فائدة تتعلق بالسفر والهجرة

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قال ابن العربي المالكي في ( أحكام القرآن ) : السفر في الأرض تتعدد أقسامه من جهات مختلفات ؛ فتنقسم من جهة المقصود به إلى هرب أو طلب ، وتنقسم من جهة الأحكام إلى خمسة أقسام ، وهي الأحكام التكليفية : واجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام ؛ وتنقسم من جهة التنويع في المقاصد إلى أقسام :
الأول الهجرة : وهي تنقسم إلى ستة أقسام :
الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضًا في أيام النبي e ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي e حيث كان ؛ فمن أسلم في دار الحرب وجب عليه الخروج إلى دار الإسلام ، فإن بقي فقد عصى ؛ ويختلف في حاله .ا.هـ. قال مقيده - عفا الله عنه : يقصد - رحمه الله - هل هو قادر على الهجرة ، أم مستضعف لا يستطيعها ؟

الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم سمعت مالكًا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد سب فيه السلف ؛ وهذا صحيح فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره زال عنه ، قال الله تعالى : ] وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [ [ الأنعام : 68 ] .

الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .

الرابع : الفرار من الإذاية في البدن ، وذلك فضل من الله U أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع ، فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من هذا المحذور ، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم u لما خاف من قومه قال : ] إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [ [ العنكبوت : 26 ] ، وقال : ] إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [ [ الصافات : 99 ] ؛ وموسى قال الله سبحانه وتعالى فيه : ] فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ [ القصص :21 ] .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة ، والخروج منها إلى الأرض النزهة ؛وقد أذن النبي e للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوافيها حتى يصحوا ؛ وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ، فمنع اللهسبحانه فيه بالحديث الصحيح ؛ بيد أني رأيت علماءنا قالوا : هو مكروه .
قال مقيده - عفا الله عنه : يشير إلى ما رواه مالك في الموطأ والشيخان عن أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف y ، أن الرسول e قال في الطاعون : " إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " هذا لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف ( [1] ) .
والجمهور على أن النهي للتحريم ، وذهب البعض إلى أنه للتنزيه .
قال الحافظ في (الفتح) في تفصيل ذلك ما ملخصه : إن صور الخروج ثلاثة : من خرج لقصد الفرار محضًا ، فهذا يتناوله النهي لا محالة ؛ ومن خرج لحاجة متمحضة لا لقصد الفرار أصلًا ، ويتصور ذلك ممن تهيأ للرحيل ولم يكن الطاعون قد وقع ، فاتفق وقوعه أثناء تجهيزه فهذا لم يقصد الفرار أصلًا فلا يدخل في النهي ؛ والثالث : من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم إلى ذلك قصد الراحة من الإقامة بالبلد التي وقع بها الطاعون فهذا محل النزاع ؛ كأن تكون الأرض التي وقع بها وخمة ، والأرض التي يتوجه إليها صحيحة ، فيتوجه بهذا القصد إليها ؛ فمَنْ منعَ نظرَ إلى صورة الفرار في الجملة ؛ ومن أجاز نظر إلى أنه لم يتمحض القصد للفرار وإنما هو لقصد التداوي ( [2] ) .
السادس : الفرار خوف الإذاية في المال،فإنحرمةمالالمسلمكحرمةدمه، والأهل مثله أو آكد ؛ فهذه أمهات قسم الهرب .

قال ابن العربي : وأما قسم الطلب فينقسم إلى قسمين : طلب دين ، وطلب دنيا ؛ فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه ، ولكن أمهاته تسعة :
الأول : سفر العبرة ، قال تعالى : ] أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ [ يوسف : 109 ] ، وهذا كثير في كتاب الله U ؛ ويقال أن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها ، وقيل لينفذ الحق فيها .
الثاني : سفر الحج .
الثالث : سفر الجهاد .
الرابع : سفر المعاش ، فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة ، فيخرج في طلبه لا يزيد عليه ولا ينقص ، وهو فرض عليه .
الخامس : سفر التجارة والكسب الكثير الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله تعالى ، قال الله سبحانه : ] لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [ [ البقرة : 198 ] ، يعني التجارة ؛ وهذه نعمة مَنَّ بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت ؟
السادس : في طلب العلم .
السابع : قصد البقاع الكريمة ، وذلك لا يكون إلا في نوعين :
أحدهما : المساجد الثلاثة ، قال رسول الله e : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " متفق عليه .
والثاني : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها ، ففي ذلك فضل كثير .
الثامن : زيارة الإخوان في الله .
التاسع : السفر إلى دار الحرب . ا.هـ .
قال مقيده : لعله يقصد في سفارة أو غزاة .
قال ابن العربي – رحمه الله : وبعد هذا فالنية تقلب الواجب من هذا حرامًا ، والحرام حلالًا بحسب حسن القصد وإخلاص السر عن الشوائب ، وقد تتنوع هذه الأنواع إلى تفصيل هذا أصلها الذي يتركب منها . انتهى كلامه مع شيء من الاختصار وبعض التعليقات ( [3] ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .

[1] - مالك : 2 / 894 ، 895 ( 22 ) ، 2 / 896 ، 897 ( 24 ) ، والبخاري ( 5729 ، 5730 ) ، ومسلم ( 2219 ) ، ورواه أحمد : 1 / 193 ، 194 ، وأبو داود ( 3103 ) .

[2] - انظر ( فتح الباري ) :10 / 199 .

[3] - انظر ( أحكام القرآن ) : 1 / 610 - 614 ، عند الآية ( 101 ) من سورة النساء .
 
التعديل الأخير:
قال النووي - رحمه الله : اسْمُ الْهِجْرَةِ يَقَعُ عَلَى أُمُورٍ :
الْأُولُ : هجرة الصحابة y من مكة إلَى الْحَبَشَةِ ؛ حين آذى المشركون صحابة رسول الله e ، ففروا إلى النجاشي ، وكانت هذه الهجرة بعد البعثة بخمس سنين ؛ قاله البيهقي .
الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ : مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ ؛ وكانت هذه بعد البعثة بثلاث عشرة سنة ؛ وكان يجب على كل مسلم بمكة أن يهاجر إلى رسول الله e إلى المدينة ؛ وأطلق جماعة أن الهجرة كانت واجبة من مكة إلى المدينة ، وهذا ليس على إطلاقه ، فإنه لا خصوصية للمدينة ، وإنما الواجب الهجرة إلى رسول الله e .
الْهِجْرَةُ الثَّالِثَةُ : هِجْرَةُ الْقَبَائِلِ إلَى رسول الله e لِيَتَعْلَمُوا الشَّرَائِعَ وَيَرْجِعُوا إلَى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهم .
الْهِجْرَةُ الرَّابِعَةُ: هِجْرَةُمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِيَأْتِيَ النَّبِيِّ e ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ .
الْهِجْرَةُ الْخَامِسَةُ : الهجرة من دار الكفر إلى بلاد الإسلام ؛ فلا يحل الإقامة بدار الكفر ؛ قال الماوردي : فإن صار له بها أهل وعشيرة ، وأمكنه إظهار دينه ، لم يجز أن يهاجر ، لأن المكان الذي هو فيه قد صار دار إسلام .
الْهِجْرَةُ السادسة : هجرة المسلم أخاه فوق ثلاث بغير سبب شرعي ؛ وهي مكروهة في الثلاث ، وفيما زاد حرام إلا لضرورة ؛ وحكي أن رجلا هجر أخاه فوق ثلاثة أيام ، فكتب له :

يا سـيدي عندك لي مظلمة ... فاستفت فـيها ابن أبي خيثمه


فـإنه يرويـه عـن جده ... ما قد روى الضحاك عن عكرمه


عن ابن عباس عن المصطفى ... نـبينا الـمبعوث بالـمرحمه


أن صـدود الخلِّ عن خلِّه ... فـوق ثـلاث ربنا حـرَّمه

الْهِجْرَةُ السابعة : هجرة الزوج الزوجة إذا تحقق نشوزها ؛ قال الله تعالى : ] وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [ [ النساء : 34 ] ؛ ومن ذلك هجرة أهل المعاصي في المكان والكلام وجواب السلام وابتدائه .
الْهِجْرَةُ الثامنة : هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ؛ وهي أعم الهجرة .ا.هـ .
وقد ذكر ابن دقيق العيد في كتابه ( إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ) خمسة من هذه باختصار ، وهي الأربعة الأولى والثامنة ، ثم قال : وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمُهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ، غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ ، لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمَّ قَيْسٍ .ا.هـ([1]) . قلت : قد تقدم أن القصة ليست سببًا في ورود الحديث ، وإن دخلت في معناه .
وقد نقل الحافظ العراقي في (طرح التثريب)كلام ابن دقيق العيد ثم قال : بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَقْسَامِ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ، وَهِيَ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ ؛ وَلَا يُقَالُ : كِلَاهُمَا هِجْرَةٌ إلَى الْحَبَشَةِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْهِجْرَةِ إلَيْهَا مَرَّةً ، فَإِنَّهُ قَدْ عَدَّدَ الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي الْأَقْسَامِ لِتَعَدُّدِهَا ؛ وَالْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ هِجْرَةُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبِلَادِ الْكُفْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا ؛ وَالْهِجْرَةُ الثَّالِثَةُ الْهِجْرَةُ إلَى الشَّامِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : " سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا " الْحَدِيثَ ( [2] ) ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ( [3] ) ؛ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : يُرِيدُ بِهِ الشَّامَ ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْعِرَاقِ مَضَى إلَى الشَّامِ وَأَقَامَ بِهِ . انْتَهَى ؛ وَرَوَى أَبُو دَاوُد - أَيْضًا - مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " إنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ ، إلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ " ( [4] ) ؛ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ لِلْهِجْرَةِ .ا.هـ ( [5] ) .

[1] - انظر ( إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ) : 1 / 11 .

[ 2 ] – أبو داود ( 2482 ) ، ورواه أحمد : 2 / 198 ، 209 مطولا ، والحديث في مصنف عبد الرزاق ( 20790 ) ، ومن طريقه رواه الحاكم : 4 / 487 ، وسكت عنه هو والذهبي ، ورواه - أيضًا - الطيالسي ( 2293 ) ، والطبراني في الأوسط ( 6791 )،وأبونعيمفيالحلية: 6/53، 54 ؛ ومداره على شهر بن حوشب ، وفيه كلام ، ويحسن حديثه البخاري والترمذي والهيثمي وغيرهم ، وله طريق أخرى عند الحاكم : 4 / 511 ، وصححه على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وفيه عبد الله بن صالحكاتبالليث، وحديثه حسن في الشواهد ، فالحديث حسن ، والعلم عند الله تعالى .

[3] - أحمد : 2 / 84 عن ابن عمر رضي الله عنهما ؛ ولكنه رواه أيضا : 2 / 198 ، 209 عن ابن عمرو رضي الله عنهما .

[4] - أبو داود ( 4298 ) ، ورواه أحمد : 5 / 197 ، والحاكم ( 8496 ) وصححه من حديث أبي الدرداء ، ورواه أحمد - أيضًا : 6 / 25 ، من حديث عوف بن مالك الأشجعي .

[5] - انظر طرح التثريب شرح حديث رثم ( 1 ) .
 
عودة
أعلى