فرضيّةُ (الشعوب الساميّة، واللغات الساميّة) فرضيّةٌ خرافيةٌ لا أصل لها

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,318
مستوى التفاعل
127
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
للدكتور / عودة الله منيع القيسي .
توطئة
قد تستغرب، أخي القارئ، عندما يقال، إن فرضيّة الشعوب الساميّة، واللغات الساميّة .. فرضيّة خرافية لا أصل لها! وأنت معذور في هذا الاستغراب، لأنك تسمع هذا الإنكار لوجودها، لأول مرّة. ولكنها الحقيقة كما يتبين لك، من خلال هذا البحث!
وأنت تذكر أن المعتصم –الخليفة العباسي- قرّر أن ينتقم لشرف امرأة مسلمة، رفع علج من عُلوج الروم ثوبها عن جسَدها، فقالت: وامعتصماه ! امستغيثةً بالمعتصم، وقد استدعى المعتصم المنجمين، ليروا: متى يستطيع أن يفتح عمّوريّة- بلد ذلك العلج؟ فقالوا: لن تفتح قبل نضج التين والعنب!
بَيْدَ أن المعتصم ضرب بكلامهم عُرْض الحائط، فأعدّ جيشاً وتوجّه لعمورية في سنة ثلاث وعشرين ومئتين للهجرة، ففتحها، وحرّقها، وسجّل هذه الواقعة العظيمة الشاعر العباسيّ العظيم –أبو تمام في قصيدته البائية المشهورة، ثم.. عرّج على المنجمين، فسخر من علمهم، فقال:
[align=center]أين الروايةُ، بل أين النجومُ وما **صاغوه من زُخرفٍ فيها ومن كَذِبِ؟
تَخَرُّصاً، وأحاديثاً مُلفّقةً**ليست بَنَبْعٍ، إذا عُدّتْ، ولا غَرَب[/align]
وأنا أقول كما قال أبو تمام: إن ما زعمه العلماء الغربيون المهتمون بالبلاد العربية وباللغات "العربية" هو كتنبؤ المنجمين للمعتصم. ليس إلا "تخَرُّصاً وأحاديثاً ملفقة"، حقيقة لا يمكن دَحْضها.

كيف تكشّفتْ لي هذه الحقيقة ومتى؟
قبل أربعة أشهر تقريباً كنت أُعِدُّ لموضوع طرقه بعض لغويينا القُدامى، وهو أن العربية "الفصحى" إلهامية، وليست اصطلاحية، بيدَ أنهم اكتفوْا بإحساسهم أن الفصحى لغة عظيمة لا يمكن أن تكون من صُنع البشر. وأنا- بعد اطلاعي على كثير من قواعد العربية، ومن قوانين فقهها- اقتنعت، معهم، أنها "إلهامية". ولكنيّ رأيت ألا أكتفي بهذه القناعة، غير مُدلّل عليها تدليلاً علميّاً، فأخذت أبحث في كتب (فقه اللغة)- إضافة إلى كتب النحو والصرف.
وفي إحدى الأمسيات كنت أقرأ في كتاب: (دراسات في فقه اللغة- للمرحوم الدكتور صبحي الصالح)، فقرأت العبارة الآتية: (والتسمية ..لم تخترع اختراعاً، فهي مقتبسة من الكتاب المقدس الذي ورد فيه أن أبناء –نوح- هم سامٌ وحامٌ ويافتُ، وأنه من سُلالتهم تكونت القبائل والشعوب([1]). [ويقصد بالتسمية تسمية شعوب هذه المنطقة (أي: الجزيرة العربية، والعراق، وسوريا الكبرى) "بالشعوب الساميّة" ولغاتها "باللغات الساميّة"!!
فطرقت عقلي.. "فكرةٌ": هبْ معي([2]) أن هذا القول لم يرد إلا في التوراة.. أنصدقه ونأخذ به ونعتمده؟ والتوراة .. غير موثوقة عندنا، لأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولاتكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله، وما أنزل"([3]). أيْ: ما أنزل من التوراة والإنجيل، قبل التحريف، وما أنزل من القرآن الكريم الذي حفظه الله تعالى من التحريف.
والتوراة .. غير موثوقة لثلاثة اعتبارات: الأول: ما ورد في القرآن مثل قوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون" (البقرة: 79).

والثاني: قول رسولنا الأعظم .. السابق.
والثالث: أن التوراة غير موثقة ([4]) أولاً: لما ذكر القرآن من تحريفها. وثانياً: لأنها لم تكتب إلا بعد وفاة موسى –عليه السلام- بسبعة قرون! (لاحظ.. أن الحديث النبوي الشريف كُتب جُلّه، بعد وفاة رسولنا - صلى الله عليه وسلم- بقرن إلى قرنين .. ومع ذلك.. فقد جمع البخاري –رضي الله عنه- مئة ألف حديث، ولكنه لم يُثبت منها في (صحيحه) إلا ستة آلاف حديث ونيّفاً، أي: لم يثبت إلا ستة بالمئة مما جمع (6%). فكيف بكلام لم يُدَوّن إلا بعد سبع مئة سنة؟).

هذا.. فضلاً عن أن الحديث "مُوَثّق" بسلسلة رواة، والتوراة ليس لها سلسلة رواة! ومع هذا.. فلا يزال نقاد الحديث يجدون بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، في كتب الحديث .. إما لضعف في سلسلة الرواة، وإما لأن متن الحديث.. فيه قولان.
وفوق هذا.. فقد كُتب معظم التوراة، واليهود في السَّبي، في العراق، مما جعل كثيراً من الأقوال والخرافات الآشورية، والبابلية والسُّومرية.. تتسرّب إليها!.
أبعد هذا.. يصحّ أن تُتّخذ أخبار التوراة مصدراً "موثوقاً" إذا لم تدعمْها مصادر أخرى؟ طبعاً.. "لا يصح" إلا إذا دعمتها مصادر أخرى، والمصادر الأخرى.. لا تدعمها.
والمصادر الأخرى التي نبحث فيها، إذ قد نجد فيها شيئاً يدعم هذا الخبر بالذات، (وهو أن أبناء نوح، عليه السلام، هم: سام وحام ويافث)- هي أربعة:
1. القرآن الكريم.
2. الحديث النبوي الشريف.
3. التاريخ القديم.
4. النقوش التي استخرجتها الحفريات.

* القرآن الكريم:
ما ورد في القرآن الكريم .. يشير إلى أن ذرية نوح -عليه السلام- هم الباقون: "وجعلنا ذريته هم الباقين" (الصافات: 77) دون أن يذكر القرآن أسماء ذريته أو أسماء بعضهم، ثم .. هم الباقون من "قومه" لا من جميع الأقوام، بدلالة أن الله تعالى قال: "وأُوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من - قومك- إلا من قد آمن، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلْك بأعيننا ووحينا، ولا تخاطبني في الذين ظلموا، إنهم مغرقون" (هود: 36/37)، والمغرقون هم الذين لم يؤمنوا من –قومه- بدلالة قوله تعالى: "لن يؤمن من قومك". وبدلالة أن الصينيين والفرس لم يسمعوا بهذا الطوفان (انظر: سعد زغلول- تاريخ العرب قبل الإسلام- 83).

* الحديث الشريف:
استدعيْت بواسطة الحاسوب مادة (سام، حام، يافت) فلم أجدْ إلا حديثاً واحداً "موضوعاً"([5]) ضعّف أحد رجاله يحيى ابن معين والبخاري –رحمهما الله- والراوي المضعّف هو: محمد ابن يزيد ابن سنان. ثم راوٍ آخر هو: يزيد ابن سنان. قال البخاري: مقارب الحديث([6]) ولكنْ ضعّفه يحيى ابن معين وجماعة([7]).
والراوي المضعَّف لا يؤخذ بالحديث الذي يكون واحداً من سلسلة رواته، إلا إذا رُويَ الحديث من طريقة أو طرق أخرى.
والحديث هذا الموضوع هو: "وَلَدُ نوح" سام وحام ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، والخير فيهم، وولد يافث، يأجوج ومأجوج، والترك والصقالبة، ولا خير فيهم، وولد حام .. القبط والبربر والسودان"([8]).

وهذا الحديث مردود "متناً" أيضاً، فلماذا العرب والفرس والروم.. الخير فيهم؟ ولماذا الترك والصقالبة.. لا خير فيهم؟ إن الواقع "يكذّب" هذا. فليس العرب والفرس والروم خيراً من الترك والصقالبة. والرسول –الصادق الأمين العادل- لا يقول مثل هذا أبداً، ثم.. إن الفرس والروم.. جنسان مختلفان، الفرس شرقيون والروم غربيون، فليسوا من أصل واحد.
حاصل هذا.. أن الرسول الأعظم لم يقل: أولاد نوح هم: سامٌ وحامٌ، ويافثُ، والمؤكد أن الذي صنع هذا القول: وسمّاه حديثاً قد اعتمد على ما في التوراة هذه التي لا ثقة بأخبارها، فهو إمّا يهودي أسلم، أو مسلم اطلع على التوراة، أو سمع من يهودي.
وما أكثر الدوافع لوضع الأحاديث! ولكنّ هذا.. خارجٌ عن إطار بحثنا.
التوجه نحو المصدرين الباقييْن:
إذن... ما العمل؟
العمل هو التوجه نحو المصدرين الباقيين - التاريخ والنقوش، فقد نجد فيهما أو في أحدهما ما يدعم فرضية العلماء الغربيين المختصين بهذا الشأن –سواءٌ أكانوا مستشرقين أو غير مستشرقين-.

* التاريخ:
بدأت بالمؤرخين الإسلاميين، وفي مقدمتهم شيخ المفسرين والمؤرخين –الإمام محمد ابن([9]) جرير الطبري، في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) فلم نجد فيه شيئاً موثقاً، بل اعتمد على الحديث الشريف المصنوع، فقال: (وقد ذكرنا قبلُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله عزّ وجل: "وجعلنا ذريّته هم الباقين" أنهم سام وحام ويافث) ([10]).
أقول: وجعلنا ذريته هم الباقين"، أي: هم الباقين من قومه، لا من الخلق أجمعين، لأن الصينيين والفرس -مثلاً- لم يسمعوا بهذا الطوفان ! ([11]) كما أسلفنا.
ومن البديهي أن المؤرخين الآخرين كالمسعودي، والبلاذري، بل وحتى ابن خلدون –لم يقولوا شيئاً يضاف إلى ما قاله الطبري –لأن الطبري هو أسبقهم فقد توفي سنة 310هـ، وفعلاً.. لم أجدْ عندهم شيئاً يضاف إلى ما قاله الطبري، ثم .. انتقلنا إلى التاريخ القديم –التاريخ اليوناني والتاريخ الروماني- من خلال كتاب (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للدكتور جواد علي، فلم نجد فيما ورد فيه –منهما (وما ورد فيه كثير)- شيئاً يشير إلى أن لنوح ثلاثة أبناء هم: سامٌ وحامٌ ويافثُ، بل لم ترِدْ لفظة "سام" إطلاقاً، لا ابناً لنوح، ولا غيره من خلق الله.

ليس العرب من أصل غير عربي:
ولقد أورد (جواد علي) نصوصاً كثيرة مما كتبه المؤرخون اليونان والرومان، عن العرب، فلم نجد ولا نصّاً واحداً يقول مثلاً عن أحد ملوك اليمن، أوملوك الآشوريين والبابليين والسومريين –وهم قُطّان العراق، أو ملوك الكنعانيين والفينيقيين- وهم قُطّان سوريّة الكبرى، أو غيرهم من ملوك الشعوب الذين قطنوا هذه الأماكن- يؤرخ لحادثة، مثلاً، فيقول: لقد قام –الملك حامورابي الذي ينتمي إلى السومريين –أبناء سام .. بوضع شريعة يتحاكم إليها الناس، بل على العكس من ذلك وردت عشرات النصوص في التاريخ اليوناني تذكر (العرب) و(الجزيرة العربية)، منها:

(ولما أراد الإسكندر احتلال غزة في طريقه إلى مصر.. قاومت المدينة ودافع عنها رجلٌ. سمّاه "أريان" [وهو مؤرخ يوناني]- باتس- أيْ: باطش، مستعيناً بجيوش عربية قاومت مقاومة شديدة). وكان ذلك سنة 315 قبل الميلاد([12]).
(ونجد في كتاب (تاريخ الإسكندر)، لمؤلفه –كوينيس كورنيوس- خبراً يفيد أن جيوش الإسكندر لم تتمكن من دخول- جزيرة العرب..) ([13]).
(بنى الإسكندر مدينة يُظنّ أنها "المحمّرة".. بُنيت في النهاية القصوى من الخليج العربي.. عند خط ابتداء "العربية السعيدة"، ويقع نهاية –دجلة - على يمينها) ([14]).

... ومثل النصوص اليونانية – النصوص الرومانية:
(ومن المؤرخين الرومان بيلنيوس المتوفى سنة 79 ب. م. (وقد أشار في مطلع حديثه عن الحملة إلى أن (أوليوس غالوس، كان القائد الروماني الوحيد الذي أدخل محاربي –رومة- جزيرة العرب. وقد خرّب مدناً) ([15]).
(وبعد أن كوّن "تراجان" ما يسمّى بـ"المقاطعة العربية" أو"الكورة العربية" - Provancia Arabaca- في سنة 105 أو 106م([16]).
(.. فإن القيصر- سباتيميوس- أرسل حملة عسكرية في سنة 201م، توغلت في العربية السعيدة) ([17]).

لاحظ، أخي القارئ، أن كلّ النصوص (ومثلُها عشرات) تذكر العرب والعربية السعيدة، أي: جزيرة العرب، وليس فيها ولا نصّ واحد يذكر "ساماً" أو "الساميين".

* النقوش:
يقول الدكتور محمود فهمي حجازي في كتابه (علم اللغة العربية): كشفت الدراسات الميدانية التي قام بها عدد من الأوروبيين، في منطقة شمال الجزيرة العربية، ابتداءاً ([18]) من منتصف القرن التاسع عشر إلى اليوم عدة آلاف من النقوش([19]).وهي ثموديّة ولحيانية وصفوية، وكُشفت نصوص أكّاديّة (بابلية وأشوريّة وسومرية) ونصوص آرامية وفينيقية.

بَيْدَ أن كل هذه النقوش تتحدث عن الأقوام التي ذُكرت آنفاً، كلُّ مجموعة تتحدث عن جماعة من هذه الجماعات، ولم يكن فيها ولا نصٌّ واحد، يذكر.. ساماً أو الساميين أو الساميّة، لا من بعيد ولا من قريب، بل إن النصوص الآشورية تشير إلى العرب الذين يعارضون سياسة آشور منذ (854) قبل الميلاد([20]).

كاتب، يعتبر الساميّة "بدعة":
يقول رجا عبد الحميد عُرابي، في كتابه (سِفر التاريخ اليهودي): (كما نجح اليهود في ربط أصولهم بأصول شعوب المنطقة العربية عن طريق "بدعة" الساميّة، كذلك.. أرادوا ببدعة (العبرية) وتسمية أنفسهم عبرانيين – أن يربطوا تاريخهم بتاريخ شعوب المنطقة) ([21]).
لاحظْ أن الأستاذ رجا عبدالحميد قد سبقني إلى اعتبار الساميّة "بدعة" كما اعتبرتها أنا "خُرافة" لا تقوم إلا على تَخرُّصٍ، وأحاديثَ مُلفّقة.
الفرق أنه أطلقها من موقف سياسيّ، ولذلك.. فهو –غالباً- لا يقصد أنها ليس لها أصل وإنما يقصد أن دولة إسرائيل، والصهيونية العالمية ابتدعت اصطلاح: ساميّة، بل شعار الساميّة، لكي تكمِّمَ به أفواه منتقديها، ولذا..لم يُدلّلْ على بطلان الساميّة، وأنّه لا أصل لها.

أما أنا.. فأطلقتها من موقف "علميّ" مَحْضٍ، إذْ لا أصلَ لها حقّاً، ولذا فقد قمت -في هذا البحث- بالتدليل على ما قررته سابقاً.

اللغات القديمة في هذه المنطقة:
قرّر المختصون الغربيون بلغات المنطقة العربية، ثلاثة أشياء:
1. هذه اللغات.. بينها "تشابُهٌ" ولهذا .. فهي ترجع إلى أصل لغوي واحد، أيْ: لغةٍ أمّ لها جميعاً.
2. هذه اللغة هي اللغة الساميّة الأولى التي انبثقت عنها هذه اللغات([22]).
- أمّا أنّ هذه اللغات.. بينها تشابهٌ.. فهذا صحيح، وإن كان افتراضُ أصلٍ واحد لهذه اللغات.. هو افتراض لا يقوم على دليل "مقنع"، لأن التشابه في بعض الصفات، لا يعود إلى أنها آتية من أصل واحد، وإنما يعود إلى أمرين:

الأول: أن اللغات جميعها.. بينها.. بعض الخصائص المشتركة، وأمامي كتاب وَجَدَ مؤلفه شبهاً بين العربية والإنجليزية (لاحظ- العربية والإنجليزية!) بلغت ألفاً وخمسمئة لفظة (1500)، ولم يتناول من المعجم إلا ثمانية حروف([23]).
ذاك.. لأن طبيعة الإنسان لا تختلف اختلافاً جذريّاً بين شرق وغرب، وشمال وجنوب ولهذا.. فمعظم الأصوات اللغوية هي مشتركة بين جميع الأمم.

والثاني: أنه إذا كانت لغات الأرض جميعاً.. بينها بعض التشابه.. فإنه من البديهي أن لغات المنطقة الواحدة بينها، لا بدَّ، تشابهٌ أكبر، عن طريق تقارب التكوين البيولوجي والفكري لمن يقطنون منطقة واحدة، وعن طريق تقارض الألفاظ بين هذه اللغات، ومحاكاة اللغة الجديدة منها اللغة القديمة ببعض القواعد الضرورية، وتركيب الجمل، وهذا.. لا يقتضي – من حيث العقل والعلم الضروريّ – وجود لغة أمٍّ أتت منها هذه اللغات. وإلا.. فإن كل لغات الأرض لها "أمّ" واحدة الوجود.
ومما يزيد أمرَ تشابه اللغات – حتى المتباعدة منها في المنشأ – وضوحاً.. أنّ دارسي عائلات اللغات "اضطربوا" في تحديد موطن ما أسمَوْهُ (الساميين والحاميين).. فقال بعضهم بأن موطن الشعوب الساميّة منطقتا دجلة والفرات. ورأى بعضهم الآخر بأن منشأ الشعوب الساميّة والحامية .. إنما هي إفريقية أو الحبشية. لماذا؟ لأنهم وجدوا.. وهذا هو موطن الاستشهاد – "تقارباً" بين اللغات الساميّة والحامية، وعندي أن التقارب طبيعي لتشابه الطبيعة البشرية.

لاحظ أنهم وجدوا تقارباً بين ما أسمَوْه اللغات الساميّة: واللغات الحاميّة، فبنوا على ذلك "وهماً"، وهو أنهما –إذن- من موطن واحد! بَدَل أن يتنبّهوا إلى أن تشابه اللغات (في بعض الخصائص) راجع إلى تشابُهِ الطبيعة البشرية، ليس أكثر.
ولضلالهم في البحث والاستنتاج عدّوا ما أسمَوهْ الشعوب الساميّة، والشعوب الحاميّة من موطن واحد أصلاً، ثم "افترقا؛ الساميون.. استقروا في منطقتنا هذه، والحاميون .. استقروا في إفريقيّة!
مع أنه واضح وضوحاً كبيراً.. أن هناك فرقاً في لون البشرة، والملامح بين سكان هذه المنطقة، وبين سكان إفريقية، مما يُبعد احتمال أن يكون قد نشآ في موطن واحد.

أمّا الشيء الثالث.. فهو افتراضهم وجود (أمّ سامية).. وهذا ثبت بطلانه، بما أسلفنا من الأدلة. وكما أن ساماً ابن نوح خرافة، لم يَرِدْ هذا الاسم إلا في التوراة غير الموثوقة – كما بيّنا- وإن الجنس السامي، والشعوب الساميّة واللغات الساميّة.. مصطلحات، تقوم على فرض لم يدعَمْهُ شيء لا من العلم، ولا من التاريخ، ولا من النقوش، ونتيجة لهذا.. فليست هذه إلا مصطلحات جوفاء.. لا حقيقة لها تستند عليها، فيجب اطراحها بلا تردّدٍ.

متى عُرِف هذا المصطلح؟
وضَحَ لنا – مما سبق – أن هذا المصطلح.. لا أصل له في القديم، لأنه لا حقيقة له ألْبَتّةَ. وأوّلُ من أطلق هذا المصطلح – على اعتباره فَرَضاً – عالم نمساوي اسمه "أوغست لوديك شلوتسر" عام 1781م، وقد أخذه من التوراة كما سلف القول – أو العجب من هذا الرجل – سواءٌ أكان يهوديّاً أم متصهيناً – أن يأخذ مصطلحاً من كتاب يعلم كلّ عالم منصف أن هذا الكتاب غيرُ موثوق – للأسباب التي أسلفنا ذكرها – فلا يجوز الاعتماد على ما ورد فيه، من "الأخبار" خاصة!

ثم .. العجب الأكبر من علماء الغرب المختصين بها الموضوع: فَرَضٌ أُطْلق.. ثم بعد البحث والتنقيب لم يوجد ولا دليل واحد يدعمه، لا من التاريخ، ولا من الحفريات – فكيف لم يعدلوا عنه ويطّرحوه، والعهد بالفروض التي لا تثبت بدليل أن يطّرحها العلماء؟ أم أنّ الحضارة الغربية التي تعُدّ حملَة العهد القديم جزءاً منهم.. لا تريد أن "تُزعل" اليهود، فكان أن أبقى العلماء المنحازون هذا المصطلح، برغم أنه تبين أنه خرافة لا أصل لها؟ تبين لهم – كما تبين لنا – لعدم وجود دليل عليه، ولو كان دليلاً واحداً.
ثم.. العجب الأدهى والأَمرُّ من المؤرخين العرب المعاصرين، واللغويين العرب المعاصرين – الذين انطلت عليهم هذه الخرافة، فأخذوا يُردِّدونها، كما تُرَدّد الببغاوات الأصوات، غير متنبّهين أن كلّ ما يقوله علماء الغرْب، حول أصل العرب ولغتهم، وديانتهم – يجب أن نبدأ النظر إليه "بالشك" حتى يثبت أنه صواب، لأن أحقاد الغرب على هذه المنطقة العربية موغلة في القِدَم، منذُ أنْ حاول الإسكندر المقدوني، قبل الميلاد، احتلال العربية السعيدة (أيْ: جزيرة العرب) ولم يستطع، مروراً بالحروب الصليبية، ثم الاستعمار الغربي، ثم.. هذا الاستعمار الاحتلالي الأمريكي الهمجي الغاشم، قال تعالى: "ولا ترْكنوا إلى الذين ظلموا، فتمسَّكُم النارُ" (هود: 113).

ولكن، ما الحيلة وقد كان مفكرو النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين منضبعين بما يأتي به علماء الغرب، فيظنونه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مع أن الحق أن علماء الغرب – مستشرقين وغير مستشرقين – منحازون إلى إسرائيل ومنحازون "ضِدَّ" هذه الأمة الإسلامية، جذوراً، وحاضراً، وتراثاً وفكراً.

من نحن إذن؟
إذا كان "سامٌ" لا أصل له، وكان اصطلاح الساميين – تبعاً لذلك – واللغات الساميّة.. لا أصل له – فمن نحن إذن؟
نحن.. عربٌ، منذ أقدم العصور. نشأنا في الجزيرة العربية، وخرجت موجات عربية كثيرة من الجزيرة العربية إلى أطرافها الشمالية والشرقية، بحثاً عن الخصب واعتدال المناخ. ومن هذه الموجات الأكّاديون في العراق، وكان منهم السومريون والبابليون والآشوريون. ثم الكنعانيون والآراميون والفينيقيون إلى بلاد الشام، ثم .. الموجات العربية، زمن الفتح الإسلامي.

أما الجدّ البعيد البعيد.. فلا يعلمه إلا الله. وما ذكره المؤرخون عن تسلسل البشرية من آدم – عليه السلام – إلى نوح – عليه السلام – ثم من نوح إلى اليوم.. ليس إلا رجماً بالغيب، ليس إلاّ "تخرصاً وأحاديثاً ملفقة" كما قال الشاعر العظيم أبو تمام.

ذلك.. لأن الأخبار عن نسل آدم إلى عدنان إنما قام على الروايات "الشفويّة" التي يعتورها النسيانُ، والكذب، والمزاج والهوى، وحبُّ الظهور بمظهر الذي هو بكل شيء عليم.

وما قيل عن خُرافة "الساميّة" وأباطيلها.. فاعلمْ أنها "فرضية" لم يؤيّدها ولا دليلٌ واحد، وما أبقى عليها إلا انحياز الغرب لإسرائيل، وتخطيطهم لمحو "الهُوِيّة" العربية، والإسلامية، لأنها.. هوية ذات حضارة – من أقدم العصور وإلى اليوم – تخالف حضارتهم، أما قال شاعرهم (كِبْلِنْ): (الشرقُ شرق، والغربُ غرب، ولن يلتقيا)؟، ثم "على الطرف الآخر" أما قال صادقاً شاعرنا (أحمد شوقي):
[align=center] .. وللمستعمرين، وإن ألانوا ** قلوبٌ كالحجارة لا تَرِقُّ"؟ [/align]
فلنتناول كل ما يقوله الغربيون عنّا "بمنهج الشكّ" حتى لا نقبل إلا ما هو حق، وما أقلّ الحقّ عندهم، إذا تناولوا قضايانا، وديننا الحنيف.

--------------
الهوامش
[1] صبحي الصالح- دراسات في فقه اللغة-36، دمشق/ مطبعة جامعة دمشق - 1960م.
[2] هبّ أن.. ما ورد في المعاجم العربية هو تعدية (هبْ) بدون (أنّ)، أي: هب هذا القول، وقد خطّأ الرافعي.. طه حسين باستعماله (هبْ أنّ). بيدَ أني لا أرى ذلك خطأ، لأن (هبْ) تضمنت معنى (افرض)، وافرض تليها (أنّ). والكلمة إذا تضمنت معنى كلمة أخرى أخذت حكم هذه الأخرى، وهذا كثير في اللغة، فهو قانون لغويّ.
[3] البخاري.. محمد ابن إسماعيل –صحيحه- 2/953، اليمامة/ بيروت/ دار ابن كثير- 1407/ 1987.
[4] غير موثوقة.. شيء، وغير موثّقة شيء آخر، معبر موثوقة: لا يوثق بما ورد فيها، وغير موثقة: لم يُتّبعْ الأسلوب العلمي في روايات أخبارها.
[5] الحديث الموضوع: هو الحديث المصنوع أو المكذوب، أي: وضعه رجل، ولم يَقُلْه الرسول الأعظم.
[6] مقارب الحديث.. أي: أدنى مرتبة من الحديث الحسن.
[7] هكذا.. وردت العبارة، أي: لم يذكر بالاسم إلا يحيى ابن معين.
[8] علي ابن أبي بكر الهيثمي- مجمع الزوائد- 1/193- القاهرة/ دار الريان للتراث – 1407هـ.
[9] (ابن)- أكتبها دائماً، وفي بدئها ألف، لأن حذف الألف، أينما وقعت، لا مبرر معقولاً له، فهي مثل ألف (ال) القمرية، فهي تسقط في درْج الكلام. ومع ذاك.. لا تسقط في الكتابة، فضلاً عن أن كتابتها بالألف دائماً يجعلها ذات قاعدة واحدة، وهذا.. يخفف على طالب العلم.
[10] الإمام محمد ابن جرير الطبري – تاريخ الرسل والملوك- 1/211- القاهرة / دائرة المعارف 1966.
[11] انظر: سعد زغلول عبد الحميد: في تاريخ العرب قبل الإسلام-83، بيروت/ دار النهضة العربية -1976.
[12] جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام- 2/8، بيروت/ دار العلم للملايين/ بغداد/ دار النهضة – 1968م.
[13] المرجع نفسه – 2/9.
[14] المرجع نفسه -2/12.
[15] المرجع نفسه -2/52.
[16] المرجع نفسه -2/65.
[17] المرجع نفسه – 2/66.
[18] ابتداءاً، واستثناءاً.. وما شابههما.. أكتبهنّ بألف منونة بعد الهمزة، إذْ لا مبرر معقولاً لحذفها إلا وجود قاعدة تقليدية بذلك، وإلا.. فهنّ مثل: سراعاً، واستبداعاً.. فهل يجوز أن نحذف الألف المنونة بعد العين؟ والهمزة أخت العين.
[19] محمود فهمي حجازي- علم اللغة العربية- 219، الكويت/ وكالة المطبوعات- 1973م.
[20] جواد علي – المفصل في تاريخ العرب في الجاهلية- 1/ 165.
[21] رجا عبد الحميد عُرابي – سفر التاريخ اليهودي – 48.
[22] محمود فهمي حجازي – علم اللغة العربية – 139.
[23] انظر: عبد الرحمن أحمد البوريني- اللغة العربية أصل اللغات كلها، عمّان/ دار الحسن للنشر والتوزيع-1998م. وأنا .. لا أوافقه على أن العربية أصل اللغات .. لكنا نستخلص من كتابه أن جميع اللغات بينها قدْر من التشابه، فكيف بلغات المنطقة الواحدة. وذلك.. لا يستدعي لزوم أصل واحد لهُنَّ.


