{فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}..تناسب الآية مع ختامها

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع كادح
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

كادح

New member
إنضم
26/10/2003
المشاركات
17
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
قال تعالى في سورة البقرة: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}.

سمعت مرة من أحد المشايخ - حفظه الله - أن خاتمة أية آية تتناسب مع الآية نفسها ..

وفي الآية أعلاه لم يتبين لي سبب التناسب .. مع علمي أن أن كلام الله أصدق وأحسن وأبين ..

وكذلك في آية أخرى وهي قوله: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.

هل من توضيح؟!! ..

وشكرا ..
 
بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الآية هي الآية رقم (209) من سورة البقرة .

معنى العزيز : المنيع الذي لا ينال ولا يغالب ، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء أراده ، فله العزة كلها : عزة القوة ، وعزة الغلبة ، وعزة الامتناع ، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات ، وقهر جميع الموجودات ، ودانت له الخليقة.

معنى الحكيم : الذي يحكم الأشياء ، ويتقنها غاية الإتقان والإحكام . قال ابن جرير : والحكيم الذي لا يدخل تدبيره خللٌ ولا زلل.
وقال ابن كثير : الحكيم في خلقك وأمرك ، وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء ، لك الحكمة في ذلك والعدل التام.

صلة الاسمين (العزيز) و (الحكيم) بالآية :
بيَّن الله في هذه الآية أن من زلَّ وأخطأ طريق الحق بعدما جاءته البينات والحجج ، فلا يظنن أن الله عاجز عن أخذه والانتقام منه ، وإنما ليعلم أن الله سبحانه وتعالى عزيز ذو عزة لا يمنعه من الانتقام منه مانع ، ولا يدفعه عن عقوبته دافع ، حكيم فيما يفعل به من عقوبة . وكل ما رتبه عز وجل من عقوبات ومؤاخذات إنما هو من مقتضى حكمته جل وعلا.

بتصرف من كتاب : (أسماء الله الحسنى في خواتم آيات الفاتحة والبقرة) للأستاذ الدكتور علي بن سليمان العبيد.

وأما الآية الثانية فهي من سورة المائدة ، وقد وضح العلماء رحمهم الله الحكمة التي ظهرت لهم من ختم الآية بهذين الاسمين (العزيز الحكيم) مع أنه قد يتبادر إلى ذهن القارئ أنه سيختمها بقوله ( إنك أنت الغفور الرحيم). فذكروا أن الحمكة هي بيان أن مغفرته سبحانه وتعالى تكون عن قدرة وعزة وقوة ، لا عن ضعف وعجز ، وأنها لا تكون إلا لحكمة عظيمة وليست عبثاً.
ولعله يكون للأمر مزيد بيان من بقية الزملاء الفضلاء في هذا الملتقى العلمي.

وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.
 
جزاك الله خيرا يا عبد الرحمن ..

وعلمك التأويل ..
 
يقول ابن القيم عن آية المائدة :
(( ... أي هم عبادك وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم فإذا عذبتهم عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه فليس في هذا استعطاف لهم كما يظنه الجهال ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة كما تظنه القدرية وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله وكمال علمه بحالهم واستحقاقهم للعذاب ثم قال وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم المائدة 118 ولم يقل الغفور الرحيم وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم والأمر بهم إلى النار فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة بل مقام براءة منهم فلو قال فإنك أنت الغفور الرحيم لأشعر باستعطافه ربه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم والمعنى إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم ليست عن عجز عن الانتقام منهم ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه ولجهله بمقدار إساءته إليه والكمال هو مغفرة القادر العالم وهو العزيز الحكيم وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب )) مدارج السالكين 2 : 397 .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزى الله مشائخنا الفضلاء على ما بينوا، وكان قد تبين لي أمر، فأحببت أن أعرضه عليكم، وإني إن شاء الله مستفيد من تعقيبكم.
الآية الأولى قوله تعالى: ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ).
فالمؤمن في حال الزلل بالمعصية يخشى عليه من أمرين: الأول أن يستهين بها فيحمله استصغارها على التمادي والإصرار. والثاني: كره تشريع الله تعالى، حيث قد يتوهم أن فيه من الحرج ما أوقعه في الإثم، وحب المعصية، لما قد يجد فيها من اللذة والمصلحة المؤقتة.

أما الأول فهو كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحدث الصحيح: ( إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه قال به هكذا فطار )، وفي الحديث الآخر - وهو ضعيف، لكن معناه صحيح إن شاء الله -: ( لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار ).

