أبو عمرو البيراوي
New member
- إنضم
- 29/04/2008
- المشاركات
- 505
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
لمناسبة سؤال الأخ مصطفى سعيد، وما نقله عن تفسير الجلالين رأيت أن من المناسب نقل هذا المقال:
فأتبع سبباً
بقلم: بسام جرار – مركز نون
جاء في الآية 86 من سورة الكهف:" حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة..."، وجاء في الآية 90 من السورة:" حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم..."
وقد استشكل أهل التفسير الآيتين، وذلك لما علم من أنّ الشمس لا تغرب في عين معينة ولا تشرق أيضاً على مكان محدد. جاء في أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري:"... وغروبها إنما هو نظر العين، وإلا فالشمس في السماء والبحر في الأرض". وهذا القول يمثل مذهب عامة أهل التفسير، وعلى وجه الخصوص بعد النهضة العلمية في العصور العباسية.
والذي نراه أن لا إشكال. ولإيضاح ذلك نقول:
أولاً: جاء في الآية 9 من سورة المزمل:" رب المشرق والمغرب..."، وجاء في الآية 17 من سورة الرحمن:" رب المشرقين ورب المغربين"، وجاء في الآية 40 من سورة المعارج:"فلا أقسم برب المشارق والمغارب...". فالآيات الكريمة تصرح بأنّ هناك مشرقاً ومغرباً، ومشارق ومغارب. بل هناك أيضاً مشرقان ومغربان، ويبدو أنهما يتعلقان بالشمس والقمر. ومعلوم أنّ في كل لحظة شروقاً وغروباً، ومعلوم أيضاً أنّ للشمس في كل يوم مكاناً للشروق يختلف عن اليوم السابق أو اللاحق، وكذلك الأمر في الغروب.
ثانياً: عندما تشرق الشمس على مكان تكون قد غربت في اللحظة نفسها عن مكان آخر. فالمكان الواحد هو مشرق بالنسبة لمكان ثانٍ ومغرب بالنسبة لمكان ثالث. ومن هنا لا نستطيع أن نصف مكاناً بأنه مشرق أو مغرب حتى نحدد الجهة التي ننسب القول إليها. فالأمر إذن هو نسبي.
ثالثاً: عندما تغيب الشمس في مياه البحر، تكون قد غابت فيها حقيقة، وليس الأمر كما تُوهمه عبارات الكثيرين عندما يقولون: "إنما هو نظر العين". وحتى يتضح المقصود نقول:"عندما تغيب الشمس ما الذي يُغيِّبها؟! الجواب: إذا كانت تغيب في البحر فالذي يُغيّبها ماء البحر، بدليل أننا لو أزلنا ماء البحر بعد غيابها بدقائق ستظهر الشمس مرة أخرى وتشرق. وإذا كانت تغيب وراء الجبال الشاهقة وقمنا بعد غيابها بدقائق بنسف الجبال فستشرق مرة أخرى.
رابعاً: لم يكن ذو القرنين يسير في الأرض على غير هدى، بل كان له مهمة محددة وكان يعلم ما يريد وأين يذهب. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بوضوح عندما قال، بل وكرر القول لتأكيد الأهمية وإبراز مركزية هذا الأمر في القصة:" فأتبع سبباً" الكهف85، " ثم أتبع سبباً" الكهف89، "ثم أتبع سبباً" الكهف 92. والملاحظ أنّ كل عبارة هي آية كاملة.
جاء في تفسير الرازي:" السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل بها إلى تحصيل ذلك الشيء". وعليه، فالسبب: ما يُتوصّل به لتحقيق المراد، أي الهدف. فذو القرنين إذن كانت له أهداف، وكان قبل أن يتوجه إلى مكانٍ مستهدفٍ ومعلومٍ له يقوم باتخاذ كل الوسائل المتوقع أن توصله إلى هدفه. وكان يسلك ذلك السلوك في كل مرة يتحرك فيها نحو هدفه المعلوم. فذو القرنين إذن يخطط ويحسب ويُقدّر ثم ينطلق ولديه كل ما يلزم للوصول وتحقيق الأهداف.
خامساً: إذا عرفنا كل ذلك تبين لنا أنّ ذا القرنين كان يستهدف أماكن محددة؛ فقد كان مأموراً أن يتوجه إلى جهة الشرق حتى يصل إلى المكان المحدد له، وأن يتجه جهة الغرب حتى يصل إلى المكان الذي حدد له، وأن يتجه اتجاهاً ثالثاً علمه فاتخذ للوصل إليه كل الأسباب اللازمة. فهناك إذن مكان جهة الشرق بالنسبة له، وآخر جهة الغرب، وثالث يحدده المكان الذي انطلق منه ذو القرنين.
وحتى نفهم المسألة دعنا نفترض أنه كُلّف بالاطلاع على واقع بعض الأمم في شرق إفريقيا وغربها وجنوبها، فعندما وصل غرب إفريقيا وجد الشمس تغرب في المحيط الأطلسي، وهذا حقيقة وليس ما تراه العين فقط. ولما وصل شرق إفريقيا وجد أنّ الشمس تشرق من البحر الأحمر، وهذه حقيقة، ولكنها لا تكون حقيقة حتى نحدد المكان قبل أن نحدد الاتجاه. ومن هنا يصح أن نقول: شرق إفريقيا البحر الأحمر، وغرب أمريكا المحيط الهادي. وبعبارة أخرى نقول: تُشرق الشمس على أمريكا من المحيط الأطلسي، وتغرب عنها في المحيط الهادي. وبغير هذا لا يمكننا أن نحدث بعضنا البعض.
سادساً: هناك احتمال أن يكون ذو القرنين نبياً، وإن لم يكن نبياً فتابع لنبي معاصر، ويظهر ذلك في قوله تعالى:"... قلنا يا ذا القرنين إما أن تُعذبَ وإما أنْ تتخذَ فيهم حُسناً" الكهف 86
فأتبع سبباً
بقلم: بسام جرار – مركز نون
جاء في الآية 86 من سورة الكهف:" حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة..."، وجاء في الآية 90 من السورة:" حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم..."
وقد استشكل أهل التفسير الآيتين، وذلك لما علم من أنّ الشمس لا تغرب في عين معينة ولا تشرق أيضاً على مكان محدد. جاء في أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري:"... وغروبها إنما هو نظر العين، وإلا فالشمس في السماء والبحر في الأرض". وهذا القول يمثل مذهب عامة أهل التفسير، وعلى وجه الخصوص بعد النهضة العلمية في العصور العباسية.
والذي نراه أن لا إشكال. ولإيضاح ذلك نقول:
أولاً: جاء في الآية 9 من سورة المزمل:" رب المشرق والمغرب..."، وجاء في الآية 17 من سورة الرحمن:" رب المشرقين ورب المغربين"، وجاء في الآية 40 من سورة المعارج:"فلا أقسم برب المشارق والمغارب...". فالآيات الكريمة تصرح بأنّ هناك مشرقاً ومغرباً، ومشارق ومغارب. بل هناك أيضاً مشرقان ومغربان، ويبدو أنهما يتعلقان بالشمس والقمر. ومعلوم أنّ في كل لحظة شروقاً وغروباً، ومعلوم أيضاً أنّ للشمس في كل يوم مكاناً للشروق يختلف عن اليوم السابق أو اللاحق، وكذلك الأمر في الغروب.
ثانياً: عندما تشرق الشمس على مكان تكون قد غربت في اللحظة نفسها عن مكان آخر. فالمكان الواحد هو مشرق بالنسبة لمكان ثانٍ ومغرب بالنسبة لمكان ثالث. ومن هنا لا نستطيع أن نصف مكاناً بأنه مشرق أو مغرب حتى نحدد الجهة التي ننسب القول إليها. فالأمر إذن هو نسبي.
ثالثاً: عندما تغيب الشمس في مياه البحر، تكون قد غابت فيها حقيقة، وليس الأمر كما تُوهمه عبارات الكثيرين عندما يقولون: "إنما هو نظر العين". وحتى يتضح المقصود نقول:"عندما تغيب الشمس ما الذي يُغيِّبها؟! الجواب: إذا كانت تغيب في البحر فالذي يُغيّبها ماء البحر، بدليل أننا لو أزلنا ماء البحر بعد غيابها بدقائق ستظهر الشمس مرة أخرى وتشرق. وإذا كانت تغيب وراء الجبال الشاهقة وقمنا بعد غيابها بدقائق بنسف الجبال فستشرق مرة أخرى.
رابعاً: لم يكن ذو القرنين يسير في الأرض على غير هدى، بل كان له مهمة محددة وكان يعلم ما يريد وأين يذهب. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بوضوح عندما قال، بل وكرر القول لتأكيد الأهمية وإبراز مركزية هذا الأمر في القصة:" فأتبع سبباً" الكهف85، " ثم أتبع سبباً" الكهف89، "ثم أتبع سبباً" الكهف 92. والملاحظ أنّ كل عبارة هي آية كاملة.
جاء في تفسير الرازي:" السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل بها إلى تحصيل ذلك الشيء". وعليه، فالسبب: ما يُتوصّل به لتحقيق المراد، أي الهدف. فذو القرنين إذن كانت له أهداف، وكان قبل أن يتوجه إلى مكانٍ مستهدفٍ ومعلومٍ له يقوم باتخاذ كل الوسائل المتوقع أن توصله إلى هدفه. وكان يسلك ذلك السلوك في كل مرة يتحرك فيها نحو هدفه المعلوم. فذو القرنين إذن يخطط ويحسب ويُقدّر ثم ينطلق ولديه كل ما يلزم للوصول وتحقيق الأهداف.
خامساً: إذا عرفنا كل ذلك تبين لنا أنّ ذا القرنين كان يستهدف أماكن محددة؛ فقد كان مأموراً أن يتوجه إلى جهة الشرق حتى يصل إلى المكان المحدد له، وأن يتجه جهة الغرب حتى يصل إلى المكان الذي حدد له، وأن يتجه اتجاهاً ثالثاً علمه فاتخذ للوصل إليه كل الأسباب اللازمة. فهناك إذن مكان جهة الشرق بالنسبة له، وآخر جهة الغرب، وثالث يحدده المكان الذي انطلق منه ذو القرنين.
وحتى نفهم المسألة دعنا نفترض أنه كُلّف بالاطلاع على واقع بعض الأمم في شرق إفريقيا وغربها وجنوبها، فعندما وصل غرب إفريقيا وجد الشمس تغرب في المحيط الأطلسي، وهذا حقيقة وليس ما تراه العين فقط. ولما وصل شرق إفريقيا وجد أنّ الشمس تشرق من البحر الأحمر، وهذه حقيقة، ولكنها لا تكون حقيقة حتى نحدد المكان قبل أن نحدد الاتجاه. ومن هنا يصح أن نقول: شرق إفريقيا البحر الأحمر، وغرب أمريكا المحيط الهادي. وبعبارة أخرى نقول: تُشرق الشمس على أمريكا من المحيط الأطلسي، وتغرب عنها في المحيط الهادي. وبغير هذا لا يمكننا أن نحدث بعضنا البعض.
سادساً: هناك احتمال أن يكون ذو القرنين نبياً، وإن لم يكن نبياً فتابع لنبي معاصر، ويظهر ذلك في قوله تعالى:"... قلنا يا ذا القرنين إما أن تُعذبَ وإما أنْ تتخذَ فيهم حُسناً" الكهف 86