنذاك شخصية جمال الدين الافغاني، لكني مع خبرة السنين وطول البحث والتفكير تبيّن لي أنّ هناك قصوراً ذاتياً في المشروع، فاعتقد انه مهما فعل اهل الوحدة والتقريب فلن ينجحوا، فليس من الممكن حل المشكلة القائمة بين السنة والشيعة من دون تنازل احد الطرفين للاخر، او يعترف بالخطأ، او على الاقل يحتمل ذلك صدقاً. وهنا نعود الى المشكلة المركزية المتعلقة بالفهم. اذ يرجع العجز الذاتي لدى الاطراف الداعية للتقريب الى عدم الاقرار باحتمال الخطأ الوارد في فهم الاسلام والعقيدة قبال الاخر. وكل ذلك من تبعيات علم الكلام، حيث المقرر وجوب القطع في اصول الاعتقاد، والا افضى الامر الى الكفر والضلال. وبالتالي فلا يوجد حس نقدي على صعيد الذات ليتقرب احد الطرفين للاخر، فكل طرف يرى نفسه محقاً في كل ما يطرحه من مفردات ورثها عن غيره من الاسلاف، وهذا في حد ذاته لا يدع مجالاً للتقريب، ولو طُرحت المسألة بعنوان المعايشة مع الاخر لكانت اقرب للحل العملي، رغم ان واقعنا الحالي لا يحتمل احياناً صور المعايشة والانفتاح على الاخر. وبالتالي فان مؤتمرات التقريبيين ومشاريعهم ما زالت بعيدة جداً عن الواقع الفعلي، وهي بعيدة وغريبة – احياناً - حتى لدى التقريبيين انفسهم. لذا فما يبقى لا يخرج في الغالب عن حدود المجاملات والتعاطف، دون حل جذري لاصل المشكل. فمثلاً كيف يمكنك التقارب مع طرف يعمل على تضليل وتكفير من تعدهم من الشخصيات المقدسة؟ فالتقريب القائم على هذا النحو من العلاقة هو تقريب مستحيل.
الاعتراف بالآخر طريق الوحدة
س: ما هو العنوان الأساس في موضوع الوحدة الإسلاميّة؟
ج: لا شك ان سعي اهل التقريب والوحدة منصب على محاولة ايجاد العناصر المشتركة بين الطرفين، فهذا ما يتمركزون حوله من بحث، ومن ذلك البحث حول العقائد المشتركة واصول الفقه والاحكام المشتركة، وكذلك الروايات المشتركة بين الطرفين، لكن تظل هناك عناصر مستعصية تمثل اساس الافتراق والابتعاد، وليس فيها ما يدعو للاشتراك، ولو تنازل احد الطرفين للاخر بما يعتقده حولها لكان يعني السقوط ضمن دائرة الاخر. واخص بالذكر موضوع كبار الصحابة او الخلفاء الراشدين، والتي اعدها المفصل الذي يتشكل عليه الالتحام او الخصام، فهي النقطة المركزية التي يدور حولها جوهر المشاكل بين السنة والشيعة. اما سائر المشاكل فإما أنها تعتمد على هذه المشكلة، او أنها ثانوية، او مبالغ بها، او كونها قابلة للحل. فلو أن الشيعة استجابت الى ما تقوله السنة بأن الخلافة الراشدة كانت خلافة شرعية، لكان يعني ذلك بطلان المذهب الشيعي القائم على فكرة الامامة الالهية والوصية والنص. لذلك فالشيعة ليست مستعدة للتخلي عن فكرة المؤامرة واغتصاب الخلافة، باعتبارها اقرب الاقوال التي تنسجم مع نظريتها ورواياتها التي تدعمها. كذلك فلو ان السنة استجابت الى ما تقوله الشيعة حول نظريتها بشأن الامامة والوصية والنص، لتحولت هذه الطائفة الى الشيعة، ولإعترفت بأن الخلافة الراشدة لم تكن صحيحة، وان الخلفاء الراشدين سلكوا مسكاً مغايراً لما اراده الله ورسوله، وكل ذلك يعد طعناً بهم ومن بايعهم برضى وطواعية.
هكذا فان التسليم بما يقوله الشيعة حول الامامة الالهية يعني طعناً بالخلفاء الراشدين وهم مقدسون بنظر اهل السنة. كما ان التسليم بما يقوله السنة حول شرعية الخلفاء الراشدين يعني طعناً بفكرة الامامة الالهية، ومن ثم ضرب آلاف الروايات الشيعية التي تدعو لذلك بلا منافس، فلا يبقى للشيعة – بعد ذلك – شيء يمكن الاعتماد عليه. أما إبقاء الامور على ما هي عليه، بمعنى ان على الشيعي ان يعتقد بما يعتقده حول الامامة، وان على السني ان يعتقد بما يعتقده حول الخلافة الراشدة، فذلك يعني إبقاء حالة التوتر قائمة بين الطرفين، لإعتقاد احدهما بضلال او كفر زعماء الاخر المقدسين. فهل يمكن لهذا الحال ان يسفر عن التقريب او تطييب الخواطر بين الطرفين؟ فمثلا هل يمكن لي ان اجالس انساناً اعرف بانه يكفّر أبي او يضلله او يلعنه؟ فكيف الحال عندما يكون الشخص المعني من المقدسين لدي؟ بغض النظر عن حقيقة امر هذا الشخص واقعاً.
طبعاً لست اقصد بذلك ذات الاشخاص الذين يجلسون على طاولة التقريب، اذ قد لا يكون بينهم من يعتقد او يمارس ذلك الفعل، إنما اقصد الطرف الذي يمثله هؤلاء الاشخاص، من حيث نتائج الاعتقاد اللازمة حتى بغض النظر عن الممارسة الفعلية للناس، وإن كانت الممارسة تأتي - عادة - كإنعكاس للاعتقاد، كالذي نلاحظه في الواقع قديماً وحاضراً.
ويمكن ان اصوّر الخلاف بين الطرفين بوجود طرف ثالث يتمثل بالخلفاء الراشدين او كبار الصحابة. اذ يرى احد الطرفين انه لا مشكلة لديه مع الطرف الاخر المنافس، بل مشكلته مع الطرف الثالث، في حين يرى الطرف الثاني ان مشكلته مع الطرف الاول لحمله الموقف السلبي اتجاه الطرف الثالث. وبالتالي فموضع المشكل بين الطرفين الاولين مختلف، حيث ما يراه احدهما بأن له مشكلة مع الاخر، لا يقابله الاخر بذات المنظار طالما ان مشكلته محددة بالاساس مع الطرف الثالث.
وبعبارة اخرى ان الشيعة لا ترى لها مشكلة عند السنة، وهو امر يفسر لماذا يهتم الشيعة اكثر من السنة بالتقريب بين المذاهب. في حين يرى اغلب السنة أن من العسير التعامل مع الشيعة، الى درجة انهم لا يثقون احياناً بدعواتهم نحو التقريب. وعلى ما اتذكر فإن رشيد رضا يعترف في تفسير (المنار) بأن لايران الفضل في الدعوات الخالصة للبدء بالتقريب بين المذاهب رغم اتهامها في الوقت ذاته انها سبب هذا الانشقاق والفتنة بين المسلمين، انتقاماً من العرب الذين قضوا على امبراطوريتهم ايام الخليفة عمر بن الخطاب، وهو الذي يفسر شدة الكراهة لهذه الشخصية الكبيرة.
وقد لمست ما يقوله رشيد رضا عند اقامتي في ايران خلال الثمانينات من القرن الماضي، فوجدت الحس الايراني العلمائي اكثر انفتاحاً من الحس العربي الشيعي، ربما باستثناء لبنان مؤخراً.
وما أود قوله هو ان حل المشكلة المذهبية للمسلمين لا تأتي من خلال مشروع الوحدة والتقريب، باعتباره عاجزاً عن ان يفعل شيئاً، فالحلم الذي يحمله هذا الاتجاه جميل لكنه يحمل العجز معه ايضاً.
وعموماً ان للمشكلة جذورها المتعلقة بالفهم، فأساليب الفهم المختلفة والنوازع القبلية التي تقف خلفه هي ما جعلت المسلمين فرقاً كثيرة، ويوماً بعد يوم يزداد الافتراق اكثر فأكثر، وبالتالي لا يأتي الحل عبر مشاريع التقريب والوحدة، انما ياتي عبر باب اخر مختلف، وهو ما عالجته في مشروع (المنهج في فهم الاسلام) طبقاً لجعل ‹‹الفهم›› كما في ذاته موضوعاً للبحث المنهجي، مما جعلني اتجاوز الطروحات المذهبية. صحيح اننا اليوم نتحدث على الصعيد النظري، ومشروعنا هو مشروع نظري لا يمكن العمل به ونشره وتطبيقه في وقت قريب، لكن عسى ان يأتي اليوم الذي تجنى من هذا المشروع ثماره وتطبيقاته. فطبقاً لهذا المشروع يمكننا دراسة ما يتضمنه المذهبان السني والشيعي من مناهج مشتركة ومتعددة، فالمناهج الواردة لدى السنة هي ذاتها لدى الشيعة، واذا كان بعضها صحيحاً فمعنى ذلك انه متقاسم عليه لدى الطرفين، فما موجود هنا موجود هناك، وما من حسنة هنا الا وفي قبالها حسنة هناك، وكذا العكس بالعكس. وقد تكون جميع هذه المناهج غير صحيحة، فتراثنا المعرفي غير معصوم من الخطأ، وخطأ التراث لا يعني خطأ الفكر الاسلامي، باعتبار ان الاخير اعم منه وانه قابل للجود عبر الزمان بلا نهاية. وهذا يعني انه عندما ندرك خطأ هذه المناهج جميعاً او قصورها، فالواجب الملقى علينا هو البحث عن منهج جديد مناسب يفي بالغرض من حل اشكالية الفهم الديني، وهو ما نسعى إليه. فعلينا - اذاً - أن نقدم منهجاً جديداً وليس مذهباً في قبال المذاهب المتعارف عليها.
لذا اجد في كثير من الاحيان ان كلامي مقبول لدى الكثير ممن ينتمي الى السنة والشيعة. فمن خلال المحاضرات والدروس التي القيها، كما في عدد من الجامعات للدراسات العليا الاسلامية وبعض الحوزات وغيرها، أجد ان بالاستطاعة توصيل الفكر المنهجي الجديد حتى للبعض المحسوبين على التيار السلفي، فهنا لست بحاجة للعمل بما يطلق عليه التقريب والوحدة، كما ان طرحي لا يمت الى الجانب المذهبي بصلة، رغم انه يتعرض لافكار المذاهب كشواهد متماثلة لدى السنة والشيعة. وكثيراً ما اقول بأن كل حسنة او سيئة تجدها هنا؛ يوجد مثلها هناك، وان في الطرفين رجالاً يجتهدون من دون عصمة، فلا يوجد فكر معصوم او حق مطلق في قبال خطأ وباطل مطلقين، وبالتالي ما الضرورة التي تجبرنا على التمسك بهذا أو بذاك؟ بالحقيقة لا أرى من ضرورة سوى الاعتبارات الاجتماعيّة والبيئيّة التي تربّينا عليها، فكل شخص ولد في بيئة شيعيّة كان شيعيّاً، او ولد في بيئة سنيّة كان سنيّاً. لكن لو كنّا قد تربينا على دراسة المناهج بخلط المذاهب وجعلها متداخلة فيما بينها، فسينقلب الحال، ويتولد رجال يعدون انفسهم من اتباع المنهج الفلاني دون ان يبالوا بالفارق المتعلق بكونهم شيعة او سنة، او ان هذا الفارق سيتضاءل وينمحي بمرور السنين، طالما كان التركيز على الشكل المنهجي لا المذهبي، وان الاساس هو العلم لا المذهب. ويكون الشعار المتبع هو العمل بمبدأ مراجعة الافكار والمسلمات باستمرار لاجل مزيد من العلم والتحقيق بدل التوقف والتقليد. ففي تصوّري ان هذا هو الحل الأمثل للمشكل الذي نعانيه قديماً وحاضراً..
المصدر :موقع يحيى محمد