فائدة العندية الاعتراضية في قوله سبحانه ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما).

إنضم
23/07/2007
المشاركات
522
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الشيوخ والإخوة الأفاضل: من المعلوم كقاعدة:أن الزيادة في المبنى يقابلها زيادة في المعنى، والعندية هنا بحكم اعتراضها وما تطرحه العبارات أو الجمل الاعتراضية من دلالات ومعان، تحتاج إلى توقف، ربما على غير المألوف المشهور، وتُخرِج استنباطا يحتاج إلى مزيد مناقشة وقوة بيان، حدا بي إلى طرحه بين يديكم علّ من يتفضل منكم بدراسته والحكم عليه تأييدا أو ردا بقوة حجة وعميق بيان، والأمر -إخوتي الأحبة- يتوقف على معنى العندية في الآية الكريمة، ولِمَ جاءت في هذا الموضع وما دلالات مجيئها هنا تحديدا؟!

فمما لاشك فيه أن كل حرف أو كلمة في القرآن، وضعت بميزان إلاهي ببناء رباني محكم، تحمل في مواضعها الذي وضعت فيه، معان عميقة ودلالات بيانية دقيقة، عرفها من عرفها بفضل الله وتأييده، وجهلها من جهلها لإرادة الله وحكمته، تتدخل مكونات كثيرة في بيانها، ولعل الزمن أحد هذه العناصر، والواقع -كما هو حال سبب النزول- من أركانها.
ففي الآية الكريمة { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } الاسراء:23. ظاهرا لا يغير سياق الآية معناها خاليا من العندية، وبتتبع الكثير من التفاسير من القرن الثاني إلى قرننا الخامس عشر الهجري، لم أجد متوقفا -حتى عند من يهتم بالمعاني اللغوية والدلالات البلاغية من أهل السنة وغيرهم- عند دلالة العبارة، سوى معناها العام الظاهر المعروف المتمثل في قولهم:" خصّ حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بِرّه لتغيّر الحال عليهما بالضّعف والكبر؛ فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كَلاًّ عليه، فيحتاجان أن يَلِيَ منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يلِيَا منه؛ فلذلك خصّ هذه الحالة بالذكر. وأيضاً فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالّة البنوّة وقلّة الديانة، وأقلّ المكروه ما يظهره بتنفسه المتردَّد من الضجر. وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب فقال: «فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً». ( والقول للإمام القرطبي ت671هـ رحمه الله، وهو أقرب المعاني التي وجدتها لما نريد قوله لمناقشته).

ولا أظن غير الإجماع في إثم من خالف المعنى العام للآية واقترف مع والديه أو أحدهما مانهت عنه، خارقا البر المأمور به اتجاههما.

ولو نظرنا إلى السنة الشريفة لانبهرنا من تركيزها في بعض نصوصها المتعددة على نفس العبارة من مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" إن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أحضروا المنبر فلما خرج رَقِيَ (إلى) المنبر، فرقي في أوّل درجة منه قال آمين ثم رقي في الثانية فقال آمين ثم لما رقي في الثالثة قال آمين، فلما فرغ ونزل من المنبر قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه منك؟ قال: «وسمعتموه»؟ قلنا نعم. قال: إن جبريل عليه السلام اعترض قال: بَعُد من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين فلما رَقِيت في الثانية قال بَعُدَ من ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت في الثالثة قال بَعُدَ من أدرك عنده أبواه الكبرَ أو أحدُهما فلم يُدخلاه الجنة قلت آمين ". ( كتاب بر الوالدين صحيح البخاري رحمه الله).

ولا غرابة أوليسا من مشكاة واحدة.ولكن لماذا كل هذا الحرص على العندية؟!.

وحتى لا أطيل: فماداما في كنفك وعندك في آخر عمرهما، تأثم إثما بالغا يتلاءم مع المعاناة المادية عموما طوال فترة رعايتك في أول عمرك، والمعاناة المعنوية النفسية المؤلمة خصوصا حين انتقلوا إلى رعايتك في آخر عمرهما، بمجرد قولك أف المقصودة، وبالأولى ماتجاوزها قولا وعملا ممقوتا.

ومن منطلق مفهوم المخالفة: ماداما ليسا عندك، وأنت في رعايتهما عندهما، وهما المسؤلان عنك، فأنت خارج دائرة الإثم المغلظ، مالم تقصد وتتعمد الإساءة، وكانت أف أو رفع الصوت طارئ نفسي وغضب وقتي، تمحوه بطلب السماح منهما، ويغفره التذلل والتقرب إليهما، وهو دلال من فلذة كبدهما، قلبهما راض عنه، وعقلهما غير منكر له.

راجيا من أساتذتي وإخوتي المناقشة العلمية، ورد هذا الاستنباط محاججة، أو موافقته تدليلا، وهو تأمل لست معه أو ضده،فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إن كان ثمة محظور وقعت فيه، ووفقني الله وإياكم للتأمل في كتابه العزيز في دائرة التفكر المشروع، والله الهادي إلى سواء السبيل.
 
جزاك الله خيرا يا شيخ محمد، وعلمني وإياك العلم النافع ودونك هذه المسامرة وأنت تعلمهما ـ إن شاء الله ـ مقدما .
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
ومن منطلق مفهوم المخالفة: ماداما ليسا عندك، فأنت خارج دائرة الإثم المغلظ، .


جزاك الله خيرا يا شيخ محمد عمر فقد قلت قولا بليغا .
لكن مفهوم المخالفة هنا لا يمكن لفساد معناه إذ الله تعالى لا يأمر بالفحشاء ، ومن الفحش أن نقول للابن قل لهما أف أو انهرهما لعدم وجودهما عندك في بيتك أو معيشتك أو حفظك ........
وهذا مثاله في القرآن والسنة النبوية كثير .
منه قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة80

وقوله تعالى:{.. وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء23
وقوله تعالى: {..وَلاتُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }{النور33}

وقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"

ومن ثوابت هذا الباب بيان أن هناك من الآيات والأحاديث ما لا مفهوم له وقد أفاض فيه العلماء من ناحية الوصف أو الشرط أو العدد أو.....................
والله الموفق والمستعان
 
لكن مفهوم المخالفة هنا لا يمكن لفساد معناه إذ الله تعالى لا يأمر بالفحشاء ، ومن الفحش أن نقول للابن قل لهما أف أو انهرهما لعدم وجودهما عندك في بيتك أو معيشتك أو حفظك ........

