غاية الأماني في أحكام وآداب التهاني

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فتمر بحياة الإنسان مناسبات وأعياد شرعية شرع فيها تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا ، ومناسبات وأحوال أخرى شخصية تعارف الناس على التهنئة فيها ببعض الكلمات ؛ وهناك مناسبات مبتدعة اعتاد البعض على التهنئة بها ، وهو غير جائز .
والتهنئة والتبريك من آداب الإسلام وخصاله الجميلة ، وقد وردت الأحاديث والآثار في التهنئة والتبريكات في أحوال ومناسبات سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .
والتهنئة كان أمرًا معروفًا عند الصحابة ، ورخص فيه أهل العلم ، وقد ورد ما يدل على مشروعيه التهنئة في بعض المناسبات ، وتهنئة الصحابة بعضهم بعضًا فيما إذا حصل لهم أمر يَسُرُّ ، كما هنأوا من تاب الله عليهم ... إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه .
فالتَّهْنِئَةُ مَشروعةٌ فِي الْجُمْلَةِ ؛ وفيهَا مُشَارَكَةٌ بِالتَّبْرِيكِ وَالدُّعَاءِ مِنِ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَسُرُّهُ وَيُفْرحُهُ ؛ مما يدعو إلى التَّوَادِّ ، وَالتَّرَاحُمِ ، وَالتَّعَاطُفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَهْنِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يَنَالُونَ مِنْ نَعِيمٍ في الجنة ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ] .
والأصل في التهنئة تجدد نعمة ، أو رفع بلاء ؛ مما يُدخل السرور على النفوس ؛ فهي مما يُفرح المُهنَأ ، ويدل على سجية المهنِّئ ، وقد تدخل في التبشير ، إلا أن البُشارة إنما تكون من أول من يخبر بها ، والتهنئة لا يشترط فيها الأولية .
ولهذا جاء في حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم ؛ قال : وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَّضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ؛ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ ، فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ : " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
فهذا الحديث أصل في التهنئة لما يطرأ على المسلم من نعمة ، أو يرفع عنه من بلاء .
وللحافظ السيوطي - رحمه الله - رسالة لطيفة سماها ( وصول الأماني بأصول التهاني ) جمع فيها ما جاء في التهاني المشروعة ؛ وتكلم العلماء عن حكم ما يتجدد من التهاني بين المشروع والممنوع .
وفي هذه الرسالة أحاول – مستعينًا بالله تعالى – أن أجمع شتات هذا الموضوع المهم من خلال المحاور الآتية :
معنى التهنئة .
ألفاظ تستخدم في التهنئة .
حكم التهنئة .
أنواع التهنئة .
التهنئة المشروعة .
التهنئة الممنوعة .
آداب التهنئة ؛ ثم الخاتمة .
هذا والله الكريم أسأل العون والقبول ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية


[1] - البخاري ( 4156 ) ، ومسلم ( 2769 ) .
 
معنى التهنئة
التَّهْنِئَةُ لُغَةً ضد التَّعْزِيَةِ ، يُقَال : هَنَّأَهُ بِالأَْمْرِ وَالْوِلاَيَةِ ، تَهْنِئَةً وَتَهْنِيئًا ؛ إِذَا قَال لَهُ : لِيَهْنِئَك ، أَوْ لِيَهْنِيكَ ، أَوْ هَنِيئًا ؛ وَالْهَنِيءُ وَالْمَهْنَأُ : مَا أَتَاك بِلاَ مَشَقَّةٍ وَلاَ تَنْغِيصٍ ؛ وَالْهَنِيءُ مِنَ الطَّعَامِ : السَّائِغُ ، وَاسْتَهْنَأْتُ الطَّعَامَ اسْتَمْرَأْتُهُ ؛ وفي التنزيل : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [ النساء : 4 ] ؛ ويقال : هنَّيتُه على الشيء الذي يُسَرَّ به تهنيةً ؛ وهنّأتُه الطعامَ تهنئةً ، إذا قلت له : هنيئًا ؛ وهَنُؤَ الطعام : صار هَنِيئًا ؛ وكل أمرٍ أَتى بلا تعب فهو هَنِيءٌ . وفى المثل : ( إنما سميت هانئًا لتهنأ ) ، وهنئت بكذا : فرحتُ به ، وهنَّأته به : فرَّحته ، وهنِّئ به : فرح[SUP] ( [1] ) [/SUP].
ولا يختلف معناه في الشرع عن المعنى اللغوي ؛ وقيل : التهنئة : هي المخاطبة بالأمر راجيًا أن يكون مبعث سرور له[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وقال السبكي - رحمه الله : التهنئة : الدعاء بالهناءة لمن فاز بخير ديني ، أو دنيوي ، لا يضره في دينه[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ وقيل : التهنئة : الدعاء لصاحب النعمة بدوامها ، وتسويغها ؛ فأصلها هنأ الطعام .


[1] - انظر لسان العرب باب الهمزة فصل الهاء ، وصحاح الجوهري : 2 / 97 .

[2] - المعجم الوسيط : 2 / 996 .

[3] - ( الدين الخالص ، أو إرشاد الخلق إلى دين الحق ) لمحمود خطاب السبكي : 1/ 343 .
 
ألفاظ تستخدم في التهنئة
هناك ألفاظ تستخدم للتهنئة بأمورٍ معينة ، كَالتَّبْرِيكِ ، وَالتَّبْشِيرِ ، وَالتَّرْفِئَةِ .
والتبريك من الْبَرَكَةَ ، وَهو الدُّعَاءَ لِلإِْنْسَانِ بِالْبَرَكَةِ ، وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ وَالسَّعَادَةُ [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .
قال الراغب – رحمه الله : والبركة : ثبوت الخير الإلهي في الشيء ؛ قال تعالى : { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] ، وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البِرْكة ؛ ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يُحس ، وعلى وجه لا يُحصى ولا يُحصر ، قيل لكل ما يُشاهد منه زيادة غير محسوسة : هو مبارك ، وفيه بركة ؛ وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أَنَّهُ " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].

وأما التَّبْشِيرُ : فَمَصْدَرُ بَشَّرَ ، وَالاِسْمُ : الْبِشَارَةُ ، وَالْبُشَارَةُ ( بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ ) ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً : الإِْخْبَارُ بِالْخَيْرِ عند الإطلاق ؛ وهي - أَيْضًا : مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشَّرُ بِالأَْمْرِ ؛ وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الإِْخْبَارِ بِالشَّرِّ إِذَا قُيِّدَ بِهِ ، كَما في قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ التوبة : 34 ] [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ والْبِشَارَةَ : أَوَّل مَا يَصِل إِلَيْك مِنَ الْخَبَرِ السَّارِّ [SUP]( [4] ) [/SUP]، فَإِذَا وَصَل إِلَيْك ثَانِيًا لَمْ يُسَمَّ بِشَارَةً ؛ وَوُجُودُ الْمُبَشَّرِ بِهِ وَقْتَ الْبِشَارَةِ لَيْسَ بِلاَزِمٍ ؛ بِدَلِيل قَوْلهِ تَعَالَى : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقِ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } [ الصافات : 112 ] .
وأما التَّرْفِئَةُ : فمَصْدَرُ رَفَأَ ، يُقَال : رَفَّاهُ تَرْفِئَةً وَتَرْفِيًا ، وَرَفَّأَهُ تَرْفِئَةً وَتَرْفِيئًا ، أَيْ : دَعَا لَهُ وَقَال : بِالرِّفَاءِ ، أَيْ : بِالاِلْتِئَامِ وَجَمْعِ الشَّمْل ؛ لأَِنَّ أَصْل الرَّفْءِ الاِجْتِمَاعُ وَالتَّلاَؤُمُ ، وَمِنْهُ رَفَأَ ، أَيْ : تَزَوَّجَ [SUP]( [5] ) [/SUP]. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّرْفِئَةُ أَخَصُّ مِنَ التَّهْنِئَةِ ؛ لأَِنَّ التَّرْفِئَةَ هِيَ التَّهْنِئَةُ بِالنِّكَاحِ خَاصَّةً ، أَمَّا التَّهْنِئَةُ فَتَكُونُ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِغَيْرِهِ . وكان أهل الجاهلية يقولون لمن تزوج : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الترفئة ، لأنها من تهنئة الجاهلية ، وهم كانوا يكرهون الإناث . وسيأتي بيان ذلك ، إن شاء الله تعالى .


[1] - انظر ( لسان العرب ) باب الكاف فصل الباء ، والمصباح المنير مادة ( ب ر ك ) .

[2] - انظر ( المفردات في غريب القرآن ) مادة ( ب ر ك ) ؛ والحديث رواه مسلم ( 2588 ) عن أبي هريرة t .

[3] - انظر ( لسان العرب ) باب الراء فصل الباء ، والمصباح المنير مادة ( ب ش ر ) .

[4] - انظر ( الفروق اللغوية ) ص 101 ( 399 ) .

[5] - انظر ( لسان العرب ) باب الهمزة فصل الراء ، والمصباح المنير مادة ( ر ف أ ) .
 
حكم التهنئة
قد جاءت الأدلة على استحباب التهنئة في أحوال ، كالتهنئة بالمناقب العلية ، والتهنئة بالعلم ، والتهنئة بالزواج ... وغير ذلك ؛ واعتاد الناس على بعض التهاني بما يُسَرُّ به المسلم مما يطرأ عليه من الأمور المباحة من تجدد نعمة ، أو دفع مضرة ؛ وهذا من الأمور المباحة ؛ ولها أصل في تهنئة الصحابة لكعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم كما تقدم ؛ ثم إن التهنئة - غالبًا - من باب العادات ، والأصل فيها الإباحة ، ولا يحرم منها إلا ما ورد تحريمه ؛ قال السعدي - رحمه الله :
والأصل في عاداتنا الإباحة ... حتى يجيء صـارف الإباحة
وليس مشروعًا من الأمور ... غير الذي في شرعنا مذكور [SUP]([1] )[/SUP]
وهناك بعض التهاني قد اعتاد عليها بعض الناس ، ولكنها مما لا يجوز في شرع الله المطهر ، كالتهنئة بأعياد كفرية كعيد الكريسماس وما شابهه ، أو بأعياد مبتدعة كعيد الميلاد ، وعيد الأم ، وعيد الحب ... وما شابه ذلك .


[1] - المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي : 1 / 143.
 
أنواع التهاني
بعد بيان الحكم المتعلق بالتهنئة يتبين لنا أن التهنئة نوعان :
الأول : تهنئة مشروعة ؛ وهي ما جاء الدليل عليها ، أو ما لها أصل يمكن القياس عليه .
الثاني : تهنئة ممنوعة ؛ وهي ما لا دليل عليها ، وليس لها أصل يمكن القياس عليه .
إذ التهنئة تكون على أحوال :
إمَّا أن تكون بما يُسَرُّ به المسلم ، مما يطرأ عليه من الأمور المباحة ، من تجدد نعمة ، أو دفع مضرة ؛ كالتهنئة بالنكاح ، والتهنئة بالمولود الجديد ، والتهنئة بالثوب الجديد ، والتهنئة بالنجاح في عمل أو دراسة ، أو ما شابه ذلك من المناسبات التي لا ارتباط لها بزمن معين ؛ فهذه من أمور العادات التي لا حرج فيها ، ولعل صاحبها يُؤْجَرُ عليها لإدخاله السرور على أخيه المسلم ؛ فالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا ، وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا .
وإمَّا أن تكون التهنئة متعلقة بزمن معين ؛ كالأعياد ، والأعوام ، والأشهر ، والأيام ؛ وهذه فيها تفصيل :
أمَّا عيد الفطر وعيد الأضحى ؛ فعيدان شرعيان ، والتهنئة بهما ثابت عن جَمْعٍ من الصحابة .
وأمَّا التهنئة بالعام الهجري الجديد ؛ فلم يكن معروفًا عند السلف ، واختلف فيها ، وسيأتي بيانها .
وأمَّا التهنئة بالأشهر ؛ فكالتهنئة بشهر رمضان ، فهذا له أصل في السنة .
وأمَّا الأيام ؛ فكالتهنئة بيوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بيوم الإسراء والمعراج ، وما شابه ذلك ، فهذا من البدع ، لارتباطه بمناسبات دينية مبتدعة .
وأما ما اخترعه الناس من احتفالات سموها أعيادًا أو أيامًا ، كعيد الميلاد ، وعيد الزواج ، وعيد الحب ، وما شابهه ؛ فهذه كلها وما شابهها أعياد باطلة لا يجوز الاحتفال بها ، ولا التهنئة عليها .
 
التهاني المشروعة
التَّهْنِئَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِكُل مَا يُسِرُّ وَيُسْعِدُ مِمَّا يُوَافِقُ شَرْعَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتقدم ذكر بعض ذلك ، ونضيف ها هنا بعضها ، كالتَّهْنِئَةِ برمضان ، والتهنئةِ بِالْعِيدِ ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالْقُدُومِ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ ، والتهنئة بالعافية من المرض ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالطَّعَامِ ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ ؛ وفي التهنئةِ بالأيام والأعوام والشهور - غير رمضان - كلام لأهل العلم سنذكره إن شاء الله تعالى .
التهنئة بالمناقب الدينية والفضائل العلية
روى أحمد والشيخان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ " ، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَّبِيَّ اللهِ ؛ بَيَّنَ اللهُ عو وجل مَا يُفْعَلُ بِكَ ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا ؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : { لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } حَتَّى بَلَغَ : { فَوْزًا عَظِيمًا } وعن عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " هَنِيئًا لَك ، أَبُوك يَطِير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء " [ 2 ]
[SUP][1] [/SUP].



[1] - أحمد : 3 / 122 ، 134 ، 197 ، واللفظ له ، والبخاري ( 3939 ، 4554 ) ، ومسلم ( 1786 ) .

[2] - قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 9 / 230 ) : رواه الطبراني وإسناده حسن .ا.هـ . وحسن إسناده الحافظ المنذري في ( الترغيب والترهيب ) : 2 / 206 ، وكذا الحافظ في ( فتح الباري ) : 7 / 76 .
 
التهنئة بالتوبة
تقدم حديث كعب بن مالك رضي الله عنه ، وفيه : فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ .
 
التهنئة بالعلم
روى أحمد ومسلم عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ : " أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ ؟ " قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! فَرَدَّدَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ قَالَ أُبَيٌّ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ ؛ قَالَ : " لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ " [SUP]( [1] ) [/SUP].
فمن نال رتبة علمية يُهنأ ، ويقال له : لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ .


[1] - أحمد : 5 / 141 ، واللفظ له ، ومسلم ( 810 ) .
 
التهنئة بالطعام والشراب
اعتاد الناس أن يقول بعضهم لبعض بعد طعام أو شراب : هنيئًا مريئًا ؛ وفي القرآن العظيم أنه يقال لأهل الجنة : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ، والمرسلات : 43 ] ؛ وقال الله تعالى فيما أعطت المرأة زوجها عن طيب نفس : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [ النساء : 4 ] . والهنيء : الذي لا ينغصه شيء ، والمريء : المحمود العاقبة الذي لا داء فيه .
 
التهنئة بالثوب الجديد
روى أحمد وابن ماجة واللفظ له عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ ، فَقَالَ : " ثَوْبُكَ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ ؟ " ، قَالَ : لَا بَلْ غَسِيلٌ ، قَالَ : " الْبَسْ جَدِيدًا ، وَعِشْ حَمِيدًا ، وَمُتْ شَهِيدًا "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : " الْبَسْ جَدِيدًا " صيغة أمر أريد به الدعاء بأن يرزقه الله الجديد .
وفي صحيح البخاري عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ - رضي الله عنها - قالت : أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ ، فَقَالَ : " مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ ؟ " فَسَكَتَ الْقَوْمُ ، قَالَ : " ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ " فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ ، فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا ، وَقَالَ : " أَبْلِي وَأَخْلِقِي "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وروى ابن أبي شيبة عن أبي نضرة قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأوا على أحدهم الثوب الجديد ، قالوا : تُبلي ، ويُخلف الله عليك[SUP] ( [3] )[/SUP] .
قال الحافظ – رحمه الله : وقوله " أَبْلِي " : أمر بالابلاء ، وكذا قوله : " وَأَخْلِقِي " : أمر بالإخلاق ، وهما بمعنى ؛ والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك ؛ أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق ؛ قال الخليل : أبلِ وأخلق ، معناه : عش وخرِّق ثيابك وأرقعها ، وأخلقت الثوب : أخرجت باليه ولفقته[SUP] ( [4] ) [/SUP].ا.هـ .
وفي الحديث أنه يستحب أن يقال لمن لبس ثوبًا جديدًا : أبلِ ( أبلي ) وأَخْلِقْ ( وأخلقي ) .


[1] - أحمد : 2 / 88 ، وابن ماجة ( 3558 ) وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة ، والألباني في صحيح ابن ماجة .

[2] - البخاري ( 2906 ، 3661 ، 5485 ، 5507 ، 5647 ) .

[3] - ابن أبي شيبة ( 29758 ) .

[4] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 280 .
 
التهنئة بالعافية من المرض
روى أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) عن مسلم بن يسار قال : كان أحدهم إذا برئ ، قيل : ليهنك الطهر[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وقال أبو الطيب المتنبي يهنئ سيف الدولة بالعافية من المرض :
وما أخصُّك في برءٍ بتهنئةٍ ... إذا سَلِمْتَ فكلُّ النَّاسِ قد سَلِمُوا
يقول : لا أخصك بهذه التهنئة على برئك من المرض ، بل أهنئ جميع الناس ، فإنهم كانوا مرضى لمرضك ، فإذا سلِمتَ منه سلِم جميع الناس ، فاستووا معك في استحقاق التهنئة .


[1] - حلية الأولياء : 2 / 294 ؛ وهو في ( الزهد ) للإمام أحمد ص 252 ، من زوائد ابنه عبد الله .
 
التهنئة بالقدوم من الحج
روى البيهقي في ( السنن الكبرى ) من طريق الشافعي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ : حَجَّ آدَمُ عليه السلام ، فَلَقِيَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ فَقَالُوا : ( بُرَّ نُسُكُكَ آدَمُ )[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفي مصنف ابن أبي شيبة أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يقول للحاج إذا قدم : تقبل الله نسكك ، وأعظم أجرك ، وأخلف نفقتك[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - السنن الكبرى للبيهقي ( 9617 ) - مكتبة دار الباز - مكة المكرمة ، 1414 هـ - 1994 م ؛ ورواه الأزرقي في ( أخبار مكة ) عن محمد بن المنكدر .

[2] - ابن أبي شيبة (15814 ) .
 
التهنئة بالنصر
في سنن أبى داود عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، وَكُنْتُ أَتَحَيَّنُ قُفُولَهُ ، فَأَخَذْتُ نَمَطًا كَانَ لَنَا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْعَرَضِ ، فَلَمَّا جَاءَ اسْتَقْبَلْتُهُ ، فَقُلْتُ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، وَبَرَكَاتُهُ ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ ... الحديث ، ورواه النسائي في ( الكبرى ) وعنده : ( الَّذِي أَعَزَّكَ ، ونَصَرَكَ ، وَأَكْرَمَكَ )[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفي المستدرك عن عروة قال : لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بدر ، استقبلهم المسلمون بالروحاء يهنئونهم[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وفي ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد : لقي أسيد بن الحضير رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من بدر ، فقال : الحمد لله ، الذي أظفرك ، وأقر عينك[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - أبو داود ( 4153 ) ، وصححه الألباني ، والنسائي في الكبرى ( 10392 ) .

[2] - جزء من حديث رواه الحاكم ( 5767 ) وقال مرسل صحيح ، ووافقه الذهبي .

[3] - ابن سعد : 3 / 605 .
 
التهنئة بالقدوم من سفر
التَّهْنِئَةُ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ تَكُونُ بِنَحْوِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمَك ، أَوِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ الشَّمْل بِكَ ، أو حمدًا لله على سلامتك ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الاِسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ الْمسافر .
وَيُهَنَّأُ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ كَانَ لِلْغَزْوِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى ، بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ وَالْعِزِّ وَإِقْرَارِ الْعَيْنِ ، وَتقدم حديث عَائِشَةَ وأسيد بن حضير وعروة رضي الله عنهم .
وتقدم - أيضًا - ما يقال لمن قدم من الحج ، ومثله لمن قدم من العمرة .
 
التهنئة بالزواج
الزواج من المناسبات المفرحة ، والتي اعتاد الناس أن يهنأوا فيها العروسين ، وقد ثبت هذا الأدب الرفيع من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن فعل أصحابه رضوان الله تعالى عنهم ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا ، فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ ، قَالَ : " ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ " ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ، فَقَالَ : " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " ، فَقَالَتْ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ ؟ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ؛ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ[SUP] ( [1] ) [/SUP].
والشاهد من الحديث قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم له بعد زواجه : ( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ) .
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال : " بَارَكَ اللهُ لَكَ ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ "[SUP] ( [/SUP][2][SUP] ) [/SUP]؛ ورفأه ، أي : هنأه ودعا له ، وأصل الرفاء الالتئام والاجتماع ، مِنْ رَفَأْت الثَّوْب وَرَفَوْته رَفْوًا وَرِفَاء ؛ وَهُوَ دُعَاء لِلزَّوْجِ بِالِالْتِئَامِ وَالِائْتِلَاف ؛ وفيه استحباب الدعاء للمتزوج .
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثَرَ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ : " مَهْيَمْ ؟ " أَوْ " مَهْ ؟ " قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ وقوله : " مَهْيَمْ ؟ " أي : ما أمرك ، وما شأنك ، وما هذا الذي أرى بك [SUP]( [4] ) [/SUP].
وفي مسند أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ : تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَجَ عَلَيْنَا ، فَقُلْنَا : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، فَقَالَ : مَهْ ! لَا تَقُولُوا ذَلِكَ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ؛ وَقَالَ : " قُولُوا : بَارَكَ اللَّهُ لَهَا فِيكَ ، وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا " ؛ ورواه أحمد وابن ماجة والنسائي عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمَ ، فَقَالُوا : بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ ؛ فَقَالَ : لَا تَقُولُوا هَكَذَا ، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ ، وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ "[SUP] ( [/SUP][5][SUP] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ ، فَقُلْنَ : عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ [SUP]( [/SUP][6][SUP] ) [/SUP]. أي : على أفضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه .
فبأي من هذه التهاني هنأ المسلم من تزوج ؛ ولا يقول له : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، لأنها ترفئة أهل الجاهلية - كما تقدم - وهم كانوا يكرهون البنات .
وَالتَّهْنِئَةِ ثَابِتة فِي حَقِّ مَنْ حَضَرَ النِّكَاحَ ، وَتَكُونُ عَقِبَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالدُّخُول ، وَيَطُول وَقْتُهَا بِطُول الزَّمَنِ عُرْفًا ، وَذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ أَوِ الدُّخُول ؛ أَمَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فَتُسْتَحَبُّ لَهُ التَّهْنِئَةُ إِذَا لَقِيَ الزَّوْجَ .


[1] - البخاري ( 4515 ) ، وتقرى : تتبعها واحدة ، واحدة .

[2] - أحمد : 2 / 381 ، 451 ، وأبو داود ( 2130 ) ، والترمذي ( 1091 ) ، وقال : حسن صحيح ، والنسائي في اليوم والليلة ( 260 ) ، وابن ماجة ( 1905 ) .

[3] - البُخَارِي في مواطن منها ( 2049 ، 3937 ، 5072 ، 5148 ، 6082 ) ، ومسلم ( 3475 ، 3476 ) .

[4] - انظر ( شرح السنة ) للإمام البغوى : 9 / 134 .

[5] - أحمد : 1 / 201 ؛ 3 / 451 ، والنسائي ( 3371 ) ، وابن ماجة ( 1906 ) ، وصححه الألباني .

[6] - البخاري ( 3681 ، 4861 ) واللفظ له ، ومسلم ( 1422 ) .
 
التهنئة بالمولود
إظهار البشر والسرور بمقدم المولود مما تعارفت عليه قلوب الوالدين ؛ وإنه لأدب جميل أن يستقبل الوالد مولوده بهذه الحفاوة ؛ ومن الآداب العامة التي لها أصل في مشروعيتها في القرآن الكريم : التهنئة بالمولود والبشارة به ؛ فقد بشرت الملائكة إبراهيم صلى الله عليه وسلم بغلام عليم وهو إسحاق عليه السلام : { قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الحجر : 53 ] ، وبشر الله تعالى إبراهيم صلى الله عليه وسلم بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلا م : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ }[ الصافات : 101 ] ؛ وبشر الله تعالى عبده زكريا بيحيى عليهما السلام : { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } [ مريم : 7 ] ؛ وجاءت الملائكة مريم بالبشرى بعيسى عليه السلام : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [ آل عمران : 45 ] .
ولما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه - كما يقول ابن القيم رحمه الله - استحب للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه ؛ ولا ينبغي للرجل أن يهنئ بالابن ولا يهنئ بالبنت ، بل يهنئ بهما أو يترك التهنئة ليتخلص من سنة الجاهلية ، فإن كثيرًا منهم كانوا يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها[SUP] ( [1] )[/SUP] .
وثبت في حديث أنس t عند البزار في قصة زواج أم سليم من أبي طلحة ، وما كان من أمرها في قصة ابنه الذي كان مريضًا فمات ، فسجته ، وتهيأت لزوجها ، فلما وضعت بعد ذلك أرسلته مع أنس إلى رسول الله e فحنَّكَه ، ثم قال لأنس : " اذْهَبْ إِلَى أُمِّك ، فَقُلْ : بَارَكَ اللَّهُ لَكِ فِيهِ ، وَجَعَلَهُ بَرًّا تَقِيًّا "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وروى الطبراني في ( الدعاء ) أن رجلا ممن كان يجالس الحسن وُلِد له ابن ، فهنأه رجل فقال : ليهنك الفارس ؛ فقال الحسن : وما يدريك أنه فارس ؟ لعله نَجَّار ، لعله خيَّاط ! قال فكيف أقول ؟ قال قل : جعله الله تعالى مباركًا عليك ، وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم [SUP]( [3] ) [/SUP]. وعند أبي نعيم في الحلية أن أيوب السختياني كان إذا هنأ رجلا بمولود قال : جعله الله تعالى مباركا عليك ، وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وفي مسند ابن الجعد : قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَسَنِ : يَهْنِيكَ الْفَارِسُ ، فَقَالَ الْحَسَنُ : وَمَا يَهْنِيكَ الْفَارِسُ ؟ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَقَّارًا أَوْ حَمَّارًا ! وَلَكِنْ قُلْ : شَكَرْتَ الْوَاهِبَ ، وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ ، وَبَلَغَ أَشَدَّهُ ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ[SUP] ( [5] )[/SUP] .
ويرد المهنَأُ على المهنئِ فيقول : بارك الله لك وبارك عليك ؛ أو : جزاك الله خيرًا ؛ أو : أحسن الله ثوابك وجزاءك .. ونحو هذا[SUP] ( [6] ) [/SUP]؛ وتكون التهنئة يوم ميلاد المولود ، أو عند العلم بأن فلانًا رزق مولودًا .


[1] - انظر تحفة المودود ص 45 .

[2] - مسند البزار ( البحر الزخار ) رقم ( 7310 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 9 / 261 ) : رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، غَيْرَ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ .

[3] - الدعاء للطبراني ( 945 ) .

[4] - حلية الأولياء : 3 / 8 ، ورواه الطبراني في الدعاء أيضًا ( 946 ) .

[5] - رواه علي ابن الجعد في مسنده رقم ( 3398 ) ، وابن عدي في الكامل : 7 / 101 .

[6] - انظر ( المجموع شرح المهذب ) للنووي : 8 / 335 .
 
التهنئة لمن تجددت له نعمة
قال ابن القيم - رحمه الله - في حديث توبة كعب رضي الله عنه: وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية ، والقيام إليه إذا أقبل ، ومصافحته ؛ فهذه سنة مستحبة ، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية ، وأن الأولى أن يقال له : ليهنك ما أعطاك الله ، وما منَّ الله به عليك ، ونحو هذا الكلام ؛ فإن فيه تولية النعمة ربها ، والدعاء لمن نالها بالتهني بها [SUP]( [1] ) [/SUP].
فلا بأس أن يُهنأ المسلم بكل ما يسُر ؛ لأن هذا ورد أصله في السنة ، بتهنئة الصحابة بتوبة الله على كعب بن مالك ؛ ولا ريب أن تهنئه المسلم بما تجدد له من نعمة ، أو اندفع عنه من مضرة ؛ يزرع المودة والمحبة بين المسلمين , ويزيل البغضاء والشحناء بينهم .

[1] - انظر ( زاد المعاد ) : 3 / 511 .
 
التهنئة بقدوم رمضان
قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه عند قدوم رمضان ، فروى أحمد والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ : " قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " .
قال ابن رجب - رحمه الله : قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بقدوم رمضان .ا.هـ .
فيقول المهنئ - مثلا : شهر مبارك عليك ، أو بارك الله لك في شهرك ، وأعانك فيه على طاعته ، أو ما أشبه ذلك ، ويرد عليه المهنأ بمثل ما هنأه به ، فيقول مثلاً : ولك بمثل هذا ، أو يقول : وهو مبارك عليه .. أو نحو ذلك .
 
التهنئة بيوم العيد
تشرع التهنئة بيوم العيد ، ووقتها للفطر من غروب الشمس من آخر يوم من رمضان ، وفي الأضحى من فجر عرفة كالتكبير ؛ وسُئِلَ ابن تيمية - رَحِمَهُ اللَّهُ : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ : ( عِيدُك مُبَارَكٌ ) .. وَمَا أَشْبَهَهُ ، هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، فَمَا الَّذِي يُقَالُ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ : أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، وَرَخَّصَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ؛ لَكِنْ قَالَ أَحْمَد : أَنَا لَا أَبْتَدِئُ أَحَدًا ، فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ ، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا ، وَلَا هُوَ - أَيْضًا - مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ[SUP] ( [1] )[/SUP] .
وقال الحافظ - رحمه الله : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك [SUP]([/SUP] [2] [SUP])[/SUP] .
وكلُّ ما اعتاده الناس في التهنئة بالعيد فجائز ، ما لم يكن إثمًا ؛ كقول بعضهم لبعض : عيدك مبارك ؛ ونحوه . وقد سئل ابن عثيمين - رحمه الله : ما حكم التهنئة بالعيد ؟ وهل لها صيغة معينة ؟ فأجاب بقوله : التهنئة بالعيد جائزة ، وليس لها تهنئة مخصوصة ، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ، ما لم يكن إثمًا .ا.هـ .
وقال في موضع آخر : لكن الذي قد يؤذي ، ولا داعي له ، هو مسألة التقبيل ، فإن بعض الناس إذا هنأ بالعيد يُقَبِّل ، وهذا لا وجه له ، ولا حاجة إليه ، فتكفي المصافحة والتهنئة[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - مجموع الفتاوى : 24 / 253 ؛ وانظر ( المغني ) لابن قدامة : 2 / 295 ، 296 .

[2] - فتح الباري: 2 / 464، وعزاه السيوطي - أيضًا - في ( الحاوي للفتاوي ) : 1 / 82 ، لابن طاهر في كتاب ( تحفة عيد الفطر) وحسنه .

[3] - انظر ( مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - موقع الشيخ على الإنترنت ) .
 
تهاني عرفية
تعارف الناس على بعض التهاني عند بعض الأعمال ، ليس لها في السنة أصل ، ولكن إذا عُلِم أن التهنئة من أمور العادات ، وأن الأصل فيها الإباحة ، ما لم يكن فيه مخالفة شرعية ، فهذه التهاني تكون مباحة ؛ فالأصل في التهنئة بكل ما يسر لا بأس بها ، ولها أصل في السنة بتهنئة كعب ابن مالك ، كما تقدم .
فالتهنئة بما يتجدد للمسلم من نعمة أو حال حسنة لا بأس بها ، على أن تكون بكلمات طيبات ، ليس فيها مبالغة ؛ وقد تكون التهنئة بكتابة ، أو برسالة عبر الهاتف ، أو ببرقية ، أو بفاكس ؛ فهذه كلها تدخل في وسائل التهنئة .
فلو نجح إنسان فهنأه صاحبه بأن قال - مثلا : مبارك عليك هذا النجاح ، أو جعله الله لك عونًا على طاعته ، أو جعل الله هذه الدرجة لخدمة دينه .. ونحو ذلك , هذه كلها لا بأس بها ، وتدخل في عموم التهنئة .
فالتهنئة في الأصل مشروعة ، وما ثبت منها يلتزمه المسلم ويواظب عليه ؛ مثل التهنئة بالنكاح وبالثوب الجديد ، فهي ثابتة بألفاظ معينة ؛ وأما إذا لم يثبت فيه شيء ، فالأمر فيه سعة ، ويهنئ الإنسان بما شاء من الألفاظ الطيبات ، ما دام أنه لا يعتقد أنها سنة ، ولا يواظب عليها مواظبته على الأذكار الشرعية .
 
التهنئة لمن خرج من الحمام
اعتاد بعض الناس أن يقول لمن اغتسل : نعيمًا ، يعني : أدام الله عليك النعيم ؛ قال النووي - رحمه الله : قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ : وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ من الحمام بقوله : طاب حمامك ، فنحوه ؛ فَلَا أَصْلَ لَهَا . وَهُوَ كَمَا قَالُوا ؛ فَلَمْ يصح فيه شيء ؛ لَكِنْ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ حِفْظًا لِوُدِّهِ : أَدَامَ اللَّهُ لَك النَّعِيمَ .. وَنَحْوَهُ مِنْ الدُّعَاءِ ، فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى[SUP] ( [1] ) [/SUP]. ويُجيب الخارجُ من الحمام بنحو : أنعم الله عليك من نعمهِ .


[1] - انظر ( المجموع ) : 4 / 616 – دار الفكر ، ونحوه في ( الأذكار ) ص 431 – دار ابن حزم ؛ والمقصود بالحمام : هو محل فيه ماء حار ، كان الناس يذهبون إليه للاغتسال ، أو الاستشفاء ، ويطلق عرفًا – الآن - على الغسل ، خاصة ما كان بالماء الحار .
 
التهنئة لمن يقص شعر رأسه
يقول البعض لمن يقص شعره - أيضًا : نعيمًا ، تهنئة له ؛ وهذه التهنئة لا أصل لها كسابقتها ، غير أنه قد تعارف عليها الناس في بعض البلاد ، فالقول فيها كالقول في سابقتها ، والرد فيها كالرد في سابقتها ؛ ولكن لا يقال : نعيمًا لمن حلق لحيته ؛ لأنه ارتكب مخالفة شرعية .
 
التهنئة بدخول العام الهجري الجديد
التهنئة بالعام الهجري الجديد ؛ لا أصل لها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يفعلها صحابته رضي الله عنهم، ولم يرد عن السلف فيها شيء ؛ وما اتخذ السلف التقويم الهجري إلا في خلافة عمر رضي الله عنه .
وخلاصة فتوى العلماء فيها أن تركها أولى ، ولكن من هنأ بذلك فلا بأس أن يُرد عليه ؛ فإذا قال - مثلًا : كل عام وأنت بخير ، فيرد بقوله : وأنت كذلك ، نسأل الله لنا ولك كلَّ خير ، أو ما أشبه ذلك ؛ أما البداءة بالتهنئة فلا أصل لها ؛ غير أن البعض ذهب إلى أنها مباحة على الأصل الذي قدمناه : ( الأصل في العادات الإباحة ) ؛ ونقل الحافظ المنذري أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين ؛ أهو بدعة ، أم لا ؟ فأجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه , والذي أراه أنه مباح ، لا سنة فيه ، ولا بدعة .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP].
فدعاء المسلم لأخيه في المناسبات بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه ، لا بأس به ؛ لاسيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودُّد ، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم .
وعلى ذلك فمن هنأ غيره بقول : عام جديد مبارك ، بارك الله لك في هذه السنة ؛ شهر مبارك .. ونحو ذلك ، فلا بأس ... والعلم عند الله تعالى .


[1] - انظر ( الحاوي للفتاوي ) للسيوطي : 1 / 82 ؛ وانظر أيضًا ( الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ) للشربيني : 1 / 188 – دار الفكر .
 
التهنئة بالجمعة
شاع بين الكثيرين إرسال رسائل عبر الهاتف يوم الجمعة ، وختامها بقول : جمعة مباركة ؛ على سبيل التهنئة بيوم الجمعة ؛ ولم يكن هذا معروفًا عند السلف ؛ فلا ينبغي التزامها والمواظبة عليها ؛ وقد سئل ابن باز - رحمه الله : ما حكم قول : ( جمعة مباركة ) للناس في كل جمعة ، مع العلم أن الجملة انتشرت بين الشباب ؟ فأجاب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، أما بعـد : فالتزام قول المسلم لأخيه المسلم بعد الجمعة ، أو كل جمعة : ( جمعة مباركة ) ، لا نعلم فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام ، ولم نطلع على أحد من أهل العلم قال بمشروعيته ؛ فعلى هذا يكون بهذا الاعتبار بدعة محدثة ، لا سيما إذا كان ذلك على وجه التعبد ، واعتقاد السنية ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " ؛ رواه مسلم والبخاري معلقًا ، وفي لفظ لهما : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ " [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .
وأما إذا قال المسلم لأخيه أحيانًا من غير اعتقاد لثبوتها ، ولا التزام بها ، ولا مداومة عليها ، ولكن على سبيل الدعاء ، فنرجو أن لا يكون بها بأس ، وتركها أولى ، حتى لا تصير كالسنة الثابتة[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - رواه البخاري ( 2550 ) ، ومسلم ( 1718 ) عن عائشة رضي الله عنها .

[2] - انظر الفتوى رقم : 10514 ، والفتوى رقم : 19781 .
 
التهنئة الممنوعة
ذكرنا فيما سبق أن التهنئة الممنوعة ، هي التهنئة بالأعياد المبتدعة ، أو بأعياد المشركين ؛ ولتأصيل هذا الأمر يقول شيخ الإسلام - رحمه الله : العيد يكون اسْمًا لنفس المكان ، ولنفس الزمان ، ولنفس الاجتماع ؛ وهذه الثلاثة قد أُحدث منها أشياء ، أما الزمان فثلاثة أنواع ؛ ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال ؛ أحدها يوم لم تعظمه الشريعة أصلا ، ولم يكن له ذكر في وقت السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب ، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة ، ورُوي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء ، مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم ، وفعل هذه الصلاة المسماة عند الجاهلين بـ ( صلاة الرغائب ) ، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم .
والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم ، وعن هذه الصلاة المحدثة ، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم ، من صنعة الأطعمة ، وإظهار الزينة .. ونحو ذلك ، حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام ، وحتى لا يكون له مزية أصلا .
وكذلك يوم آخر في وسط رجب ، تصلى فيه صلاة تسمى صلاة أم داود ، فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلا .
النوع الثاني ما جرى فيه حادثة ، كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسِمًا ، ولا كان السلف يعظمونه ؛ كثامن عشري ذي الحجة ، الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم ، مرجعه من حجة الوداع ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة ، وصى فيها باتباع كتاب الله ، ووصى فيها بأهل بيته ، كما روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه .
فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك ، حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي ، بعد أن فرش له ، وأقعده على فرش عالية ؛ وذكروا كلامًا باطلًا وعملًا قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء ، وزعموا أن الصحابة تمالئوا على كتمان هذا النص ، وغصبوا الوصي حقَّه ، وفسقوا ، وكفروا ، إلا نفرًا قليلا ؛ والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ، ثم ما كان عليها القوم من الأمانة والديانة ، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق ، يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا يمتنع كتمانه .
وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة ، وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدثٌ ، لا أصل له ، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ، ولا من غيرهم ، من اتخذ ذلك عيدًا حتى يحدث فيه أعمالا ؛ إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ، وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب ، وعهود ، ووقائع في أيام متعددة ، مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادًا ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا ، أو اليهود ؛ وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه .
وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي e عيدًا ، مع اختلاف الناس في مولده ؛ فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضى له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيرًا محضًا ، أو راجحًا ، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته ، وطاعته ، واتباع أمره ، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ، ونشر ما بُعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ؛ وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع - مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة - تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه ؛ وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ، أو يقرأ فيه ولا يتبعه ؛ وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ، أو يصلي فيه قليلا ؛ وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة ، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ، ويصحبها من الرياء والكبر ، والاشتغال عن المشروع ، ما يفسد حال صاحبها ، كما جاء في الحديث : " مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ ، إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - اقتضاء الصراط ، ص 292 - 296 ؛ والحديث رواه ابن ماجة ( 741 ) ، وإسناده ضعيف جدًّا .
 
وها هنا فتاوى للَّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، وهي :
الأولى : ورد إليهم هذا السؤال : مما ابتلي به المسلمون اليوم ما ورد إليهم من الملل المختلفة ، ذات عقائد وعادات مخالفة لشرع الله ؛ ومن ذلك الأعياد المدنية ، والاحتفالات السنوية لمناسبات شتى ، وقد اهتم المعلمون الغيورون ، واغتموا بما ابتلوا به من الاحتفال العالمي الذي يشترك فيه كل أمم الأرض ، المسمى بـ ( اليوم العالمي للمعلم ) ، فاختلف فيه المسلمون بين مجيز ومحرِّم ؛ لأنه أصبح احتفالًا سنويًّا في يوم محدد وموحد ، يقوم فيه الطلاب والمعلمون وآباء الطلاب وإدارة المدرسة بإلقاء الكلمات في فضل المعلم ، وتوزيع الهدايا من قبل الطلاب للمعلمين ، وربما كان في ذلك الاحتفال شيء من ألوان الطعام والشراب ، وربما التهاني من البعض بقول : ( كل عام وأنتم بخير ) ، وغير ذلك مما هو غير معهود ولا معروف شرعًا ؛ نأمل التكرم ببيان حكم ذلك ، وحكم المشاركة فيه .
فأجابت : لا تجوز إقامة الأعياد البدعية ، ولا الاحتفال بها ، ولا مشاركة أهلها وتهنئتهم بمناسبتها ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد ذكر الله أن من صفات عباد الرحمن أنهم { لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } [ الفرقان : 72 ] ، أي : لا يحضرون أعياد الكفار ، كما جاء في تفسير هذه الآية الكريمة ؛ سواء سميت أعيادًا ، أو أيامًا ، أو مناسبات ؛ فالأسماء لا تغير الحقائق ، وليس للمسلمين إلا عيدان كريمان : عيد الفطر ، وعيد الأضحى .
فالواجب ترك هذه البدع والأعياد الجاهلية ، ومنها : اليوم العالمي للمعلم .
وفق الله الجميع للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وترك البدع والمحدثات ؛ وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - فتاوى اللجنة الدائمة : 2 / 291 ( 21609 ) .
 
الثانية : ورد إليهم سؤال هذا نصه : هناك من المسلمين من يحتفلون بأعياد غير المسلمين ، وأعياد ما أنزل الله بها من سلطان ؛ مثل عيد الأم ، وعيد شم النسيم ، وعيد رأس السنة ؛ ما حكم من يحتفل بهذه الأعياد ؟
فأجابت : كل هذه أعياد بدعية ، لا يجوز الاحتفال بها ، ولا اتخاذها عيدًا ، وليس في الإسلام سوى عيدين : عيد الفطر ، وعيد الأضحى ؛ وعليه فعلى من نوَّر الله بصيرته بمعرفة الحق في ذلك النصح والإرشاد برفق ولين لمن يقيم الاحتفال بهذه الأعياد البدعية ، فإن أقلع عنها ، وإلا فهو مصر على بدعة ، يأثم بفعلها[SUP] ( [1] ) [/SUP].
الثالثة : ورد إليهم السؤال التالي : هل يجوز تهنئة غير المسلمين بالسنة الميلادية الجديدة ، ( وهل يجوز التهنئة ) بالسنة الهجرية الجديدة ، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فأجابت : لا تجوز التهنئة بهذه المناسبات ؛ لأن الاحتفاء بها غير مشروع .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - فتاوى اللجنة الدائمة : 1 / 437 ، السؤال الأول والثاني من الفتوى (16419) .

[2] - فتاوى اللجنة الدائمة : 1 / 454 ، السؤال الأول من الفتوى ( 20795 ) ، وما بين القوسين وضعته للتوضيح .
 
التهنئة بأعياد الكفار
هذا المسألة : تهنئة المشركين بمناسباتهم ، فيها تفصيل ذكره ابن القيم - رحمه الله - في كتابه ( أحكام أهل الذمة ) قال : فَصْلٌ فِي تَهْنِئَتِهِمْ بِزَوْجَةٍ ، أَوْ وَلَدٍ ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ ، أَوْ عَافِيَةٍ ، أَوْ سَلَامَةٍ مِنْ مَكْرُوهٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ ، فَأَبَاحَهَا مَرَّةً ، وَمَنَعَهَا أُخْرَى ؛ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي التَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ ( أي : الجواز )[SUP] ( [1] )[/SUP] ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ؛ وَلَكِنْ لِيَحْذَرِ الْوُقُوعَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الْجُهَّالُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِدِينِهِ ، كَمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ : مَتَّعَكَ اللَّهُ بِدِينِكَ ، أَوْ نَيَّحَكَ فِيهِ ، أَوْ يَقُولُ لَهُ : أَعَزَّكَ اللَّهُ ، أَوْ أَكْرَمَكَ ؛ إِلَّا أَنْ يَقُولَ : أَكْرَمَكَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَعَزَّكَ بِهِ .. وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَهَذَا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْأُمُورِ الْمُشْتَرَكَةِ .
وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ ، مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ ، فَيَقُولَ : عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ .. وَنَحْوَهُ ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ ، فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَأَشَدُّ مَقْتًا ، مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَقَتْلِ النَّفْسِ ، وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ .. وَنَحْوِهِ .
وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا قَدْرَ لِلدِّينِ عِنْدَهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ ، أَوْ بِدْعَةٍ ، أَوْ كُفْرٍ ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ ؛ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْوَرَعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَتَجَنَّبُونَ تَهْنِئَةَ الظَّلَمَةِ بِالْوِلَايَاتِ ، وَتَهْنِئَةَ الْجُهَّالِ بِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ ، تَجَنُّبًا لِمَقْتِ اللَّهِ ، وَسُقُوطِهِمْ مِنْ عَيْنِهِ ، وَإِنْ بُلِيَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ فَتَعَاطَاهُ دَفْعًا لِشَرٍّ يَتَوَقَّعُهُ مِنْهُمْ ، فَمَشَى إِلَيْهِمْ ( أي : إلى الظلمة ) ، وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ؛ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ[SUP] ( [2] ) [/SUP].
ففرَّق - رحمه الله - بين تهنئة الكفار بالأمور الدنيوية المشتركة ، وبين تهنئتهم بشعائر الكفر كالأعياد ونحوها ؛ فتهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم حرام ؛ لأن فيها نوعَ إقرارٍ لما هم عليه من شعائر الكفر ، ونوعَ رضا به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر ، أو يهنِّئ بها غيره ، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ؛ كما قال الله تعالى : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } [ الزمر : 7 ] .
وفي ( الشرح الممتع ) لابن عثيمين - رحمه الله : مسألة : هل يجوز أن نهنئهم ، أو نعزيهم ، أو نعود مرضاهم أو نشهد جنائزهم ؟
الجواب : أما التهنئة بالأعياد فهذه حرام بلا شك ، وربما لا يسلم الإنسان من الكفر ؛ لأن تهنئتهم بأعياد الكفر رضا بها ، والرضا بالكفر كفر ؛ ومن ذلك تهنئتهم بما يسمى بعيد الكريسماس ، أو عيد الفَصْح ، أو ما أشبه ذلك ؛ فهذا لا يجوز إطلاقًا ، حتى وإن كانوا يهنئونا بأعيادنا ، فإننا لا نهنئهم بأعيادهم ، والفرق أنَّ تهنئتهم إيانا بأعيادنا تهنئة بحق ، وأن تهنئتنا إياهم بأعيادهم تهنئة بباطل ؛ فلا نقول : إننا نعاملهم بالمثل إذا هنؤونا بأعيادنا ، فإننا نهنئهم بأعيادهم ، للفرق الذي سبق .
وأما تهنئتهم بأمور دنيوية ، كما لو ولد له مولود ، أو وُجد له مفقود ، فهنأناه ، أو بنى بيتًا ، فهنأناه ، أو ما أشبه ذلك ، فهذه ينظر : إذا كان في هذا مصلحة ، فلا بأس بذلك ، وإن لم يكن فيه مصلحة ، فإنه نوع إكرام ، فلا يهنَّؤون ، ومن المصلحة أن يكون ذلك على وجه المكافأة ، مثل أن يكون من عادتهم أن يهنِّئونا بمثل ذلك ، فإننا نهنئهم[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي فتاوى اللجنة الدائمة : لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم وكنائسهم وغير ذلك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "[SUP] ( [4] ) [/SUP].


[1] - بكلمات فيها تصبير ، ليس فيها ترحم على مواتهم ، ولا طلب مغفرة لهم .

[2] - أحكام أهل الذمة : 1 / 441 ، 442 - دار رمادي - الدمام .

[3] - انظر (الشرح الممتع على زاد المستقنع ) : 8 / 75 ، 76 – دار ابن الجوزي .

[4] - فتاوى اللجنة الدائمة : 1 / 464 ، ( 20549 ) ، والحديث رواه أحمد : 2 /50 ، وأبو داود ( 4031 ) ، وقال الألباني : حسن صحيح .
 
التهنئة بعيد الزواج
انتقل إلى مجتمع المسلمين بعض عادات غيرهم واحتفالاتهم بأيام عَدُّوها أعيادًا ؛ وأخذت عند بعض الناس ما يرتبط بالأعياد من احتفال وتهنئة ؛ وهذه الأعياد المبتدعة لا يجوز الاحتفال بها ، ولا التهنئة عليها ، إذ هي باطلة ليس لها سند شرعي ، وليست هي من عادات المسلمين ، وإنما انتقلت إليهم من غيرهم من الملل .
وأصل العيد هو ما يعود ويتكرر ؛ وما سموه هؤلاء بعيد الزواج وجعلوه يومًا يتبادل فيه الأزواج الهدايا ، وربما جاءتهم هدايا وتهاني من غيرهم بهذا اليوم ؛ كل ذلك من التشبه بالكفار الذين نُهينا عن التشبه بهم ؛ والمسلم مأمور بالإحسان في معاشرة أهله في حياته كلها ، لا في يوم واحد ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي "[SUP] ( [SUP][1][/SUP][/SUP] ) ، وللهدية أثرها في النفس في أي يوم من السنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله : العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك [SUP]( [2][/SUP] ) .

[1] - الترمذي ( 3895 ) عن عائشة رضي الله عنها ، وصححه ، ورواه الدارمي ( 2260 ) ، وصححه ابن حبان ( 4177 ) ، ورواه ابن ماجة ( 1977 ) عن ابن عباس .

[2] - انظر ( اقتضاء الصراط المستقيم ) : 2 / 512 .
 
التهنئة بعيد الميلاد
من المعلوم أن ما يسمى بـ ( عيد الميلاد ) هو عيد مبتدع ، لم يكن يعرفه مجتمع المسلمين ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، ولا من فعل السلف ؛ وإنما انتقل إلى مجتمع المسلمين من غيرهم من الملل ؛ وقد أفتى علماء الأمة بأنه لا يجوز الاحتفال به ، ولا التهنئة عليه .
ففي فتاوى اللجنة الدائمة : ما حكم تعييد ميلاد الأولاد ؟ يقال عندنا : إن من الأحسن الصوم في ذلك اليوم ، بدلًا من التعييد ؛ ما هو الصحيح ؟
فأجابت : عيد الميلاد أو الصيام لأجل عيد الميلاد كل ذلك بدعة لا أصل له ، وإنما على المسلم أن يتقرب إلى الله بما افترضه عليه ، وبنوافل العبادات ، وأن يكون في جميع أحيانه شاكرًا له ، وحامدًا له على مرور الأيام والأعوام عليه وهو معافى في بدنه ، آمنًا على نفسه وماله وولده . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وسئل ابن باز - رحمه الله - عن إقامة أعياد الميلاد ؛ فأجاب : الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر ، بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ " متفق على صحته[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وسُئل ابن عثيمين - رحمه الله - عن حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد ، أو بمناسبة الزواج ؟ فأجاب : ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة : عيد الأسبوع ؛ وأول يوم من شوال : عيد الفطر من رمضان ؛ والعاشر من شهر ذي الحجة : عيد الأضحى ، وقد يسمى يوم عرفة عيدًا لأهل عرفة ، وأيام التشريق أيام عيد تبعًا لعيد الأضحى ؛ وأما أعياد الميلاد للشخص ، أو أولاده ، أو مناسبة زواج .. ونحوها ، فكلها غير مشروعة ؛ وهي للبدعة أقرب من الإباحة[SUP] ( [3][/SUP] ) .

[1] - فتاوى اللجنة الدائمة : 2 / 260 ، 261 ؛ السؤال السادس من الفتوى رقم (20834) .

[2] - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة : 4 / 283 ، 285 ، 286 ؛ والحديث رواه البخاري ( 2550 ) ، ومسلم ( 1718 ) عن عائشة رضي الله عنها .

[3] - مجموع فتاوى ابن عثيمين : 2 / 302 ، 303 .
 
التهنئة بعيد الأم
للوالدين مكانة في الإسلام لم تعرفها مناهج البشرية ، وقد قرن الله تعال في أكثر من آية توحيده بالإحسان إلى الوالدين ؛ من ذلك قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ الإسراء : 23 ] ، والإحسان أن يوصل إليهما كل خير ، ويمنع عنهما كل شر ؛ فمن أوصل الخير ولم يمنع الشر ، لم يحسن ، ومن منع الشر ولم يوصل الخير لم يحسن ؛ وهذا الإحسان دائم معهما دوام حياتهما ، وبعد موتهما .
وللأم ثلاثة أرباع حسن الصحبة ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا لا تحتاج الأم في الإسلام إلى يوم يُجعل لها تُتَذكر فيه ، ويقدم لها هدية ، إذ هي في ذاكرة المسلم دومًا ؛ فلا نحتاج إلى ما فعله أقوام قد ضلوا السبيل ، ونسوا أمهاتهم فجعلوا لها يومًا يتذكرونها فيه ، ثم يعودون إلى نسيانها طول العام .
فهذا العيد مبتدع ، وفيه تشبه بالكفار ، ولا يجوز الاحتفال به ، ولا التهنئة عليه ، وعندما يجعل الأبناء أيام أمهاتهم أعيادًا ، لن تنظر الأم إلى هذا اليوم ، وسيندثر الاحتفال به ، والله المستعان .
وسئل العثيمين - رحمه الله - عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم ؟
فأجاب : إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية ، كلها أعياد بدع حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا ؛ فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله عز وجل ؛ والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ، وهي عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، وعيد الأسبوع ( يوم الجمعة ) ، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة ؛ وكل أعياد أحدثت سوى ذلك ، فإنها مردودة على محدثيها ، وباطلة في شريعة الله عز وجل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ " [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] ، أي : مردود عليه ، غير مقبول عند الله ، وفي لفظ : " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى ( عيد الأم ) ، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد ، كإظهار الفرح والسرور ، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك ، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ، ويفتخر به ، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى لعباده ، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ؛ والذي ينبغي للمسلم - أيضًا - ألا يكون إمعة ، يتبع كل ناعق ، بل ينبغي أن يُكوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى ، حتى يكون متبوعًا لا تابعًا ، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا ؛ لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه ، كما قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا } [ المائدة : 3 ] .
والأم أحق من أن يحتفى بها يومًا واحدًا في السنة ، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها ، وأن يعتنوا بها ، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان [SUP]( [3][/SUP] ) .

[1] - البخاري (( 2697 ) ، ومسلم ( 1718 ) .

[2] - مسلم ( 1718 ) .

[3] - مجموع فتاوى ابن عثيمين : 2 / 301 ، 302 .
 
التهنئة بعيد الحب
يعتبر عيد الحب - في الأصل - من أعياد الرومان الوثنيين ، وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي ؛ ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على الاحتفال بعيد الحب ، ولكن نقلوه من مفهومه الوثني ( الحب الإلهي ) إلى مفهوم آخر يُعبَّر عنه بشهداء الحب ، ممثلاً في القِس فالنتين ، الذي قتله الإمبراطور الروماني كلاوديس الثاني في الرابع عشر من فبراير عام ( 270 م ) تقريبًا ؛ وسموه - أيضًا - ( عيد العشاق ) ، واعتبر ( فالنتين ) راعي العشاق .
ولقصة هذا العيد المبتدع أساطير عند الرومان ، وعند ورثتهم من النصارى ، وأشهر هذه الأساطير التي تتعلق بـ ( فالنتين ) ؛ أن فالنتين عارض الإمبراطور في منع عقد الزواج بين الشباب ، كي يتفرغ الشباب للقتال ، وكان القس يعقد الزواج بين الشباب سرًّا في كنيسته ، فلما اكتشف الحاكم ذلك أمر بقتله .
وتشير رواية أخرى أن القس سُجن قبل أن يقتل ؛ وفي سجنه تعرَّف على ابنة أحد حراس السجن ، وكانت مريضة ، فعمل القسيس على علاجها ، ووقع بينهما الحب ؛ وأنه قبل أن يُعدم أرسل لها بطاقة مكتوبًا عليها : ( من المخلص فالنتاين ) .
وأصبح في أوربا النصرانية يوم الرابع عشر من فبراير هو عيد الحب ، الذي باركته الكنيسة التي تدعو إلى نشر الحب بين الشباب ، وقد ارتبط اسم الحب في أوربا وأمريكا بالجنس .
فهو عيد مبتدع ، لا يجوز الاحتفال به ، ولا التهنئة عليه ، وإن شاع ذلك بين طائفة ممن ينتسبون إلى الإسلام .
وقد ورد إلى اللجنة الدائمة فتوى نصها : يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير من كل سنة ميلادية بيوم الحب ( valentine day) ، ويتهادون الورود الحمراء ، ويلبسون اللون الأحمر ، ويهنئون بعضهم بعضًا ، وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر ، ويرسم عليها قلوب ، وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم . فما هو رأيكم :
أولا : في الاحتفال بهذا اليوم ؟
ثانيا : في الشراء من المحلات في هذا اليوم ؟
ثالثًا : بيع أصحاب المحلات ( غير المحتفلة ) لمن يحتفل ببعض ما يهدى في هذا اليوم ؟
وجزاكم الله خيرًا .
فأجابت : دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة ، وعلى ذلك أجمع سلف الأمة أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط ، هما : عيد الفطر ، وعيد الأضحى ؛ وما عداهما من الأعياد ، سواء كانت متعلقة بشخص ، أو جماعة ، أو حدث ، أو أي معنى من المعاني ، فهي أعياد مبتدعة ، لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ، ولا إقرارها ، ولا إظهار الفرح بها ، ولا الإعانة عليها بشيء ؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله ، { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ الطلاق : 1 ] ، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار ، فهذا إثم إلى إثم ؛ لأن في ذلك تشبها بهم ونوع موالاة لهم ؛ وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم ، وعن موالاتهم في كتابه العزيز ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وعيد الحب هو من جنس ما ذكر ؛ لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية ، فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله ، أو أن يقره ، أو أن يهنئ به ، بل الواجب تركه ، واجتنابه ، استجابة لله ولرسوله ، وبعدًا عن أسباب سخط الله وعقوبته ، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد ، أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء ، من أكل ، أو شرب ، أو بيع ، أو شراء ، أو صناعة ، أو هدية ، أو مراسلة ، أو إعلان .. أو غير ذلك ؛ لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله ورسوله ، والله جل وعلا يقول : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ سورة المائدة : 2 ] .
ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله ، لا سيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد ، وعليه أن يكون فطنًا حذرًا من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقارًا ، ولا يرفعون بالإسلام رأسًا ، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها ، فإنه لا هادي إلا الله ، ولا مثبت إلا هو سبحانه . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[SUP] ( [2][/SUP] ) .

[1] - رواه أحمد : 2 /50 ، وأبو داود ( 4031 ) ، وقال الألباني : حسن صحيح .

[2] - فتاوى اللجنة الدائمة : 2 / 262 ، 263 ( 21203 ) .
 
التهنئة بحفلات الشركات السنوية
انتقل إلى مجتمع المسلمين ما عند غيرهم من الاحتفال بما يسمونه بالعيد الفضي ، إذا مر على العمل ( 25 عاما ) ، والذهبي ، إذا مر عليه ( 50 عاما ) ، والماسي ، إذا مر عليه ( 75 عامًا ) ؛ وكل هذا من البدع المنكرة التي لا دليل عليها ، ولا يجوز الاحتفال بها ، ولا التهنئة عليها ، بل يجب إنكارها ، وبيان مخالفتها لشريعة رب العالمين .
وفي ( فتاوى اللجنة الدائمة ) سؤال ما ملخصه : نحب أن نسأل عن ظاهرة انتشرت في هذا الزمان ، وهي إقامة احتفال من بعض الناس على مرور خمس وعشرين سنة من ولادته ، وقد يسمى بـ ( العيد الفضي ) ، أو ( اليوبيل الفضي ) ، وبعد مرور خمسين سنة كذلك ، ويسمى بالعيد الذهبي ، وبعد خمس وسبعين سنة عيد ، يسمى بالعيد الماسي .. وهكذا . ومثل هذا يقام - أيضًا - على فتح بعض الأماكن مثل الإدارات أو الشركات أو المؤسسات ، لمرورها بمثل المجموعات الآنفة الذكر من السنين ، وهذه ظاهرة منتشرة .... أفتونا جزاكم خيرًا ، هل هذه الاحتفالات سنة أم بدعة ؟
فأجابت : لا تجوز إقامة الحفلات وتوزيع الهدايا وغيرها بمناسبة مرور سنين على ولادة الشخص ، أو فتح محل من المحلات ، أو مدرسة من المدارس ، أو أي مشروع من المشاريع ، لأن هذا من إحداث الأعياد البدعية في الإسلام ، ولأن فيه تشبهًا بالكفار في عمل مثل هذه الأشياء ، فالواجب ترك ذلك والتحذير منه ... وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وسئل العثيمين – رحمه الله : رجل يوجد عنده مؤسسة ، وسيمر عليه فترة من الزمن بعد أيام سيحتفل بها لإظهار الأعمال التي قام بها ، فما توجيه فضيلتكم له في ذلك : هل يفعل أم لا ؟ ولماذا ؟ وما حكم تهنئته بذلك ؟
فأجاب : أرى أن لا يفعل ؛ لأني أخشى أن يتخذ ذلك عيدًا ، كلما حال الحول أقام احتفالًا ، ولم يجعل الله لهذه الأمة عيدًا يحتفل فيه إلا الفطر ، والأضحى ، والجمعة عيد الأسبوع ، ولها خصائصها ؛ لكن العيدان الأضحى والفطر يجوز فيهما من اللعب والدف ما لا يجوز في غيرهما ؛ فهذه الأعياد الثلاثة الإسلامية ، ولا ينبغي للإنسان أن يتخذ عيدًا سواها ؛ ولكنه لا بأس أن الإنسان إذا تم الحول على تجارته وهي مستقيمة ، أن يشكر الله تعالى ويحمده عليها ، بل هذا من الأمور المطلوبة ؛ أما اتخاذ احتفال ، أو عيد ، أو عزائم فلا [SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - فتاوى اللجنة الدائمة : 2 / 261 ( 17779 ) .

[2] - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ( 7131 ) .
 
التهنئة بالأعياد والمناسبات الوطنية
مما ابتدع في هذا الأمر ما يسمى بـ ( العيد الوطني ) أو ( اليوم الوطني ) ، فالمسميات لا تغير الحقائق ، وقد كانت دول الإسلام تتعاقب على مر الأزمان ، ولم يكن لهم احتفال بمثل هذه الأمور ، فهذه الاحتفالات من التشبه بالكفار ؛ وتقدم قول شيخ الإسلام : الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ، وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب ، وعهود ، ووقائع في أيام متعددة ، مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادًا ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى u أعيادًا ، أو اليهود ؛ وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفي ( فتاوى اللجنة الدائمة ) : أولا : العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد ، إما بعود السنة ، أو الشهر ، أو الأسبوع ، أو نحو ذلك ؛ فالعيد يجمع أمورًا ؛ منها : يوم عائد ، كيوم عيد الفطر ، ويوم الجمعة ؛ ومنها : الاجتماع في ذلك اليوم ؛ ومنها : الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات .
ثانيا : ما كان من ذلك مقصودًا به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبًا للأجر ، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار ، فهو بدعة محدثة ممنوعة ، داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ " رواه البخاري ومسلم ؛ مثال ذلك : الاحتفال بعيد المولد ، وعيد الأم ، والعيد الوطني ؛ لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، ولما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة ، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار .
وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال - مثلا - لمصلحة الأمة ، وضبط أمورها ؛ كأسبوع المرور ، وتنظيم مواعيد الدراسة ، والاجتماع بالموظفين للعمل .. ونحو ذلك ، مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة ، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله e : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ " فلا حرج فيه ، بل يكون مشروعًا ؛ وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم[SUP] ( [2][/SUP] ) .

[1] - اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 294 .

[2] - فتاوى اللجنة الدائمة : 3 / 86 - 89 ( 9403 ) .
 
التهنئة بعيد العمال وعيد المعلم
هذان - أيضًا - من الأعياد المبتدعة ، والتي لا يجوز الاحتفال بها ، ولا التهنئة عليها ؛ وكذلك كل الأعياد التي لا أصل لها في الإسلام ، فهي مما اخترعه غير المسلمين ، ولا يجوز التشبه بهم ، ولا بأعيادهم ؛ وغالب هذه الأعياد لها أصول تتعلق بعقيدتهم الوثنية أو الباطلة ؛ فيجب على المسلمين أن يتمسكوا بشريعتهم ، ولا يتبعوا هؤلاء في احتفالاتهم ؛ وأن يتناصحوا فيما بينهم على ذلك .
 
آداب التهنئة
بعد أن قدمنا ما يتعلق بأقسام التهنئة ، وأحكام كلٍّ ؛ هناك آداب تتعلق بالتهنئة نوجزها فيما يلي :
1 - المسارعة بالتهنئة لمن تجددت له نعمة ، أو اندفع عنه نقمة ؛ فإن ذلك من علامات صدق المودة ، وفي قصة توبة كعب بن مالك دليل على ذلك ، فقد سارع الصحابة إليه بالبشارة والتهنئة ؛ وقد قيل : التهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة ؛ والتعزية بعد ثلاث إغراء بالمصيبة[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - انظر ( البداية والنهاية ) : 12 / 117 ، في ترجمة حيان بن خلف القرطبي .
 
تتمة آداب التهنئة
2 - التهنئة بما ورد فيما جاءت به التهنئة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كالزواج ، والمولود ، وجديد اللباس .. وغير ذلك مما تقدم ؛ فالسنة التهنئة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ولا شك أنه الأنفع والأفضل .
3 - تجنب التهنئة بالأعياد المبتدعة ؛ إذ لا يجوز لمسلم أن يحتفي بها ، أو يهنئ أحدًا عليها ، وتقدم تفصيل ذلك وفتاوى أهل العلم فيه .
4 – إذا هنأه أحد بدعاء في مثل هذه الأعياد ، فيرد عليه الدعاء ، ثم يبين له الحكم ؛ فقد روى الترمذي والحاكم عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ فانظر كيف رد عليه ابن عمر ، ثم بين له الحكم .


[1] - الترمذي ( 2738 ) ، وحسنه الألباني ، ورواه الحاكم ( 7691 ) وصححه .
 
5 - اجتناب تهنئة الكفار بأعيادهم ؛ فلا يحل للمسلم أن يهنئ الكفار بأعيادهم ، وقد مر تفصيل ذلك .
6 - اختيار ألفاظ التهنئة في المناسبات بما لا يخالف الشرع ، لا سيما إذا هنأ من ليس بمسلم بالمناسبات العادية ؛ وقد نبه ابن القيم - رحمه الله - على هذا الأدب ، ووجوب رعايته ، كما تقدم ؛ والأفضل الدعاء للمهنَّأ بما يناسب المناسبة .
7 - إذا هنأك أحد بما لا يُبتدأ به التهنئة ، كنحو التهنئة بالسنة الهجرية ، فترد عليه ، لأن التهنئة من باب التحية ، وقد قال الله تعالى : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [ النساء : 86 ] .
8 - ما اعتاده الناس من التهاني التي أصلها الإباحة ، ولم يرد فيها دليل ، لا ينبغي المداومة عليه كالأذكار الشرعية .
 
مسألة : بطاقات التهنئة ، التي ترسل للمناسبات ، هي على الأصل ، إن كانت المناسبة مباحة فهي كذلك ؛ على أن يختار الألفاظ المكتوبة بما لا يخالف الشرع ، ولا يكون فيها مبالغة في المدح .
وأما ما يتعلق ببطاقات التهنئة للأعياد البدعية وأعياد الكفار ، فلا يحل استعمالها ، وعلى ذلك لا يحل بيعها ، ولا شراؤها ، لأن في ذلك الإعانة على المعصية ؛ قال ابن تيمية - رحمه الله : لا يُهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد ؛ لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم ... ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد ، من الطعام واللباس .. ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات[SUP] ( [1][/SUP] ) ... قال : فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم ، من الطعام ، واللباس ، والريحان .. ونحو ذلك ؛ أو إهداء ذلك لهم ، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ؛ وهو مبني على أصل ، وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنبًا أو عصيرًا يتخذونه خمرا ؛ وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحًا يقاتلون به مسلمًا[SUP] ( [2][/SUP] ) .

[1] - انظر ( اقتضاء الصراط ) ص 227 – طبعة السنة المحمدية .

[2] - انظر ( اقتضاء الصراط ) ص 229 – طبعة السنة المحمدية .
 
خاتمة
هذا ما يسره الله الكريم في تسطير هذه الأحكام الآداب المتعلقة بالتهاني ، وأساله سبحانه أن يتقبلها ، وأن ينفع بها ؛ وما كان فيها من صواب فبتوفيق الله وحده ، وله الحمد والمنة ، وما كان من تقصير فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه .
لكن قـدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
والله أسأل التوفيق والسداد ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
] رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ .. آمين ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وآله .
 
عودة
أعلى