هذا الموضوع من الفوائد العلمية الجليلة
هذا الموضوع من الفوائد العلمية الجليلة
نحن هنا في (ملتقى أهل التفسير) لا أهل الحديث فلا يسوغ ولا يجوز قسر الناس على تبني آراء أهل الحديث في معاني بعض الآيات بل لكل الحق في الوجود ، وهكذا كان المفسرون متنوعي مشارب الفهوم ، وفي هذه المسألة مثلما الحال في كثير من المسائل حصل خلط وخوض فيما لا علم للخائضين به على مدار التاريخ وإذا كان الأنبياء كما حصل من نبي الله نوحصل1 لم يكونوا في مأمن من أن يخاطبهم الله تعالى بقوله (((فلا تسألن ما ليس لك به علم ))) فـ(((ـقال رب إني اعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم)))، فلا شك أن غيرهم من المؤمنين من باب أولى ليسوا بمأمن أن يخوضوا فيما لا علم لهم به.ونحن نعوذ بالله تعالى كما عاذ به أنبياؤه المصطفون الأخيار أن نخوض فيما ليس لنا به علم من مسائل صفاته وحقائق دينه، محتسبين اتباعهم في العوذ به تعالى مما عاذوا به منه. ولكن فهوم الناس لمسائل الدين قد حصل فيها (تخندق حول الكتلة) لدى علماء الحديث ولدى من سمّوا بالمعتزلة، وما زلنا نجترّ خلافاتهم ونتخندق حول شعارات كلية شمولية كمصطلح "السنة " و"السلف" "العقيدة الصحيحة" و"الفرقة الناجية"وغيرها.
ما ننفي أن يكون لرأي الزمخشري رحمه الله وهو عندي سليم العقيدة
[لأني لا أعد استصحاب حال قرارات متاخري الحنابلة وفهمهم لما عزوه إلى مذهب السلف من العقيدة أصلا. فقد انجرّ كثير من هذا القوم إلى الانزلاق إلى ما أسميه "البدعة المقابلة".فلا شك ان من الصواب في معاني الآيات التي تتحدث عن صفات الباري تعالى أن تمرّ على ظاهرها وأن يتبع فيها الذوق الفطري الذي كان عليه الصحابة وما يكون عليه المسلمون قبل التفلسف والتعبير عن فهومهم التي يخونهم فيها التعبير مثلما حصل في غير مسألة.]
ما ننفي أن يكون لما ذهب إليه الزمخشري في معنى الآية متعلقا بمذهب من تلمذ عليهم واعتزى إليهم من المعتزلة في إنكار الرؤية وهو ما سبق لي أن نقلته في هذا المنتدى من أن مسألة الرؤية قد حلها فيما بعد ابن حزم وأعني بـ(ـفيما بعد) أن المسألة قد استوى طبخها واحترقت منذ القرن الثالث وأن متأخري "أهل السنة" و"المعتزلة" إن هم إلا مجترون وآكلون من تلك الطبخة.
لكني أؤيد الأستاذ عمر في استحسانه والأخ جمال في دفاعه بحق عن أبي القاسم، فلا يجب أن نتناول المسالة كما يفعل تلاميذ متاخري الحنابلة ممن ما يزالون يسمون أنفسهم بالسلفية بل يجب وجوبا علميا وأخلاقيا أن نحفظ للمسلمين الظن الحسن بهم وأن نشكر لهم اجتهادهم.
ولكيلا يكون الكلام إنشائيا أو مطنبا غير ذي فائدة سأقوم بذكر المسائل العقدية التي يكثر في مثلها النقاش والتي لا أؤيد فيها الإخوة السلفية لأن تعبيرهم عن تلكم الأفكار هو فهمهم هم لما يظنون أن السلف كانوا عليه، ومعلوم من العقل التحليلي بالضرورة أن فهمي وفهمك لمسألة لا يكون مطابقا بالضرورة لفهم السلف لها .
وإذا كان السلفيون يظنون أن تمجيدهم وإشادتهم بالسلف يعطيهم شرعية تمثيل السلف قلنا فما يقوم به الفرس إذن من لطم ونواح وتطبير وتزمير على الحسين وآل محمد رضي الله عنهم يجعلهم أولى الناس بآل محمد رضي الله عنهم وهذا لا يقول به عاقل. فنحن وإن كنا لا نزعم أن السلفية أبعد الناس عن السلف بنفس القدر الذي يكون فيه الفرس ومن على مذهبهم أبعد الناس عن آل محمد لكنا نجزم بأن القرارات التي يتبناها "السلفيون" عازين لها إلى السلف قابلة للنقاش والمخالفة ولا يكابر في ذلك رجل هو من العلم في شيء.