جزاك الله خيرا أستاذي الحبيب ورعاك.
وأشكر لك كريم مداخلتكم القيمة، وماكان لسقيم ضعيف مثلي أن يذهب بل ان يخطر مجرد خاطرة ،المعنى الذي ذكرت أعلاه.
وإذا أذنتم لي أود التوضيح لبعض النقاط وماقصدته في بعض الجوانب، وماقيدته في أخرى، بحيث أشرت في بداية الموضوع إلى الربط الزمني واختلاف البيئات والثقافات وإن تلميحا، فأبناء اليوم في سلوكهم وثقافاتهم وكذلك الأباء إلا قليلا ربما لا يُعد كبيرا عندهم ما كان عند من هم قبلهم، وقد حرصت كثيرا على التقييد في معرض الاستنباط المتواضع على الجانب النفسي وما ألف من السلوك اليومي الواقعي، على القول: مالم تقصد وتتعمد الإساءة، وكانت أف أو رفع الصوت طارئ نفسي وغضب وقتي، فالكثير الكثير من الأبناء في هذا العصر يتذمرون ويرفعون أصواتهم اعتراضا او رفضا وغالبا تعبيرا عن الانفعال اللحظي، وهم في كل ذلك لا يتعمدون الإساءة، أو يتقصدون المعصية، كأن تطلب الأم -مثلا- من ابنها أو ابنتها القيام بعمل ما، حين عودته أو عودتها من الجامعة أو نحوه، فتنفجر أو ينفجر بالقول: أوووووه لا استطيع الآن، ونجد الأب أو الأم يتحمل ذلك، من منطلق إدراكهما أنه قول عابر وانفعال نفسي حادث، يزول في فترة وجيزة، بل وتجد حَسَنَ الأدب منهم يندم ويأتي مقبلا رأسهما، والقيام بطلبهما.
فما عنيته من لا يتعمد معصيتهما، وهو في حقيقته بار بهما. وقلبهما عنه راض، ويعتبران هذا سلوكا طارئ فيه تعبير عن تدلل من بهجة نفسهما، وخطأ لا يعزب عن قوله سبحانه( ربنا لا توآخذنا إن نسينا أو اخطأنا..). فلا إثم إذا، لأن الإصرار منتف اصلا. والقلب راض قبل كل شيئ. بعكس الأول الذي يغرز سكاكينه في القلب، ويقطع نياطه ألما، فينكسر حزينا نادما، ويغضب، فيسخط لأجله الرب.
ولماكان القرآن الكريم الكتاب المعجز المتحكم في سير الدين الخالد ومستلزماتهعية والاجتماعية ونحوه، فلا شك أنه يتلاءم مع كل عصر ومصر، غير متجاهل المقاصد التشريعية، ولا الجوانب النفسية، بل هومستوعب لجميع القضايا دون استثناء.
ولزيادة التوضيح، من باب معرفة السبب..، فقد وجدت من البعض من ينزل أقصى الأحكام الشرعية وهو ليس بفقيه ولا مفتي، على مثل من وقع من الأبناء في مثل هذا السلوك الغير مقصود كما بيناه، غير متأمل لمقاصد الدين، ولا تفاصيل المسألة، فقط كلمة حرام، وهو من أهل النار، وعليه غضب الله ولعنته، كلمات جاهزة للكثير مما يمر على سمعه ويحدث في حياة المسلمين اليومية.
وعليه: وكما بينتم -شيخنا الفاضل- إن الله لا يأمر بالفحشاء، فلا يقول عاقل هما ليس عندك فقل وانهر كما شئت، ولكن إن حدث شيء من ذلك غير مقصود، والجوانب النفسية تدرك ذلك، وهي غير منكرة له، فدائرة الإثم ضيقة مغلظة، فلا ندخل فيها ماليس منها، والله أعلم.
ولا زلت أقول هو تأمل بسيط لا أدعي صوابه، وهو ماحدا بي لطرحه بين أيديكم اساتذتي الأفاضل لتقوموه، وتصلحوا اعوجاجه، إن كان ثمة زلة استغفر الله منها، ووفق الله الجميع لكل مايحبه ويرضاه.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد:
الشيخ الكريم

قال تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (الإسراء:23)
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ "

والخطاب في الآية الكريمة والحديث الشريف موجه للمكلف البالغ العاقل ، أيا كان عمره أليس كذلك ، فقد يبلغ أحد الوالدين الكبر والابن مراهق لم يبلغ العشرين ، فهل يخرج بذلك من الحد الذي حده الخطاب ، طبعا وكما هو معروف لا يخرج ؟
قال الماوردي:
"{ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } فيه وجهان :
أحدهما : يبلغن كبرك وكما عقلك .
الثاني : يبلغان كبرهما بالضعف والهرم ." أهــ

وما قاله الماوردي يرد عليه ما قلته سابقا من أن الوالدين قد يبلغا الكبر والابن في الثامنة عشر مثلا ، وكان ولا زال من هم في السادسة عشر أو السابعة عشر تناط إليهم مهام عظام وتوكل إليهم ، وهذه النقطة أشرت إليها للدلالة على كمال العقل، هذا طبعا إن قصد الماوردي من قوله (كبرك ) التقدم في السن أكثر .
أما بالنسبة لحالنا اليوم ،فحالنا هو الذي يحتاج لمراجعة ووقفة مع بعض جوانبه كالمناهج والإعلام وطريقة التربية التي تقزم الأبناء وتؤخر الثمرة المرجوة منهم ، والتي تساعدهم في خدمة أنفسهم ومجتمعهم ، فوا أسفي على هذا الجيل إلا من رحم الله فلن تخلوا بإذن الله لأنها لن تخرب كما أراد الله تعالى .

*وفي ما قاله ابن عاشور تأكيد لما قلته وهو فيما يلي والله أعلم وأحكم:
"والخطاب ب { عندك } لكل من يصلح لسماع الكلام فيعم كل مخاطب بقرينة سبق قوله : { ألا تعبدوا إلا إياه } ، وقوله اللاحق { ربكم أعلم بما في نفوسكم } [ الإسراء : 25 ] .
وقال:
والخطاب لغير معين مثل قوله : { إما يبلغن عندك الكبر } [ الإسراء : 23 ] .
والعدول عن الخطاب بالجمع في قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين } [ الإسراء : 25 ] الآية إلى الخطاب بالإفراد بقوله : { وآت ذا القربى } تفنن لتجنب كراهة إعادة الصيغة الواحدة عدة مرات ، والمخاطب غير معين فهو في معنى الجمع . والجملة معطوفة على جملة { ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] لأنها من جملة ما قضى الله به .
وقال :
{ وبالوالدين } متعلق بقوله؛ { إحساناً } ، والباء فيه للتعدية يقال : أحسن بفلان كما يقال أحسن إليه ، وقد تقدم قوله تعالى : { وقد أحسن بي } في سورة [ يوسف : 100 ] . وتقديمه على متعلقه للاهتمام به ، والتعريف في الوالدين للاستغراق باعتبار والدي كل مكلف ممن شملهم الجمع في ألا تعبدوا } ." أهــ
 
.....فما عنيته من لا يتعمد معصيتهما، وهو في حقيقته بار بهما. وقلبهما عنه راض، ويعتبران هذا سلوكا طارئ فيه تعبير عن تدلل من بهجة نفسهما، وخطأ لا يعزب عن قوله سبحانه( ربنا لا توآخذنا إن نسينا أو اخطأنا..). فلا إثم إذا، لأن الإصرار منتف اصلا. والقلب راض قبل كل شيئ. ................................فقد وجدت من البعض من ينزل أقصى الأحكام الشرعية وهو ليس بفقيه ولا مفتي، على مثل من وقع من الأبناء في مثل هذا السلوك الغير مقصود كما بيناه، غير متأمل لمقاصد الدين، ولا تفاصيل المسألة، فقط كلمة حرام، وهو من أهل النار، وعليه غضب الله ولعنته، كلمات جاهزة للكثير مما يمر على سمعه ويحدث في حياة المسلمين اليومية.

لا أدري يا شيخ محمد لماذا لم أتشرف بالإشراف العلمي على أمثالك، فلو كان الأمر بيدي لمنحتك الدرجة على فقرة مما تكتب فضلا عن موضوع أو موضوعات دون التقيد بشيء علمي آخر.

وبعد استيعاب ما تفضلت به أقول:
لو وُزنَّا بمنطق الأفِّ من كونه يدخل النار مع الفجار ما دخل واحد منا الجنة ، ولقيدتُ على رأس المطلوبين إلى النار والعياذ بالله .

كما أنه لا يخال على حصافتكم أنكم أتيتم بالبراهين والحجج التي تبين أن الإصرار وعدم الاكتراث بمقام الوالدين عليهما مدار العقاب .

أما مثل ما أوردتم من " نفخات يومية أو لحظية من غِرّ أو حدث " ففي اليوم قد تحدث ملايين المرات ، والسماح حاصل من الأباء وبالتبعية عندما يكون الأبناء آباء فإنهم ـ أيضا ـ يسامحون والله الخالق سبحانه عفو غفور ودود .

ومن وجهة نظري الأمر ينحصر في مقام الترهيب والنذارة حتى لا يشب الصبي لعَّانا أو متبجحا أو متأففا فيتسع الخرق على الراقع.

وبما ان الأف وقعت في حق بشر
وحقوق البشر مدار غفرها العفو ممن حدثت له فلا مشاحة في القضية .

ولعل من يتحدث بالويل والثبور وعظائم الأمور على صاحب الأف قد اصطلى بنارها من عاقل بالغ فاهم تحول حاله إلى عاق كنود.

ولكن يا دكتور محمد ليس كل ما نفصلِّه الآن يقال للعوام لحديث البخاري :" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
قَالَ أَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟
قَالَ: لا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا".

كلامك طيب مقنع لكن ـ من وجهة نظري ـ عندما يبتعد عن مفهوم المخالفة ويقترب من مقاصد الشريعة وأصولها الأصيلة .
هذه وجهة فهي ونحن جميعا مع الدليل ندور معه حيث دار.

والله يرعاك ويكتب لك الأجر
 
لما وقفت على هذا الحوار الجميل بين الأخوين الكريمين ، الشيخ محمد والدكتور خضر ، ثار في نفسي ما ثار من الشجون وتذكرت قول الحق تبارك وتعالى:
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ) الإسراء(25)
وأحسبها تصب فيما ذهب إليها الشيخ محمد ووافقه عليه أخيرا الدكتور خضر.

