أبو فهر السلفي
New member
- إنضم
- 26/12/2005
- المشاركات
- 770
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل وصحبه ومن والاه وبعد..
فهذا الباب الذي أريد تجلية الكلام فيه باب عسر دقيق جداً لا أحب لمن يقرأه الآن أن يهجم عليه هجوماً عجلاً يضله عن محل البحث فيه..
يطرح بعض المفكرين كعبد الوهاب المسيري قضية الظواهر الثقافية بالمعنى الواسع الذي يشمل العادات والتقاليد والفن و الأدب والأعراف وصولاً إلى طرق التسوق وأنواع المطاعم ومدى تأثر هذه المظاهر بالثقافة الغربية وعلاقتها بالمفاهيم المادية العلمانية التي تكون في أحيان كثيرة كامنة تحتها.
يتكلم المسيري عن الوجبات السريعة والمضامين المادية الكامنة تحت هذا اللون الثقافي ويتكلم عن الغلو في المظاهر المادية ومدى تناقض هذا الغلو مع الحرب التي قد يقيمها الواقع في هذا الغلو على العلمانية والثقافة الغربية بحيث يدل هذا التناقض على عدم استيعابه الكامل للمظاهر الثقافية التي تتبدى بها مادية الغرب وعلمانيته.
ليس هاهنا مجال تفصيل كلامه فيها، وأكتفي فقط بالإشارة حرص المسيري على بيان أنه ليس فقيهاً يقصد بالتنبيه على هذه المظاهر وخطورة الولوغ فيها تحريمها على الناس، وإنما هو فقط يلفت النظر إلى تعلقها الوثيق بالعلمانية المادية كفلسفة ورؤية كونية.
يتكلم المسيري عن الوجبات السريعة والمضامين المادية الكامنة تحت هذا اللون الثقافي ويتكلم عن الغلو في المظاهر المادية ومدى تناقض هذا الغلو مع الحرب التي قد يقيمها الواقع في هذا الغلو على العلمانية والثقافة الغربية بحيث يدل هذا التناقض على عدم استيعابه الكامل للمظاهر الثقافية التي تتبدى بها مادية الغرب وعلمانيته.
ليس هاهنا مجال تفصيل كلامه فيها، وأكتفي فقط بالإشارة حرص المسيري على بيان أنه ليس فقيهاً يقصد بالتنبيه على هذه المظاهر وخطورة الولوغ فيها تحريمها على الناس، وإنما هو فقط يلفت النظر إلى تعلقها الوثيق بالعلمانية المادية كفلسفة ورؤية كونية.
كان في نفسي دائماً أن هذا الكلام مع الكلام في قضية الهويات الثقافية له صلة بالغة بقضية التشبه بالكفار والأعراب التي في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولازلت من يومها أطلب هذه الصلة وأعمق التفكير فيها ولكني للآن لم أصل فيها إلى رأي علمي متكامل البناء.
غرضي الآن من هذا كله قضية أخرى:
وهي : ما هو الطريق لتدعيم قضية الهوية الثقافية هذه ؟
وما هو الطريق كي لا يفر الإنسان من المادية العلمانية كفلسفة ويقع فيها كثقافة ونمط حياة؟
وما هو الطريق لهذين دون تحريم الحلال والتورط في التأصيل لهذا التحريم بفقه ناقص لأبواب التشبه؟
وكيف يمكن خطاب العامة بهذه الأبواب وكثير منهم مقصر في أبواب هي أظهر في الحرمة وأدخل في الدين الأول، خاصة وكلامك فيها لن ينفك عن درجة معينة من التأصيل الفكري كثير منهم بعيد عن استيعابها؟
وما هو الطريق كي لا يفر الإنسان من المادية العلمانية كفلسفة ويقع فيها كثقافة ونمط حياة؟
وما هو الطريق لهذين دون تحريم الحلال والتورط في التأصيل لهذا التحريم بفقه ناقص لأبواب التشبه؟
وكيف يمكن خطاب العامة بهذه الأبواب وكثير منهم مقصر في أبواب هي أظهر في الحرمة وأدخل في الدين الأول، خاصة وكلامك فيها لن ينفك عن درجة معينة من التأصيل الفكري كثير منهم بعيد عن استيعابها؟
بل كيف يمكنك خطاب الخاصة بهذا وبعضهم لا يتصور الكلام في الفعل والترك إلا إذا كان تحليلاً وتحريماً؟
وكيف تخاطب الخاصة بهذا وبعضهم الآخر ارتد عن أنماط ثقافية لبعض المتدينين فوقع في ارتداده هذا فيما هو أسوأ فهو لا يريد أن يشابه أولئك الذين يرتدون الجلباب القصير ويتكلمون تقعراً ويقولون : (الله المستعان)، ولا بأس عليه فيما يرى أن يربط نفسه بكافيه كوستا وأن يقول لصاحبه: انت حد جميل وأن يتكلم عن (الزل) الذي تشربه أولئك من مشايخهم بينما هو يكتب الذل بالزاي.
