محمد محمود إبراهيم عطية
Member
قال ابن العربي المالكي في ( أحكام القرآن ) : السفر في الأرض تتعدد أقسامه من جهات مختلفات ؛ فتنقسم من جهة المقصود به إلى هرب أو طلب ، وتنقسم من جهة الأحكام إلى خمسة أقسام ، وهي الأحكام التكليفية : واجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام ؛ وتنقسم من جهة التنويع في المقاصد إلى أقسام :
الأول الهجرة : وهي تنقسم إلى ستة أقسام :
الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضًا في أيام النبي e ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي e حيث كان ؛ فمن أسلم في دار الحرب وجب عليه الخروج إلى دار الإسلام ، فإن بقي فقد عصى ؛ ويختلف في حاله .ا.هـ. قال مقيده - عفا الله عنه : يقصد - رحمه الله - هل هو قادر على الهجرة ، أم مستضعف لا يستطيعها ؟
الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم سمعت مالكًا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد سب فيه السلف ؛ وهذا صحيح فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره زال عنه ، قال الله تعالى : ] وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [ [ الأنعام : 68 ] .
الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الإذاية في البدن ، وذلك فضل من الله U أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع ، فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من هذا المحذور ، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم u لما خاف من قومه قال : ] إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [ [ العنكبوت : 26 ] ، وقال : ] إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [ [ الصافات : 99 ] ؛ وموسى قال الله سبحانه وتعالى فيه : ] فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ [ القصص :21 ] .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة ، والخروج منها إلى الأرض النزهة ؛وقد أذن النبي e للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوافيها حتى يصحوا ؛ وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ، فمنع اللهسبحانه فيه بالحديث الصحيح ؛ بيد أني رأيت علماءنا قالوا : هو مكروه .
قال مقيده - عفا الله عنه : يشير إلى ما رواه مالك في الموطأ والشيخان عن أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف y ، أن الرسول e قال في الطاعون : " إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " هذا لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف ( [1] ) .
والجمهور على أن النهي للتحريم ، وذهب البعض إلى أنه للتنزيه .
قال الحافظ في (الفتح) في تفصيل ذلك ما ملخصه : إن صور الخروج ثلاثة : من خرج لقصد الفرار محضًا ، فهذا يتناوله النهي لا محالة ؛ ومن خرج لحاجة متمحضة لا لقصد الفرار أصلًا ، ويتصور ذلك ممن تهيأ للرحيل ولم يكن الطاعون قد وقع ، فاتفق وقوعه أثناء تجهيزه فهذا لم يقصد الفرار أصلًا فلا يدخل في النهي ؛ والثالث : من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم إلى ذلك قصد الراحة من الإقامة بالبلد التي وقع بها الطاعون فهذا محل النزاع ؛ كأن تكون الأرض التي وقع بها وخمة ، والأرض التي يتوجه إليها صحيحة ، فيتوجه بهذا القصد إليها ؛ فمَنْ منعَ نظرَ إلى صورة الفرار في الجملة ؛ ومن أجاز نظر إلى أنه لم يتمحض القصد للفرار وإنما هو لقصد التداوي ( [2] ) .
السادس : الفرار خوف الإذاية في المال،فإنحرمةمالالمسلمكحرمةدمه، والأهل مثله أو آكد ؛ فهذه أمهات قسم الهرب .
قال ابن العربي : وأما قسم الطلب فينقسم إلى قسمين : طلب دين ، وطلب دنيا ؛ فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه ، ولكن أمهاته تسعة :
الأول : سفر العبرة ، قال تعالى : ] أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ [ يوسف : 109 ] ، وهذا كثير في كتاب الله U ؛ ويقال أن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها ، وقيل لينفذ الحق فيها .
الثاني : سفر الحج .
الثالث : سفر الجهاد .
الرابع : سفر المعاش ، فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة ، فيخرج في طلبه لا يزيد عليه ولا ينقص ، وهو فرض عليه .
الخامس : سفر التجارة والكسب الكثير الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله تعالى ، قال الله سبحانه : ] لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [ [ البقرة : 198 ] ، يعني التجارة ؛ وهذه نعمة مَنَّ بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت ؟
السادس : في طلب العلم .
السابع : قصد البقاع الكريمة ، وذلك لا يكون إلا في نوعين :
أحدهما : المساجد الثلاثة ، قال رسول الله e : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " متفق عليه .
والثاني : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها ، ففي ذلك فضل كثير .
الثامن : زيارة الإخوان في الله .
التاسع : السفر إلى دار الحرب . ا.هـ .
قال مقيده : لعله يقصد في سفارة أو غزاة .
قال ابن العربي – رحمه الله : وبعد هذا فالنية تقلب الواجب من هذا حرامًا ، والحرام حلالًا بحسب حسن القصد وإخلاص السر عن الشوائب ، وقد تتنوع هذه الأنواع إلى تفصيل هذا أصلها الذي يتركب منها . انتهى كلامه مع شيء من الاختصار وبعض التعليقات ( [3] ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .
[1] - مالك : 2 / 894 ، 895 ( 22 ) ، 2 / 896 ، 897 ( 24 ) ، والبخاري ( 5729 ، 5730 ) ، ومسلم ( 2219 ) ، ورواه أحمد : 1 / 193 ، 194 ، وأبو داود ( 3103 ) .