ثم وقفت على كلام العلامة بن عاشور رحمه الله على الآية في تفسيره فإذا هي تجلي لنا سعة رحمة الله وكيف أن شرعه جاء متوافقا مع طبيعة الضعف والجهل والتقصير الذي جبل عليه الإنسان ، يقول رحمه الله:

"تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .
ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً . وهو مما يشمله الصلاح في قوله : { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به . وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .
ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة . والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً . وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلاً .
وهذا الأوْب يكون مطرداً ، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته . فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .
وفي قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة . وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .
وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً ."
التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 213)
 
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد :

هذه المناقشة تذكرني بقضية ، وهي أن المفتي وإن كان مطالب بأن يتحرى يسر الدين في فتواه إلا أنه لابد أن يوضح للسائل الحقيقة ويريه الصورة الحقيقية للأمور مع ذلك ، فمن يضمن عمر العاق ، ومن يضمن رضى قلب الوالدين فالقلوب بيد الرحمن ، وانظروا ما فعل الله تعالى بابن الصالحين لأجلهم :
{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً }(الكهف80)
ومن يضمن سكوت الوالدين عند الغضب وعدم دعاؤهم على من عقهم من الأولاد .

وقد أجمعت الأمة على حرمة العقوق وأنه من الكبائر المتفق عليها.
وقدأخرج البخاري في صحيحه عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
"ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ"
ومن عقوبة العاق لوالديه في الدنيا :
1- يضيَّق عليه في رزقه وإن وسِّع عليه فمن باب الاستدراج.
2 - لا يُنسأ له في أجله كما ينسأ للبار لوالديه والواصل لرحمه.
3- لا يُرفع له عمل يوم الخميس ليلة الجمعة.
4- لا تفتح أبواب السماء لعمله.
5- يبغضه الله.
6- يبغضه أهله وجيرانه.
7- يخشى عليه من ميتة السوء.
8- يلعنه الله وملائكته والمؤمنون.
9- لا يستجاب دعاؤه.
10- تعجل له العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له يوم القيامة.
11- يعقه أبناؤه وأحفاده.
ب. في الآخرة :
1- لا يدخل الجنة إن كان من الموحدين مع أول الداخلين.
2- لا ينظر الله إليه وإن دخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث"79، وفي رواية: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر". وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَغِمَ أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر أوأحدهما ثم لم يدخل الجنة".80 وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة قاطع"81، وفي رواية: "قاطع رحم".
" منقول "
نعم لابد من الوضوح فالعاق سيخسر الدنيا والدين إذا لم يتدارك نفسه قبل فوات الأوان ، والله أعلم وأحكم.
 
أبو الأشبال حفظك الله ورعاك وجعلنا وإياك من البارين

الحديث ليس عن العقوق أيها الحبيب ، ولكن الحديث عن ذلك التقصير الذي لايسلم منه أحد إلا من رحم الله.
الحديث عن حال ذلك الشخص لا يزال يعيش في كنف والديه ينعم بحنانهما وحدبهما وخوفهما عليه وربما بلغ عقده الثالث وهو لا يزال كذلك ، ثم تصدر منه بعض الهنات في جدل عابر أو خصومة عابرة وقد يغضبهما بعض الغضب لا يلبث أن يتلاشى وينسى،هل يسوى بينه وبين ذلك الذي يعيش والداه أو أحدهما في كنفه قد رق عظمهما ووهنت قوتهما وهما في أمس الحاجة إلى حبه وعطفه وحنانه ثم يجدا منه أف أو ما فوق أف؟

لا شك أخي الكريم أن تعويد الشخص وتربيته على البر هو المطلوب لأن في ذلك خير له ولوالديه .
ولكن الحكمة تقتضي أن يتغاضى الأبوان عن بعض الهنات والسقطات وبخاصة إذا كان الولد خيره يغلب شره ومحاسنه تغلب على ما يكره منه ، والحكيم والموفق من أعان أبناءه على بره.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :

أخي الكريم الحجازي حفظكم الله وجميع أعضاء الملتقى،و هدانا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى وأعاننا على بر من له حق علينا وأولهم الوالدين حفظهم الله تعالى .