هذا المقال منقول وقد نشر في العدد الثالث والأربعين من مجلة الفرقان الأردنية - شهر رجب 1426هـ
 
من الكتب القيمة التي كتبت حول هذا الموضوع كتاب قديم للأستاذ الدكتور حسن ظاظا بعنوان (الساميون ولغاتهم : تعريف بالقرابات اللغوية والحضارية عند العرب) .
وقد أشار في مقدمته إلى أن مصطلح السامية وضع لتقريب دراسة هذه اللغات وأصولها . وضعه اللغوي الألماني شلوتزر عام 1781م . ونقل قول اللغوي الفرنسي هنري فليش :( إنه ينبغي ألا نفهم من استعمال كلمة السامية أي شيء أكثر من اصطلاح المقصود به تيسير الأمر على الباحثين دون أن نعتقد أن له دلالة عنصرية )
ومقصود الباحث الفرنسي هذا هو الإشارة إلى أن أية عصبية للسامية أو ضدها بالمعنى الديني (ضد اليهود مثلاً) ، أو بالمعنى الاجتماعي والسياسي (ضد العرب مثلاً) لا تقوم على أساس علمي من علم السلالات البشرية . وإنما هي مجرد فرضية علمية لدراسة أصل نشأة هذه اللغات .
 
السلام عليكم شيخنا الشهري
الموضوع جد شيق , و لكنني انظر دائما الي نسب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - فاجد نفس الاسماء ( سام ) ثم ( نوح ) عليه السلام

صحيح انكر بعض العلماء النسب الشريف فيما بعد ( عدنان )
لكن اذكر اني قرات مرة , ان (البخاري) قد وافق( ابن اسحق) على هذا النسب
و جزم ( ابن حجر ) بذلك في الفتح قائلا ( العرب كلها من ولد سام بن نوح بالاتفاق ) و اعتمد هذا شيخ الاسلام ايضا ( مجموع الفتاوى 7 \ 93 )

و على كل , فقد صحح الحاكم ووافقه الذهبي حديث (ولد نوح ثلاثة سام و حام و يافث أبو الروم )
و هو غير حديث يزيد بن سنان


و جزاكم الله خيرا
 
بل هو تصنيف صحيح.. ولكن لا عبرة بالمصطلح!

بل هو تصنيف صحيح.. ولكن لا عبرة بالمصطلح!

بسم الله الرحمن الرحيم
أما التشابه بين اللغات من الناحية الصوتية والمعجمية؛ فلا يدل على أنها من أصل واحد. بل التشابه الحقيقي هو تشابه التركيب اللغوي والصرفي. وهذا إذا لاحظته فعلا يصنف اللغات إلى لغات سامية، أو سمها ما شئت، ولغات هندوروبية، أو سمها ما شيئت. فاللغة الفارسية مثلا والتركية والإنجليزية وما شابهها لها نظام متقارب في التركيب، مما يدل على أنها من أصل لغوي واحد. كما أن اللغة العربية واللغة العبرية واللغة الأمازيغية أو البربرية - وبعض دمي أمازغي بربري - كلها لغات من أصل واحد؛ لتقاربها التركيبي قبل المعجمي. وهذا لا يمنع أن اللغات جميعها من أصل واحد. لأن الناس جميعهم من آدم أول الناطقين من بني آدم تعلما من الله كما نص عليه القرآن الكريم. والله تعالى أعلم.
 
إضافة

إضافة

بسم الله الرحمن الرحيم
عفوا إضافة أخرى:
ثم إن العبرة في دراسة اللغة ليست في دراسة الأسانيد وأقوال المؤرخين. وإنما هي في دراسة البنيات الداخلية للغات. والله تعالى أعلم.
 
الفرق بين تشابه الإنجليزية والعربية وبين تابه اللغات المسماة بالسامية ...

الفرق بين تشابه الإنجليزية والعربية وبين تابه اللغات المسماة بالسامية ...