أما الثاني فهو كقول المنافقين الذي حكى الله تعالى في سورة النساء: ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ) فهذا كره منهم لهذا التشريع استثقالاً له، ثم قال تعالى رداً عليهم: ( قل متاع الدنيا قليل والآخر خير لمن اتقى ) فهذا تزهيد لهم في المصلحة الزائلة الناتجة عن المعصية واللذة الكاذبة.

ثم نرجع إلى آية البقرة موضوعِ البحث.
فنرى اسم الله تعالى العزيز، ذو القهر والمنعة، الذي لا يعجزه شيء ولا يفوته. فإذا سمع المؤمن هذا، وعلم مقتضاه، خاف ربه، فانصرف ذهنه عن صغر المعصية التي ارتكب إلى عظمة الرب الذي قد عصى. وهذا يحمله على استعظام ذنبه والمسارعة بالتوبة.

ثم نرى اسم الله تعالى الحكيم، المحكِم المتقِن لشرعه وخلقه، ذو الحكمة الذي يضع الأمر في موضعه المناسب بحث يصلح به ولا يفسد. فإذا سمع المؤمن هذا، نظر إلى هذا التشريع الذي قد يُرى فيه استثقال، على أن فيه المصلحة الأكيدة والحكمة البالغة، وليس فيه تعنت ولا إعجاز. فإذا تبين له ذلك كره هذه المعصية التي تفوت مصلحة العمل بالحكم الشرعي، وزهد بما فيها من مصلحة ولذة، لثقته في حكمة ربه.

وبهذا يحمي الله تعالى المؤمن من هذين الأمرين، ويهديه إلى السلامة والخير، والسلامة من العقاب التي في التوبة، والخير الذي في العمل بالشرع لما فيه من المصالح.

لكن هنا قد يسأل سائل: الأمور التي يخشى على المؤمن منها حال معصيته ربه أكثر من مجرد هذين الأمرين، لم كان الحديث عنهما؟
فالجواب - والله تعالى أعلم - أن المقام هنا يقتضيهما، حيث قال تعالى قبل هذه الآية: ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ).

فالدخول في كل شرائع الإسلام من غير استثناء، قد يفهم منه المشقة والحرج، فجاء ذكر الحكمة لبيان أن هذا الدخول ليس لمشقة ولا تعنت كما كان على بني إسرائيل وإنما هو لحكمة بالغة ولصلاح الدين والدنيا.
وذلك كما قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وعليهن وسلم بعد أن أمرهن بجملة من التشاريع : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت )، فكأنه قال: لا أريد بهذا إعناتكن ولا إتعابكن، إنما أريد بذلك تطهيركن. والله أعلم.

ثم اتباع خطوات الشيطان يكون بتزيينه المعاصي وتحقيرها. قال تعالى في التزيين: ( قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) فهذا تزيين بذكر منافع المعصية ولذتها. وقال تعالى في التحقير: ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ) وهذا تحقير للمعصية حيث لن ينال الفاعل عليها عقاب بزعمهم.
فقابل الله تعالى ذينك بذكر عزته تخويفاً لعباده لئلا يغتروا بما هون الشيطان من عذاب المعصية، وبذكر حكمته لئلا يغتروا بما زين لهم من مصلحة ومنفعة.

هذا. وما أصبت فمن الله، وما أخفقت فمني ومن الشيطان، والله وكتابه منه بريئان.
والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
 
اسمحوا لي أن أتطفل على علمكم لأعرض على حضراتكم ما تبين لي من تفسير لهذه الآية.
الآية مكونة من جملتين ، فالجملة الأولي من الآية هي :
( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ).
والجملة الثانية هي : ( فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) .
في مثل هذا الأسلوب في اللغة تكون الجملة الثانية إما (تهديدا ) أو ( طرح حل ).
أما التهديد فهو كقول المعلم لتلاميذه : إن تهاونتم في مراجعة دروسكم بعدما شرحتها لكم فلا تلومون إلا أنفسكم.
(فلا تلومون إلا أنفسكم ) هذا تهديد.
وأما (طرح الحل البديل ) كقول المعلم لتلاميذه : إن لم تفهموا الدرس بعدما شرحته لكم فإني سأستعمل أسلوبا آخر مبسطا في الشرح.
مثال آخر ل ( طرح الحل البديل ) ، قال تلميذ لزميله وهو ينصحه :
إن رسبت في مادة الكيمياء ولم يفدك شرح مدرسك فخذ دروسا خصوصية في مادة الكيمياء.
(الحل البديل) لفشل التلميذ في مادة الكيمياء هو ( الدروس الخاصة (الخصوصية ).
لنعد إلى الجملة الثانية من الآية ( فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) .
هل هي تهديد أم عرض حل بديل يعطي يقينا أعظم من يقين الحل الأول؟
الحل الأول الذي زلوا من بعده هو (البينات)، فالبينات المراد من إرسالها هو ( أن تستيقنها الأنفس). فهل يوجد حل آخر فيه من اليقين ما هو أعظم من يقين البينات؟
لنأخذ الصفة المتعلقة بما جاء في الجملة الثانية من الآية ( فاعلموا أن الله عزيز حكيم) ، الصفة المتعلقة بإسم الله العزيز الحكيم هي (الحكمة).
نستنتج من الآية أن الحل الأول الذي زل الناس من بعد ما جاءهم هو (البينات الحسية) ، والحل البديل هو (الحكمة).
هل في آيات (الحكمة) يقين خير من مما تعطيه (البينات الحسية) ؟
نضرب مثلا يوضح لنا هذه المسألة :
عدت إلى البيت فأخبرني أخي أن أستاذي في مادة الفلسفة زارني اليوم أثناء غيابي ، و آتاني ب (البينة ) على صدق كلامه بأن أراني قبعة الأستاذ وسبحته اللتان نسيهما في بيتي، وحيث أني أعرف قبعة الأستاذ وسبحته صدقت أخي إلا أنني ساورني الشك بعد قليل فقلت في نفسي لعل أخي يمزح معي ربما يكون يكون قد وجدهما في مكان ما خارج المنزل وأحضرهما إلى البيت، لكن أخي ما لبث أن قال لي :
لقد دخل الأستاذ إلى حجرة المكتبة و رص كل كتبك التي كانت مبعثرة على الأرض في خاناتها، فلما دخلت المكتبة وجدت الكتب قد رصت بالفعل مرتبة كل مجموعة لوحدها وحسب الترتيب الأبجدي ، هنا أتاني اليقين الذي لا يتطرق إليه الشك أبدا خاصة وأن أخي هذا الذي أخبني (أمي) لا يقرأ ولا يكتب، فترتيب الكتب بإحكام يعتبر بينة من جنس (الحكمة).
ولو كنت أنا الآخر لا أعلم القراءة ولا الكتابة فأنى لي أن أعلم أن الكتب قد رصت في أدراجها بترتيب محكم!! إذن فالمتعلم هو الذي يدرك الحكمة والترتيب.
فتعالوا لنرى كيف طبقت هذه الآية في هدى الله للبشر.
لقد جاء عيسى عليه السلام (بالبينات ) فزل المرسل إليهم بعد ذلك، فبعث الله رسولا آخر بالحل البديل الذي هو خير يقينا من (البينات الحسية) فآتاه الله اآيات من جنس (الحكمة) ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)، وكان من الحكمة أن يكون هذا الرسول (أميا) لكي لا يرتاب الناس كما لم أرتب في أمر أخي في ذلك المثل الذي ضربته،
وكان من الحكمة أن يعلم الله الإنسان بالقلم مالم يعلم ليدرك حكمته كما أدركت أنا في ذلك المثل الذي ضربته أن الكتب رتبت بإحكام.
ولقد نبهنا الله على ذلك في أول ما أنزل من القرآن وهو : إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم ،الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم.
وترتيب سورة العلق في القرآن جاء بعد سورة التين التي اختتمت بسؤال من الله : أليس الله بأحكم الحاكمين؟
فالإنسان المتعلم هو الذي يجيب ب (بلى) ويبرهن على ذلك بالبراهين والحجج التي أدركها بعلمه ، ولذلك جاءت سورة العلق بعد سورة التين.

أعتذر عن الإطالة وعن الأخطاء التي ربما قد أكون ارتكبتها في هذا الموضوع لأنني كتبته دون أن أعده مسبقا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
والآية أيضا شطرها الأخير (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) تهديد لمن زل بأن الله عزيز حكيم سيحاسب الذين زلوا بحكمته، كل حسب نوع الزلل ، فقد يكون الزلل بالتهاون أو بالجحود أو بالفسق ولكل نوع من الزلل حكم.
يثني الله تعالى باسمين من أسماءه الحسنى ، وهنا باسميه (العزيز الحكيم) فالعزيز هو الغالب الذي لا يقهر ، ولا يكون العزيز غالبا إلا إذا كان حكيما، فمن لم يحكم الشيء ويتقنه بكون عرضة أن يستدرك عليه ويصحح له، والمستدرك عليه يعتبر مغلوبا لافتقاره إلى الحكمة،
إذن فالحكمة هي أم العزة، فيوصف العزيز بالحكيم.
والحكمة بنت العلم .الذي يحكم الأشياء ويتقنها هو الذي يحيط بعلمها.
إذن فالعلم أم الحكمة ، والحكمة أم العزة، فالعزيز يوصف بالعلم (العزيز العليم) .
 
عودة
أعلى