أحمد القصير
New member
قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 115 ]
فهل قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } من باب الصفات أم لا ؟
اختلف العلماء في ذلك :
1- فذهبت طائفة إلى أن ذلك من الصفات ، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه . وممن قال بذلك :
ابن خزيمة ، والبيهقي ، وابن القيم ، وعبد الرحمن السعدي ، وابن عثيمين .(1)
قال ابن القيم : الصحيح في قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه ، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافاً إلى الرب تعالى ، على طريقة واحدة ، ومعنى واحد ، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة ، وهو قوله : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } ، وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة ، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى . أ.هـ (2)
2- وذهبت طائفة إلى أن ذلك ليس من باب الصفات في شيء ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( ليست هذه الآية من آيات الصفات ومن عدها في الصفات فقد غلط )) .(3)
وقد اختلف هؤلاء في معناها على أقوال :
القول الأول : أن معناها فثم قبلة الله ، قالوا : والوجه يأتي في اللغة بمعنى الجهة، يقال : وِجْهَة ووجه وَجِهَة . وممن روي عنه هذا القول :
ابن عباس(4) ، ومجاهد (5) ، وعكرمة (6) ، والحسن البصري(7) ، وقتادة(8) ، ومقاتل بن حيان (9) ، والشافعي (10) .
واختاره : الواحدي ، والزمخشري ، وابن عطية ، والرازي ، وابن تيمية ، وابن عثيمين ، وجعل الآية محتملة له وللقول الأول .(11)
قال ابن تيمية : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } أي : قبلة الله ، ووجهة الله ، هكذا قال جمهور السلف .
وقال : (( الوجه )) هو الجهة في لغة العرب ، يقال : قصدت هذا الوجه ، وسافرت إلى هذا الوجه ، أي : إلى هذه الجهة . وهذا كثير مشهور ، فالوجه هو الجهة ، كما في قوله تعالى : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا }(12) أي : متوليها ، فقوله تعالى : { هُوَ مُوَلِّيهَا } كقوله تعالى :{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربان ، وكلاهما في شأن القبلة ، والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين : أنا نوليه ، نستقبله . أ.هـ (13)
القول الثاني : أن قوله { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } المراد به الله عز وجل ليس غيره .
وهذا قول المعتزلة (14) ، ونُسب للكلبي (15) ، واختاره ابن قتيبة (16) .
القول الثالث : أن معنى الآية فثم رضا الله وثوابه .
حكاه دون نسبة: الطبري، والبغوي، والقرطبي، واختاره :الجصاص وابن جزي الكلبي. (17)
والراجح - والله أعلم - أن قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } هو من باب الصفات ، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه .
دليل ذلك :
1- أن الله تعالى ذكر في القرآن القبلة باسم القبلة والوجهة ، وذكر وجهه الكريم باسم الوجه المضاف إليه سبحانه ، فتفسيره في هذه الآية بنظائره من الآيات هو الأولى ، لأنه من تفسير القرآن بعضه ببعض وهو أولى التفاسير .
2- أن هناك أحاديث تفيد أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه ، وهي بمثابة التفسير لهذه الآية ، منها :
– قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه )) . (18)
– وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا ؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت )) .(19)
– وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله عليه بوجهه حتى ينقلب أو يحدث سوء )).(20)
فهذه الأحاديث مصرحة بأن وجه الله الذي هو صفته هو الذي يكون قبالة المصلي ، لا القبلة . فهي بمثابة التفسير للآية ، والله تعالى أعلم .(21)
===========================
(1) كتاب التوحيد ، لابن خزيمة ( 1 / 25 ) ، الأسماء والصفات ، للبيهقي ( 2 / 35 ) ، مختصر الصواعق المرسلة (392) ، تيسير الكريم الرحمن (76) ، أحكام من القرآن الكريم (416) .
(2) مختصر الصواعق المرسلة (392) .
(3) مجموع الفتاوى (3/193) .
(4) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (364) .
(5) أخرجه ابن شيبة في المصنف (1/370) ، والترمذي في كتاب التفسير ، باب ومن سوررة البقرة ، حديث (2958) ، وابن جرير في تفسيره (1/552،553) ، وابن أبي حاتم (345) محقق ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/13) .
(6) زاد المسير (1/117) .
(7) أخرجه ابن أبي حاتم معلقاً (345) محقق .
(8) أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/550) .
(9) تفسير البغوي (1/108) .
(10) أحكام القرآن ، للشافعي ( 76 ) ، السنن الكبرى ، للبيهقي ( 2 / 13 ) ،مجموع الفتاوى (3/193) (6/15) ، مختصر الصواعق المرسلة (392) .
(11) الوسيط (1/194) ، الكشاف (1/179) ، المحرر الوجيز (1/200) ، مفاتيح الغيب (4/21) ، مجموع الفتاوى (2/429) ، (3/193) ، (6/15-16) ، أحكام من القرآن الكريم (416) .
(12) البقرة : 148.
(13) مجموع الفتاوى (2/492) ، (6/16) .
(14) (15) تفسير القرطبي (2/58) .
(15) تأويل مشكل القرآن (254) .
(17) جامع البيان للطبري (1/553) ، تفسير البغوي (1/108) ، تفسير القرطبي (2/58) ، أحكام القرآن للجصاص (1/76) ، التسهيل لعلوم التنزيل (1/94) .
(18) أخرجه - من حديث ابن عمر - البخاري ، في كتاب الصلاة ، باب حك البزاق باليد من المسجد ، حديث (406) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها ، حديث (547) .
(19) أخرجه - من حديث الحارث الأشعري - الإمام أحمد في مسنده ، حديث (17139) (4/178) .والترمذي في كتاب الأمثال ، باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة ، حديث (2863) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2 / 379 ) ، وصحيح الجامع ، ص ( 355 ) ، رقم ( 1724 ) .
(20) أخرجه - من حديث حذيفة - ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب المصلي يتنخم ، حديث (1023) .
وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة بحاشية الكتاب (1/539) ، وحسنه الألباني ، في صحيح ابن ماجه ( 1 / 168) .
(21) انظر : مختصر الصواعق المرسلة (396-398) .
فهل قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } من باب الصفات أم لا ؟
اختلف العلماء في ذلك :
1- فذهبت طائفة إلى أن ذلك من الصفات ، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه . وممن قال بذلك :
ابن خزيمة ، والبيهقي ، وابن القيم ، وعبد الرحمن السعدي ، وابن عثيمين .(1)
قال ابن القيم : الصحيح في قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه ، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافاً إلى الرب تعالى ، على طريقة واحدة ، ومعنى واحد ، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة ، وهو قوله : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } ، وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة ، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى . أ.هـ (2)
2- وذهبت طائفة إلى أن ذلك ليس من باب الصفات في شيء ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( ليست هذه الآية من آيات الصفات ومن عدها في الصفات فقد غلط )) .(3)
وقد اختلف هؤلاء في معناها على أقوال :
القول الأول : أن معناها فثم قبلة الله ، قالوا : والوجه يأتي في اللغة بمعنى الجهة، يقال : وِجْهَة ووجه وَجِهَة . وممن روي عنه هذا القول :
ابن عباس(4) ، ومجاهد (5) ، وعكرمة (6) ، والحسن البصري(7) ، وقتادة(8) ، ومقاتل بن حيان (9) ، والشافعي (10) .
واختاره : الواحدي ، والزمخشري ، وابن عطية ، والرازي ، وابن تيمية ، وابن عثيمين ، وجعل الآية محتملة له وللقول الأول .(11)
قال ابن تيمية : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } أي : قبلة الله ، ووجهة الله ، هكذا قال جمهور السلف .
وقال : (( الوجه )) هو الجهة في لغة العرب ، يقال : قصدت هذا الوجه ، وسافرت إلى هذا الوجه ، أي : إلى هذه الجهة . وهذا كثير مشهور ، فالوجه هو الجهة ، كما في قوله تعالى : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا }(12) أي : متوليها ، فقوله تعالى : { هُوَ مُوَلِّيهَا } كقوله تعالى :{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربان ، وكلاهما في شأن القبلة ، والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين : أنا نوليه ، نستقبله . أ.هـ (13)
القول الثاني : أن قوله { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } المراد به الله عز وجل ليس غيره .