ولكيلا يتحول الكلام إلى مماحكة وجدلا فارغا أقوم فألقي الضوء على هذه المسائل التي نقمها السلفيون على الزمخشري ومعه كثير من المعتزلة لأني لا أعد المعتزلة كلا واحدا كما لا أعد السلفية كلا واحدا فشيخ الإسلام ابن تيمية عالم جليل يُحترم اجتهاده وقراراته على حين يكشف المادحون له الزاعمون أنهم متبنون لأفكاره كل يوم عن فهوم لم يقل بها أحد لله فيه حاجة مثلما يفعل الجاهلون بسؤال المسلم (أين الله) ظنا منهم أنهم يطبقون سنة رسول الله صل1 إذ سأل جارية لا يدري أمسلمة هي أم كافرة أين الله؟
ولو كان فهمهم محترما لرجعوا إلى أنفسهم فقالوا لو كان هذا الفهم صوابا لورد أن أحد الصحابة سألوا مسلما واحدا أين الله وهيهات.فلا يسأل مسلما أين الله إلا جاهل ليس لله فيه حاجة.فكل مسلم يقرأ كل يوم (((أأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الأرض)))
وقبل الخوض في هذا الموضوع الذي يبدو حساسا لدى كثير من الناس ولا سيما الذين يتتلمذون على وعاظ "السلفية" أقول إن السلامة لمن لا يريد التعمق في هذه المسائل كما هو في جميع المسائل ( الالتزام بما أجمع عليه الفقهاء والعلماء )وما اختلفوا فيه فليس من عزائم الدين لا شريعة ولا عقيدة.
وقد قام الأخ سعدي أبو جيب باستخراج كل ما قالوا فيه أجمعوا ، لا أعلم فيه خلافا، وهو إجماع المسلمين، أو قول الصحابي ولا مخالف له يعرف فوجد أنها 14400 مسألة ، في كتاب أسماه موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي.
وفي مسائل علم اصول الدين والشرع على السواء كانت الأمة ستربح كثيرا لو لم يتصدر للإصلاح فيها أناس بدو ليسوا بحال بأهل لقيادة الأمة دينيا ، ولو كانت حالة الإصلاح الديني المعاصرة رشيدة لتبنت مؤسسات الدعوة (ما أجمع عليه العلماء فقط) إذن لربحت الامة والدعوة إلى الإسلام ربحا كثيرا بدل أن صار الحال ان يقوم خريج ابتدائية بتصنيف علماء الإسلام إلى "صحيح العقيدة" و"غير سليم العقيدة" مما كشف عن خطأ المنهج إذ قيمة الأفعال بنتائجها.
- ـ في قضية رؤية الله تعالى قال جماعة من المتكلمين وهم أغلب المعتزلة بحق إن الرؤية لا تقع إلا على الملون فما لا لون له لا تراه العين والله تعالى خالق الألوان فلا تدركه الأبصار وحجتهم هذه قد أدركها علم الفيزياء منذ القدم وكذلك يدرك الذوق الفطري أن العين ترى ما هو أمامها لا ما هو خلفها فكيف يكون الله تعالى في مكان وهو خالق المكان ، لكن ما جانفوا فيه الصواب هو (أن قاسوا عالم الغيب على عالم الشهادة) فأنكروا الرؤية حتى يوم القيامة وشرعوا يلوون أعناق النصوص الظاهرة مثل (إلى ربها ناظرة) فجاء عبقري العلماء ابن حزمرحمه الله في الفصل في الملل والأهواء والنحل فقال ونحن نؤيدهم في أن الرؤية لا تقع الا على الملون وتشترط مسافة بين الرائي والمرئي لكنا سنرى الله تعالى يوم القيامة برؤية يركبها فينا مصداقا لقوله صل1 سترون ربكم يوم القيامة، ومن الإنصاف القول أن المعتزلة لا ينكرون قول ابن حزم هذا أو هكذا نحسبهم. ويجب على الإخوة دارسي العلوم الشرعية أن يتصفوا بالإنصاف فلا يوجد مسلم يسمع رسول الله صل1 ويخالفه، هذا ما لا نظن مسلما يفعله. ولذلك يتهم العقلانيون من المعتزلة الرواة لا السنن نفسها بل يظنون أن الذاكرة البشرية قد وهمت، وهكذا شككت عائشة رضي الله عنها في الرواية حين ظنت أنها تعني التعليل فحين روي لها قول النبي صل1 الميت يعذّب في قبره بما نيح عليه، ذهب ظنها إلى أن الباء تعليلية فهو يعذب بسبب النواح عليه، فردت الرواية لأنها على فهمها لها تصادم معلوما من الدين بالضرورة وهو أن (((لا تزر وازرة وزر أخرى)))، ولو فهمته على أن الميت يتألم في قبره بما نيح عليه، فهو يسمع النواح فيتألم لما ردت الرواية. ويحسن هنا لفت الانتباه إلى أنها رضي الله عنها قد عبرت عن رد الرواية بقولها (والله ما قال رسول اللهصل1 ذلك) تعني أنه لا يقول ذلك.
