((فأردت أن أعيبها))..هل خرق السفينة بوحي من الله أم بعلم الخضر..؟

لطيفة

New member
إنضم
15/07/2007
المشاركات
471
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
حين خرق الخضر السفينة .. هل ذلك بوحي من الله ، أم بعلم الخضر عن حال تلك الديار وأن بها ملكًا يأخذ كل سفينة غصبًأ..؟
 
السلام عليكم
لايوجد دليل من الآيات أن العبد الصالح كان يُوحى إليه
وأصل العلم أنه من الله ..." علم الانسان " ، "علم بالقلم "
فإذا قال الله أنه علم فلانا بدون تخصيص لطريقة أو وسيلة التعليم فسينصرف ذهن السامع إلى الطريقة المعهودة
علم من الله منتشر فى كون الله يتلقاه المتعلم من خلال السمع والبصر والفؤاد ؛
إذن هو بحث واستقراء واستنباط ثم تفكر وتعقل وتذكر ثم يكون تقدير وارادة ثم العزم والعمل

خرق السفينة كان بناءا على علم مسبق بفعل الملك
والقرار الذى اتخذه العبد الصالح كان الحل الأمثل فى هذا الظرف فقط ؛
وإلا فنصح الملك أفضل ، والتظاهر ضد فعله هذا أفضل ، بل الهروب من وجهه فى أرض الله الواسعه أفضل ....
وبذلك رأى أن من فقه الواقع أن هذا الحل هو الأمثل فى هذا الظرف .... وتعمد الركوب في السفينة ليعيبها
والله أعلم
 
السلام عليكم
كون العبد الصالح سمح لموسى باتباعه ليتعلم، أو كون موسى عليه السلام ذهب ليتعلم منه فإن هذا يدل على أن علم العبد الصالح علم عادى ؛ فيه شيء من الرشد الذى يمكن لأى أحد أن يكتسبه ولذلك قال له " على أن تعلمنى مما علمت رشدا " ؛
ولو كان وحيا لقال له :إنى أعلمه بالوحى وأنفذ ماأنفذ بالوحى ولذلك تجده قد يخالف المنطق والعقل ظاهرا ، ولذلك فإنه علم ليس صالح لك أو لكل أحد .
وبما أنه لم يقل ذلك فهو علم بالبحث والاستقراء يمكن لأى أحد أن يكتسبه
ثانيا : هل يقيم الطائع طاعته إلا بأمر الله ...
إن من أنفذ أمر الشرع فقد أنفذه لأن الله أمر ؛وإن من أقام حدا فقد أقامه بأمر الله ويمكنه القول ... ومافعلته عن أمرى
وربما كان فى الشريعة التى لديه مايبيح له ذلك ، وبذلك حق له أن يقول "ومافعلته عن أمرى "
ثالثا : إن القرائن التى تثبت الوحى له غير حاضرة
بل إن كلمة "قلنا" التى قيلت لذى القرنين غير حاضرة هنا
وإن كانت بعض الآراء تقول إنها ليست دليل على الوحى لذى القرنين فى قوله تعالى " قلنا ياذا القرنين " وذلك بدلالة قوله تعالى: "وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ...." الاسراء 104 ، فالقول هنا إما لنبى كان فيهم ، أو أنه قول بالحال التى كانوا عليها ؛ وليس وحيا لهم أو لكل واحد فيهم
إذن ... حتى لفظة قلنا لاتثبت وحيا
والله أعلم
 
هناك إشكال تشريعي في القصة لايمكن -و الله اعلم فكه- إلا بافتراض تلقي الخضر وحيا مباشرا او غير مباشر. فإذا سلمنا بإمكانية اطلاعه على أحوال الناس وما يخفى على الغريب وعابر السبيل من محنهم و عقبات عيشهم (و هذا تسليم قد يكون متعسفا!) فإن الحلول التي اختارها لمعالجة الحالات التي ذكرت لا تنضبط بشرعنا، ولا يمكن أن تنضبط بشرع من قبلنا، لأن هناك مناكر ومحرمات عامة لاتدخل في نطاق الاختلاف الممكن بين التشريعات الربانية للأمم. فكيف يمكن أن تصور تشريعا ربانيا يبيح قتل النفس الزاكية بدون نفس لمجرد احتمال أن ترهق أبويها طغيانا وكفرا في المستقبل؟ ولو سلمنا أن ذاك كان باجتهاد من العبد الصالح بناء على توقع و ليس على يقين ينبثق عن وحي لفتحنا بابا عظيم الخطر في الاجتهاد لدفع منكر غير متحقق بكبير لايمكن أبدا شرعنته دون إذن مخصوص من الله، وغير خاف أن الدماء الكثيرة التي سفكها حكام ظلمة بناء على الشبهة - حتى في ظل دولة الإسلام-إنما كان تبريرهم لذلك من هذا القبيل. ولو كان مثله مسوغا في شرعة سابقة لما كان لإنكار موسى تعليل!
و لذلك فإني لاأجد حلا لهذه المعضلة إلا أن يكون العبد الصالح تصرف بناء على وحي مخصوص وبإذن لايدخل تحت مظلة القواعد التشريعية العامة، والله أعلى وأعلم
 
شكر الله لك أخي مصطفى..لك دومًا قصب السبق

أخي محمد كلامك عين الحكمة
 
حين خرق الخضر السفينة .. هل ذلك بوحي من الله ، أم بعلم الخضر عن حال تلك الديار وأن بها ملكًا يأخذ كل سفينة غصبًأ..؟
لا أدري لما اخترت السفينة دون قتل الغلام و الجدار، فما يقال في هذه يقال في الأخرى.
كان شيخ الإسلام ابن تيمية قبل أن يدلي برأيه في تفسير آية يراجع و يرجع إلى نحو مائة تفسير، ثم يسأل الله أن يفتح عليه فيها؛
وهذا هو المطلوب لمن يخض هذا البحر من العلم.
و أيضا لا ينبغي لمن يتصدى لتفسير آية أن يخرج عن أقوال السلف المنقولة عنهم فيها، فهذا شبيه بإحداث قول ثالث في المسألة.
و لكم هذه النقول من باب التذكير فحسب.
جاء في التحرير والتنوير:
وَمَا فعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي: علم موسى أن ذلك بأمر من الله تعالى لأن النبي إنما يتصرف عن اجتهاد أو عن وحي، فلما نفى أن يكون فعله ذلك عن أمر نفسه تعين أنه عن أمر الله تعالى. وإنما أوثر نفي كون فعله عن أمر نفسه على أن يقول: وفعلته عن أمر ربي، تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره، لأنه لما أنكر عليه فعلاته الثلاث كان يؤيد إنكاره بما يقتضي أنه تصرف عن خطأ.
و في تفسير الطبري - (18 / 91)
قوله:( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) يقول: وما فعلت يا موسى جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي، ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله إياي به.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثا سعيد، عن قتادة( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) : كان عبدا مأمورا، فمضى لأمر الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق:( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) ما رأيت أجمع ما فعلته عن نفسي.
و عند ابن كثير (5 / 187)
قوله: { رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي: هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح، { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر، عليه السلام ...
و عند القرطبي - (11 / 28)
وقول تعالى: " وما فعلته عن أمري " يدل على نبوته وأنه يوحى إليه بالتكليف والأحكام، كما أوحى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير أنه ليس برسول، والله أعلم.
و قال البغوي - (5 / 197)
{ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله وإلهامه
و قال السعدي:
َمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي: أي: أتيت شيئا من قبل نفسي، ومجرد إرادتي، وإنما ذلك من رحمة الله وأمره.
و في أضواء البيان - (3 / 323)
َمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى: أي: وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا. وأمر الله إنما يتحقق عن طريق الوحي، إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه إلا الوحي من الله جل وعلا. ولا سيما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، وتعييب سفن الناس بخرقها. لأن العدوان على أنفس الناس وأموالهم لا يصح إلا عن طريق الوحي من الله تعالى.
 
شكر الله لك أخي عبد النور
وليتك تبدل اسمك بخير منه
 
شكر الله لك أخي عبد النور
وليتك تبدل اسمك بخير منه
بارك الله فيك
لما كنت طالبا في الجامعة كان لنا أستاذ من مصر ـ حفظها الله من كل سوء ـ فسأل عن اسمي فأجبته، فقال لي إن النصارى عندنا يتسمون به. كذا قال.
اسم عبد النور تسمى به ناس قبلي.
جاء في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - (1 / 170)
محمد بن محمد بن عبد النور الحميري التونسي
كان من صدور العدول المبرزين أخذ العلم عن القاضي الإمام العالم أبي القاسم بن زيتون والقاضي الخطيب أبي محمد بن برطلة الأزدي وله تفنن في سائر العلوم وله تصانيف في عدة علوم واختصر تفسير الإمام فخر الدين بن الخطيب في سبعة أسفار اختصاراً حسناً
و في أخبار القضاة - (1 / 55)
تأليف الإِمَامِ المُحَدِّثِ القَاضِي أَبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِِ خَلَفِ بْنِِ حَيَّانَ بْنِِ صَدَقَةَ الضَّبِّيّ البَغْدَادِيّ, المُلَقَّب بِـ"وَكِيع"(المتوفى سنة 306هـ)
حَدَّثَنِيْ مُحَمَّد بْن عَبْد النور المصري ...
أعيان العصر وأعوان النصر - (1 / 479)
عبد الكريم بن عبد النور ابن منير، الشيخ الإمام الحافظ مفيد الديار المصرية، قطب الدين أبو علي الحلبي، ثم المصري الشافعي المعروف بابن أخت الشيخ نصر.
يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، أبو الحسين، زين الدين: عالم بالعربية والادب، واسع الشهرة في المغرب والمشرق.
الأنساب للسمعاني - (5 / 297)
أبو محمد عبد النور بن عبد الله بن سنان المسمعي، من أهل البصرة.
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - (2 / 234)
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد النور بن أحمد البدر الأنصارى المهلبى الفيومى الأصل القاهرى الشافعى المعروف بابن خطيب الفخرية.

و أظن مأخذ الذي أشكل عليه هذا اسم، هل النور من أسماء الله أم من صفاته؟
و لذا أحيل غير آمرا لمن ينشط للإجابة عن سؤالي السابق.
 
السلام عليكم
فلما نفى أن يكون فعله ذلك عن أمر نفسه تعين أنه عن أمر الله تعالى. وإنما أوثر نفي كون فعله عن أمر نفسه على أن يقول: وفعلته عن أمر ربي، تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره، لأنه لما أنكر عليه فعلاته الثلاث كان يؤيد إنكاره بما يقتضي أنه تصرف عن خطأ.
...-تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره،-!!! هل هذا مبرر منطقى مقبول ، بل كان يجب القول صراحة أنه عن أمر من الله ؛ أما أن بكون مبرر عدم ذكر ذلك صراحة هو زيادة حيرة موسى فقول عجيب
وحسب علمى لم يرد عن أحد من السلف هذا المبرر لتأخذ به ... حسب منهجك -
عن قتادة( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) : كان عبدا مأمورا، فمضى لأمر الله.
كل الخلق مأمور ... ولكننا نتكلم فى كيف بلغه الأمر

و عند القرطبي - (11 / 28)
وقول تعالى: " وما فعلته عن أمري " يدل على نبوته وأنه يوحى إليه بالتكليف والأحكام، كما أوحى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير أنه ليس برسول، والله أعلم.
بالطبع الأمر غير الوحى ؛ الوحى قد يكون أحد الوسائل لتبليغ الأمر .... ولا قرينة تقول أن الأمر أُبلغ وحياً .
 
لايوجد دليل من الآيات أن العبد الصالح كان يُوحى إليه /QUOTE]
أخي هل لك سلف فيما قلت؟
و هل قتل الغلام و حادثة الجدار تجري نفس المجرى عندك؟
...-تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره،-!!! هل هذا مبرر! منطقى مقبول ، بل كان يجب القول صراحة أنه عن أمر من الله ؛ أما أن بكون مبرر عدم ذكر ذلك صراحة هو زيادة حيرة موسى فقول عجيب
وحسب علمى لم يرد عن أحد من السلف هذا المبرر لتأخذ به ... حسب منهجك -
كل الخلق مأمور ... ولكننا نتكلم فى كيف بلغه الأمر
بالطبع الأمر غير الوحى ؛ الوحى قد يكون أحد الوسائل لتبليغ الأمر .... ولا قرينة تقول أن الأمر أُبلغ وحياً .
مما استنبطه أهل العلم من قصة موسى مع الخضر عليهما السلام آداب العالم و المتعلم، و أسلوب الخضر مع موسى كان من هذا الباب.
و أسأل هل لك سلف فيما قلته؟ وهذا هو منهجي، فما هو منهجك في تفسير الآيات؟
أفصح عن مرادك ـ الذي تحته خط ـ
 
السلام عليكم

أفصح عن مرادك ـ الذي تحته خط ـ
الأمر غير الوحى ؛ الوحى قد يكون أحد الوسائل لتبليغ الأمر .... ولا قرينة تقول أن الأمر أُبلغ وحياً .

لم أفهم وجه سؤالك أخى الكريم ... هل تقول أن الأمر هو الوحى ؟ ..... أقول لك لا ،الأمر شيء والوحى شيء ،قد يوحى الأمر ... كما فى قوله تعالى "
....وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا.....فصلت 12.

العبد الصالح قال " ومافعلته عن أمرى " ... سنسأل عن أمر من إذن ؟
إن قلت : إنه عن أمر الله ،
فسأقول : ما الذى رجح أنه عن أمر الله له ... وكيف بلغه الأمر ؟
إن قلت قد أُوحى إليه .... فسؤالى عن قرينة أو دليل فى الآيات على ذلك؟
 
السلام عليكم
كون العبد الصالح سمح لموسى باتباعه ليتعلم، أو كون موسى عليه السلام ذهب ليتعلم منه فإن هذا يدل على أن علم العبد الصالح علم عادى ؛ فيه شيء من الرشد الذى يمكن لأى أحد أن يكتسبه ولذلك قال له " على أن تعلمنى مما علمت رشدا " ؛
ولو كان وحيا لقال له :إنى أعلمه بالوحى وأنفذ ماأنفذ بالوحى ولذلك تجده قد يخالف المنطق والعقل ظاهرا ، ولذلك فإنه علم ليس صالح لك أو لكل أحد .
وبما أنه لم يقل ذلك فهو علم بالبحث والاستقراء يمكن لأى أحد أن يكتسبه
ثانيا : هل يقيم الطائع طاعته إلا بأمر الله ...
إن من أنفذ أمر الشرع فقد أنفذه لأن الله أمر ؛وإن من أقام حدا فقد أقامه بأمر الله ويمكنه القول ... ومافعلته عن أمرى
وربما كان فى الشريعة التى لديه مايبيح له ذلك ، وبذلك حق له أن يقول "ومافعلته عن أمرى "
ثالثا : إن القرائن التى تثبت الوحى له غير حاضرة
بل إن كلمة "قلنا" التى قيلت لذى القرنين غير حاضرة هنا
وإن كانت بعض الآراء تقول إنها ليست دليل على الوحى لذى القرنين فى قوله تعالى " قلنا ياذا القرنين " وذلك بدلالة قوله تعالى: "وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ...." الاسراء 104 ، فالقول هنا إما لنبى كان فيهم ، أو أنه قول بالحال التى كانوا عليها ؛ وليس وحيا لهم أو لكل واحد فيهم
إذن ... حتى لفظة قلنا لاتثبت وحيا
والله أعلم
وفقك الله أخي الكريم مامصدر كلامك ومرجعه؟؟
 
سلام عليكم أخي مصطفى سعيد
أما بعد:
قبل أن أجيبك، سأبدأ من الأول: هل الخضر نبي أم ولي؟
و بعده سندخل في الحوار.
 
السلام عليكم
أنا لاأعلم عنه إلا ما قالته الآيات "... عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً"
لم تخصه الآيات إلا بكونه أوتى رحمة ، وعُلم علما ، وكلاهما - الرحمة والعلم - فرادى أو مجتمعين لايكفيان لتقرير كونه نبى ؛ أما كونه ولى ... فطالما هو من المؤمنين " الله ولى الذين آمنوا ..."،
أما الولاية التى يُقال عنها أنها تأت بالخوارق فلاعلم لى بها .
 
اخي سعيد الافضل في مثل هذا الحوار ان يؤسس علي منهج اهل العلم الاثبات حتي لا تسقط في مثل زلة من قال ان الولاية مقام اعلي من مقام النبوة والرسالة فعد حفظكم الله الي قول السلف في هذه المسالة وحرر قولهم واختيارهم فيها وهو : ان الخضر عليه السلام نبي وليس بولي للقرائن الثابتة بالسورة ذاتها
 
السلام عليكم
الأخ يوسف
أتقول أنه نبى... قولا واحداً ؟ !
.....
جاء فى تفسير اللباب : فصل في بيان أن الخضر كان نبياً
قال أكثر المفسرين: إنَّه كان نبيًّا، واحتجوا بوجوهٍ:
الأول: قوله: { ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } والرحمة: هي النبوة؛ لقوله تعالى:{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ }[الزخرف: 32].
وقوله:{ وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤاْ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }[القصص: 86].
والمراد من هذه الرحمة النبوة، ولقائلٍ أن يقول: سلَّمنا أن النبوَّة رحمة، ولكن لا يلزمُ بكلِّ رحمةٍ نبوةٌ.
الثاني: قوله تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } وهذا يدل على أنه علمه لا بواسطة، ومن علَّمه الله شيئاً، لا بواسطة البشر، يجب أن يكون نبيًّا، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند الله، وذلك لا يدلُّ على النبوَّة.
الثالث: قول موسى - عليه السلام -: { هل أتَّبِعُك على أن تعلِّمنِي ممَّا علِّمتَ رُشداً } والنبي لا يتَّبع غير النبي في التعلُّم.
وهذا أيضاً ضعيفٌ؛ لأنَّ النبي لا يتبع غير النبي في العلوم التي باعتبارها صار نبيًّا، [أما في غير تلك العلوم فلا].
الرابع: أنَّ ذلك العبد أظهر الترفُّع على موسى، فقال: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } فأما موسى، فإنه أظهر التواضع له؛ حيث قال: { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } وذلك يدلُّ على أنَّ ذلك العالم كان فوق موسى، ومن لا يكون نبيًّا، لا يكون فوق النبيِّ، وذلك أيضاً ضعيفٌ؛ لأنه يجوز أن يكون غير النبيِّ فوق النبي في علومٍ لا تتوقَّف نبوته عليها.
فإن قيل: إنه يوجبُ تنفيراً.
فالجواب: وتكليمه بغير واسطة يوجب التَّنفير.
فإن قالوا: هذا لا يوجبُ التنفير، فكذلك فيما ذكروه.
الخامس: احتجَّ الأصم بقوله: " وما فعلتهُ عن أمْرِي " أي: فعلته بوحي الله تعالى، وذلك يدلُّ على النبوة، وهذا ضعيف أيضاً.
روي أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا وصل غليه، فقال: السلام عليك، فقال: وعليك السلام، يا نبيَّ بني إسرائيل، فقال موسى: من عرَّفك هذا؟ قال: الذي بعثك إليَّ؛ وهذا يدلُّ على أنَّه إنما عرف ذلك بالوحي، والوحي لا يكون إلا إلى النبيِّ.
ولقائلٍ أن يقول: لم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات؟.
قال البغوي: ولم يكن الخضرُ نبيًّا عند أكثر أهل العلم.

هذا الأخير - قول البغوى - يدل على الخلاف الكبير فى كونه نبي ؛ وكذلك مناقشة أدلة مثبتى النبوة له تصل بنا إلى أن الراجح أنه غير نبى ؛ وحتى القائلين بالكرامات إن كان دليلهم هو الرواية المذكورة أعلاه فقد ذكرها بن عادل بصيغة التضعيف - رُوىّ- ؛
أما القائلين أن علمه استقرائى بحثى فالدليل معهم
والله أعلم
 
قال الشيخ محمّد الطّاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره "التّحرير و التّنوير" - ج16 ، ص ص 14-16
وقوله : (رحمةً من ربّك وما فعلتُهُ عن أمري) تصريح بما يزيل إنكار موسى عليه تصرفاته هذه بأنها رحمة ومصلحة فلا إنكار فيها بعد معرفة تأويلها .
ثم زاد بأنه فعلها عن وحي من الله لأنه لما قال وما فعلته عن أمري علم موسى أنّ ذلك بأمر من الله تعالى لأنّ النبي إنما يتصرف عن اجتهاد أو عن وَحي ، فلما نفى أن يكون فعله ذلك عن أمر نفسه تعيّن أنه عن أمر الله تعالى . وإنما أوثر نفي كون فعله عن أمر نفسه على أن يقول : وفعلته عن أمر ربّي ، تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره ، لأنه لما أنكر عليه فعلاته الثلاث كان يؤيد إنكاره بما يقتضي أنه تصرفٌ عن خطأ [ ... ]
واعلم أن قصة موسى والخضر قد اتخذتها طوائف من أهل النِّحَل الإسلامية أصلاً بنوا عليه قواعد موهومة .
فأول ما أسسوه منها أنّ الخضر لم يكن نبيئاً وإنما كان عبداً صالحاً ، وأن العِلم الذي أوتيه ليس وحياً ولكنه إلهام ، وأن تصرفه الذي تصرفه في الموجودات أصل لإثبات العلوم الباطنية ، وأن الخضر منحهُ الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعاً لتلقي العلوم الباطنية ، وأنه يظهر لأهل المراتب العليا من الأولياء فيفيدهم من علمه ما هم أهل لتلقّيه .
وبَنوا على ذلك أن الإلهام ضرب من ضروب الوحي ، وسموه الوحي الإلهامي ، وأنه يجيء على لسان ملك الإلهام ، وقد فصله الشيخ محيي الدين ابن العربي في الباب الخامس والثمانين من كتابه الفتوحات المكية ، وبيّن الفرق بينه وبين وحي الأنبياء بفروق وعلامات ذكرها منثورةً في الأبواب الثالث والسبعين ، والثامن والستين بعد المائتين ، والرابع والستين بعد ثلاثمائة ، وجزم بأن هذا الوحي الإلهامي لا يكون مخالفاً للشريعة ، وأطال في ذلك ، ولا يخلو ما قاله من غموض ورموز ، وقد انتصب علماء الكلام وأصول الفقه لإبطال أن يكون ما يسمى بالإلهام حجّة . وعرفوه بأنه إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر ، وأبطلوا كونه حجّة لعدم الثقة بخواطر من ليس معصوماً ولتفاوت مراتب الكشف عندهم . وقد تعرض لها النسفي في عقائده ، وكل ما قاله النسفي في ذلك حق ، ولا يقام التشريع على أصول موهومة لا تنضبط .
والأظهر أن الخضر نبيء عليه السلام وأنه كان موحىً إليه بما أوحي ، لقوله (وما فعلته عن أمري) ، وأنه قد انقضى خبره بعد تلك الأحوال التي قصّت في هذه السورة ، وأنه قد لحقه الموت الذي يلحق البشر في أقصى غاية من الأجل يمكن أن تفرض ، وأن يحمل ما يعْزى إليه من بعض الصوفية الموسومين بالصدق أنه محوك على نسج الرمز المعتاد لديهم ، أو على غشاوة الخيال التي قد تخيم عليهم .
فكونوا على حذر ممن يقول : أخبرني الخَضر . اهـ

 
السلام عليكم
اخوانى الكرام
متى علمنا أن نبيا ينبأه الله كى يفعل مثل هذه الأفعال ؛ الأنبياء مهمتهم أن يدعوا الناس إلى عبادة الله ويقيموا شرائع الله فى الناس ؛ ونحن هنا مع العبد الصالح لانرى منه دعوة ولااقامة شرع .... وكل مانراه أنه رجل أحاط علما بأحوال بعض الناس وفعل مافعل بناءا على هذا العلم
أما الذين بالغوا فيه واتخذوه ذريعة لقولهم عن علوم الباطن فلست معهم ؛ ولكنى -أيضا- لست مع من يثبت له النبوة لقطع حجة هؤلاء ، ولكنى مع الاحتمال الثالث وهو أن يكون العلم العادى بالبحث والاستقراء والتفكر
وفى مقارنة بسيطة مع ذى القرنين ... نرى أن الأخير قال النص عنه " قلنا ياذا القرنين " بما يتوهم منه أنه يوحى إليه ،ثم لقائل أن يقول أنه نبأ بغيب "قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً".... ورغم ذلك نراه ملكا وليس نبيا ؛ ولااختلاف على هذا ...فما سر الاختلاف حول العبد الصالح ؟!!
أولا : الاستدلال بقصته على مسألة علم الباطن
ثانيا : الخوف من أن يعمل أحدهم فى الناس فعله متذرعا بالعلم
ثالثا استعظام أن يكون علمه بالبحث والاستقراء
فمن قالوا أنه نبي قالوا ذلك ليغلقوا هذه الأبواب الثلاثة ؛ إلا أن هذا - مع عدم موافقته للنص - يحرمنا من الدرس الأهم وهو حث الناس على البحث والانطلاق خلف المعلومة ؛ وحث العالم فى فرع من التتلمذ على يد عالم فى فرع آخر من فروع العلم ؛ ويعلم الناس أن مايجرى عليهم من أقدار هى لصالحهم وإن لم يعلموا تأويلها .
 
اخي سعيد فما تاويلك لقول الله تعالى ( فوجدا عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) ؟
 
السلام عليكم
اخي سعيد فما تاويلك لقول الله تعالى ( فوجدا عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما )؟
الرحمة أو ايتاء الرحمة لا يكون وحيا ، قد يكون ايتاءه الرحمة بالطبع فهى خصيصة فيه ، وقد تكون مكتسبة كما يكتسب أى خُلق .... العلم بالتعلم والحلم بالتحلم .....
والرحمة التى كانت فى العبد الصالح لم تمنعه من قتل الغلام ، وهو فعل يناقض الرحمة ظاهريا .. إلا إنه عند التحقيق نجد أن قتل الغلام رحمة ربما به نفسه -قبل أن يتمادى فى كفره- ثم بوالديه...؛ وعدم مقدرتنا على تأويل الفعل لايجعلنا ننسبه لغير الرحمة من العبد الصالح أو أن ننسبه للوحى فندعى أن فعله كان من خلال آليات ليست لنا نحن البشر
ولفظ " آتيناه " فى الآية ككل ايتاء فى القرآن " آتيناهم الكتاب " ..... كيفية الايتاء تبين أنه يكون من خلال قوانين الخلق وليس بطريقة خارقة ... فكما أن الكتاب متاح لكل من يأخذه فكذلك الرحمة
أما العلم فقد ناقشته سابقا
ولى الآن سؤال
ما الفرق بين صيغة " وأوحى ربك " وصيغة " وأوحينا " ؟
وكذلك "وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ" ، وآتيناه ؟
 
جزى الله أخانا عبدالناصر عبدالعزيز على نقله كلام الشيخ محمّد الطّاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره "التّحرير و التّنوير" - ج16 ، ص ص 14-16, لأنه أقرب الأقوال في المسألة و رحم الله محدث العصر الألباني رحمه الله تعالى حيث وصف ابن عاشور وتفسيره , و بالمناسبة سمعت الشيخ عبدالعزيز الراجحي في تعليقاته على قراءة صحيح البخاري , الصيف الماضي (و التسجيل موجود على موقعه ) حيث قال بأن الخضر عليه السلام كان نبيا لأن قتل النفس لا يكون إلا بأمر الله ... أو كما قال حفظه الله .
 
هذا جواب الشيخ الأمين رحمه الله

هذا جواب الشيخ الأمين رحمه الله

واسمح لي أخي سعيد على ايراد جواب الشيخ رحمه الله كاملا
قال رحمه الله في إيضاح الآية من سورة الكهف موضحا مسألة الخلاف وقضية حياة سيدنا الخضر عليه السلام:
قَوْلُهُ تَعَالَى : فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ، هَذَا الْعَبْدُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ ، وَدَلَالَةُ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذِهِ الرَّحْمَةُ وَالْعِلْمُ اللَّدُنِّيُّ اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّهُ امْتِنَانَهُ عَلَيْهِ بِهِمَا لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَلْ هُمَا رَحْمَةُ النُّبُوَّةِ وَعِلْمُهَا ، أَوْ رَحْمَةُ الْوَلَايَةِ وَعِلْمُهَا ، وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي الْخَضِرِ : هَلْ هُوَ نَبِيٌّ ، أَوْ رَسُولٌ ، أَوْ وَلِيٌّ ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ :
وَاخْتَلَفَتْ فِي خَضِرٍ أَهْلُ الْعُقُولِ قِيلَ نَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ أَوْ رَسُولُ
وَقِيلَ مَلَكٌ ، وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ الْآيَاتِ أَنَّ هَذِهِ الرَّحْمَةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا رَحْمَةُ نُبُوَّةٍ ، وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ اللَّدُنِّيَّ عِلْمُ وَحْيٍ ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مُنَاقَشَاتٍ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْعُلَمَاءِ .
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الرَّحْمَةَ تَكَرَّرَ إِطْلَاقُهَا عَلَى النُّبُوَّةِ فِي الْقُرْآنِ ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ الْمُؤْتَى [ ص: 323 ] مِنَ اللَّهِ تَكَرَّرَ إِطْلَاقُهُ فِيهِ عَلَى عِلْمِ الْوَحْيِ ، فَمِنْ إِطْلَاقِ الرَّحْمَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي " الزُّخْرُفِ " : وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ الْآيَةَ [ 43 \ 31 ] ، أَيْ : نُبُوَّتَهُ حَتَّى يَتَحَكَّمُوا فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ ، وَقَوْلُـهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الدُّخَانِ " : فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ الْآيَةَ [ 44 \ 4 - 5 ] ، وَقَوْلُـهُ تَعَالَى فِي آخِرِ " الْقَصَصِ " : وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ الْآيَةَ [ 28 \ 86 ] ، وَمِنْ إِطْلَاقِ إِيتَاءِ الْعِلْمِ عَلَى النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [ 4 \ 113 ] ، وَقَوْلُهُ : وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ الْآيَةَ [ 12 \ 68 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّحْمَةَ وَإِيتَاءَ الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ النُّبُوَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ فِيهِ أَنَّ وُجُودَ الْأَعَمِّ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْأَخَصِّ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ ، وَمِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ فِي أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْعِلْمَ اللَّدُنِّيَّ اللَّذَيْنِ امْتَنَّ اللَّهُ بِهِمَا عَلَى عَبْدِهِ الْخَضِرِ عَنْ طَرِيقِ النُّبُوَّةِ وَالْوَحْيِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُ : وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [ 18 \ 82 ] ، أَيْ : وَإِنَّمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَأَمْرُ اللَّهِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ ، إِذْ لَا طَرِيقَ تُعْرَفُ بِهَا أَوَامِرُ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ إِلَّا الْوَحْيَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَلَا سِيَّمَا قَتْلُ الْأَنْفُسِ الْبَرِيئَةِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ ، وَتَعْيِيبُ سُفُنِ النَّاسِ بِخَرْقِهَا ; لِأَنَّ الْعُدْوَانَ عَلَى أَنْفُسِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ حَصَرَ تَعَالَى طُرُقَ الْإِنْذَارِ فِي الْوَحْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [ 21 \ 45 ] ، وَ " إِنَّمَا " صِيغَةُ حَصْرٍ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الْإِلْهَامِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْإِلْهَامَ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ ، لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ ، وَعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ ، بَلْ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ ، وَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُالْمُتَصَوِّفَةِ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْإِلْهَامِ فِي حَقِّ الْمُلْهَمِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ الْجَبْرِيَّةِ أَيْضًا مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِالْإِلْهَامِ فِي حَقِّ الْمُلْهَمِ وَغَيْرِهِ جَاعِلِينَ الْإِلْهَامَ كَالْوَحْيِ الْمَسْمُوعِ مُسْتَدِلِّينَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ [ 6 \ 125 ] ، وَبِخَبَرِ " اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ " كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، لِعَدَمِ اعْتِضَادِهِ بِدَلِيلٍ ، وَغَيْرُ الْمَعْصُومِ لَا ثِقَةَ بِخَوَاطِرِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ دَسِيسَةَ الشَّيْطَانِ ، وَقَدْ ضُمِنَتِ الْهِدَايَةُ فِي اتِّبَاعِ الشَّرْعِ ، وَلَمْ تُضْمَنْ فِي اتِّبَاعِ الْخَوَاطِرِ وَالْإِلْهَامَاتِ ، وَالْإِلْهَامُ فِي الِاصْطِلَاحِ : إِيقَاعُ شَيْءٍ [ ص: 324 ] فِي الْقَلْبِ يُثْلَجُ لَهُ الصَّدْرُ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ بِوَحْيٍ وَلَا نَظَرٍ فِي حُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ ، يَخْتَصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مَنْ خَلْقِهِ ، أَمَّا مَا يُلْهَمُهُ الْأَنْبِيَاءُ مِمَّا يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَيْسَ كَإِلْهَامِ غَيْرِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ :
وَيُنْبَذُ الْإِلْهَامُ بِالْعَرَاءِ أَعْنِي بِهِ إِلْهَامَ الْأَوْلِيَاءِ وَقَدْ رَآهُ بَعْضُ مَنْ تَصَوَّفَا وَعِصْمَةُ النَّبِيِّ تُوجِبُ اقْتَفَا وَبِالْجُمْلَةِ ، فَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ بِمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ تُعْرَفُ بِهَا أَوَامِرُ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَمَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِهِ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ غَنِيٌّ فِي الْوُصُولِ إِلَى مَا يُرْضِي رَبَّهُ عَنِ الرُّسُلِ ، وَمَا جَاءُوا بِهِ وَلَوْ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا شَكَّ فِي زَنْدَقَتِهِ ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا لَا تُحْصَى ، قَالَ تَعَالَى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [ 17 \ 15 ] ، وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى نُلْقِيَ فِي الْقُلُوبِ إِلْهَامًا ، وَقَالَ تَعَالَى : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [ 4 \ 165 ] ، وَقَالَ : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ الْآيَةَ [ 20 \ 134 ] ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَقَدْ بَيَّنَّا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي سُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [ 17 \ 15 ] ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ الْمُدَّعِينَ التَّصَوُّفَ مِنْ أَنَّ لَهُمْ وَلِأَشْيَاخِهِمْ طَرِيقًا بَاطِنَةً تُوَافِقُ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَلَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ الشَّرْعِ ، كَمُخَالَفَةِ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرِ لِظَاهِرِ الْعِلْمِ الَّذِي عِنْدَ مُوسَى ، زَنْدَقَةٌ ، وَذَرِيعَةٌ إِلَى الِانْحِلَالِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، بِدَعْوَى أَنَّ الْحَقَّ فِي أُمُورٍ بَاطِنَةٍ تُخَالِفُ ظَاهِرَهُ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا نَصُّهُ : قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ : ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ زَنَادِقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ إِلَى سُلُوكِ طَرِيقٍ لَا تَلْزَمُ مِنْهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فَقَالُوا : هَذِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْعَامَّةِ ، وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ وَأَهْلُ الْخُصُوصِ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تِلْكَ النُّصُوصِ ، بَلْ إِنَّمَا يُرَادُ مِنْهُمْ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ خَوَاطِرِهِمْ ، وَقَالُوا : وَذَلِكَ لِصَفَاءِ قُلُوبِهِمْ عَنِ الْأَكْدَارِ ، وَخُلُوِّهَا عَنِ الْأَغْيَارِ ، فَتَتَجَلَّى لَهُمُ الْعُلُومُ الْإِلَهِيَّةُ ، وَالْحَقَائِقُ الرَّبَّانِيَّةُ ، فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَارِ الْكَائِنَاتِ ، وَيَعْلَمُونَ أَحْكَامَ الْجُزْئِيَّاتِ ، فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ الْكُلِّيَّاتِ ، كَمَا اتَّفَقَ لِلْخَضِرِ فَإِنَّهُ اسْتَغْنَى بِمَا تَجَلَّى لَهُ مِنَ الْعُلُومِ عَمَّا كَانَ عِنْدَ مُوسَى مِنْ تِلْكَ الْفُهُومِ ، وَقَدْ جَاءَ فِيمَا [ ص: 325 ] يَنْقُلُونَ " اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ " ، قَالَ شَيْخُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهَذَا الْقَوْلُ زَنْدَقَةٌ وَكُفْرٌ ، يُقْتَلُ قَائِلُهُ وَلَا يُسْتَتَابُ ; لِأَنَّهُ إِنْكَارُ مَا عُلِمَ مِنَ الشَّرَائِعِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ ، وَأَنْفَذَ حِكْمَتَهُ بِأَنَّ أَحْكَامَهُ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ السُّفَرَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، وَهُمُ الْمُبَلِّغُونَ عَنْهُ رِسَالَتَهُ وَكَلَامَهُ ، الْمُبَيِّنُونَ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ ، اخْتَارَهُمْ لِذَلِكَ وَخَصَّهُمْ بِمَا هُنَالِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [ 22 \ 75 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [ 6 \ 124 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [ 2 \ 213 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَعَلَى الْجُمْلَةِ ، فَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ وَالْيَقِينُ الضَّرُورِيُّ ، وَاجْتِمَاعُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ ، فَمَنْ قَالَ إِنَّ هُنَاكَ طَرِيقًا أُخْرَى يُعْرَفُ بِهَا أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ غَيْرَ الرُّسُلِ حَيْثُ يَسْتَغْنِي عَنِ الرُّسُلِ فَهُوَ كَافِرٌ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ ، وَلَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى سُؤَالٍ وَجَوَابٍ ، ثُمَّ هُوَ قَوْلٌ بِإِثْبَاتِ أَنْبِيَاءَ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ خَاتَمَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَلَا رَسُولَ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ : يَأْخُذُ عَنْ قَلْبِهِ ، وَأَنَّ مَا يَقَعُ فِيهِ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ ، وَأَنَّهُ وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةَ النُّبُوَّةِ ، فَإِنَّ هَذَا نَحْوُ مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي . " الْحَدِيثَ ، انْتَهَى مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ .
وَمَا ذَكَرَهُ فِي كَلَامِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا يُسْتَتَابُ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَأَدِلَّتَهُمْ ، وَمَا يُرَجِّحُهُ الدَّلِيلُ فِي كِتَابِنَا ) دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ ( فِي سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " ، وَمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِمَّنْ يَدَّعِي التَّصَوُّفَ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِلْهَامِمِنْ ظَوَاهِرِ بَعْضِ النُّصُوصِ كَحَدِيثِ " اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ " لَا دَلِيلَ فِيهِ الْبَتَّةَ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِلْهَامِ : لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّ الْمُفْتِيَ الَّذِي تُتَلَقَّى الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ قِبَلِهِ الْقَلْبُ ، بَلْ مِنَ الْحَدِيثِ : التَّحْذِيرُ مِنَ الشُّبَهِ ; لِأَنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَالْحَلَالَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ لَا يَعْلَمُهَا كُلُّ النَّاسِ .
فَقَدْ يُفْتِيكَ الْمُفْتِي بِحِلِّيَّةِ شَيْءٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا ، وَذَلِكَ بِاسْتِنَادٍ إِلَى الشَّرْعِ ، فَإِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ لَا يَطْمَئِنُّ لِمَا فِيهِ الشُّبْهَةُ ، وَالْحَدِيثُ ، كَقَوْلِهِ " دَعْ مَا [ ص: 326 ] يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ " وَقَوْلِـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ " ؟ قُلْتُ نَعَمْ : قَالَ : " اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ " قَالَ النَّوَوِيُّ فِي ) رِيَاضِ الصَّالِحِينَ ( : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُوَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ الْحَثُّ عَلَى الْوَرَعِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ ، فَلَوِ الْتَبَسَتْ مَثَلًا مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ ، أَوِ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ بِأَجْنَبِيَّةٍ ، وَأَفْتَاكَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِحِلِّيَّةِ إِحْدَاهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُذَكَّاةُ فِي الْأَوَّلِ ، وَالْأَجْنَبِيَّةُ فِي الثَّانِي ، فَإِنَّكَ إِذَا اسْتَفْتَيْتَ قَلْبَكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَيِّتَةُ أَوِ الْأُخْتُ ، وَأَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءَ لِلدِّينِ وَالْعِرْضِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِتَجَنُّبِ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إِلَّا بِتَرْكِهِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ ، فَهَذَا يَحِيكُ فِي النَّفْسِ وَلَا تَنْشَرِحُ لَهُ ، لِاحْتِمَالِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فِيهِ كَمَا تَرَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَنِدٌ لِنُصُوصِ الشَّرْعِ لَا لِلْإِلْهَامِ .

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الصُّوفِيَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ الْخَزَّازِ الْقَوَارِيرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( مَذْهَبُنَا هَذَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ) ، نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَرْجَمَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، كَابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ خِلِّكَانَ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ هُوَ الْحَقُّ ، فَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ إِلَّا عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَبِهَذَا كُلُّهُ تَعْلَمُ أَنَّ قَتْلَ الْخَضِرِ لِلْغُلَامِ ، وَخَرْقَهُ لِلسَّفِينَةِ ، وَقَوْلَهُ : وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ، دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ . وَعَزَا الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْقَوْلَ بِنُبُوَّتِهِ لِلْأَكْثَرِينَ ، وَمِمَّا يَسْتَأْنِسُ بِهِ لِلْقَوْلِ بِنُبُوَّتِهِ تَوَاضُعُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ فِي قَوْلِهِ : قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [ 18 \ 66 ] ، وَقَوْلِـهِ : قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [ 18 \ 69 ] ، مَعَ قَوْلِ الْخَضِرِ لَهُ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ، [ 18 \ 68 ] .
مسْأَلَةٌ

اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْخَضِرِ : هَلْ هُوَ حَيٌّ إِلَى الْآنِ ، أَوْ هُوَ غَيْرُ حَيٍّ ، بَلْ مِمَّنْ مَاتَ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ ؟ فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ حَيٌّ ، وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ [ ص: 327 ] عَيْنٍ تُسَمَّى عَيْنَ الْحَيَاةِ ، وَمِمَّنْ نَصَرَ الْقَوْلَ بِحَيَاتِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَابْنُ الصَّلَاحِ ، وَالنَّقَّاشُ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَأَطْنَبَ النَّقَّاشُ لَهُ هَذَا الْمَعْنَى ، يَعْنِي حَيَاةَ الْخَضِرِ وَبَقَاءَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَذِكَرَ فِي كِتَابِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكُلُّهَا لَا تَقُومُ عَلَى سَاقٍ انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ .
وَحِكَايَاتُ الصَّالِحِينَ عَنِ الْخَضِرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ يَحُجُّ هُوَ وَإِلْيَاسُ كُلَّ سَنَةٍ ، وَيَرْوُونَ عَنْهُمَا بَعْضَ الْأَدْعِيَةِ ، كُلُّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ ، وَمُسْتَنَدُ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا ; لِأَنَّ غَالِبَهُ حِكَايَاتٌ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُظَنُّ بِهِ الصَّلَاحُ ، وَمَنَامَاتٌ وَأَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ ، وَكُلُّهَا ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ .
وَمِنْ أَقْوَاهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ آثَارُ التَّعْزِيَةِ حِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا تُوَفِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجِّيَ بِثَوْبٍ هَتَفَ هَاتِفٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ الْآيَةَ [ 3 \ 185 ] ، إِنَّ فِي اللَّهِ خَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ ، وَعِوَضًا مِنْ كُلِّ تَالِفٍ ، وَعَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ فَبِاللَّهِ فَثِقُوا ، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا ، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى حَيَاةِ الْخَضِرِ بِآثَارِ التَّعْزِيَةِ كَهَذَا الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَقَاءِ الْخَضِرِ إِلَى الْآنِ ، ثُمَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلَيْنِ ، وَمَالَ هُوَ وَابْنُ الصَّلَاحِ إِلَى بَقَائِهِ ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٍ عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَشْهَرُهَا حَدِيثُ التَّعْزِيَةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ا هـ ، مِنْهُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى فَرْضِ أَنَّ حَدِيثَ التَّعْزِيَةِ صَحِيحٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلَا عِرْفَانًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُعَزِّي هُوَ الْخَضِرُ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْخَضِرِ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ ; لِأَنَّ الْجِنَّ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [ 7 \ 27 ] ، وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَزِّيَ هُوَالْخَضِرُ تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ ، وَقَوْلُـهُمْ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ الْخَضِرُ لَيْسَ حُجَّةً يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْطِئُوا فِي ظَنِّهِمْ ، وَلَا يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى [ ص: 328 ] إِجْمَاعٍ شَرْعِيٍّ مَعْصُومٍ ، وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ الْخَضِرُ كَمَا تَرَى .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الَّذِي يَظْهَرُ لِي رُجْحَانُهُ بِالدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ بِحَيٍّ بَلْ تُوُفِّيَ ، وَذَلِكَ لِعِدَّةِ أَدِلَّةٍ :
الْأَوَّلُ : ظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [ 21 \ 34 ] ، فَقَوْلُهُ " لِبَشَرٍ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَهِيَ تَعُمُّ كُلَّ بَشَرٍ ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الْخُلْدِ عَنْ كُلِّ بَشَرٍ مِنْ قَبْلِهِ ، وَالْخَضِرُ بَشَرٌ مِنْ قَبْلِهِ ، فَلَوْ كَانَ شَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ وَصَارَ حَيًّا خَالِدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَكَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ لِذَلِكَ الْبَشَرِ الَّذِي هُوَ الْخَضِرُ مِنْ قَبْلِهِ الْخُلْدَ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " فَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ) ح ( وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ هُوَ زَمِيلٌ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : " اللَّهُمَّ أَنْجِزَ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ 8 \ 9 ] ، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ . . ، الْحَدِيثَ ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " فِعْلٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَهُوَ بِمَعْنَى : لَا تَقَعُ عِبَادَةٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْحَلُّ عَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ ، وَعَنْ مَصْدَرٍ وَنِسْبَةٍ وَزَمَنٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْبَلَاغِيِّينَ ، فَالْمَصْدَرُ كَامِنٌ فِي مَفْهُومِهِ إِجْمَاعًا ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ النَّفْيُ فَيُؤَوَّلُ إِلَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " وَإِلَى كَوْنِ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالشَّرْطِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يُفِيدُ الْعُمُومَ :
وَنَحْوُ لَا شَرِبْتُ أَوْ إِنْ شَرِبَا وَاتَّفَقُوا إِنْ مَصْدَرٌ قَدْ جَلَبَا
فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " أَيْ : لَا تَقَعُ عِبَادَةٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ .
فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ النَّفْيَ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ وُجُودَ الْخَضِرِ حَيًّا فِي الْأَرْضِ ; لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ وَجُودِهِ حَيًّا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ ، وَلَوْ عَلَى فَرْضِ هَلَاكِ تِلْكَ الْعِصَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْخَضِرَ مَا دَامَ حَيًّا فَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ : " اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ " فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ : حَسْبُكَ ! فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [ 54 \ 45 ] ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : " اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ " أَيْ : إِنْ شِئْتَ إِهْلَاكَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَنْ وَفَاةِ الْخَضِرِ .
الثَّالِثُ : إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا بِالْحَدِيثِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا فِي الْأَرْضِ لَمَا تَأَخَّرَ بَعْدَ الْمِائَةِ الْمَذْكُورَةِ ، قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ : حَدَّثَنَا ، وَقَالَ عَبْدٌ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ : أَنَّعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ : " أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ " . قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ " ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ مَعْمَرٍ كَمِثْلِ حَدِيثِهِ ، حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالَا : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ : " تَسْأَلُونِي [ ص: 330 ] عَنِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَأَقْسَمَ اللَّهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ " حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ " قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ " .
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ : " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ " ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَفَسَّرَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : نَقَصُ الْعُمُرِ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ ) ح ( وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍقَالَ : لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَأْتِي مِائَةٌ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ " حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَبْلُغُ مِائَةَ سَنَةٍ " فَقَالَ سَالِمٌ : تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَهُ : إِنَّمَا هِيَ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ يَوْمَئِذٍ ا هـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عُمَرَ ، وَجَابِرٌ ، وَأَبُو سَعِيدٍ فِيهِ تَصْرِيحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَا تَبْقَى نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ حَيَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ ، فَقَوْلُهُ " نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ " وَنَحْوُهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَهِيَ تَعُمُّ كُلَّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعُمُومَ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ يَشْمَلُ الْخَضِرَ ; لِأَنَّهُ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ : صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ " فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةٍ سَنَةٍ : وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ " يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمُرَادِ قَرِيبًا .
[ ص: 331 ] الرَّابِعُ : أَنَّ الْخَضِرَ لَوْ كَانَ حَيًّا إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ مِنْ أَتْبَاعِهِ ، وَلَنَصَرَهُ وَقَاتَلَ مَعَهُ ; لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى عُمُومِ رِسَالَتِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ 7 \ 158 ] ، وَقَوْلِـهِ : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [ 25 \ 1 ] ، وَقَوْلِـهِ تَعَالَى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [ 34 \ 28 ] ، وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " : أَنَّهُ أَخَذَ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ الْمِيثَاقَ الْمُؤَكَّدَ أَنَّهُمْ إِنْ جَاءَهُمْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَنْصُرُونَهُ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ 3 \ 81 - 82 ] .
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّسُولِ فِيهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَبَّاسِ وَغَيْرُهُ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ ، وَعَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا ، فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا فِي زَمَنِهِ لَجَاءَهُ وَنَصَرَهُ وَقَاتَلَ تَحْتَ رَايَتِهِ ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ نَبِيٌّ إِلَّا اتَّبَعَهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَغَضِبَ وَقَالَ : " لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ ، أَوْ بَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي " ا هـ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ : وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ ، إِلَّا أَنَّ فِي مُجَالِدٍ ضَعْفًا ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَارِيخِهِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ آيَةَ " آلِ عِمْرَانَ " الْمَذْكُورَةِ آنِفًا مُسْتَدِلًّا بِهَا عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَجَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَرَهُ مَا نَصُّهُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلِيَنْصُرُنَّهُ ، وَأَمَرُهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَيَنْصُرُونَهُ ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ .
فَالْخَضِرُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْمِيثَاقِ ، فَلَوْ كَانَ حَيًّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ أَشْرَفَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، يُؤْمِنُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَيَنْصُرُهُ أَنْ يَصِلَ أَحَدٌ مِنَ الْأَعْدَاءِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَلِيًّا فَالصَّدِيقُ أَفْضَلُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا فَمُوسَى أَفْضَلُ مِنْهُ .
[ ص: 332 ] وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتْبَعَنِي " ، وَهَذَا الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ وَيُعْلَمُ مِنَ الدِّينِ عِلْمَ الضَّرُورَةِ .
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ : أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ مُكَلَّفُونَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانُوا كُلُّهُمْ أَتْبَاعًا لَهُ وَتَحْتَ أَوَامِرِهِ ، وَفِي عُمُومِ شَرْعِهِ ، كَمَا أَنَّ صَلَوَاتِ اللَّهِ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِمُ الْإِسْرَاءُ رُفِعَ فَوْقَهُمْ كُلِّهِمْ ، وَلَمَّا هَبَطُوا مَعَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحَانَتِ الصَّلَاةُ أَمَرَهُ جِبْرِيلُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ ، فَصَلَّى بِهِمْ فِي مَحَلِّ وَلَايَتِهِمْ وَدَارِ إِقَامَتِهِمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ، وَالرَّسُولُ الْخَاتَمُ الْمُبَجَّلُ الْمُقَدَّمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
فَإِذَا عُلِمَ هَذَا ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ مُؤْمِنٍ ، عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا لَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِمَّنْ يَقْتَدِي بِشَرْعِهِ لَا يَسَعُهُ إِلَّا ذَلِكَ ، هَذَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا نَزَلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَحْكُمُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ ، لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَحِيدُ عَنْهَا ، وَهُوَ أَحَدُ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ الْمُرْسَلِينَ ، وَخَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَالْمَعْلُومُ أَنَّ الْخَضِرَ لَمْ يَنْقُلْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ تَسْكُنُ النَّفْسُ إِلَيْهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ قِتَالًا فِي مَشْهَدٍ مِنَ الْمَشَاهِدِ ، وَهَذَا يَوْمُ بَدْرٍ يَقُولُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِيمَا دَعَا بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَنْصَرَهُ وَاسْتَفْتَحَهُ عَلَى مَنْ كَفَرَهُ : " اللَّهُمَّ إِنَّ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ بَعْدَهَا فِي الْأَرْضِ " وَتِلْكَ الْعِصَابَةُ كَانَ تَحْتَهَا سَادَةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ ، وَسَادَةُ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي بَيْتٍ يُقَالُ بِأَنَّهُ أَفْخَرُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ :
وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا
وَمُحَمَّدُ
فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا لَكَانَ وُقُوفُهُ تَحْتَ هَذِهِ الرَّايَةِ أَشْرَفَ مَقَامَاتِهِ ، وَأَعْظَمَ غَزَوَاتِهِ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيُّ : سُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْخَضِرِ هَلْ مَاتَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : وَبَلَغَنِي مِثْلُ هَذَا عَنْ أَبِي طَاهِرِ بْنِ الْعَبَّادِيِّ قَالَ : وَكَانَ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعُجَالَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ حَاضِرًا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَرَاهُ ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمَاتِ ، ثُمَّ [ ص: 333 ] مَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِفَاءِ ؟ وَظُهُورُهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ ، وَأَعْلَى فِي مَرْتَبَتِهِ ، وَأَظْهَرُ لِمُعْجِزَتِهِ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ بَاقِيًا بَعْدَهُ لَكَانَ تَبْلِيغُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ ، وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ ، وَإِنْكَارَهُ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ ، وَالرِّوَايَاتِ الْمَقْلُوبَةِ ، وَالْآرَاءِ الْبِدْعِيَّةِ ، وَالْأَهْوَاءِ الْعَصَبِيَّةِ ، وَقِتَالُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزَوَاتِهِمْ ، وَشُهُودُهُ جَمْعَهُمْ وَجَمَاعَاتِهِمْ ، وَنَفْعُهُ إِيَّاهُمْ ، وَدَفْعُهُ الضَّرَرَ عَنْهُمْ مِمَّا سِوَاهُمْ ، وَتَسْدِيدُهُ الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ ، وَتَقْرِيرُهُ الْأَدِلَّةَ وَالْأَحْكَامَ أَفْضَلَ مِمَّا يُقَالُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْأَمْصَارِ ، وَجَوْبِهِ الْفَيَافِيَ وَالْأَقْطَارَ ، وَاجْتِمَاعِهِ بِعِبَادٍ لَا تُعْرَفُ أَحْوَالُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ، وَجَعْلِهِ كَالنَّقِيبِ الْمُتَرْجِمِ عَنْهُمْ
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَا يَتَوَقَّفُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ التَّفَهُّمِ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، انْتَهَى مِنَ الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْخَضِرِ حَيًّا بَاقِيًا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ قَدْ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى وَفَاتِهِ ، كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ .
وَمِمَّنْ بَيَّنَ ضَعْفَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى حَيَاةِ الْخَضِرِ وَبَقَائِهِ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ وَتَفْسِيرِهِ ، وَبَيَّنَ كَثِيرًا مِنْ أَوْجُهِ ضَعْفِهَا ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ ، وَقَالَابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ وَالْحِكَايَاتِ الْوَارِدَةَ فِي حَيَاةِ الْخَضِرِ : وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ وَالْحِكَايَاتُ هِيَ عُمْدَةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى حَيَاتِهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَكُلٌّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا ، لَا تَقُومُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ فِي الدِّينِ .
وَالْحِكَايَاتُ لَا يَخْلُو أَكْثَرُهَا مَنْ ضَعْفٍ فِي الْإِسْنَادِ ، وَقُصَارَاهَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ إِلَى مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( ، إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ تَصَدَّى الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ) عَجَلَةِ الْمُنْتَظِرِ فِي شَرْحِ حَالَةِ الْخَضِرِ ( لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَرْفُوعَاتِ فَبَيَّنَ أَنَّهَا مَوْضُوعَاتٌ ، وَمِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَبَيَّنَ ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا بِبَيَانِ أَحْوَالِهَا ، وَجَهَالَةِ رِجَالِهَا ، وَقَدْ أَجَادَ فِي ذَلِكَ وَأَحْسَنَ الِانْتِقَادَ ا هـ مِنْهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَاقَشُوا الْأَدِلَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وَفَاتِهِ ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ عُمُومُ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [ 21 \ 34 ] ، وَلَا عُمُومُ حَدِيثِ : " أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ " كَمَا تَقَدَّمَ ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ يَعْنِي الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْخَضِرَ [ ص: 334 ] حَيٌّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ . " ; لِأَنَّ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ مُؤَكَّدَ الِاسْتِغْرَاقِ لَيْسَ نَصًّا فِيهِ ، بَلْ هُوَ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ ، فَكَمَا لَمْ يَتَنَاوَلْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ يُقْتَلْ ، بَلْ هُوَ حَيٌّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَمَعْنَاهُ ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الدَّجَّالَ مَعَ أَنَّهُ حَيٌّ بِدَلِيلِ حَدِيثٍ الْجَسَّاسَةِ : فَكَذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَيْسَ مُشَاهَدًا لِلنَّاسِ ، وَلَا مِمَّنْ يُخَالِطُهُمْ حَتَّى يَخْطُرَ بِبَالِهِمْ حَالَةَ مُخَاطَبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَتَنَاوَلُهُ ، وَقِيلَ : إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ أَحْيَاءٌ ، وَيَحُجُّونَ مَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَلِكَ فَتَى مُوسَى فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا ا هـ مِنْهُ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ هَذَا ظَاهِرُ السُّقُوطِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ بِعُلُومِ الشَّرْعِ ، فَإِنَّهُ اعْتَرَفَ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ فِي كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ عُمُومًا مُؤَكَّدًا ; لِأَنَّ زِيَادَةَ " مِنْ " قَبْلَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَجْعَلُهَا نَصًّا صَرِيحًا فِي الْعُمُومِ لَا ظَاهِرًا فِيهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ " الْمَائِدَةِ " .
وَلَوْ فَرَضْنَا صِحَّةَ مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَقَرَّرْنَا أَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ فِي كُلِّ عَامٍّ ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى وُجُوبِ اسْتِصْحَابِ عُمُومِ الْعَامِّ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ مُخَصِّصٌ صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ سَنَدًا وَمَتْنًا ، فَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ عَنْ دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّصَ بِهَا نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ إِجْمَاعًا .
وَقَوْلُـهُ : " إِنَّ عِيسَى لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عُمُومُ الْحَدِيثِ " فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عِيسَى ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ : " لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ بِهَا الْيَوْمَ أَحَدٌ " ، فَخَصَّصَ ذَلِكَ بِظَهْرِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَتَنَاوَلِ اللَّفْظُ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، وَعِيسَى قَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [ 4 \ 158 ] ، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا كَمَا تَرَى .
وَدَعْوَى حَيَاةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَفَتَى مُوسَى ظَاهِرَةُ السُّقُوطِ وَلَوْ فَرَضْنَا حَيَاتَهُمْ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى مَوْتِهِمْ عِنْدَ الْمِائَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ يُعَارِضُهُ .
وَقَوْلُـهُ " إِنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ مُشَاهَدًا لِلنَّاسِ ، وَلَا مِمَّنْ يُخَالِطُهُمْ حَتَّى يَخْطُرَ بِبَالِهِمْ حَالَةَ مُخَاطَبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا " يُقَالُ فِيهِ : إِنَّ الِاعْتِرَاضَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتَيْنِ :
الْأُولَى : أَنَّ دَعْوَى كَوْنِ الْخَضِرِ مَحْجُوبًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ كَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ [ ص: 335 ] دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ خِلَافُهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ بَنِي آدَمَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِاتِّفَاقِهِمْ فِي الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ ، وَمُشَابِهَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ .
الثَّانِيَةُ : أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَا يَرَاهُ بَنُو آدَمَ ، فَاللَّهُ الَّذِي أَعْلَمَ النَّبِيَّ بِالْغَيْبِ الَّذِي هُوَ " هَلَاكُ كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ " عَالِمٌ بِالْخَضِرِ ، وَبِأَنَّهُ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا جَدَلِيًّا أَنَّ الْخَضِرَ فَرْدٌ نَادِرٌ لَا تَرَاهُ الْعُيُونُ ، وَأَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يُقْصَدْ بِالشُّمُولِيِّ فِي الْعُمُومِ فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ شُمُولُ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ لِلْفَرْدِ النَّادِرِ وَالْفَرْدِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَرْدَ النَّادِرَ وَغَيْرَ الْمَقْصُودِ لَا يَشْمَلُهُمَا الْعَامُّ وَلَا الْمُطْلَقُ .
قَالَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي " مَبْحَثِ الْعَامِّ " مَا نَصُّهُ : وَالصَّحِيحُ دُخُولُ النَّادِرَةِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودَةِ تَحْتَهُ ، فَقَوْلُهُ : " النَّادِرَةُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودَةِ " ، يَعْنِي الصُّورَةَ النَّادِرَةَ وَغَيْرَ الْمَقْصُودَةِ ، وَقَوْلُـهُ : " تَحْتَهُ " يَعْنِي الْعَامَّ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ ، وَغَيْرَ الْمَقْصُودَةِ صُورَتَانِ وَاحِدَةٌ ، وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى التَّحْقِيقِ ; لِأَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَقْصُودَةً وَغَيْرَ مَقْصُودَةٍ ، وَالصُّورَةُ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ قَدْ تَكُونُ نَادِرَةً وَغَيْرَ نَادِرَةٍ ، وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى دُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَعَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِمَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ دَفْعِ السَّبَقِ - بِفَتْحَتَيْنِ - فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْفِيلِ ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ " أَوْ نَصْلٍ " وَالْفِيلُ ذُو خُفٍّ ، وَهُوَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ يَجُوزُ دَفْعُ السَّبَقِ - بِفَتْحَتَيْنِ - فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْفِيَلَةِ ، وَالسَّبَقُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَالُ الْمَجْعُولُ لِلسَّابِقِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ جَعَلَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مِثَالًا لِدُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْمُطْلَقِ لَا الْعَامِّ ، قَالَ : لِأَنَّ قَوْلَهُ : " إِلَّا فِي خُفٍّ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ " إِلَّا " مُثْبَتٌ ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ إِطْلَاقٌ لَا عُمُومٌ ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ مِثَالًا لِدُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ .
قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا : وَجْهُ عُمُومِهِ مَعَ أَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ أَنَّهُ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ مَعْنًى ، إِذِ التَّقْدِيرُ : إِلَّا إِذَا كَانَ فِي خُفٍّ ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ ، وَضَابِطُ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ هِيَ : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرْدُ لَا يَخْطُرُ غَالِبًا بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِ ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الصُّورَةِ النَّادِرَةِ : هَلْ تَدْخُلُ فِي الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ أَوْ لَا ؟ ! اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ ، كَمَنْ تَلْدَغُهُ عَقْرَبٌ فِي ذَكَرِهِ فَيَنْزِلُ مِنْهُ [ ص: 336 ] الْمَنِيُّ ، وَكَذَلِكَ الْخَارِجُ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَالَّذِي يَنْزِلُ فِي مَاءٍ حَارٍّ أَوْ تَهُزُّهُ دَابَّةٌ فَيَنْزِلُ مِنْهُ الْمَنِيُّ ، فَنُزُولُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ لَذَّةٍ ، أَوْ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ صُورَةٌ نَادِرَةٌ ، وَوُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْهُ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَدْخُولِ فِي دُخُولِ الصُّوَرِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَعَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِمَا ، فَعَلَى دُخُولِ تِلْكَ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي عُمُومِ " إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ " فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ ، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي الْمُطْلَقِ مَا لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِرَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِ ، فَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الْخُنْثَى أَوْ لَا ؟ فَعَلَى دُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْمُطْلَقِ يَجُوزُ دَفْعُ الْخُنْثَى ، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي دُخُولِ الصُّورَةِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْإِطْلَاقِ ، مَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ آخَرَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا لِيَخْدِمَهُ ، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ عَبْدًا يُعْتَقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، فَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَقْصِدْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ خَادِمًا يَخْدِمُهُ ، فَعَلَى دُخُولِ الصُّورَةِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْمُطْلَقِ يَمْضِي الْبَيْعُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ ، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا ، وَإِلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ فِي الْمَرَاقِي بِقَوْلِهِ :
هَلْ نَادِرٌ فِي ذِي الْعُمُومِ يَدْخُلْ وَمُطْلَقٌ أَوْ لَا خِلَافَ يُنْقَلْ
فَمَا لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَالْفِيلْ وَمُشَبَّهٌ فِيهِ تَنَافِي الْقِيلْ
وَمَا مِنَ الْقَصْدِ خَلَا فِيهِ اخْتُلِفْ وَقَدْ يَجِيءُ بِالْمَجَازِ مُتَّصِفْ
وَمِمَّنْ مَالَ إِلَى عَدَمِ دُخُولِ الصُّوَرِ النَّادِرَةِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ بِحَسَبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ شُمُولُ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ لِلصُّوَرِ النَّادِرَةِ ; لِأَنَّ الْعَامَّ ظَاهِرٌ فِي عُمُومِهِ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ مُخَصِّصٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَامَّ ظَاهِرٌ فِي عُمُومِهِ وَشُمُولِهِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ فَحُكْمُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ ، بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَعْمَلُونَ بِشُمُولِ الْعُمُومَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ دُخُولَ الْخَضِرِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الْآيَةَ [ 21 \ 34 ] ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَحَدٌ " هُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَا يُمْكِنُ خُرُوجُهُ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ إِلَّا بِمُخَصِّصٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّ الْخُنْثَى صُورَةٌ نَادِرَةٌ جِدًّا ، مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُمُومَاتِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ [ ص: 337 ] خُرُوجِ الدَّجَّالِ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ لَا دَلِيلَ فِيهِ ; لِأَنَّ الدَّجَّالَ أَخْرَجَهُ دَلِيلٌ صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ ، وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ ، وَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ حَدِيثُ تَمِيمٍ الْمَذْكُورُ ; لِأَنَّهُ وَافَقَ مَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ أَصْحَابَهُ مِنْ خَبَرِ الدَّجَّالِ ، قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ شَعْبُ هَمْدَانَ ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ فَقَالَ : حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ ، فَقَالَتْ لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ ؟ فَقَالَ لَهَا : أَجَلْ ؟ حَدِّثِينِي ، فَقَالَتْ : . . . ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ طُولٌ ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا ، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ ، قُلْنَا : وَيْلَكَ ! مَا لَكَ ؟ ! الْحَدِيثُ بِطُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطِيبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَى كِلْتَاهُمَا ، الْحَدِيثَ .
فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ حَيٌّ مَوْجُودٌ فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ الْبَحْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الْمَذْكُورِ ، وَإِنَّهُ بَاقٍ وَهُوَ حَيٌّ حَتَّى يَخْرُجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، وَهَذَا نَصٌّ صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ يُخْرِجُ الدَّجَّالَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ مَوْتِ كُلِّ نَفْسٍ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْأُصُولِ : أَنَّ الْعُمُومَ يَجِبُ إِبْقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ ، فَمَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ مُخَصِّصٌ خَرَجَ مِنَ الْعُمُومِ وَبَقِيَ الْعَامُّ حُجَّةً فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَى إِخْرَاجِهَا دَلِيلٌ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَهُوَ الْحَقُّ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَهُوَ غَالِبُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْعُمُومَاتِ يَخْرُجُ مِنْهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ بِنَصٍّ مُخَصِّصٍ ، وَيَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً فِي الْبَاقِي ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي مَبْحَثِ التَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ :
وَهُوَ حُجَّةٌ لَدَى الْأَكْثَرِ إِنْ مُخَصِّصٌ لَهُ مُعَيَّنًا يَبِنْ
وَبِهَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى مَوْتِ كُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي ظَرْفِ تِلْكَ الْمِائَةِ ، وَنَفْيِ الْخُلْدِ عَنْ كُلِّ بَشَرٍ قَبْلَهُ تَتَنَاوَلُ بِظَوَاهِرِهَاالْخَضِرَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا نَصٌّ [ ص: 338 ] صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ كَمَا رَأَيْتَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فِي نَسَبِ الْخَضِرِ ، فَقِيلَ : هُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ : وَهَذَا قَوْلٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَرَوَّادٌ ضَعِيفٌ ، وَمُقَاتِلٌ مَتْرُوكٌ ، وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ ابْنُ قَابِيلَ بْنِ آدَمَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ : ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ الْمُعَمَّرِينَ ، ثُمَّ سَاقَ سَنَدَهُ وَقَالَ : هُوَ مُعْضَلٌ وَحَكَى صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّهُ اسْمُهُ خَضِرُونَ وَهُوَ الْخَضِرُ ، وَقِيلَ : اسْمُهُ عَامِرٌ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ الْبَغْدَادِيِّ ، وَقِيلَ : إِنَّ اسْمَهُ بِلْيَامُ بْنُ مَلْكَانِ بْنُ فَالِغِ بْنِ شَالَخِ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ عَنْ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : إِنَّ اسْمَهُالْمُعَمِّرَ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَزْدِ ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ ، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُمَا .
وَقِيلَ : خَضْرُونُ بْنُ عَمَائِيلَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ : وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَيْضًا ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ : إِنَّهُ أَرْمَيَا بُنُ حَلْقِيَا ، وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ ابْنُ بِنْتِ فِرْعَوْنَ ، حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَقِيلَ : ابْنُ فِرْعَوْنَ لِصُلْبِهِ ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ الْيَسَعُ ، حُكِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ : إِنَّهُ بَعِيدٌ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مِنْ وَلَدِ فَارِسٍ ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: جَاءَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ رِوَايَةِ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مَنْ وَلَدِ بَعْضِ مَنْ كَانَ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَوَهَاجَرَ مَعَهُ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ ، وَقِيلَ : كَانَ أَبُوهُ فَارِسِيًّا ، وَأُمُّهُ رُومِيَّةً ، وَقِيلَ عَكْسُ ذَلِكَ ا هـ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْوَاقِعِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ ، وَالْفَرْوَةُ الْبَيْضَاءُ : مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الْحَشِيشِ الْأَبْيَضِ وَشِبْهِهِ مِنَ الْهَشِيمِ ، وَقِيلَ ، الْفَرْوَةُ : الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا ، وَقِيلَ : هِيَ الْهَشِيمُ الْيَابِسُ .
وَمِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ تَسْمِيَةُ جِلْدَةِ الرَّأْسِ فَرْوَةً ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
دَنِسُ الثِّيَابِ كَأَنَّ فَرْوَةَ رَأْسِهِ غُرِسَتْ فَأَنْبَتْ جَانِبَاهَا فُلْفُلًا
 
بسم الله الرحمن الرحيم
جزى الله الإخوة المشاركين فيما قرروه عن الخضر عليه السلام، و أنا أوافقهم أن الخضر نبي من الأنبياء ـ ولا يستلزم أن يكون رسولا ـ ، لذا لا أكرر ماسبق.
سؤالي الثاني للأخ مصطفي:
قتل الخضر للغلام أكان بوحي من الله؟ أم باجتهاد منه؟ أم بإلهام!؟
 
السلام عليكم
سؤالي الثاني للأخ مصطفي:
قتل الخضر للغلام أكان بوحي من الله؟ أم باجتهاد منه؟ أم بإلهام!؟
أنا أرى أنه اجتهاد
كالقاضى الذى يحكم بقتل فلان .... لايفعله عن أمره بل عن أمر القانون
والعبد الصالح يبدو أنه منفذ لأوامر اتخذها هو مع غيره .... ففى شأن الغلام -مثلا - خشى هو وغيره أن يرهق الغلام والديه طغيانا وكفرا ولذلك قال - فخشينا -
وهنا يكون السؤال : لماذا لايفعل ما يفعل أمام الناس فى العلن ؟
لأن الناس قطعا لن يتفهموا مايفعل ... ومحاولة إفهامهم لن تجدى ،ويضيع جهده بغير طائل ؛كما أن بعض الأعمال- كاقامة الجدار - يجب أن يكون فى الخفاء

أنا أراه ممكن فى الأرض من خلال العلم كما مُكن ذو القرنين من خلال الأسباب
وكما لم تُذكر الأسباب فيما فعل ذو القرنين لأنه لاداع لذكر الكيفية التى انتقل بها إلى المغرب ثم إلى المشرق والجنود الذين كانوا معه لأن كل ذلك مفهوم لدخوله تحت مسمى الأسباب ، فإن النص لم يذكر كيف علم العبد الصالح هذه الأمور لأنه مفهوم كيف يكون العلم ؛
وكما لم يتصور أحد أن ملاكا كان يحمل ذى القرنين إلى مغرب الشمس ثم إلى مطلعها ... فإنه يجب ألا يتصور أحد أنه كان هناك ملاكا يوحى إلى العبد الصالح أن اخرق السفينة أو اقتل الغلام ؛ وأنا لا أتصور أن الوحى أمر بقتل الغلام كمهمة من مهمات النبوة ، ولا أتصور أن نبيا تكون نبوته سرا لايعلم به أحد .... يعيش ويمشى فى الأرض وحيدا ليخرق سفينة أو يقتل غلاما أو يبنى جداراثم يتوارى عن أعين الناس حتى لايفتكوا به !!
وهذه الأفكار هى ماحملت أصحاب الخيال لأن يقولوا أنه ملاك يتجسد فى ساحة الفعل ليفعل ثم يختفى ، وآخرون قالوا بل روح حى ولايزال حيا ...وغير ذلك من الأقوال الباطلة
والصحيح أنه انسان عبد عاش ومات ككل الناس ... كان له من العلم نصيب وافر وظفه فى عمل الخير ومساعدة الناس ، والمجتمع الذى عاش فيه كان مجتمعا مؤمنا وفيه صالحون فكانت مهمته عمل الخير وعدم تمكين المفسدين منه وذلك بقطع السبل عليهم ، فكان منه أنه لم يمكن جنود الملك من سفينة المساكين بهدوء وبغير قتال معهم ، ثم كان منه أن قلل عدد المفسدين فى الأرض بقتل الغلام ، ثم منع تمكن اللئام البخلاء من المال المكنوز الذى هو لصالحيّن -على الغالب - مثل أبيهما
هكذا أرى قصته التى قصتها سورة الكهف
وأى تصور آخر أراه غير صحيح ... بل يثير أوهاما لاأصل لها مثل وهم أنه حى ويحضر عندما يحتاج محتاج .....،
الله هو الذى يُجيب المضطر إذا دعاه .. فما حاجة المحتاج لخضر حى يحضر إليه عندما يحتاج ؟
 
أخي مصطفى، أراك أنكرت على "أصحاب الخيال" - وأنا معك في ذلك- ثم سلكت مسلكهم في تأييد مذهبك و استكمال تصورك لما حدث بالخيال والظن الذي عبرت عنه بصيغة "يبدو".
لقد تتبعت النقاش الطويل حول طبيعة الخضر عليه السلام، و وجدتني متفرجا يزهدني في المشاركة اني لاأرى بوضوح الشق التطبيقي العملي لما قد يفضي إليه إثبات النبوة أو عدمه، لأن ما لا ُيبنى عليه عمل فهو ترف وفضول، تنزه عنه السلف، ووقع فيه أهل الكلام فأوقعهم في محاذير لا تخفى، وحقنا أن نقف عند الحد الذي أخبر به الله في كتابه أو جاء فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ببيانه، وأن نقول كما قال الوقافون مع كتاب الله حيث وقف: لو كانت العبرة لا تتم إلا بتلك التفاصيل التي عفى عنها كتاب الله لذكرت.
لكن قولك بأنه اجتهاد له عواقب خطيرة، وقد يبنى عليه أهل الزيغ وتباع الهوى والباحثون عن تبرير الظلم مسالك مهلكة.
فهل الاجتهاد الذي تراه أخي مصطفى مطلق أم مقيد؟ أكيد أنك تقصد الاجتهاد المقيد، لأن الاجتهاد السائب لاقائد له إلا الهوى وإن استعار مظلات وهمية خداعة كمظلة "عمل الخير ومساعدة الناس" التي لها ظاهر من قبله النية الحسنة وباطن قد يكون من قبله
الإفساد. وأنت تعلم أخي مصطفى أن كل فساد جرى في الأرض أو يجري الآن إنما يتخذ له مثل هذه المظلات، فقد برر فرعون لقومه طلب التفويض لقتل موسى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26، كما أن فراعنة العصر يبررون بطشهم بالعلماء والدعاة والصالحين بمثل هذا، والدول الجبارة تعيث في الأرض فسادا وتغزوا بلاد الإسلام وتقتل وتشرد بشعارات لاتقل حسنا، كإشاعة الحرية والعدالة وتنمية البلاد وغير ذلك.. ولقد ذكر الله مثله في تبرير المنافقين لإفسادهم في الأرض {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }البقرة11
أكيد ان الناس يختلفون في هذا الأمر، بين من يريد الإفساد ويتستر بغطاء الإصلاح وبين من يريد الإصلاح حقا ويخطئ طريقه فيفسد، ولكن النتيجة واحدة، ومهما كان صلاح المجتهد فإنه معرض لتسريبات الهوى وإلقاءات الشيطان، وكيف ينجو صالح من إلقاءات عدو الله ولم تسلم منها أمنيات الأنبياء لولا عصمة الله.
من هنا كان لزاما أن ينتظم المسعى بعد حسن النية بالشرع، فإن لم يعلم توجيه للشرع صريح في الأمر فاجتهاد مقيد بضوابط الشرع، وفي الحالتين معا لايتعلق الأمر باجتهاد مطلق غير مستند لشرع، لأنه باب الفساد الكبير الذي ضلت به الأقوام { وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ }الأنعام119
فإذا كان الاجتهاد الذي ذكرت منضبط بشرع - ولا مفر من التسليم بذلك- فبأي شرع انضبط؟ أي على أي وحي استند الخضر في اجتهاده؟
إن كان على وحي سبق لغيره وهو غير نبي، فكيف يتجاهل شرع موسى وهو نبي رسول حي لازال الخبر يأتيه من السماء ولا زال يُستفتى فيستفتي ربه فيوحى إليه؟ بل كيف ينقاد نبي يوحى إليه لعبد صالح لايوحى إليه؟ وهل يكون اجتهاد وباب السماء مفتوح لرسول يوحى إليه ، ولم يكن اجتهاد في ديننا إلا في غياب الرسول عليه الصلاة والسلام ببعد المسافة عنه( معاذ في اليمن، وعمرو بن العاص في سرية جهادية...) أو غيابه النهائي بالموت؟
وإن كان ذلك بالاستناد إلى وحي أوحي إليه خاصة - وبه يستقيم الأمر ويزول الإشكال_ فإن الخضر عليه السلام نبي.
أما القول باجتهاد لايستند لشرع ومناطه النوايا الحسنة في جلب الخير للناس ودفع الشر عنهم فإنه من أكبر مداخل الشيطان و مجالب الفساد وتعليلات الظلم والبغي، خاصة فيما يتعلق بالأموال والأنفس.
وإني لعاجز تمام العجز أن أتصور أن مجرد الاجتهاد، مهما كان صلاح العبد وصلاح "غيره" الذين لاأجد لوجودهم سندا غير الافتراض والخيال، يمكن أن يفضي بصاحبه إلى قتل النفس بشبهة الطغيان والكفر المحتمل ، غير اليقيني، طالما أن الغيب لايعلمه إلا الله، وطالما أن الخضر لايمكن أن يعلمه مادام لايوحى إليه كما ترى؟
هدانا الله وإياكم للصواب ولما يحب ويرضى.
 
أخي مصطفى، أراك أنكرت على "أصحاب الخيال" - وأنا معك في ذلك- ثم سلكت مسلكهم في تأييد مذهبك و استكمال تصورك لما حدث بالخيال والظن الذي عبرت عنه بصيغة "يبدو".
لقد تتبعت النقاش الطويل حول طبيعة الخضر عليه السلام، و وجدتني متفرجا يزهدني في المشاركة اني لاأرى بوضوح الشق التطبيقي العملي لما قد يفضي إليه إثبات النبوة أو عدمه، لأن ما لا ُيبنى عليه عمل فهو ترف وفضول، تنزه عنه السلف، ووقع فيه أهل الكلام فأوقعهم في محاذير لا تخفى، وحقنا أن نقف عند الحد الذي أخبر به الله في كتابه أو جاء فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ببيانه، وأن نقول كما قال الوقافون مع كتاب الله حيث وقف: لو كانت العبرة لا تتم إلا بتلك التفاصيل التي عفى عنها كتاب الله لذكرت.
لكن قولك بأنه اجتهاد له عواقب خطيرة، وقد يبنى عليه أهل الزيغ وتباع الهوى والباحثون عن تبرير الظلم مسالك مهلكة.
فهل الاجتهاد الذي تراه أخي مصطفى مطلق أم مقيد؟ أكيد أنك تقصد الاجتهاد المقيد، لأن الاجتهاد السائب لاقائد له إلا الهوى وإن استعار مظلات وهمية خداعة كمظلة "عمل الخير ومساعدة الناس" التي لها ظاهر من قبله النية الحسنة وباطن قد يكون من قبله
الإفساد. وأنت تعلم أخي مصطفى أن كل فساد جرى في الأرض أو يجري الآن إنما يتخذ له مثل هذه المظلات، فقد برر فرعون لقومه طلب التفويض لقتل موسى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26، كما أن فراعنة العصر يبررون بطشهم بالعلماء والدعاة والصالحين بمثل هذا، والدول الجبارة تعيث في الأرض فسادا وتغزوا بلاد الإسلام وتقتل وتشرد بشعارات لاتقل حسنا، كإشاعة الحرية والعدالة وتنمية البلاد وغير ذلك.. ولقد ذكر الله مثله في تبرير المنافقين لإفسادهم في الأرض {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }البقرة11
أكيد ان الناس يختلفون في هذا الأمر، بين من يريد الإفساد ويتستر بغطاء الإصلاح وبين من يريد الإصلاح حقا ويخطئ طريقه فيفسد، ولكن النتيجة واحدة، ومهما كان صلاح المجتهد فإنه معرض لتسريبات الهوى وإلقاءات الشيطان، وكيف ينجو صالح من إلقاءات عدو الله ولم تسلم منها أمنيات الأنبياء لولا عصمة الله.
من هنا كان لزاما أن ينتظم المسعى بعد حسن النية بالشرع، فإن لم يعلم توجيه للشرع صريح في الأمر فاجتهاد مقيد بضوابط الشرع، وفي الحالتين معا لايتعلق الأمر باجتهاد مطلق غير مستند لشرع، لأنه باب الفساد الكبير الذي ضلت به الأقوام { وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ }الأنعام119
فإذا كان الاجتهاد الذي ذكرت منضبط بشرع - ولا مفر من التسليم بذلك- فبأي شرع انضبط؟ أي على أي وحي استند الخضر في اجتهاده؟
إن كان على وحي سبق لغيره وهو غير نبي، فكيف يتجاهل شرع موسى وهو نبي رسول حي لازال الخبر يأتيه من السماء ولا زال يُستفتى فيستفتي ربه فيوحى إليه؟ بل كيف ينقاد نبي يوحى إليه لعبد صالح لايوحى إليه؟ وهل يكون اجتهاد وباب السماء مفتوح لرسول يوحى إليه ، ولم يكن اجتهاد في ديننا إلا في غياب الرسول عليه الصلاة والسلام ببعد المسافة عنه( معاذ في اليمن، وعمرو بن العاص في سرية جهادية...) أو غيابه النهائي بالموت؟
وإن كان ذلك بالاستناد إلى وحي أوحي إليه خاصة - وبه يستقيم الأمر ويزول الإشكال_ فإن الخضر عليه السلام نبي.
أما القول باجتهاد لايستند لشرع ومناطه النوايا الحسنة في جلب الخير للناس ودفع الشر عنهم فإنه من أكبر مداخل الشيطان و مجالب الفساد وتعليلات الظلم والبغي، خاصة فيما يتعلق بالأموال والأنفس.
وإني لعاجز تمام العجز أن أتصور أن مجرد الاجتهاد، مهما كان صلاح العبد وصلاح "غيره" الذين لاأجد لوجودهم سندا غير الافتراض والخيال، يمكن أن يفضي بصاحبه إلى قتل النفس بشبهة الطغيان والكفر المحتمل ، غير اليقيني، طالما أن الغيب لايعلمه إلا الله، وطالما أن الخضر لايمكن أن يعلمه مادام لايوحى إليه كما ترى؟
هدانا الله وإياكم للصواب ولما يحب ويرضى.
 
السلام عليكم
لم تعد المسألة من باب الفضول وقد بُنيت عليها أفكار ومعتقدات ... من قائل بكشف إلى قائل بحياة ميت يحضر الحج كل عام.
النبوة فيه .. لامشكلة ، لولا الدليل
فى غياب دليل النبوة يبقى الاجتهاد
يقولون " وما فعلته عن أمرى " هو الدليل .... فرددت على هذا سابقا .
الاجتهاد يُعلى من قيمة العلم والبحث والاستقراء والقدوة فى الرجل
وإ
ني لعاجز تمام العجز أن أتصور أن مجرد الاجتهاد، مهما كان صلاح العبد وصلاح "غيره" الذين لاأجد لوجودهم سندا غير الافتراض والخيال، يمكن أن يفضي بصاحبه إلى قتل النفس بشبهة الطغيان والكفر المحتمل ، غير اليقيني، طالما أن الغيب لايعلمه إلا الله، وطالما أن الخضر لايمكن أن يعلمه مادام لايوحى إليه كما ترى؟
هدانا الله وإياكم للصواب ولما يحب ويرضى.
كيف تقول عن قولى بصلاح غيره أنه افتراض وخيال ؟!!!
ألم يقل القرآن " وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً " ؛ " فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ"

وأنا معك فى أنه يجب ألا يفضى الاجتهاد مهما كان صلاح المجتهد إلى قتل النفس ،ولذلك سأل موسى عليه السلام ...؛ ولكن التأويل لم يكن :لقد قتلته لأن الله أمرنى ، أو أوحى إلى أن أقتله .
إذن علينا أن نبحث لماذا كان القتل بهذه الصورة
إنه قتل بالحق ... لاشك فى هذا
والوحى لايأمر إلا بالحق ، ويجب ألا نختلف حول من حكم بالقتل ... أهو الوحى أم القاضى
بل يجب أن نبحث عن : لماذا حق على هذا الغلام القتل ؟
وإن كانت الحيثيات توافق عرفاً أو شرعا أو اجتهادا بالرأى المنضبط بالحق أو ارادة الخير .. فلا بأس بالقتل
والعبد الصالح قدم الحيثيات لموسى ؛ ونسب الارادة لنفسه ولمن معه "وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً "
وفى الموضوع سؤال هام : كيف يكون وجود الغلام سببا فى منع أن يرزقهما ربهما فتى غيره ، وأن يكون موته سببا فى رزقهما غلاما خيرا منه ؟!
فإذا كان الاجتهاد الذي ذكرت منضبط بشرع - ولا مفر من التسليم بذلك- فبأي شرع انضبط؟ أي على أي وحي استند الخضر في اجتهاده؟
ليس بالضرورة أن يكون هناك شريعة متكاملة ودواوين حكم متكامل .كالمحاكم والمباحث وغيرها .. ؛ ولما كنا لانعلم عرفا ولاشرعا ترسخ فى مجتمع بفعل كفعل الرجل ؛فإنى أقرر تجاوزه العرف والشرع ؛ ولو أمسك به أصحاب السفينة الذين يعمل لصالحهم لفتكوا به !
وإن مافعله أفعال خاصة جدا فى ظروف خاصة جدا ... فهل ينزل شرعا من أجل مثل هذه الحوادث أم تقاس على غيرها أم يُحكم فيها بالرأى " اجتهد رأيى ولا آلو "
وثبوت أن الأمر على الاجتهاد لذى القرنين "قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً" ، فالشرع هنا هو التخيير ، كذلك كان مع العبد الصالح
أخى الكريم
الاجتهاد هو شرع كل من ورد ذكرهم فى السورة
أريدك أن تذكر لى إلى أى شرع استند الفتية إذ أووا إلى الكهف ، أم إلى أى شرع استند الذين اتخذوا على اصحاب الكهف مسجدا ،أم إلى أى شرع استند الرجل الذى دعا على صاحبه لتحرق جنته ، أم إلى أى شرع استند ذو القرنين فى كل مافعل ؟!
إن الأمر يحتاج إلى مزيد تدبر واجتهاد منا لفهم مغزى الآيات ودلالاتها ... لأن فيها الكثير جدا الذى لم نتدارسه بسبب انشغالنا بقضية نبوة الرجل من عدمها ؛ وقضية العلم اللدنى وماترتب عليها من اتباع الدراويش ،وأصحاب الكشف والقائلين : حدثنى قلبى عن ربى !!،
ثم فى النهاية : هل لك أن تصور لى كيف كان خرق السفينة مانعا أن يأخذها الملك ؟
ربما قال البعض أن الملك يحب الصحيح الجديد والذى ليس فيه عيب من السفن ، وهذا يُرد عليه بأنه كان يكفيه أن يُزيل بعض الدهان واللون من عليها لا أن يعيبها عيبا يُغرقها كما قال له موسى "قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا "
ولذلك فإن الرد الصحيح إن العيب الذى عابها اياه يمنعها من الابحار وإذا جاء جنود الملك فلن يستطيعوا أخذها حيث لم يكن فى زمنهم أوناش ترفعها أو حوض عائم تصلح فيه .
والأمر اجتهاد فى متناول الفكر البشرى -كما ترى - ولايحتاج لوحى خاص
****
أرجو ألا تدخل تبعية موسى له للاستدلال على كونه نبي لأنه ببساطة لايصح أن يتبع موسى صاحب الشريعة المتكاملة من هو دونه ،وهذا مادللت عليه أنت بقولك
بل كيف ينقاد نبي يوحى إليه لعبد صالح لايوحى إليه؟ وهل يكون اجتهاد وباب السماء مفتوح لرسول يوحى إليه ، ولم يكن اجتهاد في ديننا إلا في غياب الرسول عليه الصلاة والسلام ببعد المسافة عنه( معاذ في اليمن، وعمرو بن العاص في سرية جهادية...) أو غيابه النهائي بالموت؟

وأجيب أن نعم يجوز له الاجتهاد فى وجود الرسول كما قال معاذ " .... فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأيى ولا آلو " ولكن قطعا لاينسب اجتهاده للوحى

و أضيف أنه فى وجود موسى النبى الرسول لايجوز لنبى - إن كان معاصرا - فعل شيء وينسبه للوحى إلا بأمر من موسى وعلمه ؛

***
الله أسأل أن يهدينى واياك سواء السبيل
 
الســـلام عليكم..
جزى اللُه خيرآ كل من اجاآآآب على تساؤل الاخت الفاضلة فقد افـــادو كثيرا
غير انني اود ابين امرآ بايجاز (الخضر عليه السلام قد اوتي الحكمة من الله عز وجل)
 
ويبقى السؤال المحير /ماهو العلم الذي تعلمه موسى عليه السلام من الرجل الصالح ..؟؟
هذا ماسأضمنه كتابي القادم بإذن الله تعالى .
 
ويبقى السؤال المحير /ماهو العلم الذي تعلمه موسى عليه السلام من الرجل الصالح ..؟؟
هذا ماسأضمنه كتابي القادم بإذن الله تعالى .
السلام عليكم

السؤال جميل
صحيح أن الآية ردت عليه وقالت أنه
" تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً "
ولكن تفصيل الرشد الذى تعلمه موسى عليه السلام يحتاج لبحث مطول أسأل الله أن يعلمك اياه
وفقك الله
 
السلام عليكم
الأخ مصطفى، شاركت بتعقيب على آخر مشاركاتك في هذا النقاش، إلا أنني لم أفهم لم لم تظهر: لخطإ مني في الإدراج أم بتخل من الإدارة. وها أنا أعاود بعثه راجيا أن يجد طريقه للظهور أو أتلقى تبريرا لسبب الحذر، وأرجو أن يكون المانع خيرا
أخي مصطفى، أراك أنكرت على "أصحاب الخيال" - وأنا معك في ذلك- ثم سلكت مسلكهم في تأييد مذهبك و استكمال تصورك لما حدث بالخيال والظن الذي عبرت عنه بصيغة "يبدو".
لقد تتبعت النقاش الطويل حول طبيعة الخضر عليه السلام، و وجدتني متفرجا يزهدني في المشاركة اني لاأرى بوضوح الشق التطبيقي العملي لما قد يفضي إليه إثبات النبوة أو عدمه، لأن ما لا ُيبنى عليه عمل فهو ترف وفضول، تنزه عنه السلف، ووقع فيه أهل الكلام فأوقعهم في محاذير لا تخفى، وحقنا أن نقف عند الحد الذي أخبر به الله في كتابه أو جاء فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ببيانه، وأن نقول كما قال الوقافون مع كتاب الله حيث وقف: لو كانت العبرة لا تتم إلا بتلك التفاصيل التي عفى عنها كتاب الله لذكرت.
لكن قولك بأنه اجتهاد له عواقب خطيرة، وقد يبنى عليه أهل الزيغ وتباع الهوى والباحثون عن تبرير الظلم مسالك مهلكة.
فهل الاجتهاد الذي تراه أخي مصطفى مطلق أم مقيد؟ أكيد أنك تقصد الاجتهاد المقيد، لأن الاجتهاد السائب لاقائد له إلا الهوى وإن استعار مظلات وهمية خداعة كمظلة "عمل الخير ومساعدة الناس" التي لها ظاهر من قبله النية الحسنة وباطن قد يكون من قبله
الإفساد. وأنت تعلم أخي مصطفى أن كل فساد جرى في الأرض أو يجري الآن إنما يتخذ له مثل هذه المظلات، فقد برر فرعون لقومه طلب التفويض لقتل موسى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26، كما أن فراعنة العصر يبررون بطشهم بالعلماء والدعاة والصالحين بمثل هذا، والدول الجبارة تعيث في الأرض فسادا وتغزوا بلاد الإسلام وتقتل وتشرد بشعارات لاتقل حسنا، كإشاعة الحرية والعدالة وتنمية البلاد وغير ذلك.. ولقد ذكر الله مثله في تبرير المنافقين لإفسادهم في الأرض {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }البقرة11
أكيد ان الناس يختلفون في هذا الأمر، بين من يريد الإفساد ويتستر بغطاء الإصلاح وبين من يريد الإصلاح حقا ويخطئ طريقه فيفسد، ولكن النتيجة واحدة، ومهما كان صلاح المجتهد فإنه معرض لتسريبات الهوى وإلقاءات الشيطان، وكيف ينجو صالح من إلقاءات عدو الله ولم تسلم منها أمنيات الأنبياء لولا عصمة الله.
من هنا كان لزاما أن ينتظم المسعى بعد حسن النية بالشرع، فإن لم يعلم توجيه للشرع صريح في الأمر فاجتهاد مقيد بضوابط الشرع، وفي الحالتين معا لايتعلق الأمر باجتهاد مطلق غير مستند لشرع، لأنه باب الفساد الكبير الذي ضلت به الأقوام { وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ }الأنعام119
فإذا كان الاجتهاد الذي ذكرت منضبط بشرع - ولا مفر من التسليم بذلك- فبأي شرع انضبط؟ أي على أي وحي استند الخضر في اجتهاده؟
إن كان على وحي سبق لغيره وهو غير نبي، فكيف يتجاهل شرع موسى وهو نبي رسول حي لازال الخبر يأتيه من السماء ولا زال يُستفتى فيستفتي ربه فيوحى إليه؟ بل كيف ينقاد نبي يوحى إليه لعبد صالح لايوحى إليه؟ وهل يكون اجتهاد وباب السماء مفتوح لرسول يوحى إليه ، ولم يكن اجتهاد في ديننا إلا في غياب الرسول عليه الصلاة والسلام ببعد المسافة عنه( معاذ في اليمن، وعمرو بن العاص في سرية جهادية...) أو غيابه النهائي بالموت؟
وإن كان ذلك بالاستناد إلى وحي أوحي إليه خاصة - وبه يستقيم الأمر ويزول الإشكال_ فإن الخضر عليه السلام نبي.
أما القول باجتهاد لايستند لشرع ومناطه النوايا الحسنة في جلب الخير للناس ودفع الشر عنهم فإنه من أكبر مداخل الشيطان و مجالب الفساد وتعليلات الظلم والبغي، خاصة فيما يتعلق بالأموال والأنفس.
وإني لعاجز تمام العجز أن أتصور أن مجرد الاجتهاد، مهما كان صلاح العبد وصلاح "غيره" الذين لاأجد لوجودهم سندا غير الافتراض والخيال، يمكن أن يفضي بصاحبه إلى قتل النفس بشبهة الطغيان والكفر المحتمل ، غير اليقيني، طالما أن الغيب لايعلمه إلا الله، وطالما أن الخضر لايمكن أن يعلمه مادام لايوحى إليه كما ترى؟
هدانا الله وإياكم للصواب ولما يحب ويرضى.
 
سؤال آخر و أخير للأخ مصطفى
هل ترجع و تراجع كتب أهل العلم كالتفاسير و غيرها في أجوبتك، أم الأمر ابتداء منك؟
 
السلام عليكم
نعم ... لابد من الرجوع إلى التفاسير وأقوال أهل العلم ،
وعندما لاتجد رأيا مجزوم بصحته فيجب التحاور حول هذا الآراء ؛ وهذا ما نفعله .


ملحوظة : لقد أرسلت رسالة لك على الخاص حول الاسم ، ولكن يبدو أنك لم تفطن إليها .
 
السلام عليكم
نعم ... لابد من الرجوع إلى التفاسير وأقوال أهل العلم ،
وعندما لاتجد رأيا مجزوم بصحته فيجب التحاور حول هذا الآراء ؛ وهذا ما نفعله .
ملحوظة : لقد أرسلت رسالة لك على الخاص حول الاسم ، ولكن يبدو أنك لم تفطن إليها .

و عليكم السلام و رحمة الله أخي مصطفى
جوابك ليس صرحا عن سؤالي، فيحتمل قولك:"وهذا ما نفعله" على آخر مذكور.
و أيضا أخي الكريم: ظاهر كلامك يفهم منه أنك لا تخرج عن آراء! أهل العلم في مسألة، و إنما تحاور للوصول إلى الراجح منها، غير أن المشاهد ـ و قد يكون قصورا أو تقصيرا مني ـ أنك تدلي بدلوك ابتداء منك، واجتهادا من عندك، بل و قد تحدث قولا لم تسبق إليه.
أما عن الملحوظة فقد وقفت على رسالتك، و لم أنشط للإجابة لأمرين:
الأول: أنك جزمت بأن "النور" ليس من أسماء الله.
الثاني: الذي أعتقدة و أدين الله به أن النور من أسماء الله، و قد قال هذا جمع من المحققين كشيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم، و هو القائل في نونيته:
و النور من أسمائه أيضا ومن أوصافه سبحانه ذي البرهان
ووافقه على هذا الهرّاس شارح النونية.
و غيرهم من أهل العلم أيضا.
أما ماذكرته من احتجاجي بتسمي بعض أهل العلم به، فلم أسقه سياق الإحتجاج، و إنما لأبين أن المسألة خلافية، و هذا الذي لم تذكره و لم تشر إليه، بل قلت في رسالتك:" والاحتجاج لصحة الاسم بأن تسمى به بعض العلماء فليس حجة .... ونسأل الله أن يغفر لهم
جازما بخطئهم و سائلا المغفرة لهم على فعالهم، لأنهم لم يغيروا أسمائهم.
و هذا نص الرسالة كاملة التي وردت عليّ من أخي مصطفى
""السلام عليكم
قد تتفق معى فى أن الضياء والنور مخلوقان من مخلوقات الله
" وجعل القمر فيهن نورا " فالقمر نراه نورا مخلوقا يعكس ضوء الشمس المخلوق وكله قد خلقه الله بعد أن كان الله ولا شيء معه " فى بداية الخلق ؛ فكل ما وُجد بعدها مخلوق
وإنا لنعلم أن الله حجابه النور وليس حجابه هو ذاته لنقول أن من اسمائه النور ؛ وبهذا نفهم قوله مجيبا من سأله هل رأيت ربك ليلة المعراج فقال " نور أنى أراه "
ولقد قال المفسرون فى قوله " الله نور السموات والأرض " أى منورهما ، ولذلك أرى أنه لو كان من اسمائه النور ماوجدنا فيهما من ظلام
والاحتجاج لصحة الاسم بأن تسمى به بعض العلماء فليس حجة .... ونسأل الله أن يغفر لهم ...

لقد فضلت كتابة رسالتى على الخاص لأن السؤال كان فى موضوع بعيد عن مسألة النور
والسلام عليكم""
 
عودة
أعلى