قال بن كثير رحمه الله تعالى:
"وقوله : ( فأراد أن يستفزهم من الأرض ) أي يخليهم منها ويزيلهم عنها ( فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ) وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن السورة نزلت قبل الهجرة ، وكذلك وقع ؛ فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها ، كما قال تعالى : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ) [ الإسراء : 76 ، 77 ] ؛ ولهذا أورث الله رسوله مكة ، فدخلها عنوة على أشهر القولين ، وقهر أهلها ، ثم أطلقهم حلما وكرما ، كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها ، وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم ، كما قال : ( كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 59 ] وقال هاهنا ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) أي : جميعكم أنتم وعدوكم ."
وقال الرازي رحمه الله :
"(ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) ( فاطر : 43 ) أراد فرعون أن يخرج موسى من أرض مصر لتخلص له تلك البلاد ، والله تعالى أهلك فرعون وجعل ملك مصر خالصة لموسى ولقومه ، وقال لبني إسرائيل : اسكنوا الأرض خالصة لكم خالية من عدوكم قال تعالى : ( فإذا جاء وعد الآخرة ) يريد القيامة ( جئنا بكم لفيفا ) من ههنا وههنا ، واللفيف الجمع العظيم من أخلاط شتى من الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف ، وكل شيء خلطته بشيء آخر فقد لففته."