محمد محمود إبراهيم عطية
Member
فائدة في ( أقسام الحياء )
فأما حياء الجناية : فمنه حياء آدم u لما فر هاربا في الجنة. قال الله تعالى : أفرارًا مني يا آدم ؟! قال : لا يا رب بل حياء منك ( [1] ) .
وحياء التقصير : كحياء الملائكة ، الذين يسبحون بالليل والنهار لا يفترون ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : " سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك " ( [2] ) .
وحياء الإجلال : هو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه .
وحياء الكرم : كحياء النبي e من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب فطولوا الجلوس عنده ، فقام واستحيى أن يقول لهم : انصرفوا ( [3] ) .
وحياء الحشمة : كحياء علي بن أبي طالب t أن يسأل رسول الله e عن المذي لمكان ابنته منه ( [4] ) .
وحياء الاستحقار واستصغار النفس : كحياء العبد من ربه U حين يسأله حوائجه ، استحقارًا لشأن نفسه واستصغارًا لها ، وفي أثر إسرائيلي : أن موسى u قال : يا رب إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك هي يا رب ؛ فقال الله تعالى : " سلني حتى ملح عجينك وعلف شاتك " ؛ وقد يكون لهذا النوع سببان ؛ أحدهما : استحقار السائل نفسه ، واستعظام ذنوبه وخطاياه . والثاني : استعظام مسئوله .
وأما حياء المحبة : فهو حياء المحب من محبوبه ، حتى إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه ، وأحس به في وجهه ، ولا يدري ما سببه ، وكذلك يعرض للمحب - عند ملاقاته محبوبه ومفاجأته له - روعة شديدة ، ومنه قولهم : جمال رائع ، وسبب هذا الحياء والروعة مما لا يعرفه أكثر الناس ؛ ولا ريب أن للمحبة سلطانًا قاهرًا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن ، فأين من يقهر قلبك وروحك ممن يقهر بدنك ؟ ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق ، وقهر المحبوب لهم ، وذلهم له .
فإذا فاجأ المحبوب محبه ورآه بغتة ، أحس القلب بهجوم سلطان عليه فاعتراه روعة وخوف ؛ وأما الحياء الذي يعتريه منه ، وإن كان قادرا عليه - كأمته وزوجته - فسببه - والله أعلم - أن هذا السلطان لما زال خوفه من القلب ، بقيت هيبته واحتشامه ، فتولد منها الحياء .
وأما حصول ذلك في غيبة المحبوب فظاهر لاستيلائه على قلبه فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنه معه .
وأما حياء العبودية : فهو حياء ممتزج من خوف ومحبة ، ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده ، وأن قدره أعلى وأجل منها ، فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة .
وأما حياء الشرف والعزة : فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان ، فإنه يستحي مع بذله حياء شرف نفس وعزة ؛ وهذا له سببان : أحدهما هذا . والثاني : استحياؤه من الآخذ ، حتى كأنه هو الآخذ السائل ، حتى إن بعض الكرام لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه ، وهذا يدخل في حياء التلوم ، لأنه يستحي من خجلة الآخذ .
وأما حياء المرء من نفسه : فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها بالدون ، فيجد نفسه مستحييًا من نفسه ، حتى كأن له نفسين يستحي بإحداهما من الأخرى ؛ وهذا أكمل ما يكون من الحياء ، فإن العبد إذا استحيى من نفسه، فهو بأن يستحي من غيره أجدر ( [5] ) .
انتهى كلام ابن القيم - رحمه الله - وهو كلام نفيس جليل في هذا الباب قد لا تجده عند غيره .
[1] - رواه ابن نصر في الصلاة ( 852 ) عن أبي بن كعب موقوفًا ، والحاكم ( 3038 ) مرفوعًا وصححه .
[2] - روى الحاكم ( 8739 ) عن سلمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " يوضع الميزان يوم القيامة ، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟ فيقول الله تعالى : لمن شئت من خلقي ، فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك .." الحديث ؛ قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .ا.هـ.
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref33- مشيرا لسبب نزول الآية رقم 53 من سورة الأحزاب.
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref44- روى الشيخان عن علي رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذاء ، فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : " فيه الوضوء " ، وفي بعض ألفاظ البخاري : فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني . وعند مسلم : لمكان فاطمة . البخاري ( 132 ، 178 ) ، ومسلم ( 303 ) .
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref55 - مدارج السالكين : 2 / 274 .