أحسَن الله إليكَ يا قُرَّة العينِ على هذه العيادة النافعة وطبيبِها الحاذقِ , وأنا أعرفُ شخصياً من أدمَن سماع هذه المحاضرة لأكثر من نيفٍ وعشرينَ مرةً ولم يملَّ منها.
والحقيقة أنَّ الحديثَ عن حُظوظِ النَّفس وخدمتِها على حساب العلمِ والدِّين والنَّصيحة وغير ذلك من الأقنعة التي نُغلِّفُ بها انفعالاتنا وأقوالَنا وتصرُّفاتِنا حديثٌ مُزعجٌ لأنَّهُ يمسُّ الحقيقةَ ويحكُّ مكامنَ الدَّاء , والمريضُ إذا مُسَّ منهُ موضعُ دائه انتفضَ بلا شُعور كراهةً للألم , ومثل هذه المحاضرات الفاتشة عن غوائل الأنفس وبواطن مكايدها لا يستسيغه إلا ذو حظ عظيم.
ومن هداية القرآن للتي هي أقومُ في باب طوايا النَّفس ومُخبَّآتِها إشارته إلى أنَّ الله تعالى أثنى على نفسه بمعرفة هذه السَّرائر المخبوءةِ فقال عن يوسف عليه السلام المضمر للخير { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } , وقال عن المرضَى المضمرين الشَّرَّ { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين } وكم لنا من نوايا وطَوايا نُسرُّها ولا نُبدِيها ولكنَّ الله عالمُها سبحانه وتعالى , وقد قال عز وجل في معرض التَّهديد والوعيد والتخويف { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ }.