فتىً محسودٌ يطلب المساعدة لم يكن يشكو من شيء ، بل كان نشيطا ، متفوقا في دراسته ، يتمتع بمهارات عديدة . هكذا وصف والد الفتى - الذي يعمل طبيب أسنان - ولدَه الحبيب . وكان أن نقله من مدرسته إلى مدرسة جديدة ، ومنذ يومه الأول بدأت مأساة الفتى ؛ لقد فقد القدرة على المشي - فجأة - إلاّ بمساعدة ، وأصبح ينام كثيرا ، وكأنه لا يريد أن يصحو ثانية . وتابع الوالد قائلا : لم يبق طبيب إلا وعرضت ابني عليه ، ولم يبق فحص إلا وعملته ، علّنا نكتشف ما أصابه ، ولكن دون جدوى ، لقد استعصت حالته على الأطباء جميعا . وصدف أن ذهبنا إلى العمرة ، وهناك رآه شيخ باكستاني ، فناداني وقال لي : ولدكم محسود ، فاطلب علاجه في القرآن . وبدأت رحلة أخرى مع بعض المعالجين ، فالغريق يتعلق بقشة ، فكلما ذكروا لي أحدهم ، رحلت إليه .. إلا أن حالة الفتى ما زالت تراوح مكانها . هذه هي قصة الفتى المحسود ، وقد وعدته بعرضها هنا ، فلعلّ أحد الأخوة الأفاضل يملك ما ينفع هذا الفتى البائس ، أو يرشده إلى ما يمكن أن يقوم به ، مع خالص الشكر والتقدير . نسأل الله الشفاء له ولمرضى المسلمين جميعا .
ما أجمل أن يتعلق العبد بربه إذا كان الوالد غنياً متمكناً فعليه دعم الجمعيات الخيرية أو الصدقة على من يعلم حاجته بنية الصدقة وأن تكون هذه الصدقة سبباً لشفاء ابنه وعليه أن يكثر هو والولد نفسه بالرقية الشرعية ومما ينصح به دائماًسورة الفاتحة والمعوذتان وسورة الإخلاص وآية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة وكذلك سورة الأنبياء والزلزلة علماً بإن آيات القرآن كلها مفيدة فإن استطاع أن يختم القرآن على ابنه كل اسبوع فليفعل.
ثم ليكن لديه يقين قوي بأن الله سبحانه سيرفع عن ابنه ما أصابه.
والله أسأل أن يصرف عنه ما أصابه.
الأصل في ذلك أنه إذا عُلم الحاسد فيطلب منه أن يغسل الولد ، ويجب عليه أن يفعل ذلك ولا يمتنع ، فعند مسلم والترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : " الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا " ( [1] ) . ولأبي داود عَنْ عَائِشَةَ - رَضِي اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ : كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ . ونحوه عند ابن أبي شيبة ( [2] ) . وعن سَهْلَ بْنَ حُنَيفٍ قَالَ : مَرَرْنَا بِسَيْلٍ فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا ، فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ e فَقَالَ : " مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ يَتَعَوَّذُ " قُلْتُ : يَا سَيِّدِي وَالرُّقَى صَالِحَةٌ ؟ فَقَالَ : " لَا رُقْيَةَ إِلَّا فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ " رواه أحمد وأبو داود والنسائي في ( اليوم والليلة ) والطحاوي والحاكم ( [3] ) . وفي رواية عند مالك وأحمد وابن ماجة والبغوي والبيهقي أن الذي رآه فأصابه بعينه هو عامر بن أبي ربيعة ، وأن النبي e تغيظ عليه وقال : " عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ، أَلَّا بَرَّكْتَ " وفي رواية : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ " ثُمَّ قَالَ لَهُ : " اغْتَسِلْ لَهُ " فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . وفي رواية : " إِنَّ العَيْنَ حَقٌ ، تَوَضَأْ لَهُ " ، فتوضأ له ( [4] ) . وفي رواية لعبد الرزاق في ( المصنف ) : قال : ثم أمره يغسل له ، فغسل وجهه ، وظاهر كفيه ، ومرفقيه ، وغسل صدره ، وداخلة إزاره ، وركبتيه ، وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء ، ثم أمر به فصب على رأسه ، وكفأ الإناء من خلفه - حسبته قال : - وأمره فحسى حسوات ، فقام فراح مع الركب ( [5] ) . وروى البيهقي بعد روايتيه لحديث سهل بن حنيف عن الزهري كيفية الغسل ، عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب الزهري قال : أن يؤتى الرجل العائن بقدح ( فيه الماء ) ، فيُدخل كفه فيه ، فيتمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ثم يغسل وجهه في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على كفه اليسرى ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفقه اليمنى ( الأيمن ) ثم يُدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه اليسرى ( الأيسر ) ، ثم يُدخل يده اليسرى فيصب على قدمه اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على قدمه اليسرى ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسل داخلة إزاره ، ولا يُوضَع القدح بالأرض ، ثم يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة . وروى البيهقي كيفية أخرى ( [6] ) . وإذا لم يُعرف العائن ، فيرقي المصاب نفسه ، أو يرقيه غيره بما ورد في حديث ابن مسعود t : " أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا " ، وعند الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها - قَالَتْ : كُنْتُ أَرْقِي رَسُولَ اللهِ e مِنَ الْعَيْنِ ، فَأَضَعُ يَدِي عَلَى صَدْرِهِ وَأَقُولُ : امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ ( [7] ) . أو يرقى برقية جبريل ، أو بهما معا ، ورقية جبريل هي ما روى أحمد ومسلم عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ e رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ : " بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ " ( [8] ) . وروى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي في ( اليوم والليلة ) وابن ماجة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ t أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ e فَقَالَ : " يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ ؟ " فَقَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : " بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ " ( [9] ) . ولابن أبي شيبةوالنسائي في ( اليوم والليلة ) والحاكم من حديث عبادة بن الصامت t يحدث عن رسول الله e أن جبريل عليه السلام أتاه وهو يوعك ، فقال : " بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ ، َمِنْ شَرِّ حَسَدٍ وَحَاسِدٍ ، وَكُلِّ غَمٍ ، وَاسْمِ اللهِ يَشْفِيكَ " ( [10] ) . فإن أضاف إلى ذلك سورة الإخلاص والمعوذات ونفث على المصاب ، فإنه يرجى له العافية والشفاء بها بإذن الله الكريم . ومن ذلك ما جاء في إحدى روايات قصة سهل بن حنيف ، أخرجها ابن أبي شيبة في ( المصنف ) وأحمد والنسائي في ( اليوم والليلة ) والحاكم وصححها عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : انْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يُرِيدَانِ الْغُسْلَ ، قَالَ : فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الْخَمَرَ ، قَالَ : فَوَضَعَ عَامِرٌ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِي ، فَنَزَلَ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ ، قَالَ : فَسَمِعْتُ لَهُ فِي الْمَاءِ قَرْقَعَةً ، فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُجِبْنِي ؛ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ e فَأَخْبَرْتُهُ ؛ قَالَ : فَجَاءَ يَمْشِي فَخَاضَ الْمَاءَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ ، قَالَ : فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا " قَالَ : فَقَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ " وفي رواية : فضرب صدره وقال : " اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا ، قُمْ بِإِذْنِ الله " فقام ، فقال رسول الله e : " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَليَدعُ بالبركةِ ؛ فإن العين حق " ( [11] ) . وقال ابن القيم - رحمه الله : ومن الرقى التي ترد العين ، ما ذُكر عن أبي عبد الله الساجي ، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة ، وكان في الرفقة رجل عائن ، قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه ، فقيل لأبي عبد الله : احفظ ناقتك من العائن . فقال : ليس له على ناقتي سبيل . فأخبر العائن بقوله ، فتحين غيبة أبي عبد الله ، فجاء إلى رحله ، فنظر إلى الناقة ، فاضطربت وسقطت ، فجاء أبو عبد الله ، فأخبر أن العائن قد عانها ، وهي كما ترى . فقال : دلوني عليه ، فدُل فوقف عليه وقال : بسم الله ، حَبْسٌ حابِسْ ، وحَجْرٌ يابِسٌ ، وشِهابٌ قابِسٌ ، رَددتُ عينَ العائن عليه ، وعلى أحب الناس إليه ، ] فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [( الملك : 3 ، 4 ) فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا بأس بها ( [12] ) . قلت : وهذا من الرقى المجربة ، والتي ليس بها ما هو ممنوع شرعًا ، فلا بأس بالعمل بها فقد قال النبي e : " لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ " ( [13] ) ، فدل ذلك على أن كل رقية لا شرك فيها ليست بممنوعة . والعلم عند الله تعالى ، وأسأل الله تعالى أن يرفع عن ابن أخي بلاءه إنه جواد كريم .... آمين .
[1] - مسلم ( 2188 ) ، والترمذي ( 2062 ) ، والنسائي في الكبرى ( 7620 )،وابنحبان(6107).
[2] - أبو داود ( 3880 ) بإسناد صحيح ، ومصنف ابن أبي شيبة ( 23596 ) .
[3] - أحمد : 3 / 486 ، وأبو داود ( 3888 ) ، والنسائي في اليوم والليلة ( 1042 )،والطحاويفيشرح معاني الآثار :4/329،والحاكم:4/413وصححهووافقهالذهبي.قلت:هوصحيحبطرقهوشواهده .
[6] - البيهقي في الكبرى : 14 / 370 ، 371 ( 20171 ) ، وذكره البغوي في شرح السنة : 12/165 ، ولابن القيم في زاد المعاد بحث نفيس في الحكمة من الاغتسال وصبه على المصاب بالعين ، فلينظر : 3 / 119 ، 120 ( المكتبة العلمية ) ، 4 / 171 ، 172 ( مؤسسة الرسالة ) .