[2] - انظر ( فتح الباري ) :10 / 199 .
[3] - انظر ( أحكام القرآن ) : 1 / 610 - 614 ، عند الآية ( 101 ) من سورة النساء .
الأول الهجرة : وهي تنقسم إلى ستة أقسام :
الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضًا في أيام النبي e ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي e حيث كان ؛ فمن أسلم في دار الحرب وجب عليه الخروج إلى دار الإسلام ، فإن بقي فقد عصى ؛ ويختلف في حاله .ا.هـ. قال مقيده - عفا الله عنه : يقصد - رحمه الله - هل هو قادر على الهجرة ، أم مستضعف لا يستطيعها ؟
الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم سمعت مالكًا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد سب فيه السلف ؛ وهذا صحيح فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره زال عنه ، قال الله تعالى : ] وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [ [ الأنعام : 68 ] .
الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الإذاية في البدن ، وذلك فضل من الله U أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع ، فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من هذا المحذور ، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم u لما خاف من قومه قال : ] إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [ [ العنكبوت : 26 ] ، وقال : ] إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [ [ الصافات : 99 ] ؛ وموسى قال الله سبحانه وتعالى فيه : ] فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ [ القصص :21 ] .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة ، والخروج منها إلى الأرض النزهة ؛وقد أذن النبي e للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوافيها حتى يصحوا ؛ وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ، فمنع اللهسبحانه فيه بالحديث الصحيح ؛ بيد أني رأيت علماءنا قالوا : هو مكروه .
قال مقيده - عفا الله عنه : يشير إلى ما رواه مالك في الموطأ والشيخان عن أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف y ، أن الرسول e قال في الطاعون : " إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " هذا لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف ( [1] ) .
والجمهور على أن النهي للتحريم ، وذهب البعض إلى أنه للتنزيه .
قال الحافظ في (الفتح) في تفصيل ذلك ما ملخصه : إن صور الخروج ثلاثة : من خرج لقصد الفرار محضًا ، فهذا يتناوله النهي لا محالة ؛ ومن خرج لحاجة متمحضة لا لقصد الفرار أصلًا ، ويتصور ذلك ممن تهيأ للرحيل ولم يكن الطاعون قد وقع ، فاتفق وقوعه أثناء تجهيزه فهذا لم يقصد الفرار أصلًا فلا يدخل في النهي ؛ والثالث : من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم إلى ذلك قصد الراحة من الإقامة بالبلد التي وقع بها الطاعون فهذا محل النزاع ؛ كأن تكون الأرض التي وقع بها وخمة ، والأرض التي يتوجه إليها صحيحة ، فيتوجه بهذا القصد إليها ؛ فمَنْ منعَ نظرَ إلى صورة الفرار في الجملة ؛ ومن أجاز نظر إلى أنه لم يتمحض القصد للفرار وإنما هو لقصد التداوي ( [2] ) .
السادس : الفرار خوف الإذاية في المال،فإنحرمةمالالمسلمكحرمةدمه، والأهل مثله أو آكد ؛ فهذه أمهات قسم الهرب .
قال ابن العربي : وأما قسم الطلب فينقسم إلى قسمين : طلب دين ، وطلب دنيا ؛ فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه ، ولكن أمهاته تسعة :
الأول : سفر العبرة ، قال تعالى : ] أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ [ يوسف : 109 ] ، وهذا كثير في كتاب الله U ؛ ويقال أن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها ، وقيل لينفذ الحق فيها .
الثاني : سفر الحج .
الثالث : سفر الجهاد .
الرابع : سفر المعاش ، فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة ، فيخرج في طلبه لا يزيد عليه ولا ينقص ، وهو فرض عليه .
الخامس : سفر التجارة والكسب الكثير الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله تعالى ، قال الله سبحانه : ] لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [ [ البقرة : 198 ] ، يعني التجارة ؛ وهذه نعمة مَنَّ بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت ؟
السادس : في طلب العلم .
السابع : قصد البقاع الكريمة ، وذلك لا يكون إلا في نوعين :
أحدهما : المساجد الثلاثة ، قال رسول الله e : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " متفق عليه .
والثاني : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها ، ففي ذلك فضل كثير .
الثامن : زيارة الإخوان في الله .
التاسع : السفر إلى دار الحرب . ا.هـ .
قال مقيده : لعله يقصد في سفارة أو غزاة .
قال ابن العربي – رحمه الله : وبعد هذا فالنية تقلب الواجب من هذا حرامًا ، والحرام حلالًا بحسب حسن القصد وإخلاص السر عن الشوائب ، وقد تتنوع هذه الأنواع إلى تفصيل هذا أصلها الذي يتركب منها . انتهى كلامه مع شيء من الاختصار وبعض التعليقات ( [3] ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .
[1] - مالك : 2 / 894 ، 895 ( 22 ) ، 2 / 896 ، 897 ( 24 ) ، والبخاري ( 5729 ، 5730 ) ، ومسلم ( 2219 ) ، ورواه أحمد : 1 / 193 ، 194 ، وأبو داود ( 3103 ) .
[2] - انظر ( فتح الباري ) :10 / 199 .
[3] - انظر ( أحكام القرآن ) : 1 / 610 - 614 ، عند الآية ( 101 ) من سورة النساء .
التعديل الأخير: