عيسى السعدي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الآية الكريمة فائدة منهجية ، وقاعدة كلية في الصفات الإلهية ؛ فلا يسأل عن صفات الله تعالى إلا من كان خبيرا بها ؛ وهو الله تعالى إن كان السائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان السائل أصحابه رضي الله عنهم ؛ فالقرآن والسنة هما المرجع في هذا الباب العظيم !! ولهذا الأصل ارتباط خاص بصفة الاستواء ؛ كما يدل لذلك سياق الآية { ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا }؛ فقد ذكرت هذه الصفة في سبعة مواضع كلها بلفظ الاستواء ؛ ولم يرد في موضع واحد من القرآن أو السنة تفسيرها بالاستيلاء حتى يحمل عليه غيره ؛ فدل على أنها على مقتضى الوضع العربي الذي تعرفه العرب من كلامها ؛ وهو العلو والارتفاع ؛ كما ذكر ذلك أئمة السلف واللغة ؛ كأبي العالية ومجاهد والخليل والفراء وغيرهم بل إن ابن الأعرابي رحمه الله قال : ( أرادني ابن أبي دؤاد أن أجد له في بعض لغات العرب تفسير الاستواء بمعنى استولى ! فقلت له : والله لايكون هذا ولا وجدته ) ؛ فأنكر وجوده لغة وأنكر قبوله عقلا ؛ لأن العرب لاتقول استولى على الشيء حتى يكون له مضاد فأيهما غلب فقد استولى !!!وأيضا فلو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء لما كان خاصا بالعرش ولكان عاما في كل شيء لأن الله مستول على كل شيء !
وقد ذكر الأشعري رحمه الله في المقالات أن أول من فسر الاستواء بالاستيلاء الجهمية والمعتزلة ! وهولاء ليسوا من أهل الخبرة بصفات الله واستوائه على عرشه ؛ فلا يجوز سؤالهم عنها بفحوى الآية ؛ والغريب أن هذا التأويل بمرور الزمن تسرب إلى كثير من تفاسير الأشاعرة وعقائدهم مع أن أئمتهم المتقدمين كانوا لايقبلون هذا التأويل ألبتة ؛ قال ابن تيمية رحمه الله : ( الأشعري وأئمة أصحابه ؛ كأبي الحسن الطبري وأبي عبد الله الباهلي والقاضي أبو بكر متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن ؛ كالاستواء والوجه واليد وإبطال تأويلها ) درء التعارض 2/17 .
فصفات الله جل جلاله إنما يسأل عنها الخبير بعلو الرحمن سبحانه وتعالى واستوائه ونزوله ومعيته وكلامه ورؤيته ومجيئه وغير ذلك من صفات كماله ، وقد بينها الخبير سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز العدول عن كلام الخبير إلى غيره من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة وغيرهم ولو وجدناه في كثير من كتب التفسير ؛ فالعالم الذي له لسان صدق يعتذر لخطئه ولايتابع عليه .