فائدة مهمة

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين إنما قبلوه ؛ لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ القرآن ومعانيه جميعًا ، كما ثبت ذلك عنهم ، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم ؛ فإن الرجل لو صنف كتاب علم في طب أو حساب أو غير ذلك وحفَّظه تلامذته ، لكان يعلم بالاضطرار أن هممهم تشوَّق إلى فهم كلامه ، ومعرفة مراده ، وإن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب ؛ فكيف بكتاب الله ؟ الذي أمر ببيانه لهم ، وهو عصمتهم وهداهم ، وبه فرق الله بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والرشاد والغي ؟ وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه ، والعمل بما فيه ، وهم يتلقونه شيئًا بعد شيء ، كما قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } الآية ، وقال تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً }.
وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه ، وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم ، ولا ما يقرؤونه ، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول ، ولا يسألونه عن ذلك ، ولا يبتدئ هو بيانَه لهم ؟ هذا مما يعلم بطلانه أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله .... ( بغية المرتاد : 2 / 164 ، 165 ) .
 
هذا الكلام يتناقض مع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الموضوع .
فإذا نظرنا إلى فصل التبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب السنة نجد أحاديث تناقض قول إبن تيمية هذا ، ومن هذه الأحاديث :
جاء في صحيح البخاري (1741) من حديث ابي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في الناس وفي نهاية خطبته قال : فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ
لذالك تقديس السلف والقول بأن الخلف لا يمكن أن يكون أوعى من السلف فهذا غير صحيح .
 
والقول أن الخلف لا يمكن أن يكون أفهم من السلف كلام خال من الصحة والدليل من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في سورة الأنبياء ( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) )
فسيدنا سليمان عليه السلام كان أفهم من سلفه داود عليه السلام وهذا يبطل أي قول يدعي أن الخلف لا يمكن أن يكون أفهم من السلف .
ومن أحاديث أن السامع من النبي قد يكون أقل فهماً من مبلغ لم يسمع من النبي مباشرة :
حديث البخاري الذي سبق ذكره وأيضاً حديث التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا أَبُو دَاوُد، أَنبأَنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود يحدث عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: « نضر الله امْرأ سمع منا شَيْئا فَبَلغهُ كَمَا سمع، فَرب مبلغ أوعى من سامع » قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وحديث آخر للترميذي : حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، حَدثنَا أَبُو دَاوُد، ثَنَا شُعْبَة، أَخْبرنِي عمر بن سُلَيْمَان- من ولد عمر بن الْخطاب- قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن أبان بْن عُثْمَان يحدث عَن أَبِيه قَالَ: «خرج زيد بن ثَابت من عِنْد مَرْوَان قَرِيبا من نصف النَّهَار قُلْنَا: مَا بعث إِلَيْهِ فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا لشَيْء سَأَلَهُ عَنهُ، فقمنا فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: نعم سَأَلنَا عَن أَشْيَاء سمعناها من رَسُول الله، سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: نضر الله امْرأ سمع منا حَدِيثا فحفظه حَتَّى يبلغهُ غَيره، فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ، وَرب حَامِل فقه لَيْسَ بفقيه ».
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث زيد بن ثَابت حَدِيث حسن.
 
رعيل السلف الصالح بقرونه الثلاثة الأولى خيرٌ من الخلف تقوى وعلما وعملًا، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (صحيح البخاري 6695).

والتقوى والعلم متلازمان، قال الله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (البقرة 282).

ومن عايشوا الوحي وأنزل بين ظهرانيهم أولى بالفهم ممن بعدهم، ومن ذكر الله في القرآن فامتدحه له مزيّة وفضل على من لم يذكر، وتصنيف المسلمين حسب درجاتهم في أمّة الإسلام تأتّى بالاعتماد على القرآن أوّلا، وتكاد الأمة تجمع على أن الفضل لمن سبقوا فأسلموا بمكة ثم مهاجرة الحبشة ثم أصحاب البيعتين، ثم المهاجرين إلى المدينة والأنصار وأهل بدر فأصحاب بيعة الرضوان فمسلمة الفتح ثم من بعدهم، إلى تفاوتاتٍ بينيّةٍ في العلم والعبادة والجهاد والصدقة.
قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 100)

وفي الجملة؛ فالسبق في العلم لهؤلاء لا للخلوف، ومن كان لسان العربيّة القحُّ نصيف مهجته ليس في فهمه لكلام الله كمن يقرأ المطولات من كتب النحو والبلاغة ويحفظ ما يحفظ ثم يكلم الناس فيلحن عارفًا وغير عارف.

ووجود القليل الذين يؤتيهم الله علومًا وفهومًا ودرجات القربى العليا من الله تضاهي الأولين غير ممتنعٍ؛ بل أثبته الله فقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (الواقعة 10-14). وهؤلاء الآخرون السابقونَ فيهم السابقون في العلم؛ وهؤلاء جمعوا في العلم ما فضلهم الله به من ملكات علوم الآلات وطهارة قلوبٍ تدرك صحيح ما أراد الله من المآلات؛ فكانوا كأنهم صحابة آخر الدّهر من غير صُحبة.