- قضية علم الله تعالى بالجزئيات، مسألة انجر إليها مع الاسف بعض المتكلمين فمزجوا بين علم الله تعالى الشامل الذي لا يستوعبه عقل مخلوق وبين اختيار العبد فقالوا إنه إذا كان الله تعالى يعلم أن العبد سيرتكب الإثم فهذا يعني أنه جبره والمشاهد المحسوس أنه مختار والعدل يقتضي أن يكون الإنسان مختارا لا مجبرا. ولذلك حين سئل القاضي عبيدالله بن الحسن من المصيب المجبرة أم القدرية قال كل مصيب هؤلاء قوم نزهوا الله[يعني عن الظلم] وهؤلاء قوم عظموا الله[يعني فوصفوه بشمول القدرة والعلم].لكن الكلمة الذهبية التي ينبغي على المسلم المعاصر أن يلتفت إليها هي كلمة الإمام الشافعي رضي الله عنه "إذا سلم القدري العلم خصم" يعني إذا سلم بشمول علم الله تعالى"فقد وافق قول اهل السنة" كما فسرها الحافظ في الفتح. وقد قمتُ بتتبع الكشاف من أوله إلى آخره وتوقفت عند آيات العلم فما وجدت أبا القاسم إلا مقرا مسلما بالعلم، فهو موافق لقول أهل السنة إذن.
- مسألة إثبات الظاهر مع نفي المماثلة [في الصفات التي يوهم ظاهرها التجسيم ] هو تعبير متأخري الحنابلة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم عن فهمهم لمذهب السلف، والنقد العلمي لهذا الفهم ، يكون أنه مجرد تعبير أناس عن فهمهم لمذهب السلف لا أن واحدا من السلف قد قال إني أثبت الظاهر وأنفي المماثلة. واحتجاجهم بقول مالك الذي لم يتواتر عنه وهو ليس مشرعا أصلا قوله الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة قالوا يعني السؤال عن الكيف بدعة قلنا فلعله يعني السؤال عن الاستواء أصلا! فالخوض في مسألة معنى صفات الباري ظنا من الخائض أنه يقرر عقيدة يبغض ويحب في ضوئها هو من الدخول في قوله تعالى (((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة))). وهكذا ادى خوض البدو والحضر في هذه المسالة إلى الفتنة وتصنيف الناس تصنيفا وهميا بين مؤيد لفهم ابن تيمية ومخالف أي بين صحيح العقيدة وما ليس بصحيح العقيدة، وتطرف جهالهم وهم كثر فاختزلوا سلامة العقيدة في الموقف من هذه المسألة. وهذا سببه ضلال الناس عن إجماع أهل العلم وتبنيهم لما يظنون أنه مذهب السلف.
- مسألة خلق القرآن قد سبق لي أن بينت في هذا المنتدى ان المعتزلة قد استخدموا مصطلحا لا يليق وهو مخلوق يعنون به محدث، فانجر المنكرون لبدعية المصطلح الى التعبير السقيم غير مخلوق وكانوا يعنون به لا يوصف بمخلوق، فأدى سوء التعبير عن الفكرة إلى أن امتص طاقات الأمة لألف سنة مما تعدون. وقد أيد شيخ الإسلام ابن تيمية المعتزلة في قولهم محدث وخالفهم في وصف مخلوق ، ومذهبه هو الصواب، لكن يظل من الحق أن نقرر أن المعتزلة خطؤهم صغير جدا وأن مخالفيهم قد انجروا إلى أسوأ بدعة في تاريخ الإسلام حين ظنوا أنه ليس محدثا بل أزليا.
- فلا يكفي أن تمجد السلف لتكون مصيبا بل قد تكون أكثر الناس تمجيدا للسلف والعقيدة الصحيحة وتكون أبعد الناس عن فهم السلف في نفس الوقت.
والله من وراء القصد