عُواء الذِّئب وفِقه الاستئناس

إنضم
15/04/2006
المشاركات
161
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الطائف / المنطقة المركزية
[FONT=&quot]مسجد حبر الأمة[/FONT]

[FONT=&quot]غرة رجب 1435هـ[/FONT]



[FONT=&quot]عُواء الذِّئب وفِقه الاستئناس [/FONT]

[FONT=&quot]البارحة تناقشت مع بعض المحبِّين في قول الله تعالى : " كُلَّما دخلت أمةٌ لعنت أختها " ( الأعراف :38 ) وسألني : هل يُستأنس لكل أحد؟ .[/FONT]

[FONT=&quot]فأجبته : أن هذه المسألة قضية حملية كما يقول المناطقة ، ليس لها جواب بعينه لا يتغير ، غير أن لهذا المعنى نظائر في الدنيا ،كقول الأحيمر السعدي ( ت: 170هـ ) وهو من مشاهير هوازن ، عفى الله تعالى عنه :[/FONT]
[FONT=&quot]عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى [/FONT]
[FONT=&quot]وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطيرُ[/FONT]
[FONT=&quot]يَرى اللَهُ إِنّي لِلأَنيسِ لَكارِهٌ [/FONT]
[FONT=&quot]وَتُبغِضُهُم لي مُقلَةٌ وَضَميرُ[/FONT]
[FONT=&quot]فَلِلَّيلِ إِن واراني اللَيلُ حكمُهُ [/FONT]
[FONT=&quot]وَلِلشَمسِ إِن غابَت عَلَيَّ نُذورُ[/FONT]
[FONT=&quot]وَإِنّي لَأستَحيي مِنَ اللَهِ أَن أُرى [/FONT]
[FONT=&quot]أُجَرِّرُ حَبلاً لَيسَ فيهِ بَعيرُ[/FONT]
[FONT=&quot]وَأَن أَسأَلَ المَرءَ اللَئيمَ بَعيرَهُ [/FONT]
[FONT=&quot]وَبَعرانُ رَبّي في البِلادِ كَثيرُ .[/FONT]


[FONT=&quot]وهي قصيدة فائقة وفيها من المعاني النفيسة والأدبية ما يحتمل صفحات كثيرة . فيا ليت بعض طلبة العلم يتنبهون لفوائدها ! [/FONT]


[FONT=&quot]قد يتعجب البعض من الميل لصوت الذِّئب والنفرة من صوت الإنسان ، وقد وقع هذا قديماً كحال الشاعر الذي كان مطاردا وغريبا ً،ويقع الآن في زمننا بين الأفراد والجماعات بل حتى بين الأقارب والأصهار.[/FONT]


[FONT=&quot]وأكثر ما يظهر حاله للمكلومين والمحرومين والمظلومين أو لغيرهم ممن ينجذب لهم . وهذا مشاهد اليوم في الشام والعراق واليمن وبورما وأفريقيا الوسطى ، نسأل الله العافية . لكن كما قال الإمام الفتوحي( ت: 972هـ) رحمه الله تعالى : " أكثر العمومات مخصوصة " ! .[/FONT]


[FONT=&quot]هناك أسباب كثيرة للاستئناس كالاحسان والعطف ولين الجانب والنجدة وتفريج الكربات الشخصية ونحوها من المعاني .[/FONT]
[FONT=&quot]وليس عكس هذه المعاني فحسب هو ما يضعف الاستئناس أو يُخفِّفه ، بل يزيد عليها العرف الفاسد الذي درج عليه المرء مع أهله أو بيئته أو أقرانه – مع نسيان تعديل الطبع - ككراهية الغريب أو البعيد ، أو الإمتعاض من أهل الدِّين ، وكالطمع فيما في يد الغير وعدم الرِّضا عن النفس ، أو مقت كل مستطاب عند الناس لمرض نفسي ، والغيرة من الأقران ونحوها من المعاني الرديفة . [/FONT]



[FONT=&quot]ولهذا من يتأمل قصة يوسف عليه السلام وخبره مع إخوته يجد في ثناياها من المعاني المتقدِّمة ما يناسب حالهم مع التسليم بتوبتهم وتصحيح مقصدهم .[/FONT]


[FONT=&quot]وكراهية الطبع لا إثم فيه إذا كان من ينقده لا يؤذي صاحبه ، لكن الواجب المداومة على الرفق واللين بتعديله إلى ما يوافق الوحي .[/FONT]


[FONT=&quot]وقصة المرأة الشهيرة لا تخفى على كل لبيب حين قالت :" زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر"، والمعنى : قليل من لحم جمل على قمة عالية، ومن الذي سيصعد [/FONT][FONT=&quot]ويجهد نفسه ويتسلق الجبل لأجل قليل من لحم غث ؟ فمقصدها أنه :" لا سهل [/FONT][FONT=&quot]فيرتقى ، ولا سمين فينتقى" أي: ليس جبلاً سهل المرتقى، فيمكن الصعود عليه لنأكل [/FONT][FONT=&quot]اللحم الذي عليه، وليت الجبل إذ هو وعر أن يكون هذا اللحم لحم ضأن مثلاً أو نحوه[/FONT][FONT=&quot]. [/FONT]
[FONT=&quot]وهي تريد بهذا أن تقول : إن الرجل جمع ما بين سوء الخلق وسوء المعشر، فأخلاقه سيئة [/FONT][FONT=&quot]جداً فلا يستأنس به ، لدرجة أنك إذا أردت أن ترضيه كأنك تتسلق جبلاً ! .[/FONT]


[FONT=&quot]وهناك بعض الناس هكذا، إذا [/FONT][FONT=&quot]أردت أن تُرضيه تبذل جهداً عظيماً حتى يرض عنك ، فأخلاقه وعرة كوعورة الجبل ! .[/FONT]
[FONT=&quot]لكن عند التربويين قد يكون ما تقدَّم ضرب من ضروب التهذيب والتأديب وشحذ الهمم ، كالتبسم عند الغضب والهجر الجميل والتدريب على تحمل الشدائد ، وقد يظنه بعض الناس قسوة أو تكبراً أو غروراً بالنفس كما يقع من بعض الجهال . وقد كان سمت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذا النحو ، لكنه على فطرة سليمة وصالحة ، من غير ظلمٍ لأحد .[/FONT]


[FONT=&quot]من الناحية الحكمية ضيق الأخلاق أو البلاد لا أثر له في الحكم الشرعي لأنه قد يكون أمراً نفسيًا أو أمرا كونياً ، فالعبرة بالعمل ومآل الفعل ،سواء كان في بلده أو في بلدٍ غريب عنه ، أو في مفازةٍ أو في بئرٍ . وقد قال الشاعر :[/FONT]


[FONT=&quot]لعمري ما ضاقت بلادٌ بأهلها [/FONT]
[FONT=&quot]ولكن أخلاق الرجال تضيق .[/FONT]


[FONT=&quot]فالراحة النفسية لا يجوز شرعاً قصرها على البلد أو الوطن، لأن الأرض لا تُقدِّس أحدًا إنما يُقدِّس الإنسان عمله، كما روي عن سلمان رضي الله عنه . [/FONT]
[FONT=&quot]أما الاستدلال بحديث : " إن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها " أخرجه مسلم ، على أن البلد يؤنس صاحبه فهو بعيد ، لأن المقصود أن الفساد يعم كل البلاد في آخر الزمان حتى يعود الإيمان إلى المدينة كما بدأ منها ، فكل إنسان مرهون بعمله لا ببلده .[/FONT]


[FONT=&quot]ولهذا تظافرت النصوص والسِّير على هذا الفقه الذي ضعف اليوم في واقعنا بسبب نعمة التقنية التي اغترَّ بها الناس وبسبب الغفلة عن نور الإيمان .[/FONT]


[FONT=&quot]وقد جاء في المرفوع : " ليِنوا بأيدي إخوانكم " أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ، و" المؤمن كالجمل الأنف حيثما قِيد انقاد " أخرجه ابن ماجة بإسناد صحيح . والنصوص في ذم البداوة التي تُفسد الأخلاق لا تخفى على ذي بصيرة . فالحمد لله على نعمة الإسلام .[/FONT]


[FONT=&quot]ومن لطائف ابن قدامة (ت: 620هـ )رحمه الله تعالى الفقيه المربِّي : أنه كان لا يناظر أحداً إلا وهو يبتسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيخ يقتل خصمه بتبسمه .[/FONT]


[FONT=&quot]فيُفهم مما تقدَّم وجوب الإستئناس للمؤمنين مهما كانت منازلهم وأحوالهم ، وقد قال جرير البجلي رضي الله عنه : " ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي " أخرجه البخاري .[/FONT]


[FONT=&quot]والمقصود أن الاستئناس قد ينمو بين النظير ونظيره ، وقد يضعف أو ينعدم فيكون بالضدِّ من ذلك على حسب الحال ، وقد تقرر عند الأصوليين أن من لوازم الامتثال للأمر المطلق تحصيل المعين ، لكن كما قيل :[/FONT]
[FONT=&quot]لكل شيٍ آفةٌ من جِنسه [/FONT]
[FONT=&quot]حتى الحديد سطى عليه المِبرد ! [/FONT]
[FONT=&quot]هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .[/FONT]

[FONT=&quot]أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي[/FONT]
[FONT=&quot]عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية

( منقول )[/FONT]
 
قول جميل ونقل أمين
ومن متعة المتابعة وجدتُ لي تعليقَيْن :
الأول : في قول الشاعر :
يَــرى اللَهُ إِنّــي لِلأَنـيـسِ لَكـارِهٌ
وَتُـبـغِـضُـهُـم لي مُـقـلَةٌ وَضَـمـيـرُ
( يرى اللهُ ) في معنى القسم لذلك كُسِرت همزة إنّ بعدها ، وهذا من العربية الجيدة .

الثاني : قوله في آخر بيت ( وبَعْرانُ )
جاء هكذا ضبطه
وصحة الضبط أن تكون الباء بالضم أو بالكسر - جمع بعير - والكسر حكاه الفراء ولعله رواية أيضا لهذا الشعر وهي رواية عالية .

وعذرا للمداخلة اللغوية فقد سقتها لإنماء الموضوع .
 
عودة
أعلى