وكيف تخاطب الخاصة بهذا وبعضهم الآخر ارتد عن أنماط ثقافية لبعض المتدينين فوقع في ارتداده هذا فيما هو أسوأ فهو لا يريد أن يشابه أولئك الذين يرتدون الجلباب القصير ويتكلمون تقعراً ويقولون : (الله المستعان)، ولا بأس عليه فيما يرى أن يربط نفسه بكافيه كوستا وأن يقول لصاحبه: انت حد جميل وأن يتكلم عن (الزل) الذي تشربه أولئك من مشايخهم بينما هو يكتب الذل بالزاي.
كيف تقول للناس: لا تتورطوا في الأنماط الاستهلاكية للبج ماركت (بنده- هايبر- كارفور) وأخواتها الصغار( مترو- خير زمان) حين تكون السلعة المعروضة على الأرفف هي أنت وليس العكس ؟
كيف تقول للخاصة : هناك شيء ما ليس منطقياً ولا متناسقاً أن تقول ما تقول وتدعو إلى ما تدعو ثم تأكل من كنتاكي أو تظن نفسك قد عوفيت حين تتعايش مع نفس النمط ولكن من مؤمن أو هرفي ؟
كيف تطرح هذا ولا يقولبه الناس في الإطار الضيق لأفكار المقاطعة؟
كيف تتكلم في هذا ولا يتلقفه منك منبت متشدد فيجعله حجة لأنواع من التضييق والعزلة المجتمعية وألوان من المفاصلة في الهدي الظاهر والهوس الهوياتي ليست هي مقصدك وليست هي قبل ذلك مقصداً شرعياً كلياً؟
كيف تقول للخاصة : هناك شيء ما ليس منطقياً ولا متناسقاً أن تقول ما تقول وتدعو إلى ما تدعو ثم تأكل من كنتاكي أو تظن نفسك قد عوفيت حين تتعايش مع نفس النمط ولكن من مؤمن أو هرفي ؟
كيف تطرح هذا ولا يقولبه الناس في الإطار الضيق لأفكار المقاطعة؟
كيف تتكلم في هذا ولا يتلقفه منك منبت متشدد فيجعله حجة لأنواع من التضييق والعزلة المجتمعية وألوان من المفاصلة في الهدي الظاهر والهوس الهوياتي ليست هي مقصدك وليست هي قبل ذلك مقصداً شرعياً كلياً؟
كيف تطرح ذلك ولا يؤدي للتورط في صرف الناس عن أبواب هي وإن كانت من الباطل إلا أنها ليست محرمة وقد يؤدي نقل الناس عنها لوقوعهم في الباطل المحرم ؟
الطريق عسر والفصل الميكانيكي الأرسطي بين حدود الأشياء متعذر جداً في هذه الأبواب.
والطريق الذي أختاره في هذا وهو ينفع فيه وفي أبواب أخرى كثيرة:
الطريق عسر والفصل الميكانيكي الأرسطي بين حدود الأشياء متعذر جداً في هذه الأبواب.
والطريق الذي أختاره في هذا وهو ينفع فيه وفي أبواب أخرى كثيرة:
هو خطاب الناس بأن يكون الواحد منهم نسيج وحده فيه من المفارقة شعب ومن المشابهة شعب، وأن يكون في اختياره بين هذا وذاك دائراً على نوع من التفقه وليس خبط عشواء هكذا.
وهذا اللون من الخطاب فيه دقة لا تصلح بهذه الصورة للعامة ولا لكثير من الخاصة لذلك فالخطاب الأعم منه والذي يمكن أن يكون سلماً إليه:
هو الخطاب الكلي بطلب المشابهة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدر الطاقة من غير نقل لصور هذه المشابهة عن درجتها فلا تجعل المشابهة المستحبة واجبة ولا المباحة مستحبة بل يكون طلب المشابهة عاماً من غير تشديد ومن غير إيغال في الوقت نفسه في التقاسيم الأصولية.
وهذا اللون من الخطاب فيه دقة لا تصلح بهذه الصورة للعامة ولا لكثير من الخاصة لذلك فالخطاب الأعم منه والذي يمكن أن يكون سلماً إليه:
هو الخطاب الكلي بطلب المشابهة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدر الطاقة من غير نقل لصور هذه المشابهة عن درجتها فلا تجعل المشابهة المستحبة واجبة ولا المباحة مستحبة بل يكون طلب المشابهة عاماً من غير تشديد ومن غير إيغال في الوقت نفسه في التقاسيم الأصولية.
وهذه المشابهة لا ينبغي أن تكون قاصرة على ألوان من الظاهر والسلوك كما هو بعض الخطاب القاصر بل المراد ما هو أعم من ذلك وأشمل وأعمق وهي الوصول بالناس حتى نضع أيديهم على روح هذا الجيل الأول وسمو مقاصده وأهدافه .
ليست القضية عند الصدر الأول أن المعازف حرام بل الأمر أعمق من هذا كثيراً ، ويدلك على عمقه أن أبواباً أخرى ليست حراماً وهم يتجافون عنها أو يقلون منها جداً كالشعر والنثر الإبداعي والغناء والقصص والعمارة وألوان من الفنون أخرى على درجات تفرق بين ذلك كثيرة.
كثير من ذلك ليس محرماً ورغم ذلك كان اتصال السلف به قليلاً جداً.
لقد أتى الإسلام وللحضارات حوله ثقافات وفنون وصناعات وألوان من الأدب والعمارة كثيرة، ولكنه لم يدخل فيها ولم يقدم نموذجه الذي ينافسهم فيهم على مساحات هذه الأشياء، ولم يحرم أكثرها كذلك ولكنه أيضاً لم يحث عليها إلا في مواضع قليلة ولأغراض تُخرجها عن كونها من الباطل إلى أن تكون من النافع، وهي لا تخرج عن هذا إلى هذا إلا إن كانت محدودة القدر كماً لا إيغال فيها.
ذلك أن هذه الأشياء كلها إنما سلكها الناس لتغذية أودية جرداء في نفوسهم، وتلك الأودية نفسها أتى الوحي بما يغذيها أعظم التغذية ، فكان في الوحي من المقاصد والكمالات ووسائلها من أغذية النفوس ما لو طلبه الناس وشغلوا به نفوسهم = لم يحوجهم إلى غذاء غيره.
جماع الطريق فيما نطلب هو أعم من التحريم والتحليل، لب المقصد في إرشاد الناس إلى سمو المقاصد والمطالب وشعب الإيمان التي إذا طلبها المرء = شغلته وأحالت دنياه إلى روضة من رياض الجنة هي نفسها التي تجعل الإنسان لو أصابها يعرض عن كثير من المظاهر المادية في الثقافة المعاصرة من غير أن تخاطبه أنت خطاباً مباشراً بتركها.
