فائدة منهجية من العلامة ابن عاشور ـ في غير مظنتها ـ لها صلة بما يسمى(الإعجاز العلمي)

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
في (5/343) من تفسير العلامة الطاهر ابن عاشور ـ رحمه الله تعالى ـ لقوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)} إشارةٌ إلى نكتة علمية مهمة، وهي ـ في الحقيقة ـ منهج لكل من يحاول أن يتكلف في تنزيل القرآن الكريم على بعض الأمور العلمية التجريبية، كعلم الفلك، والفيزياء ، والإدارة ... الخ .

قال رحمه الله :
( وجملة : { إنه يريكم هو وقبيله } واقعة موقع التّعليل للنّهي عن الافتتان بفتنة الشّيطان ، والتّحذير من كيده ، لأنّ شأن الحَذِرِ أن يَرصد الشّيء المخوف بنظره ليحترس منه إذا رأى بَوادره ، فأخبر الله النّاس بأنّ الشّياطين تَرى البشر ، وأنّ البشر لا يرونها ، إظهاراً للتّفاوت بين جانب كيدهم وجانب حذر النّاس منهم ، فإنّ جانب كيدهم قويّ متمكّن وجانب حذر النّاس منهم ضعيف ، لأنّهم يأتون المكيد من حيث لا يدري .
فليس المقصود من قوله : { إنه يركم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } تعليم حقيقة من حقائق الأجسام الخفيّة عن الحواس وهي المسمّاة بالمجرّدات في اصطلاح الحكماء ويسمّيها علماؤنا الأرواح السفليّة إذ ليس من أغراض القرآن التّصدّي لتعليم مثل هذا إلاّ ما له أثر في التّزكية النّفسية والموعظة ) انتهى.

والجملة الأخيرة قاعدة محكمة في هذا الباب الذي توسع فيه كثيرون، كما نبه إليه غير واحد من الفضلاء الذين تكلموا في هذا الموضوع، ومنهم أخونا د.مساعد الطيار في إجابته على أسئلة ملتقى أهل الحديث.

ومما حداني إلى التذكير بهذا، أنني أقف بين الفينة والأخرى على استنباطات من الآيات لتنزل على بعض المسائل في العلوم الدنيوية، لا أشك أنها غلط، ولا أتردد في ذلك لحظةً واحدة.

ومع يقيننا بحسن قصد هؤلاء المحبين للقرآن، إلا أنه يقال لهم كما قال العلامة ابن عاشور: (إذ ليس من أغراض القرآن التّصدّي لتعليم مثل هذا إلاّ ما له أثر في التّزكية النّفسية والموعظة).
وبهذا يعلم أن ما يرد في القرآن الكريم من آيات يمكن الاستنئناس بها في هذه الأمور، فإن الغرض الأصلي منها : إما الموعظة أو الأحكام الشرعية ،وما سوى ذلك تابعٌ لا أصل.

لقد أرسل لي بعض الأفاضل الذين لهم عناية بعلم الإدارة ،ومن المهتمين بتدبر القرآن الكريم، أرسل لي جملةً من الرسائل في هذا الباب، وغالبها لا يخلو من تكلف، وبعد عن مقاصد التنزيل ،والله المستعان.
 
(فليس المقصود من قوله : " إنه يركم هو وقبيله من حيث لا ترونهم "، تعليم حقيقة من حقائق الأجسام الخفيّة عن الحواس وهي المسمّاة بالمجرّدات في اصطلاح الحكماء ويسمّيها علماؤنا الأرواح السفليّة إذ ليس من أغراض القرآن التّصدّي لتعليم مثل هذا إلاّ ما له أثر في التّزكية النّفسية والموعظة ) .
رحم الله ابن عاشور وأكرم مثواه.
ولنا على هذا الكلام ملاحظات:
الأولى: هذا خبر، وهو خبر صادق، نفهم منه أن شياطين الجن ترانا من حيث لا نراها.
الثانية: من أين له رحمه الله أن ليس من أغراض القرآن تعليم مثل هذه الحقائق؟!!! في حين أن الحق أننا نلاحظ في آيات كثيرة أنه سبحانه يعلمنا الحقائق الكونية !!!
ثالثاً: لو كان الكلام يتعلق بالأولويات وبالأصول والفروع لكان مقبولاً. أما المصادرة فغير مقبولة إطلاقاً.
رابعاً: التكلف لا يخفى على أهل العلم، ووجود من يتكلف ويُحمِّل النصوص ما لا تحتمل لا يسوغ لنا إغلاق باب الفهم والاجتهاد كما فعل بعض الفقهاء عندما أغلقوا باب الاجتهاد الفقهي في القرن الرابع الهجري تحت ذرائع مختلفة.
 
عودة
أعلى