ومن منّته وفضله سبحانه عليهم أن فُضّلوا عن الأولين بصروح التكنولوجيّات الحديثة التي تقصّر عناء البحث، وتختزل جهود الترحال، وتضع بين يدي الدارسين عصارة علوم الأولين والآخرين لمن أراد فاجتهد قليلا فكيف بمن اجتهد كثيرا. والمعاينةُ ليست كالخبر، ومن عايش الوحي لحظة بلحظةٍ ذو فضل أوفر، وإنما ذكرت ما ذكرتُ قاصدًا ما يُفْصل فيه بحصر متفرق العلم على كثرته، وذلك ما أرّق التابعين وتابعيهم؛ أو يلجأ من كلام الله لفهمه لنتاجِ النظر والتبصّر والتجربةِ ومعرفة خبايا ملكوت الله وآفاق خلقه الرحبة، وليس من أحدٍ أو قرنٍ يزعم الإحاطة بكلام الله.

والذي يعابُ أن يأتيَ أحدٌ بقول بعض السلف في مسألة خلافية في التفسير أو غيره؛ فيقول أنه الحق الذي ليس من ورائه حقّ، وأن قول مخالفه هو قول الخلف المردود بحجة سبق السلف الخلفَ في العلم، وفي مقالته ملاحظ:

- الأوّل أنهُ إن حاجّ صاحب هوى وبدعة غير مستند إلى علم ففي كلامه اعتدادٌ بقول البعض لا الكلّ، وبالمظنون لا المتيقّن إلا أن تكون المسألة بيّنة واضحة مقطوعا فيها. وأولى ردُّ العلم إلى الله والتواضعُ والصبرُ والمدارسة الدائمةُ طلبا للحقّ في مسائل العلم.
وأولى تلك المسائل كثيرٌ من آراء التفسير لأن القرآن حمّال وجوه.

- الثاني أنهُ إن حاجّ صاحب سُنّة وعلمٍ ففي كلامه إهمالٌ لما غاب عنه من الأقوال، إلا أن تكون المسألة بيّنة واضحة مقطوعا فيها.
والخلاف الواقع ليس في إهمال قول السلف من المخالف وإنما في اختلاف الفهم للقول الواحد بين المتنازعَين، أو لاختلاف القائلَين من السلف معتمدِ المتأخّرَين من الخلَف.

وكم من المسائل التي حيطت بهالة من الشعبويّة ردحًا من الزمن؛ وجُعل القول فيها أنّه السنّة والحقّ وقيل عن كل ما سواه بدعةٌ وضلال وباطل تبيّنَ لاحقًا بجهود أهل العلم والبحث والنظر أنّها لا تعدو أن تكون خلافيةً، وأنّ كلّ رأي فيها له ما له من محكم الآيات وصحيح الأحاديث وكلام العرب وصحيح العقل دليلا.

والله أعلم.
 
بارك الله فيك أخي محمد يزيد فقد بينت وأوضحت مختلف جوانب القضية ، وبالنسبة إلى مداخلتي فقد تعمدت الإيجاز للتركيز على الإشكال الواقع من تقديس السلف وإعتبارهم بمنزلة الأنبياء وتقديس كلامهم ووضعه بمنزلة الوحي وكأنهم لا يعلمون بقول إبن عباس ومجاهد رضـي الله عنهم .
" ليس أحد إلا يؤخذ من قوله، ويدع، غير النبي - صلى الله عليه وسلمصلـى الله عليـه وسلـم - ".
 
وفيك بارك الله أخي أحمد.

الصحابة واسطة عِقد المؤمنين من بني آدم، نعظمهم ونجلهم غاية التعظيم بتعظيم الله وإجلاله لهم.
فهؤلاء لم يرفع أقدارهم أن فلانا أو علانا رضي عنهم، بل الله رب العالمين رضي عنهم وأرضاهم؛ لسابقتهم في الإسلام وعلو كعبهم في الإيمان علما وعملا:
"وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى" (الليل 19).
"لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" (الفتح 18).
"فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ" (التوبة 40).
"لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر 9).
"لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (الحديد 10).

وهؤلاء غير معصومين، وخطأهم مغتفر، تاب عنهم وعفا عنهم رب الأرباب، وليس زيدٌ أو عمرو:
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (التوبة 118).
وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 152).
وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (آل عمران 155).

وأما الإطراء بغير وجه حق فقبيح مع من هو خير منهم، خير الخلق محمد وأخيه عيسى بن مريم علـــيهما الســلامعليهما السلام، "لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". (البخاري 3445).

الحذر من أن نغفل عن أقدارهم بجناية من غلا فيهم بجهل وحسن نيّة؛ أو تسترًا عن حجته الضعيفة فألبس استدلاله بلبوس العصمة، وشعار السلف هم أنفسهم كما أشرت: "إذا خالف قولي قول الرسول صـــلى الله عــليه وسلم فخذوا بقول رسول الله صــــلى الله عــليه وسلم واضربوا بقولي عرض الحائط".
 
عودة
أعلى