الحديث عن هذا الأمر ألا وهو البر سيمر في طرق ومنعطفات ووقفات ، ونحن لابد أن نفرق بين الخطاب الموجه للوالدين والخطاب الموجه للولد.
فالولد لابد أن يحتال ويتحين الفرص لإرضاء والديه ويدعو الله أن يعينه على ذلك فلأمر سهل على الموفق المعان ، ولابد أن لا يلتفت لبشريتهم التي تستلزم عدم كمالهم ، فالكمال لله وحده ، وإذا تخيلنا أن الولد موظف فما هو تصرفه مع مديره ، تراه في السن الذي ذكرته مهذب لبق ذكي في تعامله مهما كان المدير شرسا ، والوالدين أحق بذلك وأولى وببرهم في وقت قليل سيدير مديره بإذن الله تعالى ، هذا هو الموفق .

يقول حبر الأمة وترجمان القران عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ثلاث أيات مقرنات بثلاث لا تقبل واحدة بغير قرينتها ...
1) "و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول " [التغابن : 12] فمن طاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه ...
2) " وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة " [البقرة : 43] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه ...
3) " إن اشكر لي ولوالديك " [لقمان: 14] فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. ومن ثم فهذه نصيحة ــ في هذا الأمر العظيم ــ أوجهها لنفسي ولكل من يطلع عليها من أخواني المسلمين.(1)"

والحمد لله من رحمة الله أن الوالدين يغلب عليهم العطف والرحمة ، والله سبحانه أرحم منهم بعباده الأبناء فيمهلهم ويضع في طريقهم ما يذكرهم .

أما بالنسبة للوالدين وحقوق الأبناء عليهم ، فحق الأبناء يستلزم منهم تربيتهم وفق ما أرشدهم إليه الذكر الحكيم ، فيرحم الوالدين أبناءهم من التشتت والضياع في بنيات الطريق ، وإذا فرضنا أن الوالدين لم يوفقا في ذلك ، وقد هدي الابن إلى الطريق القويم فالهادي هو الله تعالى ، هل نقول له اخسر هذا الكنز ألا وهو بر الوالدين في ما ليس فيه معصية للخالق ؟ طبعا أنت لا تقصد هذا المنعطف ، ولكن ما أردته هو أن أشرح معنى رحمة الوالدين كما أفهمه ، وأكملت حتى لا تكون الفكرة مبتورة ، يقول أحد الكتاب :
• همسة للوالدين :
يأيها الآباء ساعدو أبنائكم على بركم .. نعم إن للوالدين يد طولى في بر أبنائهما لهما .. من حسن تربية وعناية .. ودعاء ومحافظة عليهم .. ولهذا كان لزاما على الأب المسلم ألام المسلمة أن يحميا أولادهما من هذا العقاب الشديد ( عقاب العقوق ) عند الله تعالى ...
بان يربيا أبناءهما تربية حسنة فيعرفانهم حدود الله .. واسباب غضبه ومقته ويساعدونهم ويعينوهم على برهما ..
روى الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " رحم الله والداً أعان ولده على بره " .. وهذا هشام بن حسان يقول : قال : سعيد بن جبير : أني لأ زيد في صلاتي من اجل ابني هذا قال هشام : رجاء أن يحفظ فيه ...(1)


ـــــــــــــــــــــــــ
1-
http://www.saaid.net/Doat/almueidi/5.htm
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد:
الشيخ الكريم

قال تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (الإسراء:23)
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ "

والخطاب في الآية الكريمة والحديث الشريف موجه للمكلف البالغ العاقل ، أيا كان عمره أليس كذلك ، فقد يبلغ أحد الوالدين الكبر والابن مراهق لم يبلغ العشرين ، فهل يخرج بذلك من الحد الذي حده الخطاب ، طبعا وكما هو معروف لا يخرج ؟
قال الماوردي:
"{ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } فيه وجهان :
أحدهما : يبلغن كبرك وكما عقلك .
الثاني : يبلغان كبرهما بالضعف والهرم ." أهــ

وما قاله الماوردي يرد عليه ما قلته سابقا من أن الوالدين قد يبلغا الكبر والابن في الثامنة عشر مثلا ، وكان ولا زال من هم في السادسة عشر أو السابعة عشر تناط إليهم مهام عظام وتوكل إليهم ، وهذه النقطة أشرت إليها للدلالة على كمال العقل، هذا طبعا إن قصد الماوردي من قوله (كبرك ) التقدم في السن أكثر .
أما بالنسبة لحالنا اليوم ،فحالنا هو الذي يحتاج لمراجعة ووقفة مع بعض جوانبه كالمناهج والإعلام وطريقة التربية التي تقزم الأبناء وتؤخر الثمرة المرجوة منهم ، والتي تساعدهم في خدمة أنفسهم ومجتمعهم ، فوا أسفي على هذا الجيل إلا من رحم الله فلن تخلوا بإذن الله لأنها لن تخرب كما أراد الله تعالى .

*وفي ما قاله ابن عاشور تأكيد لما قلته وهو فيما يلي والله أعلم وأحكم:
"والخطاب ب { عندك } لكل من يصلح لسماع الكلام فيعم كل مخاطب بقرينة سبق قوله : { ألا تعبدوا إلا إياه } ، وقوله اللاحق { ربكم أعلم بما في نفوسكم } [ الإسراء : 25 ] .
وقال:
والخطاب لغير معين مثل قوله : { إما يبلغن عندك الكبر } [ الإسراء : 23 ] .
والعدول عن الخطاب بالجمع في قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين } [ الإسراء : 25 ] الآية إلى الخطاب بالإفراد بقوله : { وآت ذا القربى } تفنن لتجنب كراهة إعادة الصيغة الواحدة عدة مرات ، والمخاطب غير معين فهو في معنى الجمع . والجملة معطوفة على جملة { ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] لأنها من جملة ما قضى الله به .
وقال :
{ وبالوالدين } متعلق بقوله؛ { إحساناً } ، والباء فيه للتعدية يقال : أحسن بفلان كما يقال أحسن إليه ، وقد تقدم قوله تعالى : { وقد أحسن بي } في سورة [ يوسف : 100 ] . وتقديمه على متعلقه للاهتمام به ، والتعريف في الوالدين للاستغراق باعتبار والدي كل مكلف ممن شملهم الجمع في ألا تعبدوا } ." أهــ

جزاك الله خيرا أخي الكريم (أبو الأشبال)، شاكرا لك كريم التأصيل، مقدراجميل التنبيه المثمر بإذن الله، مثمنا قوة الاستشعار وإدراك المسؤلية المحققة للمناط في عموم آيات البر، بما ينعكس - حال تفعيلها من الجميع- في رقي المجتمعات الإسلامية بما يتوازى في تكامل ديناميكي والتعاليم الشرعية السامية.
 
لا أدري يا شيخ محمد لماذا لم أتشرف بالإشراف العلمي على أمثالك، فلو كان الأمر بيدي لمنحتك الدرجة على فقرة مما تكتب فضلا عن موضوع أو موضوعات دون التقيد بشيء علمي آخر.

وبعد استيعاب ما تفضلت به أقول:
لو وُزنَّا بمنطق الأفِّ من كونه يدخل النار مع الفجار ما دخل واحد منا الجنة ، ولقيدتُ على رأس المطلوبين إلى النار والعياذ بالله .

كما أنه لا يخال على حصافتكم أنكم أتيتم بالبراهين والحجج التي تبين أن الإصرار وعدم الاكتراث بمقام الوالدين عليهما مدار العقاب .

أما مثل ما أوردتم من " نفخات يومية أو لحظية من غِرّ أو حدث " ففي اليوم قد تحدث ملايين المرات ، والسماح حاصل من الأباء وبالتبعية عندما يكون الأبناء آباء فإنهم ـ أيضا ـ يسامحون والله الخالق سبحانه عفو غفور ودود .

ومن وجهة نظري الأمر ينحصر في مقام الترهيب والنذارة حتى لا يشب الصبي لعَّانا أو متبجحا أو متأففا فيتسع الخرق على الراقع.

وبما ان الأف وقعت في حق بشر
وحقوق البشر مدار غفرها العفو ممن حدثت له فلا مشاحة في القضية .

ولعل من يتحدث بالويل والثبور وعظائم الأمور على صاحب الأف قد اصطلى بنارها من عاقل بالغ فاهم تحول حاله إلى عاق كنود.

ولكن يا دكتور محمد ليس كل ما نفصلِّه الآن يقال للعوام لحديث البخاري :" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
قَالَ أَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟
قَالَ: لا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا".

كلامك طيب مقنع لكن ـ من وجهة نظري ـ عندما يبتعد عن مفهوم المخالفة ويقترب من مقاصد الشريعة وأصولها الأصيلة .
هذه وجهة فهي ونحن جميعا مع الدليل ندور معه حيث دار.

والله يرعاك ويكتب لك الأجر

آمين وإياكم شيخنا الفاضل.

وتالله لقد أخجلتم تلميذكم بكريم ثنائكم، وأحسب عين الرضا مبعثه، وكريم الخلق معدنه،فجزاكم الله خيرا على حسن ظنكم.

والأمر في مجمله كما بينتم أستاذنا منحصر في" في مقام الترهيب والنذارة حتى لا يشب الصبي لعَّانا أو متبجحا أو متأففا فيتسع الخرق على الراقع".

وكلي موافقة لفضيلتك في أن ماتم تفصيله لا يقال للعوام، بل وفي ما هو أقل من ذلك، وإن مما شجعني المكانة العلمية المرموقة للملتقى وأحسب غالبية الداخلين إليه من ذوي الكفاءة والتخصص.

والحق معك أستاذي في الاقتراب من المقاصد، ولإزالة اللبس، ولما تفضلتم ببيانه -شيخنا- فإني أسحب الاعتماد على المصطلح الأصولي في مفهوم المخالفة، مؤكدا على خروج الموصوف من دائرة الإثم، الذي هو المقصد في دخول العندية، بدليل ورودها اعتراضا، متلازمة بمجيء الأمر -حينها-( فلا تقل لهما ...) والله تعالى أعلم، وجزاكم الله خيرا.
 
جزاك الله خيرا أخي الكريم (أبو الأشبال)، شاكرا لك كريم التأصيل، مقدراجميل التنبيه المثمر بإذن الله، مثمنا قوة الاستشعار وإدراك المسؤلية المحققة للمناط في عموم آيات البر، بما ينعكس - حال تفعيلها من الجميع- في رقي المجتمعات الإسلامية بما يتوازى في تكامل ديناميكي والتعاليم الشرعية السامية.

وجزاكم الله خيرا .
أردت أن أن أنبهك أخي الكريم إلى حرف ( إما ) .
ذكر الزمخشري أن " إما " حرف عطف مهمل بمعنى " أو " ، وأوضح الفراء أن العرب ربما استعملت " أو " مكانها لتآخيهما في المعنى . ويعدها المفسرون أختها في الدلالة ، ومعناها لا يختلف عنها كثيرا ، فهي لأحد الأمرين ، وللتخيير ، والشك .

وما أنسب [ أحد الأمرين ] كدلالة للأمر الذي نوقش هنا .
فالأمر عام كما يظهر .

والله أعلم وأحكم.
 
لما وقفت على هذا الحوار الجميل بين الأخوين الكريمين ، الشيخ محمد والدكتور خضر ، ثار في نفسي ما ثار من الشجون وتذكرت قول الحق تبارك وتعالى:
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ) الإسراء(25)
وأحسبها تصب فيما ذهب إليها الشيخ محمد ووافقه عليه أخيرا الدكتور خضر.

ثم وقفت على كلام العلامة بن عاشور رحمه الله على الآية في تفسيره فإذا هي تجلي لنا سعة رحمة الله وكيف أن شرعه جاء متوافقا مع طبيعة الضعف والجهل والتقصير الذي جبل عليه الإنسان ، يقول رحمه الله:

"تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .
ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً . وهو مما يشمله الصلاح في قوله : { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به . وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .
ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة . والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً . وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلاً .
وهذا الأوْب يكون مطرداً ، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته . فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .
وفي قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة . وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .
وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً ."
التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 213)

جزاك الله خيرا أخي الحبيب حجازي الهوى، على إثرائك القيم للموضوع، ومداخلتك المفيدة فيه.
 
عودة
أعلى