محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فتمر بحياة الإنسان مناسبات وأعياد شرعية شرع فيها تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا ، ومناسبات وأحوال أخرى شخصية تعارف الناس على التهنئة فيها ببعض الكلمات ؛ وهناك مناسبات مبتدعة اعتاد البعض على التهنئة بها ، وهو غير جائز .
والتهنئة والتبريك من آداب الإسلام وخصاله الجميلة ، وقد وردت الأحاديث والآثار في التهنئة والتبريكات في أحوال ومناسبات سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .
والتهنئة كان أمرًا معروفًا عند الصحابة ، ورخص فيه أهل العلم ، وقد ورد ما يدل على مشروعيه التهنئة في بعض المناسبات ، وتهنئة الصحابة بعضهم بعضًا فيما إذا حصل لهم أمر يَسُرُّ ، كما هنأوا من تاب الله عليهم ... إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه .
فالتَّهْنِئَةُ مَشروعةٌ فِي الْجُمْلَةِ ؛ وفيهَا مُشَارَكَةٌ بِالتَّبْرِيكِ وَالدُّعَاءِ مِنِ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَسُرُّهُ وَيُفْرحُهُ ؛ مما يدعو إلى التَّوَادِّ ، وَالتَّرَاحُمِ ، وَالتَّعَاطُفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَهْنِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يَنَالُونَ مِنْ نَعِيمٍ في الجنة ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ] .
والأصل في التهنئة تجدد نعمة ، أو رفع بلاء ؛ مما يُدخل السرور على النفوس ؛ فهي مما يُفرح المُهنَأ ، ويدل على سجية المهنِّئ ، وقد تدخل في التبشير ، إلا أن البُشارة إنما تكون من أول من يخبر بها ، والتهنئة لا يشترط فيها الأولية .
ولهذا جاء في حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم ؛ قال : وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَّضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ؛ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ ، فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ : " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
فهذا الحديث أصل في التهنئة لما يطرأ على المسلم من نعمة ، أو يرفع عنه من بلاء .
وللحافظ السيوطي - رحمه الله - رسالة لطيفة سماها ( وصول الأماني بأصول التهاني ) جمع فيها ما جاء في التهاني المشروعة ؛ وتكلم العلماء عن حكم ما يتجدد من التهاني بين المشروع والممنوع .
وفي هذه الرسالة أحاول – مستعينًا بالله تعالى – أن أجمع شتات هذا الموضوع المهم من خلال المحاور الآتية :
معنى التهنئة .
ألفاظ تستخدم في التهنئة .
حكم التهنئة .
أنواع التهنئة .
التهنئة المشروعة .
التهنئة الممنوعة .
آداب التهنئة ؛ ثم الخاتمة .
هذا والله الكريم أسأل العون والقبول ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
[1] - البخاري ( 4156 ) ، ومسلم ( 2769 ) .
فتمر بحياة الإنسان مناسبات وأعياد شرعية شرع فيها تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا ، ومناسبات وأحوال أخرى شخصية تعارف الناس على التهنئة فيها ببعض الكلمات ؛ وهناك مناسبات مبتدعة اعتاد البعض على التهنئة بها ، وهو غير جائز .
والتهنئة والتبريك من آداب الإسلام وخصاله الجميلة ، وقد وردت الأحاديث والآثار في التهنئة والتبريكات في أحوال ومناسبات سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .
والتهنئة كان أمرًا معروفًا عند الصحابة ، ورخص فيه أهل العلم ، وقد ورد ما يدل على مشروعيه التهنئة في بعض المناسبات ، وتهنئة الصحابة بعضهم بعضًا فيما إذا حصل لهم أمر يَسُرُّ ، كما هنأوا من تاب الله عليهم ... إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه .
فالتَّهْنِئَةُ مَشروعةٌ فِي الْجُمْلَةِ ؛ وفيهَا مُشَارَكَةٌ بِالتَّبْرِيكِ وَالدُّعَاءِ مِنِ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَسُرُّهُ وَيُفْرحُهُ ؛ مما يدعو إلى التَّوَادِّ ، وَالتَّرَاحُمِ ، وَالتَّعَاطُفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَهْنِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يَنَالُونَ مِنْ نَعِيمٍ في الجنة ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ] .
والأصل في التهنئة تجدد نعمة ، أو رفع بلاء ؛ مما يُدخل السرور على النفوس ؛ فهي مما يُفرح المُهنَأ ، ويدل على سجية المهنِّئ ، وقد تدخل في التبشير ، إلا أن البُشارة إنما تكون من أول من يخبر بها ، والتهنئة لا يشترط فيها الأولية .
ولهذا جاء في حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم ؛ قال : وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَّضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ؛ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ ، فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ : " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
فهذا الحديث أصل في التهنئة لما يطرأ على المسلم من نعمة ، أو يرفع عنه من بلاء .
وللحافظ السيوطي - رحمه الله - رسالة لطيفة سماها ( وصول الأماني بأصول التهاني ) جمع فيها ما جاء في التهاني المشروعة ؛ وتكلم العلماء عن حكم ما يتجدد من التهاني بين المشروع والممنوع .
وفي هذه الرسالة أحاول – مستعينًا بالله تعالى – أن أجمع شتات هذا الموضوع المهم من خلال المحاور الآتية :
معنى التهنئة .
ألفاظ تستخدم في التهنئة .
حكم التهنئة .
أنواع التهنئة .
التهنئة المشروعة .
التهنئة الممنوعة .
آداب التهنئة ؛ ثم الخاتمة .
هذا والله الكريم أسأل العون والقبول ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
[1] - البخاري ( 4156 ) ، ومسلم ( 2769 ) .