غايات أفعال الله عز وجل في القرآن الكريم(1/4)

إنضم
19/07/2003
المشاركات
268
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد:

فإن مسألة غايات أفعال الله عز وجل من المسائل المهمة النافعة, ومعرفة العبد لها من العلوم الجامعة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (مسألة غايات أفعال الله ونهاية حكمته مسألة عظيمة لعلها أجل المسائل الإلهية) [منهاج السنة النبوية 3/39]

فحين يكون العبد على علم بهذه الغايات تنكشف للعبد أسرار الربوبية ومعانيها، فلا يحب إلا الله ولا يرجو سواه ولا يخاف إلا منه, ولا يتوكل إلا عليه, ولا يوقن إلا بوعده، ولا يدعو إلا إياه, ولا يراقب سواه, وهذا هو التأله الحق والتعبد لله سبحانه وتعالى, فيجب أن يكون المكلف على علم بها إذ هي من أسنى المقاصد و هي قطب رحى التوحيد ونظامه ومبدأ الدين المبين وختامه [من كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/89), وابن القيم في شفاء العليل (1/2)].

لأجل هذا حاولت أن أتلمس وأقتطف بعض هذه الغايات التي وردت في كتاب الله.
والغاية في اللغة: ما لأجله وجود الشيء [ التعريفات 1/51].

وقبل الحديث حول هذه الغايات أنبه لأمرين:
1. أن مثل هذا الموضوع ليس فيه نص محكم بل هو تلمس واجتهاد واستنباط من آيات كتاب الله.
2. لا يلزم أن تكون الغاية التي أذكرها من الفعل هي الغاية الوحيدة, ولكني أحسب أن تكون هي الغاية العظمى من كل فعل حسب نظري, وأسأل الله أن يجنبني الخطأ والزلل.

وحتى لا يطول الموضوع رأيت من المستحسن تقسيمه إلى أربع حلقات... فمع الحلقة الأولى:

غايات أفعال الله عز وجل في القرآن الكريم

1. غاية الله من خلق الخلق ... عبادته وحده لا شريك له.

والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذريات:56] ومن ذلك قول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الروم-30] فهي الشريعة التي وضع الله تعالى في قلوب الخلق الميل إليها والتوجه لإقامتها وهذه هي الفطرة [تيسير الكريم الرحمن. ص: 590].

ويقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [سورة المؤمنون-115] أي: مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل. [تفسير ابن كثير ( 3/346).]

ويقول الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي: ( إن الله تعالى خلق الخلق عبيدا ليعبدوه فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا ملوك في دار الإسلام وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أباق سقاط لئام وغدا أعداء في السجون بين أطباق النيران).[ الجامع لأحكام القرآن ( 12/140).]

ويقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف:172 , 173].

ويقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في معارج القبول:
أخرج فيما قد مضى من ظهر #####آدم ذريته كــالذر
وأخذ العهد عليـــهم أنــــــه ######لارب معبود بحق غيره

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المتقين وصلى الله وسلم على نبينا محمد
 
تقول أخي الكريم : بأن غاية الله من خلق الخلق هو عبادته وحده لا شريك له.

والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}

وكأنك تجعل اللام في قوله تعالى ( إلا ليعبدون ) هي موضع الدليل في الآية على الغاية من الخلق.

فكيف يستقيم المعنى أخي الكريم في قوله تعالى عن آل فرعون في سورة القصص : (فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)

هل يعقل أن تكون غاية آل فرعون من الالتقاط هي أن يكون لهم عدوا وحزنا؟!

هذا فضلا عن أن القول بأن أفعال الله سبحانه وتعالى كانت لغاية أو لغرض من أجلها فعلها الله سبحانه مخالف لما ذهب إليه جمهور أهل السنة من تنزيه أفعال الله سبحانه عن الغاية والغرض.

وأكرر سؤالي هل في القرآن الكريم مايدل على أن لأفعال الله سبحانه غاية أو غرضا؟
 
الحمد لله ، وبعد ..

قولك غفر الله لنا ولك : ( هذا فضلا عن أن القول بأن أفعال الله سبحانه وتعالى كانت لغاية أو لغرض من أجلها فعلها الله سبحانه مخالف لما ذهب إليه جمهور أهل السنة من تنزيه أفعال الله سبحانه عن الغاية والغرض )

من أين هذا ؟ هات برهان قولك عليه ؟

وأنا اطالبك أولاً : بالنظر في التفاسير كابن جرير ، وابن كثير والقرطبي وبن عاشور .

وسؤالك الثاني أجبنا عليه هناك .
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

أخي أبو لبابة: بالنسبة لمسألة (الغاية ) فإن المقصود من ذكرها في هذا الموضوع هو ما عبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنها : ( نهاية حكمة الله ) والله جلا وعلا متصف بالحكمة وله الحكمة البالغة جل وعلا.

وأنت تعلم حفظك الله أن مسألة الصفات المجملة, إذا ذكرت يُستَفصَل عنها فإن كان المقصود بها معنى صحيحا أقر المعنى الصحيح, وإن أُريد بها معنى باطلا رد هذا المعنى الباطل.

ولقد عبر العلماء في القديم والحديث بلفظ (الغاية ) في كلامهم, ولا أعلم من انتقدهم أو ردّ عليهم في إطلاق هذا اللفظ.
ومن هؤلاء ابن تيمية وابن القيم, والشيخ عبد الرحمن السعدي _ رحمهم الله-

يقول ابن القيم رحمه الله:
((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فالعبادة هي الغاية التي خلق لها الجن والإنس والخلائق كلها قال الله تعالى { أيحسب الإنسان أن يترك سدى} أي مهملا)) مدارج السالكين [ جزء 1 - صفحة 98 ]

ويقول رحمه الله:
((وقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فأخبر سبحانه أن الغاية المطلوبة من خلقه هي عبادته)) طريق الهجرتين [ جزء 1 - صفحة 364 ]

ويقول ابن تيمية رحمه الله:
وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له التي خلق الخلق لها كما قال تعالى [ 56 الذاريات ] : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه [ 59 الأعراف ] : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }))) العبودية [ جزء 1 - صفحة 3 ]



ويقول الشيخ السعدي رحمه الله:
((هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها وبعث جميع الرسل يدعون إليها وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عمن سواه وذلك يتضمن معرفته تعالى، فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله كلما ازداد العبد معرفة لربه كانت عبادته أكمل فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجلهفما خلقهم لحاجة منه إليهم)) [ تيسير الكريم الرحمن ص 813].

أما قولك: وكأنك تجعل اللام في قوله تعالى ( إلا ليعبدون ) هي موضع الدليل في الآية على الغاية من الخلق)

فالدليل على ذلك هذه الآية وغيرها مما ذكرته من الآيات, وما نقلته من كلام العلماء أعلاه في الاستدلال بالآيات على هذه الغاية, وقد أسهب الشنقيطي رحمه الله في الأضواء في ذكر الآيات التي تدل على أن الغاية من الخلق هي العبودية عند آية الذاريات.

و بالنسبة لـ (اللام) في (ليعبدون) فأحيلك إلى كلام الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان في كلامه على هذه الآية كذلك , والطاهر ابن عاشور في تفسيره عند هذه الآية أيضا.

أسأل الله تعالى أن يبصرنا ويحفظنا ويرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

كما أشكر لأخي أبي العالية مداخلته
 
عودة
أعلى