وهذا قول المعتزلة (14) ، ونُسب للكلبي (15) ، واختاره ابن قتيبة (16) .
القول الثالث : أن معنى الآية فثم رضا الله وثوابه .
حكاه دون نسبة: الطبري، والبغوي، والقرطبي، واختاره :الجصاص وابن جزي الكلبي. (17)
والراجح - والله أعلم - أن قوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } هو من باب الصفات ، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه .
دليل ذلك :
1- أن الله تعالى ذكر في القرآن القبلة باسم القبلة والوجهة ، وذكر وجهه الكريم باسم الوجه المضاف إليه سبحانه ، فتفسيره في هذه الآية بنظائره من الآيات هو الأولى ، لأنه من تفسير القرآن بعضه ببعض وهو أولى التفاسير .
2- أن هناك أحاديث تفيد أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه ، وهي بمثابة التفسير لهذه الآية ، منها :
– قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه )) . (18)
– وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا ؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت )) .(19)
– وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله عليه بوجهه حتى ينقلب أو يحدث سوء )).(20)
فهذه الأحاديث مصرحة بأن وجه الله الذي هو صفته هو الذي يكون قبالة المصلي ، لا القبلة . فهي بمثابة التفسير للآية ، والله تعالى أعلم .(21)
===========================
(1) كتاب التوحيد ، لابن خزيمة ( 1 / 25 ) ، الأسماء والصفات ، للبيهقي ( 2 / 35 ) ، مختصر الصواعق المرسلة (392) ، تيسير الكريم الرحمن (76) ، أحكام من القرآن الكريم (416) .
(2) مختصر الصواعق المرسلة (392) .
(3) مجموع الفتاوى (3/193) .
(4) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (364) .
(5) أخرجه ابن شيبة في المصنف (1/370) ، والترمذي في كتاب التفسير ، باب ومن سوررة البقرة ، حديث (2958) ، وابن جرير في تفسيره (1/552،553) ، وابن أبي حاتم (345) محقق ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/13) .
(6) زاد المسير (1/117) .
(7) أخرجه ابن أبي حاتم معلقاً (345) محقق .
(8) أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/550) .
(9) تفسير البغوي (1/108) .
(10) أحكام القرآن ، للشافعي ( 76 ) ، السنن الكبرى ، للبيهقي ( 2 / 13 ) ،مجموع الفتاوى (3/193) (6/15) ، مختصر الصواعق المرسلة (392) .
(11) الوسيط (1/194) ، الكشاف (1/179) ، المحرر الوجيز (1/200) ، مفاتيح الغيب (4/21) ، مجموع الفتاوى (2/429) ، (3/193) ، (6/15-16) ، أحكام من القرآن الكريم (416) .
(12) البقرة : 148.
(13) مجموع الفتاوى (2/492) ، (6/16) .
(14) (15) تفسير القرطبي (2/58) .
(15) تأويل مشكل القرآن (254) .
(17) جامع البيان للطبري (1/553) ، تفسير البغوي (1/108) ، تفسير القرطبي (2/58) ، أحكام القرآن للجصاص (1/76) ، التسهيل لعلوم التنزيل (1/94) .
(18) أخرجه - من حديث ابن عمر - البخاري ، في كتاب الصلاة ، باب حك البزاق باليد من المسجد ، حديث (406) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها ، حديث (547) .
(19) أخرجه - من حديث الحارث الأشعري - الإمام أحمد في مسنده ، حديث (17139) (4/178) .والترمذي في كتاب الأمثال ، باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة ، حديث (2863) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2 / 379 ) ، وصحيح الجامع ، ص ( 355 ) ، رقم ( 1724 ) .
(20) أخرجه - من حديث حذيفة - ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب المصلي يتنخم ، حديث (1023) .
وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة بحاشية الكتاب (1/539) ، وحسنه الألباني ، في صحيح ابن ماجه ( 1 / 168) .
(21) انظر : مختصر الصواعق المرسلة (396-398) .