وإذا طلب الإنسان استكمال شعب الإيمان، وتشبه في ذلك بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وجعل بعضهم إماماً له فيما يقارب مواهبه وما يميل قلبه إليه في العلم والعبادة والخُلُق والجهاد = أبصر في طريقه المنارات التي تقوده ليكون نسيج وحده له سمته المستقل الذي يقارب فيه مجتمعه بما لا يعزله عنه ويباعد فيه مجتمعه بما لا يذيبه فيه وفي ثقافاته التي فيها من المحرمات ومن غير المحرمات ما لا يليق بطلاب الكمالات.
ومن طلب هدي السلف والتشبه به وأصاب قضية السمت المتفرد، وصار من مطالب نفسه أن يكون نسيج وحده ولم يخلط ذلك بالعنت والتوسع في إدخال هذا في أبواب الحلال والحرام = فقد أصاب حقيقة ما ندعو إليه فيخالط الناس ولا يذوب فيهم ولا يقع في الفصام النكد بين منظومته الفكرية وممارساته المجتمعية ومسالكه الثقافية، فيه من دينه ومن هدي أئمته ومن مجتمعه ثم من نفسه ما يجعله هو هو.
كثير من ذلك ليس محرماً ورغم ذلك كان اتصال السلف به قليلاً جداً.
لقد أتى الإسلام وللحضارات حوله ثقافات وفنون وصناعات وألوان من الأدب والعمارة كثيرة، ولكنه لم يدخل فيها ولم يقدم نموذجه الذي ينافسهم فيهم على مساحات هذه الأشياء، ولم يحرم أكثرها كذلك ولكنه أيضاً لم يحث عليها إلا في مواضع قليلة ولأغراض تُخرجها عن كونها من الباطل إلى أن تكون من النافع، وهي لا تخرج عن هذا إلى هذا إلا إن كانت محدودة القدر كماً لا إيغال فيها.
ذلك أن هذه الأشياء كلها إنما سلكها الناس لتغذية أودية جرداء في نفوسهم، وتلك الأودية نفسها أتى الوحي بما يغذيها أعظم التغذية ، فكان في الوحي من المقاصد والكمالات ووسائلها من أغذية النفوس ما لو طلبه الناس وشغلوا به نفوسهم = لم يحوجهم إلى غذاء غيره.
جماع الطريق فيما نطلب هو أعم من التحريم والتحليل، لب المقصد في إرشاد الناس إلى سمو المقاصد والمطالب وشعب الإيمان التي إذا طلبها المرء = شغلته وأحالت دنياه إلى روضة من رياض الجنة هي نفسها التي تجعل الإنسان لو أصابها يعرض عن كثير من المظاهر المادية في الثقافة المعاصرة من غير أن تخاطبه أنت خطاباً مباشراً بتركها.
وإذا طلب الإنسان استكمال شعب الإيمان، وتشبه في ذلك بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وجعل بعضهم إماماً له فيما يقارب مواهبه وما يميل قلبه إليه في العلم والعبادة والخُلُق والجهاد = أبصر في طريقه المنارات التي تقوده ليكون نسيج وحده له سمته المستقل الذي يقارب فيه مجتمعه بما لا يعزله عنه ويباعد فيه مجتمعه بما لا يذيبه فيه وفي ثقافاته التي فيها من المحرمات ومن غير المحرمات ما لا يليق بطلاب الكمالات.
ومن طلب هدي السلف والتشبه به وأصاب قضية السمت المتفرد، وصار من مطالب نفسه أن يكون نسيج وحده ولم يخلط ذلك بالعنت والتوسع في إدخال هذا في أبواب الحلال والحرام = فقد أصاب حقيقة ما ندعو إليه فيخالط الناس ولا يذوب فيهم ولا يقع في الفصام النكد بين منظومته الفكرية وممارساته المجتمعية ومسالكه الثقافية، فيه من دينه ومن هدي أئمته ومن مجتمعه ثم من نفسه ما يجعله هو هو.
والحمد لله رب العالمين