- أمّا أنّ هذه اللغات.. بينها تشابهٌ.. فهذا صحيح، وإن كان افتراضُ أصلٍ واحد لهذه اللغات.. هو افتراض لا يقوم على دليل "مقنع"، لأن التشابه في بعض الصفات، لا يعود إلى أنها آتية من أصل واحد، وإنما يعود إلى أمرين:

الأول: أن اللغات جميعها.. بينها.. بعض الخصائص المشتركة، وأمامي كتاب وَجَدَ مؤلفه شبهاً بين العربية والإنجليزية (لاحظ- العربية والإنجليزية!) بلغت ألفاً وخمسمئة لفظة (1500)، ولم يتناول من المعجم إلا ثمانية حروف([23]).
ذاك.. لأن طبيعة الإنسان لا تختلف اختلافاً جذريّاً بين شرق وغرب، وشمال وجنوب ولهذا.. فمعظم الأصوات اللغوية هي مشتركة بين جميع الأمم.

التشابه بين الإنجليزية والعربية مخالف تمام المخالفة للتشابه بين العربية وغيرها من اللغات المحسوبة على السامية ـ سواء صحّ هذا الاصطلاح أم لا ـ فهو تشابه في المفردات والاصطلاحات والأسماء ليس إلاّ نتيجة التفاعل الحضاري (اللغوي) بين الإنجليز والعرب (ممثلين في مسلمي الأندلس على وجه الخصوص) خاصة وأنّه وقع في زمن ومرحلة استكمال التأسيس البنيوي للغة الإنجليزية مرحلة عُرفت بالاقتباس اللغوي والاصطلاحي أو مرحلة التطور النهائي للغة الإنجليزية زمن الشاعر والمسرحي شيكسبير واستمرت هذه المرحلة إلى غاية نهاية القرن السابع عشر ميلادي ...
أما ما يوجد بين هذه اللغات المسماة ـ بحق أو بغير حق ـ بالسامية فإنّه يتعدى جانب المفردات والاصطلاحات إلى جوانب أكبر وأعمق في اللغة كالإعراب , التركيب , بنية الكلمات وأصولها , أصوات حروفها , طبيعة حركاتها ...إلخ...
....
 
لماذا لا تكون العربية هي أم وأصل هذه اللغات المسمات ـ بحق أو بغير حق ـ بالسامية ؟

لماذا لا تكون العربية هي أم وأصل هذه اللغات المسمات ـ بحق أو بغير حق ـ بالسامية ؟

.... ولكن هذه المفارقة والمغايرة بين التشابه الواقع بين العربية والإنجليزية من جهة وبين تشابه مختلف اللغات المحسوبة على السامية من جهة أخرى لا يمنع من بقاء السؤال قائما ومطروحا بشدّة عن أصل هذه اللغات وعن سرّ تشابهها
هل هي ـ جميعا ـ مشتقة ومتفرعة من لغة واحدة هي اللغة السامية الأم هذه اللغة التي لا يعلم حقيقتها وكنهها أحدٌ ممّن كتب في تاريخ اللغات سوى قولهم واستنتاجهم (...جميع هذه اللغات بما فيها العربية مشتقة من هذه اللغة الواحدة ...) ؟
ولكن لماذا لا يقال أنّ العربية هي أصل هذه اللغات جميعاً , كمجرد افتراض ما الذي يمنع منه ...؟
إذا كانت العربية استطاعت أن تواكب ـ لوحدها من بين سائر لغات البشر دون استثناء ـ أكثر من خمسة عشر قرنا من التاريخ المتجدد والمتطور وأن تستوعب كما هائلا من الاصطلاحات الجديدة بما تملك من مرونة ذاتية وآليات داخلية , كما استطاعت أن تستقطب أمم عدّة وتعرّب ألسنتهم بفضل سعة حروفها وبساطة حركاتها ... ما المانع من أن تكون قد استطاعت مواكبة قرونا وأحقابا قبل الجاهلية الأولى خاصة وأن الحياة يومها كانت بسيطة إن لم نقل بدائية والتطور شديد البطء ...فاللغة التي صمدت كلّ هذه القرون وواكبتها يسهل عليها مواكبة القرون الأولى والله أعلم ...
ثمّ أليست اللغة العربية هي هي واحدة لم تتغير ؟ أو على الأقلّ لم يثبت تغيرها بل جميع ما بلغنا منها يثبت أنّها واحدة ...
وحتى ما اكتشفوه في الحفريات الحديثة لا ينقض هذا الطرح
هذا فضلا عمّا يميز هذه اللغة عن غيرها من اللغات السامية ويفضلها عليها ...ممّا قد يرجح أنّها أمها لا أختها والله أعلم ...
 
كتاب مهم في هذا الموضوع

كتاب مهم في هذا الموضوع

من الكتب التي تناولت نقد هذا المصطلح وتخطئته كتاب بعنوان ((اللغة العربية أم اللغات ولغة البشرية)) لإسماعيل العرفي،
دار الفكر-دمشق، ط:1، 1406هـ-1985م، والكتاب مكون من (55)صفحة وهذا فهرسه:
مقدمة-توطئة-اللغة العربية أم اللغات-أفكار حول اللغة العربية-اللغة العربية لغة البشرية-خاتمة.
 
عودة
أعلى